نلاحظ في معظم أرجاء الوطن في محطات الحافلات أو في الأسواق أو المحلات التجارية أول ما يلفت الانتباه هو أطفال لم تتجاوز أعمارهم 15 سنة، يطاردون الرزق لإعالة أسرهم، يختارون بضاعة ما أو أي عمل يقتاتون منه، فمنهم من يبيع أكياسا بلاستيكية ومنهم من ينصب طاولة سجائر أو الفول السوداني، وتختلف المهن، المهم الحصول على المصروف اليومي لمساعدة عائلاتهم المعوزة، هذه الفئة التي حرمت من حقها في الطفولة في اللعب والترفيه، ودفعتهم الظروف والحاجة للاسترزاق، والملاحظة أنهم يكثرون في فصل الصيف وتراهم يلاحقونك حتى على الشواطئ، ويصرون على أن تقبل اقتناء بضاعتهم، وما أن تنظر إلى عيونهم البريئة حتى تقول نعم حتى لو لم تكن بحاجة إليها، حاولنا التقرب منهم ضمن هذا التحقيق فوجدنا ظروفهم متقاربة لكن الإجابات تختلف. طلاق والداي سبب شقائي الطفل رضا التقيناه في محطة تيبازة وهو ينتقل من حافلة لأخرى لبيع البيض و(الكسكروت) سألناه عن اختياره للعمل، وهذه المهنة تحديدا، فأجاب (أنا عمري 15 سنة انقطعت عن الدراسة لأنني تلميذ فاشل والخلافات اليومية بين أمي وأبي منعتني من التركيز، إهمالهم لي زاد في خيبتي أكثر، لذا أصبحت على الهامش، يجيب بسرعة لأنني أقيم عند جدتي بعد طلاقهما)، قال هذه الكلمة وملامحه تحمل الكثير من المعاناة، وربما الشقاوة أيضا من خلال نبرات صوته فالزمن فرض عليه هذه الظروف القاسية والتي حتمت عليه أن يعمل في هذه السن لجلب قوت يومه، وأضاف إنني أشتغل فترة الصيف والشتاء، وأعود بالغلة إلى جدتي، أما والدي فكأنه تخلص مني بعد طلاقه من أمي، أما هي فقد تزوجت وصارت تعيش حياة أخرى جديدة، ولا أحد منهما مبال كيف أعيش على الهامش، والشيء الذي يحز في نفسي أكثر هو أن جدتي كبيرة في السن وبعد موتها ما هو مصيري وماذا أفعل؟ قلة الشي ترشي أما محمد رفيق البالغ من العمر 13 سنة، من جهته عبر لنا عن الظروف التي دفعته للعمل في هذه السن وحيرنا بحديثه الرجالي، وحين سألناه عن المدرسة قال (أنا لازلت أزاول دراستي وأنا تلميذ نجيب أيضا لكن الظروف الصعبة التي أعيشها رفقة إخوتي هي التي دفعتني للعمل في أوقات فراغي خاصة في العطلة، لأن أبي متوف فأردت مساعدة أمي التي تشتغل بدورها لجلب لقمة العيش، فهي خادمة في إحدى البيوت وراتبها لايكفي، ولأن إخوتي أربعة وأنا خامسهم، ففي نهاية كل أسبوع أذهب لمحلات الجملة لجلب كمية معينة من الحلوى والشكولاطة بسعر وأعيد بيعها بزيادة ثلاثة دنانير، وكل هذا من أجل الوقوف مع والدتي المسكينة حتى أستطيع الخروج من قوقعة المعيشة المزرية، وصدقت المقولة (قلة الشي ترشي وتنوض من وسط الغاشي). أما الطفل يزيد التقيناه وهو أمام طاولة لبيع السجائر، وتحدثنا إليه فقال (أنا أدرس بالسنة الثامنة وأشتغل منذ سنوات في بيع السجائر وفي أوقات الفراغ ولا أعمل للحاجة، بل هي هواية، في صغري كنت أحس بميل كبير للتجارة جعلتني لا أنقطع، فأنا عوض أن أذهب للعب أو مخالطة الأطفال أشتغل عندما أعود من المدرسة، رغم أن والدي رفض عملي ولم يقتنع بما أصنع، لكن لم أستطع العدول عن فكرتي وأحس بسعادة تامة عند عودتي للبيت بمصروفي خاصة في العطلة سأكون متحررا ومتفرغا للعمل، سألناه عن المبلغ الذي يتقاضاه يوميا من هذه العملية فابتسم وقال لنا إنه محترم، وحسب الوقت الذي أشتغله، أما الآن كما قلت لكم سأكون متحررا وستكون الحصة معتبرة إن شاء الله. زوجة أبي دفعتني للعمل الطفلة شهيناز التقيناها في إحدى أسواق العاصمة، شقراء تبلغ من العمر 13 سنة تبيع المحاجب سألناها عن اختيارها لهذا العمل، فأجابت زوجة أبي من تحضر لي وتبعثني لأبيع لجلب مصروفي، فسألناها هل أبوك راض، قاطعتني قبل السؤال أبي مشلول الرجلين منذ سنة ونصف إثر إصابته بمرض وأمي متوفية، أشتغل بالبيت وأخرج للعمل في الخارج تحدثت معنا وبكل معاناة سألناها: هل أنت راضية جوابها كان (بالسيف عليا) وليس باليد حيلة وهذه الكلمة تعبر عن حالها والمعاناة التي تعيشها. الطفل أيمن بائع الحشيش والبقدونس والنعناع التقيناه في سوق الأبيار تقربنا منه للاستفسار عن سبب عمله، فقال يجب أن أعمل لجلب مصروفي وأساعد أمي لأن أبي متوف منذ عامين وخرجت من المدرسة بسبب الظروف القاهرة التي كانت عائقا في وجهي لمواصلة دراستي، لأنني أحيانا لا أجد ثمن الأدوات المدرسية حتى سئمت الوضع، فكرهت المدرسة ومشاكلها وأنا أبلغ من العمر 15 سنة، أشتغل بائع حشيش، فالظروف التي دفعتني للعمل أكثر هو معاناة أمي وصرت أعمل أي شيء من أجلها، المهم النقود لإعالة إخوتي وهو مسؤولون مني. وأخيرا هذه عينات عن هؤلاء الأطفال الذين نراهم يوميا يقومون بمختلف المهن، والظروف هي التي حتمت عليهم تحمل مسؤوليات عائلات بأكملها، وفرض عليهم الواقع ألا يعيشوا ما يعيشه الأطفال في مثل سنهم، ولم يخصصوا أوقات فراغهم للعب والمراجعة بل للبيع والشراء بسبب الحاجة، وما يزيد الأمور تعقيدا هو المخاطرة خصوصا صنف الأطفال من ذكور وإناث الذين يبيعون الخبز على حافة الطرق السريعة، فهو الموت أحيانا أو الاغتصاب في حالات أخرى، المهم تعددت الأسباب والظروف والهدف مشترك هو كسب لقمة العيش والاسترزاق.