العودة إلى الحرب أهون علينا من الإهانات ''كلنا سوريون.. ولجأنا بشكل مؤقت وسنعود، ونرفض أن نقيم في سيدي فرج لأن الظروف غير إنسانية''.. بهذه العبارات تنطق أغلب العائلات السورية التي اتخذت من حديقة بورسعيد بالعاصمة، مكانا لالتقائهم بعد ''الهروب'' من ضيق غرف الفنادق التي يقيمون فيها منذ دخولهم الجزائر. والتف حولهم الكثير من المحسنين خصوصا الناشطون على الفايسبوك، حيث تقدم لهم وجبات الإفطار وبرمجة عمليات ختان لأطفالهم ليلة القدر. لم تهضم العائلات السورية النازحة إلى الجزائر الطريقة التي تعاطت بها عدة جهات مع قضيتهم، خصوصا من تنسيقية الجالية السورية بالجزائري التي وصفتهم بالغجر، واختيار وزارة التضامن مخيم الهلال الأحمر الجزائري بسيدي فرج مقرا لإقامتهم، مؤكدين بأنهم أجروا غرفا في الفنادق المجاورة لساحة بورسعيد قبالة المسرح الوطني محي الدين بشطارزي. تواجد ''الخبر'' مع العائلات في الساحة التي صارت ''عنوان السوريين في الجزائر''، تزامن مع عودة العائلات من مركز سيدي فرج الذي يتكفل الهلال الأحمر الجزائري بتحضيره خصيصا لهم. يقول محمد السوري القادم من حلب غاضبا ''لماذا يقول عنا عضو تنسيقية الجالية السورية بالجزائر أبو الضاد سالم السالم بأننا غجر ومتسولون؟''. وتابع ''نحن كلنا سوريين ولا تمييز بيننا، انظر هل يكتب في جواز السفر السوري بأن هذا كردي والآخر غجري؟ إنه يسيء إلينا كثيرا''. ويرى المتحدث وهو أب لأربعة أطفال ''أنا هنا في الجزائر منذ 3 أشهر، ويستوجب الأمر علي أن أغادر بسبب انتهاء فترة الإقامة، ونحن أجرنا غرفا في الفنادق بالتعاون مع عدد من المحسنين في الجزائر''. أما زاهر فيقول ''عددنا حوالي 20 عائلة فقط هنا في قلب العاصمة، وما يقال عنا تحول إلى ما يشبه العنصرية، ونحن سوريون ووجودنا هنا في الجزائر مؤقت، وليس لنا أغراض أو مطامع''. ثم أضاف، كما أن ''الشعب الجزائري طيب وكريم ويساعدنا، ولا فرق بيننننا لأننا كلنا مواطنون سوريون، ويضيف المتحدث القادم من محافظة حمص ''ما دامت الجالية السورية في الجزائر لا تريد أن نشوه صورتها، فلماذا لا يساعدوننا هم وأغلبهم من التجار وميسوري الحال''. أما عمر من محافظة إدلب فيقول ''أنا هنا من يومين، وقدمت عبر مطار دمشق على متن الخطوط السورية، وسنعود إلى بلدنا بعد أن تنتهي الأزمة''. السفارة السورية في الجزائر هددتنا بالترحيل ويقر أغلب القابعين من السوريين في حديقة بورسعيد، بأن الأزمة في سوريا واستمرار عمليات القصف والقتل هو ما دفعهم للنزوح إلى الجزائر، مع العودة الأكيدة بعد انتهاء فترة إقامتهم القانونية هنا، أو بعد انتهاء الأزمة التي طالت حسبهم. ويقول محمد ردا على سؤال لنا حول ظروفهم في سوريا مع استمرار تدهور الوضع ''الأزمة في سوريا بدأت الآن ونحن هربنا خوفا من الموت''. ويضيف ''الأمر صعب لأن القصف يستمر مع انتشار الجيش في عدة مناطق''. ويشير إلى أن هروبهم كان من المعارك التي تدور رحاها بين الجيش السوري والمعارضة ليل نهار. ويروي السوريون في بورسعيد بأن ''موظفا من السفارة السورية في الجزائر تقدم إلينا مؤخرا وهددنا بالترحيل في حال الاستمرار في التسول في الأسواق والمساجد لأن ذلك يسيء للدولة السورية بأكملها''. واستغل ولا يزال عدد كبير من السوريين في الجزائر الأزمة من أجل مد يدهم والتسول في مختلف الأماكن العامة والمساجد، ويجتمع أغلبهم في حديقة بورسعيد التي أصبحت مركزا لالتقائهم. والسائل عن أي سوري يعثر عليه هناك، وهو الأمر الذي دفع بشباب الفايسبوك إلى التضامن معهم، من خلال مدهم بالإعانات. وهناك التقينا عددا منهم أوضحوا بأنه ''لا يمكن أن نترك إخواننا السوريين وفي شهر الصيام من دون إعانة''. ويقول ''مهدي'' متسائلا ''لولا مساعداتنا نحن مع عدد من فاعلي الخير لما تمكنوا من الإفطار ودفع مستحقات الإقامة في الفنادق''. ومع تواجد هؤلاء هناك، رفض عدد من السوريين أن يستمر فاعلو الخير من الشباب بأن يجلبوا لهم الأكل في ساحة بورسعيد كل مساء من أجل الإفطار، بعد أن ''تشوهت صورتهم'' بسبب حالات التسلل التي كتبت عنها الصحافة. ومع هذا، تحضر مجموعة من شباب الفايسبوك من ''ناس الخير الجزائر المتطوعين'' لتنظيم عملية ختان جماعي لأطفال العائلات الفقيرة من الجزائريين، مع إدراج عدد من الأطفال السوريين معهم، حسبما أكد الناطق الرسمي باسم هؤلاء الناشطين بدر الدين. ''لا علاقة لنا بجمع التبرعات للثوار'' وتجمع أغلب العائلات السورية على أن ''منع جلب وإحضار الإعانة لهم من اليوم فصاعدا، جاء بعد أن أخذ الملف أبعادا تسيء إليهم''. ويرى عامر من دمشق ''منعنا جلب الأكل، وقررنا أن نفطر في المطاعم ونشتري الأكل بمالنا، لأننا لسنا بحاجة للحكومة والشعب الجزائري، إذا ما استمرت إهانتنا بهذا الشكل من طرف تنسيقية السوريين بالجزائر''. ويستغربون ''لقد اتهمونا بالتسول فلو ضبطوا أحد بتهمة التسول فليسجنوه وينتهي الأمر، ولا يجب أن تلصق بنا التهمة جميعا، فنحن عندما تقدم لنا الإعانة المالية من فاعلي الخير لا يمكننا أن نرفضها''. ويضيف ''العودة إلى الحرب في سوريا أهون علينا من الإهانات''. ويعتبر أغلب هؤلاء بأنهم ليسوا لا مع نظام بشار الأسد ولا مع الثوار، بل جاؤوا بحثا عن الأمان لا غير. ومع هذا يعتبر السوريون بأن الرسالة التي يمكن أن يوجهونها للسلطات الجزائرية أن توفر لهم الحماية، خصوصا وأن ''الشعب الجزائري عظيم وكريم، ولم نر منه إلا الخير''. ومع أن الحكومة الجزائرية فتحت لهم مركزا في سيدي فرج للإقامة هناك، إلا أنهم رفضوا التوجه إليه. ويقول عامر مستغربا ''نحن نقيم في فنادق مقبولة، وسعر الغرفة يتراوح ما بين 3500 و1500 دينار، ولا يمكننا أن نتوجه إلى مخيم في غابة بعيدة عن وسط المدينة''. وينفي أغلب السوريين الذين تحدثت ''الخبر'' إليهم، أن تكون لهم أي علاقة مع الثوار، من خلال جمع التبرعات والتسول لأجل تمويلهم في حربهم ضد النظام السوري. وأوضحت أمال قائلة ''نحن نطلب الصدقة لشراء حليب الأطفال ونحن هنا هربا من الحرب لا لتمويل أي جهة كانت، ثم كيف سننقل هذه الأموال إلى الثوار''. رفض الإقامة مع عمال ''ناتكوم'' مع إقرار كل من وزارة الداخلية ووزارة التضامن الوطني إجراءات التكفل باللاجئين السوريين، توجهنا في اليوم الموالي إلى المخيم التابع للهلال الأحمر الجزائري في سيدي فرج بالقرب من شاطئ موريتي. كانت الساعة تشير إلى الثانية ظهرا عندما اقتربنا من المخيم، الذي تبين فيما بعد بأنه محل إقامة عمال شركة النظافة والتطهير ''نات كوم''، كانت لافتة الهلال الأحمر الجزائري تعلو البوابة الحديدية، بينما كانت العربات الخاصة بتحضير وجبة إفطار عمال النظافة تقوم بنقل الطعام. سألنا أحد العاملين في المخيم عن اللاجئين السوريين فأجاب ''لا يوجد أحد هنا، لقد جاؤوا ثم غادروا المكان''. هناك كان عدد من أعوان النظافة وعائلاتهم يقومون بغسل ثيابهم في العراء تحت حرارة الطقس العالية. توغلنا بعدها من أجل معاينة الغرف التي سيقيم فيها السوريون والتي لم تعجبهم أصلا، وكانت الشاليهات المصطفة في الغابة متقابلة. دخلنا أحد الشاليهات وكانت الصدمة كبيرة، خصوصا وأن رائحة الرطوبة تقطع الأنفاس في تلك ''الأقفاص''. وبينما كان المصور يلتقط صورا للمكان، لمحنا أحد الأشخاص يخرج من ''الشالي'' الأخير في تلك الغابة التي يتوسطها ملعب. اقتربنا منه وتبين بأنه أحد اللاجئين السوريين الذي كان رفقة عائلته، وهم لوحدهم في المخيم. ويقول فهد من منطقة الزاهرة الجديدةدمشق ''لقد أعلمنا الهلال الأحمر الجزائري بإمكانية نقلنا إلى المركز، ونحن هنا الآن، لكن الظروف غير ملائمة، فالمراحيض جماعية، وأنا لا يمكنني أن أرافق ابنتي في كل مرة تريد فيها قضاء حاجتها خوفا من أن يتهجم عليها كلب متشرد''. وأضاف ''أنا في الجزائر منذ أول رمضان بعد أن بتنا في العراء في بورسعيد، بسبب حجز كل غرف الفنادق من طرف اللاجئين السوريين، واليوم نحن هنا''. وأضاف ''لقد هربنا من سوريا بعد قصف المنطقة وما كان بالإمكان أن نظل هناك''. فهد أب لثلاثة أطفال، لكنه لم يتمكن من جلب سوى اثنين منهم، ورفضت زوجته أن تظهر في الصور، بسبب مشاكل قد تواجهها مع عائلتها في سوريا، ويعتبر أن ''الشاليهات لا تتوفر إلا على أسرّة، ونحن نريد على الأقل أن توفر لنا إمكانيات أحسن، حيث وعدونا بخطة جديدة لتمكيننا من إقامة أحسن''. وأضاف ''أنا أشكر الرئيس بوتفليقة لأن ليس لنا غيره اليوم''، وعن رفض الكثير من العائلات المجيء يقول فهد بأن ''هؤلاء يرغبون في المكوث في الفنادق لكن المال الذي بحوزتهم لا يمكنهم من الإقامة طويلا هناك، فأنا مثلا جلبت معي 6 ملايين سنتيم ولم يبق معي اليوم إلا مبلغ بسيط''. ويحلم ابنا فهد وهما أكرم 13 عاما، وهبة 15 عاما، بأن تتحسن الأوضاع في سوريا من أجل العودة، وقالا ''لم يخطر ببالنا يوما أن نأتي إلى الجزائر ونبيت في العراء''. ومع سؤالنا حول ما الذي تم تحضيره في مطبخ المركز، سألنا أحد الطباخين فأجابنا ''لم نحضر للسوريين أي وجبة خاصة، لكن إن أرادوا أن يأكلوا معنا الشوربة فليتفضلوا''. ومع اقتراب موعد الإفطار يبدو المركز أشبه بالمكان المهجور، ما عدا تواجد عدد من عمال النظافة منتشرين في المطعم لتناول الوجبة، وتقترب العائلة منهم لتحصل على وجبتها أيضا. من جهته، أوضح عضو تنسيقية الجالية السورية بالجزائر أبو الضاد سالم السالم أن ''90 بالمائة من السوريين المتواجدين في ساحة بورسعيد من المتسولين، وليس كل السوريين المتواجدين في الجزائر من يتسولون''. واستغرب رفض العائلات التنقل إلى مركز سيدي فرج، رغم توفير ما يلزم لهم من ظروف إقامة، في انتظار أن تأخذ السلطات الجزائرية الإجراءات اللازمة بعد إحصاء أعداد هؤلاء. ومع استمرار الأزمة في سوريا وتزايد عدد اللاجئين نحو الجزائر، لم يعد بالإمكان الانتظار أكثر لاتخاذ الإجراءات اللازمة من الحكومة، خصوصا وأن مركز سيدي فرج لا يتسع سوى لحوالي 10 عائلات فقط، فما بالك بمئات العائلات المتواجدة فقط على مستوى الجزائر العاصمة وولايات أخرى كالجلفة والمدية مثلا.