في هذا الحوار تكتشفون «الزلمة» أحمد الأفندي أحد الشخصيات المحورية التي تقود المشهد السوري بالجزائر وتكتشفون في تصريحاته كافة التفاصيل والأسرار والحقائق والإشاعات التي تميز ملف اللاجئين السوريين بالجزائر.. أحمد الأفندي أنت سوري ناشط حقوقي بالجزائر، وتعمل على ملف اللاجئين السوريين منذ اندلاع أحداث العنف في سوريا، وسربت أخبار بالجزائر أن أعداد اللاجئين السوريين تتراوح ما بين 12 و25 ألف، هل هذا صحيح؟ لا أحد يملك مصدرا حقيقيا لتحديد هذا الرقم، أعتقد أن هذه الأرقام مبالغ فيها كثيرا، فنحن نراقب ونحصي حسب إمكانياتنا وصول السوريين إلى الجزائر منذ مارس 2011 عن طريق لجنة دعم الشعب السوري، فنحن منظمين نستقبل شعبنا بشكل سلس، فهناك عائلات سورية مقيمة بالجزائر منذ عشرات السنوات، تفتح بيوتها أمام الوافدين الجدد في إطار التضامن مع الشعب ضد النظام الذي يرتكب أبشع المجازر ضد الإنسانية. أما تفسير هذا التوافد السوري على أرض الجزائر، فيرجع إلى ما يعرف عن شعب هذا البلد من كرم الضيافة وروح التضامن ولعلاقاته المتميزة مع الشعب السوري، زد على ذلك أنه لا توجد بين الجزائر وسوريا تأشيرة دخول. وبكم تقدرون اللاجئين السوريين، إذن؟ لا يتجاوز 4 آلاف لاجئ في أسوأ الحالات، مقابل ذلك هناك وعي تام بين المقيمين السوريين، نخبتهم وعامتهم، احتواء الظاهرة تضامنا بيننا على قدر المستطاع، وهذا لا يمنع ألمنا من الصور السيئة التي صنعها البعض استغلالا للأوضاع، ونؤكد أنهم قلة. لكن وزير الداخلية مصدر رسمي وأكد بالأمس للإعلام وجود 12 ألف سوري؟ والله لست أدري من أين جاء بهذه الأرقام، فالسلطات الجزائرية قالت أيضا إنها فتحت مخيم سيدي فرج لهؤلاء لكن عندما ذهبنا للمخيم لم نر أفرادا يزيد عددهم عن بضع عشرات، لكن للأمانة منهم من غادر المخيم لانعدام أبسط الشروط المعيشية. فهذه الأرقام -للأسف- هي الأخرى مبالغ فيها. أنت مقيم بالجزائر منذ الستينيات، كم يبلغ في اعتقادك عدد الجالية السورية بالجزائر دون احتساب اللاجئين، وأنتم مطلعون جيدا على شؤون جاليتكم؟ هم فئتان، جالية سورية جاءت إلى الجزائر في إطار البعثات التعليمية مطلع الستينيات واكتسبوا بعد سنوات طويلة الجنسية الجزائرية، والفئة الأخرى جاءت كتجار ومهنيين وحرفيين استقروا بالجزائر بعدما أتيحت لهم فرصة الحصول على سجلات تجارية في مختلف القطاعات، وعددهم يتراوح ما بين ألفين و3 آلاف سوري كأقصى حد. الملاحظ بعد اندلاع الأحداث العنيفة في سوريا ولجوء البعض إلى الجزائر، ظهرت تنظيمات وشخصيات عديدة تصرح باسم الجالية السورية، بينما يُفترض في مثل هذه الحالات أن تكون هيئة أو لجنة أو ممثلية واحدة تتحدث بصوت واحد حتى لا تكثر الإشاعات والأقاويل؟ في بداية الثورة، بادر إخوان سوريون مقيمون بالجزائر بتشكيل لجنة لدعم الشعب السوري، ولهذه اللجنة مهام اجتماعية وإعلامية، لكن بعد مدة من النشاط ظهرت رغبات في الاستئثار بالظهور الإعلامي وتمثيل الجالية، وهذه ظاهرة، مع الأسف، تتمثل في مجموعات برزت في كل الثورات العربية تحب أن تدلي بدلوها في الإعلام، لكننا كسوريون بالجزائر متفقون على شيء واحد وهو دعم أهلنا في الداخل لإسقاط النظام المتجبر الذي يبطش بشعبنا ويدمره ويخرب أملاكه. هناك اليوم حصار للمدن والقرى وقطع الماء والكهرباء ثم قصف وذبح بالسكاكين... نعم هذا ما نشاهده على الفضائيات ويعرفه كل العالم، لكن أريد أن أبقى معك في موضوع اللاجئين لوضعهم الخاص بالجزائر؟ هناك صور تضامنية بين السوريين المقيمين وحاملي الجنسية الجزائرية مع إخوانهم اللاجئين، وأؤكد أن العائلات السورية تستقبل عددا من هؤلاء إلى غاية أن يجعل الله لهم مخرجا، لكن لا ننكر وجود بعض المظاهر السلبية التي تسيء، كالمتسولين، فهؤلاء من الغجر يجوبون كل أصقاع العالم وليس الجزائر فقط قبل الثورة وليس بعدها، هدفهم جمع الأموال بمثل هذه الممارسات، يستغلون أوضاع أفراد الشعب السوري اللاجئين الحقيقيين والثورة التي هجّرتهم، لكسب المال بهذا الشكل، لكن السوري الحر تأبى كرامته أن تجعله يمد يده. تلك الشريحة من الغجر تعطي انطباعا سيئا، وتسيء لصورة السوريين الحقيقيين أمام دول أخرى، فيتيحون الفرصة بأنفسهم لاستعمالهم كفزاعة تنذر بالويل لكل من يحاول المطالبة بالحرية، فيقال عنهم إنهم في الشتات والتشرد بلا أرض ولا وطن، ويراد بذلك للشعوب أن تصمت وتخضع وتلعق أحذية الحكام مهما كانوا فاسدين. جرى حديث عن وجود سوري أعلن استعداده للتكفل بألفي لاجئ سوري بالجزائر، هل هذا صحيح؟ نعم صحيح، إنه سوري حامل للجنسية الجزائرية مقيم منذ عشرات السنوات، وكان قد أعلن ذلك خلال اجتماع لبعض أفراد الجالية بعدما كنا قد تناولنا مسألة التسول والمظاهر المسيئة، أنا لا أريد أن أذكره بالاسم لأنه فاعل خير ميسور الحال أوسع الله له في رزقه بالجزائر. وهناك إخوان آخرين يتعاونون بصمت ودون أضواء، وجمعنا أموال من السوريين المقيمين بالجزائر ونقوم بذلك أسبوعيا تقريبا، لمعالجة قضايا متصلة بالوضع الراهن. فمثلا كان لدينا ملف طلبة انشقوا عن إتحاد الطلبة السوريين وشكلوا إتحاد الطلبة الأحرار جاءوا من ولايات مختلفة، لقي أحدهم مصرعه، في حادث مرور خلال رحلته إلى العاصمة، فتكلفنا بجمع الأموال لنقل جثمانه ودفنه بمسقط رأسه، ومثل هذه الحالات حالات أخرى كثيرة تستدعي التبرعات، وكنا نحاول تغطية مصاريفها، ولما استفحل اللجوء بادرت تنظيمات وجمعيات وأحزاب بعد زيارة بعض أعضاء المجلس الوطني الانتقالي السوري، بمساعدة المتضررين من أحداث الثورة. كم هو عدد العائلات السورية حاليا في مراكز اللاجئين وضعتها السلطات الجزائرية تحت تصرفها؟ ليس هناك جهة أمكننا أن نستشف منها أرقاما دقيقة. وماذا عن مخيم سيدي فرج؟ عندما سمعنا بتجميع بعض العائلات تنقل البعض منا لمعاينة أوضاعهم وتفاجأنا بعددهم القليل، إذ لا يتجاوز 20 عائلة. لكن جاءتنا أخبار بأن هناك من يرفض البقاء في المركز رغم وجودهم تحت حماية رسمية وضمان للأكل والشرب، لماذا؟ تحرينا في هذه المسألة فقالوا لنا إن شروط الحياة هناك صعبة، فأنتم تعرفون درجات الحرارة التي تضرب الجزائر، ولكم أن تتخيلوا وجود عائلات برمتها داخل شاليهات قد تتجاوز درجات الحرارة بداخلها مستويات عالية، وغادرت العائلات المركز لأنهم لاحظوا بأن معاملاتهم من طرف عامة الجزائريين بالساحات العمومية أرحم بمكوثهم في المراكز. هل اعترفت رسميا السلطات الجزائرية بهؤلاء اللاجئين كما تمليه القوانين الدولية، كإحصاء دقيق ومنح بطاقات اللاجئين والتحضير لدخول اجتماعي بتوفير التعليم والصحة؟ لا وجود لأي إجراء إدراي أو رسمي من هذا القبيل، أو اعتراف بهم كلاجئين، السلطات الجزائرية تتعامل معهم وكأنها أمام أمر واقع وظاهرة يجب حلها، فعندما ترى عدد كبير من اللاجئين بالساحات في بور سعيد أو ساحة الشهداء تعاملت معهم إنسانيا في إطار حل فوري، دون الالتفات إلى باقي الإجراءات التي ينص عليها القانون الدولي بخصوص اللاجئين. حمد الأفندي، أنت رجل قانون ومحامي وتعلم أن القوانين الدولية تفرض معاملات خاصة وفق شروط وإجراءات مكتوبة في المواثيق، كتسجيلات وتصريحات رسمية، هل لديكم معلومات بأن شيئا من هذا القبيل قد حدث أو سيحدث؟ كما سبق وقلت إن السلطات تعاملت مع اللاجئين بمنطق المتفاجئ الذي لم يحسب هذا الحساب، وربما ذلك يعود إلى اعتقاد السلطات بأن بُعد المسافة وضرورة توفير الإمكانيات المادية قد يحول ولجوء كل هذا العدد إلى الجزائر. ولم يتم الاعتراف بهم كلاجئين رغم أننا منذ قرابة العام، قمنا بالاتصال باللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان التي يرأسها فاروق قسنطيني لإحاطته علما بالأوضاع، منها ملفات سوريين تجاوزوا مدة إقامتهم القانونية المتمثلة في ثلاثة أشهر، حسب القانون الجزائري، وكان قد أبلغ هذا الأخير مصالح رئاسة الجمهورية بعد أن طلب منا إعداد قائمة باسم السوريين الذين يعتبرون في وضع غير شرعي من حيث الإقامة، وهذا ما فعلناه ولكن ننتظر إجابة منذ عام. هناك من يعتبر أنه من الصعب أن تنطبق على السوريين الذين اضطرتهم أحوالهم للقدوم إلى الجزائر، صفة اللاجئين، فهم يرفضون البقاء في المراكز، لا يطلبون ملبسا ومأكلا ومشربا، ومقابل ذلك يطلبون من المحسنين أموالا منهم من يجهر بأنه سيساعد بها أهله في سوريا، كما أمكنهم أن يأتوا إلى الجزائر عبر الطائرات وبتكاليف معتبرة، وهذا ما قد يصعب وصفهم بأنهم لاجئون، ألا تحول هذه المعطيات وإرادتكم في افتكاك اعتراف رسمي بكون هؤلاء لاجئين وليسوا بصفة أخرى؟ ليس كل هؤلاء يرفضون المأكل والملبس والمشرب، وأتفق معك إذا قلت إن هناك منهم شريحة تقوم بما تفضّلت، وهذه الشريحة هدفها التسول وجمع الأموال، ويتصورون أنهم سينجحون في ذلك، لكن أغلب السوريين أرغموا على اللجوء قسرا، وهناك مثل جزائري شائع يقول «ما يحس بالجمرة غير اللي عافس عليها». بمناسبة ذكرك اللجوء القسري، هناك أنباء من مصادر موثوقة تتحدث عن وجود جهات في المطارات السورية تقوم بتوجيه السوريين وتعمل عمدا على إرسالهم إلى الجزائر، هل سمعتم بخبر من هذا القبيل؟ هذه من الوقائع التي لا يسعنا تكذيبها أو تأكيدها. تعودنا من النظام السوري أن يصدر أزماته إلى دول الجوار ودول عربية أخرى ليعطي صور سيئة عن اللاجئين، وربما يختار عينة للذين يأتون باسم المتسولين يدفعها للعمل على صناعة أسوأ صور الجالية. بما أنكم لم تفلحوا إلى حد الآن في اعتراف رسمي من السلطات باللاجئين كما تمليه المواثيق الدولية، هل تتواصلون مع الممثلية الأممية للاجئين بالجزائر أو منظمات حقوقية أخرى لتحقيق هذا المسعى؟ في هذا الباب نشكر الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لسعيها إلى المساعدة، لكن اللاجئون يجهلون حاليا القوانين التي تسمح لهم بذلك وضرورة الحفاظ على حقوقهم كفئة من هذا النوع، فالمنظمات تحتاج إلى تصريحات رسمية من اللاجئين، فأغلبهم من الفلاحين، ومع الرابطة اهتدينا إلى طريقة تدفع باللاجئين إلى تسجيل أنفسهم والتصريح بذلك أمام منظمات حقوقية دولية مختصة، وبالتالي يصبحون لاجئون رسميون حسب المواثيق الدولية، انطلاقا من منظمة اللجوء التابعة للأمم المتحدةبالجزائر، حيث سيمنحون بطاقات ستعترف بها السلطات الجزائرية التي كانت قد وقّعت على معاهدات اللاجئين الدولية. فهناك علاقة وتنسيق بين المفوضية الأممية للاجئين ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان لكي يُضمن هذا الحق، كما يحصل مع الأفارقة أو أجناس أخرى، ولكي لا يتم ترحيلهم إلى سوريا بعد ثلاثة أشهر كما تنص عليه القوانين الجزائرية المتعلقة بإقامة الأجانب. هل توجد متاعب قضائية أو متابعات أمنية في حق اللاجئين السوريين الجدد بالجزائر إلى حد الآن؟ * إلى حد الساعة علمنا بوجود حالتين توبعتا بتهمة التزوير واستعمال المزور بعد أن أوهمتهم وكالات سياحية تركية بأنها علقت على جوازات سفرهم تأشيرات دول أوربية، ولدى دخولهم لمطار الجزائر الدولي بطلب من تلك الوكالات تفاجأوا بأنها مزوّرة، لكن العدالة الجزائرية برّأتهم وهي مشكورة، كون هؤلاء كانوا ضحية نصب واحتيال من طرف الأتراك. لكن المشكلة الأكبر اليوم هي وثائق المقيمين السوريين وتجديدها التي ترفض السفارة بالجزائر منحهم إياها وتحرمهم منها رغم رفع الشكوى إلى السلطات الجزائرية، فالسفارة تتعامل مع السوريين بالجزائر بأسلوب مخابراتي، تحجز جوازاتهم وتمنعهم من حقوقهم منهم تجار وطلبة، وسبق لهؤلاء أن احتجوا وطلبوا مقابلة السفير، لكن للأسف حتى الآن لم ترد وثائقهم بحجة أنها أرسلت إلى سوريا وأن عليهم الانتظار. ماذا تقرأون في موقف الخارجية الجزائرية من هذا الملف؟ نحن نرجو أن تتحرك السلطات الجزائرية لوضع حد لهذه الطرق والأساليب، وإذا لم تسو وضعيات اللاجئين والمقيمين حاليا نحن أمام كارثة إنسانية حقيقية، ففي السعودية والولايات المتحدةالأمريكية والأردن قد سمحت لهم بتمديد مدة إقاماتهم، واسمح لي أن أنقل عبركم خيبة الشعب السوري في القرار العربي داخل الأممالمتحدة، حيث امتنعت الجزائر عن التصويت لصالحه، وهي التي كانت تحضّر لمؤتمرات دولية لأصدقاء الشعب السوري، وهنا علامة استفهام كبيرة، لا يفهمها السوريون وخيّبت أملهم، فالحكومات ستزول أما الشعوب فباقية.