أفرزت نتائج الانتخابات التشريعية عن مفاجآت من العيار الثقيل ليس ببقاء حزب جبهة التحرير الوطني القوة السياسية الأولى ولكن من حيث عدد المقاعد التي حصل عليها والتي بلغت 220 مقعدا متفوّقا بفارق كبير عن حليفه التجمع الوطني الديمقراطي الذي حاز على 68 مقعدا، فيما كان «تكتل الجزائر الخضراء» أكبر الخاسرين رفقة جبهة العدالة والتنمية ومعهما جبهة التغيير. أظهرت النتائج الأولية المؤقتة للانتخابات التشريعية التي أعلن عنها وزير الداخلية والجماعات المحلية أمس في ندوة صحفية، اكتساحا كبيرا لجبهة التحرير الوطني للتمثيل في المجلس الشعبي الوطني المقبل مما يترجم عودة قوية للحزب العتيد الذي حصد 220 مقعدا من أصل 462 مقعدا، واللافت أن «الأفلان» بقي بعيدا ب 12 مقعدا فقط ليحصل على الأغلبية المطلقة التي تُغنيه نهائيا عن البحث عن تحالفات مع أحزاب أخرى رغم أن شريكه في الائتلاف الرئاسي «الأرندي» جاء ثانيا ب 68 مقعدا. ومن خلال الأرقام التي قدّمها الوزير «دحو ولد قابلية»، في انتظار التصديق عليها من طرف المجلس الدستوري في غضون عشرة أيام على الأكثر، فإن جبهة التحرير الوطني حافظت على ريادتها بفارق شاسع عن أقرب الملاحقين، بل إن النتائج التي حققتها فاقت حتى توقعات القيادة الحالية التي كانت إلى وقت قريب تراهن على ما لا يقل عن 150 مقعدا، ويمثل هذا الرقم إنجازا كبيرا يُحسب للأمين العام «عبد العزيز بلخادم» الذي بنى مصيره على رأس الحزب بهذه النتائج. وحقق «الأفلان» نتائج معتبرة جدا وهو الذي كان حصل وفق النتائج الرسمية لتشريعيات 2007 على 136 مقعدا فقط، وبهذا يكون «بلخادم» قد حصّن نفسه وأثبت بأن خياراته لقوائم المترشحين كانت صائبة وأتت بثمارها في نهاية المطاف مما يُضعف من موقف خصومه المطالبين برحيله. ومقابل ذلك سجّل التجمع الوطني الديقمراطي تراجعا نسبيا رغم أنها تحسّن بواقع خمسة مقاعد مقارنة مع 2007، وبالتالي بقي القوة السياسية الثانية في البلاد ما يعني أن الخريطة السياسية سوف لن تعرف أية تغييرات باستثناء احتمال عودة «بلخادم» إلى رئاسة الجهاز التنفيذي مكان «أحمد أويحيى». وفسّر وزير الداخلية بقاء «الأفلان» القوة الأولى بأن الجزائريين كانوا حذرين كثيرا من اختيار أحزاب جديدة غير تلك التي اعتادوا عليها، معتبرا أن الشعب اختار «تصويت النجدة» أو «تصويت اللجوء»، نافيا وجود أية عمليات تزوير مثلما تحاول بعض التيارات تأكيده. لكن البارز في النتائج المعلن عنها هو أن تكهنات قادة ما يسمى ب «تكتل الجزائر الخضراء» ذهبت أدراج الرياح خاصة وأن زعيم «حمس»، أبو جرة سلطاني»، قال قبل أيام إنه بصدد التشاور لتشكيل حكومة يكون «عمر غول على رأسها». وقد صدقت التوقعات التي استبعدت حصول هذا التحالف المشكل من «حمس» مع حركتي «النهضة» و«الإصلاح» على أكثر من 50 مقعدا، إذ أن التكتل المذكور لم يحصل سوى على 48 مقعدا وهو رقم أقل ب 3 مقاعد عن تلك التي حصلت عليها حركة مجتمع السلم لوحدها في تشريعيات 2007، وهو ما يترك الانطباع بأن مصير هذا التحالف يبقى مجهولا أمام ما يعتبره الكثير ب «الضربة القاضية» التي تلقاها لاسيما وأن التحليلات ربطت هذا الفشل ب «العقاب» ضد مشاركة «حمس» في السلطة لأكثر من عقد من الزمن. والمؤكد في كل الأحوال أن جبهة العدالة والتنمية التي يرأسها «عبد الله جاب الله» كانت هي الأخرى من أبرز الخاسرين في هذا الاقتراع لأن المراقبين رشحوا هذه التشكيلة السياسية الجديدة لأن تحلّ ثالثة في الترتيب على الأقل، لكن هو ما لم يحدث باعتبار أن الجبهة نالت نتيجة ضعيفة جدّا وهي 7 مقاعد، فيما كان نصيب جبهة التغيير التي يقودها «عبد المجيد مناصرة» 4 مقاعد فقط، وبالتالي فإن التيار الإسلامي لم يتمكن من حصد سوى أقل من 60 مقعدا باجتماع الأحزاب الأربعة المشكلة له، وتحديدا 59 مقعدا. وإجمالا فإن «الأفافاس» أزاح حزب العمال من المركز الرابع عندما تمكن من الفوز ب 21 مقعدا، أي زيادة بمقعدين اثنين مقارنة مع نتيجته في تشريعيات 1997، ويبقى هذا الرقم إنجازا بالنسبة لحزب «حسين آيت أحمد» بعد سنوات طويلة من المقاطعة، فيما توقف رصيد حزب «لويزة حنون» عند 20 مقعدا متراجعا بذلك عن نتيجة التشريعيات السابقة مثلما هو الحال بالنسبة للجبهة الوطنية الجزائرية التي تقهقرت إلى 9 مقاعد، كما هو الشأن أيضا للقوائم الحرة التي حصدت 19 مقعدا فقط، في حين نالت الحركة الشعبية الجزائرية لرئيسها «عمارة بن يونس» 6 مقاعد.