فيما ينعم المحظوظون من الأطفال بعطلة صيفية جميلة بين أحضان الغابات و الحدائق وعلى شواطئ البحر،يظل الكثير من أقرانهم محرومين من هذه المتعة إلا أن الظروف اضطرتهم لدخول عالم الشغل أثناء العطل المدرسية وعلى وجه التحديد خلال العطلة الصيفية. لم تعد صورة أطفال يملؤون الأسواق لمزاحمة الباعة الكبار تبعث على الغرابة، لأنه ببساطة الظاهرة خرجت عن صمتها وأصبحت حديث كل أفراد المجتمع بمن فيهم المسؤولون، فالجميع يتحدث عنها وينتقدها والجميع يحلم باليوم الذي يستمتع فيه الطفل الجزائري بطفولته. وتعود تلك الصورة الجميلة التي يظهر فيها الطفل الجزائري يحمل محفظة بدل قفة لبيع خبز الطاجين. فيما ينعم المحظوظون من الأطفال بعطلة صيفية جميلة بين أحضان الغابات والحدائق وعلى شواطئ البحر، يظل الكثير من أترابهم محرومين من هذه المتعة لا لشيء يل لأنهم أقحموا أنفسهم في عالم الشغل على مدار أيام السنة سيما أثناء العطل المدرسية وعلى وجه التحديد خلال العطلة الصيفية. وبينما كنا في السنوات الفارطة نصادفهم على مستوى الأسواق ، ها نحن نراهم في السنتين الأخيرتين على مستوى محطات الحافلات قابعين و بجانبهم صندوق قارورات الماء البارد عساهم يبيعونها ويكسبون ما يمكنهم من مساعدة أهاليهم . "أبيع الماء في الصيف لأوفر مصاريف الدخول المدرسي" على مستوى محطة بومعطي بالحراش التقينا بالطفل "عمر" و أمامه صندوقه المليء بقارورات الماء، تقربنا من الطفل عمر وطلبنا منه أن ندردش معه ، لم يرفض طلبنا وإنما اشترط منا أن نكتب اسمه دون لقبه، وأخبرنا عمر بقصته مع العمل " أنا أبيع قارورات الماء إلا في العطل الصيفية لأنها مكسبة ولأنني أبيع بسعر معقول لا تتجاوز القارورة ال20 دج " مضيفا " دخولي عالم العمل كان أمرا اختياريا، فقد تركت مقاعد الدراسة لأني كنت ضعيفا في الدراسة ففكرت أن أساعد أمي وأبي على إعالة أسرتنا المتكونة من 7 أفراد، والحقيقية لم يرفض لا أبي ولا أمي. سألناه وهل أنت نادم على تركك للدراسة؟ طأطأ عمر رأسه ثم رفعه قائلا " في الحقيقة أحيانا أشعر بالندم وأحايين أخرى لا أبالي أجد المتعة في بيع خبز الطاجين خلال شهر رمضان و الماء البارد في العطلة الصيفية"، عاودنا سؤاله متى تشعر بالندم، يرد علينا " أشعر بالندم والغيرة من أترابي عند كل دخول مدرسي، فلما أراهم بالمآزر الجديدة وبالمحافظ متوجهين الى المدرسة ، يختلجني شعورا بالندم والغيرة وأتمنى لو أكون واحدا منهم وأزاول دراستي مثلهم " ولكن كيف تركت المدرسة ؟ يرد عمر " لقد تركت المدرسة بمحض إرادتي، حيث لم أجتز امتحان الابتدائي مرتين ورغم أن المدرسة أعطتني فرصة ثالثة لكني رفضت لأني لم أرغب في مزاولة الدراسة مع أطفال أصغر مني "ووالدتك لماذا لم ينصحاك باستكمال مشوار دراستك و تجريب حظك الثالث؟ يضحك عمر ثم يقول " أمي لا تهمها دراستي بقدر ما يهمها الدخل المادي الذي أعطيها إياه كل مساء، لأن والدي معوق ولا يعمل لذا وجدتني البديل المناسب لإعالة عائلتنا". غير بعيد عن عمر لمحنا طفلا قابعا هو الآخر على كرسي وأمامه قارورات الماء البارد اقتربنا منه وألقينا عليه التحية فرد علينا أنفسنا بأننا صحفيون ونريد أن نحدثه فلم يرفض على أنه كما فعل الطفل عمر ، وقال لنا " أنا أدرس في قسم الأولى متوسط وأعمل أثناء العطل وأوقات الفراغ" سألناه، وهل أنت مجبر على العمل؟ رد علينا: " نعم أنا مجبر فنحن عائلة فقيرة وراتب أبي لا يكفي لتغطية احتياجاتنا، في البداية كنت أخجل من أصدقائي وأبكي بكاء شديدا إذا ما رأوني وقد طلبت من أمي أن تعفيني من العمل لكنها رفضت وحثتني بالتحلي بالشجاعة لأني لا أقترف جرما أو عملا حراما وفعلا أخذت بنصيحة أمي ولم تعد تهمني نظرات وكلمات زملائي الذين لطالما وجهوها لي من باب السخرية ". سألناه" إذا ما خيروك بين العمل والمدرسة، ماذا ستختار؟" قال لنا ياسين "طبعا سأختار الدراسة هي من توفر لي العمل عندما أكبر" ليخلص بالقول " أبيع الماء في الصيف لأوفر مصاريف الدخول المدرسي". بيع قارورات الماء تجارة مربحة نفس المشهد لاحظناه على مستوى محطة الحافلات لساحة الشهداء هناك أيضا صادفنا الأطفال الباعة بكثرة، يبيعون كأقرانهم قارورات الماء تقدمنا من أحدهم وهو الطفل" عصام" عمره كما أخبرنا لا يتعدى الحادية عشرة ، تلميذ مجتهد وطفل مطيع ومؤدب، خرج لمزاحمة الباعة الكبار حتى يساعد والدته في إعالة أسرته المتكونة من خمسة أفراد " وأخبرنا عصام " أبي متوفى والدخل الذي تقبضه أمي كل شهر لا يكفي لسد رمق أسرة متكونة من خمسة أفراد لذا فكرت هذه السنة أن أساعدها فاقترحت عليها أن أعمل مثل باقي أترابي خلال هذه العطلة الصيفية والحقيقة في البداية رفضت مخافة أن أترك دراستي، غير أني أقنعتها عندما وعدتها أني لن أترك المدرسة وسأحافظ على مرتبتي الأولى، و أني سأعمل إلا في العطل وأوقات الفراغ " مضيفا " أنا أعمل ليعيش إخوتي ".