لم تعد ظاهرة عمالة الأطفال في الجزائر تشكل الاستثناء بعد أن تحوّلت إلى مظهر يملأ الشوارع والأسواق، كما أنها لم تعد تقتصر على فئة معينة بعد أن اختار الآلاف من الأطفال ثوب العمال متجاهلين مقاسه الذي لا يناسبهم.. بغض النظر عن الأسباب التي تصب جميعها في قالب تحسين ظروف المعيشة وتحصيل فرنكات زائدة لشراء متطلبات يعجز الوالد عن جلبها، الكثير من الأطفال وجدوا في العمل ملاذا للهروب من سيطرة الوالدين بغض النظر عن وضعهما المادي وولوج عالم الشغل لجمع ما يقضي حاجتهم ويلبي رغباتهم التي تضاعفت بشكل كبير في السنوات الأخيرة تماشيا وتطورات العصر والرغبة في التغيير. إسلام تلميذ في الطور المتوسط، التقته ''الجزائر نيوز'' على مستوى سوق حي الدقسي وهو يبيع المواد الغذائية ''أن أسرق أو أعتدي على الأشخاص هو العيب، أما أن أعمل لكسب المال هو شيء إيجابي في نظري وأرى فيه مؤشر عن شخصية رجل قادر على تحمّل مسؤوليته مستقبلا''. وفي الصدد ذاته، أضاف شقيقه الذي يكبره ب 13 سنة ''أخي لا يعمل لأنه في حاجة للمال، لكن هكذا تربينا في عائلتنا كل واحد يعوّل على روحو منذ الصغر والحمد لله هذه الطريقة خرجتنا رجال قادرين على تحمّل المسؤولية ونجبوا قوت يومنا أين ما كان''. وإذا كان من سبق وتحدثنا إليه قد اختار العمل لتكوين شخصيته، فإن رياض طفل في ال 12 من عمره التقيناه أيضا وهو يبيع ''الخطفة'' التي تستعمل في صنع البوراك قال ''أنا أعمل لأني بحاجة للمال، فأبي متقاعد وما يتقاضاه لا يكفي لسد متطلبات أسرتنا، وما أحصله يوميا من عملي أخصص مبلغ منه لشراء أشياء تحتاجها أمي، بينما أدخر النصف الآخر لشراء لباس العيد والمستلزمات المدرسية''. هذا، وقد عرفت عمالة الأطفال ارتفاعا كبيرا خلال شهر رمضان، حيث لم يعد يخلو أي سوق بقسنطينة من أطفال يزاحمون الكبار على البيع واستدراج الزبائن، ومن بين من التقيناهم أيضا عبد الرزاق، طفل في ال 14 من عمره كان بصدد بيع الحشائش ''أنا أحب التجارة، لذلك قررت مع بداية العطلة الصيفية أن أصنع طاولة لبيع الحشائش وما جمعته من مال لحد الآن يكفيني لشراء ما أريده من ألبسة للدخول المدرسي، كما أني أريد شراء هاتف نقال ماركة، لذلك أنا أعمل، وفي الحقيقة أنا لست بحاجة للمال لأن أبي يعمل وأمي كذلك، لكن أردت الاعتماد على نفسي''. أما محمد الذي كان برفقته فقال ''أبي منعني من العمل بالرغم من أني أريد ذلك ليس طمعا في المال، لأن والداي لا يبخلان عليّ بشيء، لكن لكي أكون رجلا يعتمد على نفسه، لذلك فأنا أساعد صديقي فقط.