ينظر أستاذ العلوم السياسية أحمد لشهب للنتائج النهائية التي أصدرها المجلس الدستوري بكونها تحدث لأول مرة من خلال إعادة النظر في توزيع 18 مقعدا، وهو ما يعني أن المشهد السياسي القادم سيتشكل من الأحزاب التي احتلت مراتب وراء الأفلان على منوال الأرندي، الأفافاس وحزب العمال. اليوم بعد أن أعلن المجلس الدستوري عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية، ما هي القراءة التي يمكن القيام بها؟ في الحقيقة هناك العديد من النقاط التي يمكن استخلاصها بعد إعلان المجلس الدستوري عن النتائج النهائية للتشريعيات، ويمكن إيجازها فيما يلي: 1 لعل النقطة الأولى التي تثير الإهتمام هي التقهقر والتراجع الشعبي للحركة الإسلامية، حيث أنها مجتمعة لم تتحصل على أكثر من 60 مقعدا، وبالتالي لم تساو حتى ما حصل عليه الأرندي الذي يوصف بأنه الحزب الذي ولدته الأزمة التي عاشتها الجزائر أو حزب الإدارة. 2 النتيجة الثانية هي أن إجراء العملية الإنتخابية قد تمت بطريقة حضارية جدا بالرغم من المقاطعة الكبيرة التي هي في حد ذاتها تعبير حضاري، لأن الرفض تم بطريقة سلمية، وهذا الأمر علينا التنويه به، حيث لم نلاحظ مظاهر العنف في كل الدوائر الإنتخابية. 3 أما النتيجة الثالثة فتكمن في أننا انتقلنا من الحزب الأحادي إلى المرحلة الإنتقالية التي عرفت عدة أزمات إلى مرحلة الحزب المهيمن وهذا ربما ما يشكل خطرا على العمل السياسي الديمقراطي والأفلان اليوم هو المهيمن لأنه جمع بين تحالف ثلاث قوى، هي القوى السياسية ممثلة في الأفلان، القوى البيروقراطية والتكنوقراطية ممثلة في الإدارة والقوى الثالثة وهي الجيش الذي يبقى المحرك. تمخضت المراقبة الدستورية للإنتخابات عن إعادة توزيع 18مقعدا على الأحزاب، هل هذا يدعم فرضية التزوير وكثرة الأخطاء؟ في الحقيقة يصعب إصدار حكم على هذه النتائج الجديدة التي تمخضت عن عملية المراقبة الدستورية للإنتخابات ويمكن استنتاج موقفين منها. 1 أننا نكون قريبين جدا من موقف الأحزاب الخاسرة في الإنتخابات والتي أصدرت موقفا متأثرا بخسارتها، والذي اتهم العملية الإنتخابية بالتزوير، لأنه لو ذهبت قوى معينة مثل حزب العمال، الأفافاس والأرندي والأحرار إلى إصدار نفس الحكم من الإنتخابات، لكنا جانبنا موقف المشككين في نزاهة الإنتخابات، ونحن اليوم نقول لماذا لم يذهب الحزب التاريخي المعارض للسلطة (الأفافاس) إلى اتهام الإنتخابات بالتزوير، في حين ذهب أزلام النظام للإحتجاج على النتائج ومحاولة إثارة البلبلة. 2 الموقف الثاني يكمن في أننا لأول مرة نلاحظ هذه القرارات من المجلس الدستوري، وربما قد تكون هناك أخطاء وقعت في العملية الإنتخابية وهذا الأمر يعبر عن جانب إيجابي في الرقابة الدستورية بالجزائر، باعتباره لأول مرة يحدث، ونحن نثمّن المجلس الدستوري على هذا العمل وندعو إلى منحه استقلالية أكثر حتى نكون بصدد دولة مؤسسة وليست دولة السلطة، فقرار المجلس الدستوري نزع 13 مقعدا للأفلان، ومنحها لحزب العمال والأفافاس يوحي لنا بملامح قواعد لعبة سياسية ومؤشرات تكوين مشهد سياسي بقواعد جديدة ولاعبين جدد، بالإضافة طبعا إلى اللاعبين القدامى الكلاسيكيين، وهؤلاء اللاعبون هم الأفلان، الأرندي، الأفافاس وحزب العمال. لقد طالبت حركة حمس رئيس الجمهورية بإعفائها من الحكومة، ماذا تقرأ في موقفها؟ بالنسبة لحركة حمس أعتقد أن الشوط الأول من المقابلة قد خسرته ولا يمكن لها أن تعاود الظهور مجددا، وعليها أن تكون رياضية وتتقبل الهزيمة وتحضّر نفسها لمقابلات العودة. لكن هل تتوقع أن تعرف الحكومة القادمة حضور وزراء حمس الذين قد يتمردون على حركتهم؟ لا أتوقع أن يكون هناك تمرد من وزراء حمس لأنها تضم شخصيات لها تكوينها وقناعاتها وتملك مستقبلا سياسيا، ومن المفروض ألا تلعب به، وفي المقابل أعتقد أن الحكومة القادمة ستكون وطنية تكنوقراطية حتى يتفادى الأفلان تحمّل المسؤولية لوحده في معالجة القضايا المطروحة، كونها (الأفلان) تملك خبرة ميدانية كبيرة. وماذا عن تداعيات وخلفيات البرلمان الشعبي الموازي الذي لوحت له بعض الأحزاب الغاضبة؟ ببساطة أقول أن ما ذهبت إليه هذه الأحزاب يعد خرقا للدستور ويمس بوحدة الدولة ووحدة الإرادة الشعبية، وبالتالي بوحدة السيادة، وهذا يعتبر سلوكا خطيرا ولست أدري هل الفاعلون يدركون جيدا خطورة موقفهم أو تراهم يهددون فقط، إن السيادة وحدة واحدة لا تتجزأ وسلطتها مطلقة لا تتجزأ وهذا من مبادئ القانون الدستوري، لأن الشعب ينتخب ممثليه في البرلمان لأنه مصدر السيادة، وبالتالي فالسلطة التشريعية تتميز بهالة السيادة، وإذا لجأنا إلى تكوين برلمانيين، فهذا يعني أننا قسمنا السلطة التشريعية والأمة، وهذا موقف، كما قلت، خطير يجب الإنتباه له سواء من طرف الحكام أو المحكومين، اللهم إذا كان هؤلاء لجأوا إلى المناورة ليس إلا.