اعتبر الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية محمود حمدي أبو القاسم، أن فشل المظاهرات التي نظمت لإسقاط حكم الإخوان في مصر في الرابع والعشرين من أوت الجاري، كانت نتيجة لانسحاب المؤسسة العسكرية المصرية من الحياة السياسية، وذلك بعد حل الرئيس محمد مرسي المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإحالة قادته للمعاش.وكشف أبو القاسم في حواره مع “الجزائر نيوز" بالقاهرة، أن هدف هذه المظاهرات كانت تهيئة الأرضية والمبررات لقيام انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب، الذي استبق الإجراء من خلال انقلاب مدني أقال خلاله رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ونائبه، مما وضع الداعين في معزل عن القوة التي كانوا يعتمدون عليها في حراكهم. كيف تقرأ المشهد السياسي المصري بعد مظاهرات الرابع والعشرين من أوت التي وصفت ب “الفاشلة" غالبا لغياب الإقبال الجماهيري، والتي رفعت شعارات مناهضة “أخونة الدولة" وسيطرة الحزب الحاكم على مفاصلها؟ الدعوة لمظاهرات الرابع والعشرين من أوت، كان قد تم إطلاقها مبكرا وقبل القرارات التي اتخذها الرئيس محمد مرسي، حيال إقالة وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي ونائبه سامي عنان وحل المجلس العسكري، وإيقاف العمل بالإعلان الدستوري المكمل الذي كان يمنح المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلطة التشريع، وتقاسم بعض الصلاحيات مع الرئيس المنتخب، وبالتالي فإن الجهات الداعية في الأصل كانت تعتمد كما بدا واضحا، على دعم المجلس العسكري أو تعول على دوره، من خلال حالة عدم الاستقرار التي خلقتها في يومي 24 و25 أوت، مما يوفر للعسكر الغطاء السياسي للتدخل والانقلاب على الرئيس المنتخب ديمقراطيا، إلا أن القرارات المفاجئة التي اتخذتها الرئاسة، مثلت انقلابا مدنيا استباقيا على مشروع الانقلاب العسكري، ووضعت هؤلاء الداعين في حجمهم الحقيقي الذي بدوا عليه ضعيفين وغير قادرين على الحشد والإقناع في ظل انسحاب القوة الرئيسية التي كانوا يعولون عليها. لكن فشل هذه المظاهرات يعني إعطاء المزيد من الفرص لجماعة الإخوان وحزبها السياسي للإنقضاض على السلطة، فالرئيس الآن يحتفظ بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، ما يجعله مشروع ديكتاتور جديد، والجماعة قد تمض في “أخونة الدولة" بوضع أكثر راحة؟ صحيح أن الرئيس يحتفظ بالسلطتين بعد حل المجلس والإعلان الدستوري، لكن ذلك عائد إلى طبيعة التشريع الدستوري في غياب مجلس شعب منتخب، وقد أكد الرئيس أنه لن يستخدم التشريع إلا في نطاق محدود، ومتقن، بما لا يخالف تعهداته، ولا أعتقد أن الظرف السياسي الحالي بمصر، يسمح بإنتاج ديكتاتور جديد، مهما كانت الأسباب، فالقوى السياسية واعية لهذه المسألة والمزاج الشعبي ثائر ومراقب للأوضاع عن كثب، كما أن تجربة الثورة حصنت مصر من ديكتاتوريات جديدة، مهما كان شكلها أو مضمونها. ولا أعتقد أن لدى حزب الإخوان رغبة في الاستفراد بالحكم أو تغيير طبيعته، وقد تأكد ذلك في التشكيل الحكومي الذي لم يضم إلا خمسة وزراء من الحزب الحاكم، وبقية التشكيل من التكنوقراط، وذلك بالرغم من تمتعهم بأغلبية 40٪ في المجلس المحل. وأعتقد أن الإخوان مدركون جيدا، خطورة هذه المرحلة، ولا يرغبون في تحمل العبىء وحدهم، سيما وأنهم أمام إستحقاق انتخابي جديد، بعد شهرين من أنجاز الدستور لإنتخاب مجلس تشريعي جديد بعد حل المجلس السابق بقرار قضائي. كما تلعب القوى الثورية دورا أساسيا في مناهضة أي تغيير لمدنية الدولة، وهناك أحزاب جديدة بدأت تنشط في الساحة كحزب الدستور برئاسة الدكتور محمد البرادعي، وحزب مصر القوية برئاسة المرشح السابق عبد المنعم أبو الفتوح، وهناك حركات سياسية مؤثرة كحركة السادس من أفريل، وغيرها من الحركات الثورية التي تراقب الوضع وتساهم في صنع السياسة في مصر. هناك أيضا مخاوف حقيقية حول حرية التعبير والرأي في ظل حكم الإخوان، وكذلك ترشيحهم لمحافظين من الجماعة خلال الفترة القادمة؟ هذه المخاوف لا بد أن تترجم كفعل سياسي، وهذا ما يحدث الآن في الواقع المصري، وقد لاحظتم أن أول تشريع قام به مرسي منذ احتفاظه بالسلطة التشريعية، هو إلغاء حبس الصحفيين في قضايا النشر، وذلك تحقيقا لتعهداته بحماية حرية الصحافة والتعبير، ذلك بالرغم من صدور أحكام بشأن رئيس تحرير جريدة الدستور، وهو قانون ضامن لحرية الصحافة والرأي. أما بالنسبة للمحافظين، فبالفعل اقترح حزب الحرية والعدالة عدة ترشيحات من أعضائه وهذا طبيعي خاصة وأن الإخوان هم القوة السياسية الأولى في البلاد، ومن حقهم أن يساهموا بقدر انتشارهم وقوتهم على الأرض. وعلى القوى السياسية الأخرى أن تسعى من أجل تفعيل دورها على المستوى المؤسساتي، من تكوين أحزاب مدنية قوية، وتطور وسائل اتصالها بالجماهير لخلق معارضة حقيقية وقوية تواجه الإخوان في الانتخابات البرلمانية القادمة، وهذا هو الحل الوحيد لضمان مدنية الدولة والانتقال الديمقراطي السلس، بجانب تعهدات الإخوان. هناك من يرى أيضا أن فشل ما سمي بثورة الرابع والعشرين من أوت، قد أضعف موقف المعارضة أمام الإخوان الذين بدوا أنهم من حقق الفوز في هذا الاستحقاق السياسي؟ في إعتقادي أن الإخوان في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الأخيرة، فقدوا حوالي 5 مليون مصوت، لصالح مرشحين يمثلون قوى أخرى، مغايرة للنظام، وبالتالي فشعبية الإخوان تراجعت خلال ثلاثة أشهر بشكل كبير، وهذا عائد لمواقفهم السياسية في البرلمان ولإنحيازهم لخيارات المجلس العسكري، على حساب القوى الثورية، وبالتالي فإن المطلوب في هذا الشأن هو تقوية وتفعيل دور المعارضة المدنية، في تحالف انتخابي واحد خلال الاستحقاقات التشريعية القادمة لمواجهة الإخوان في هذا الظرف التاريخي الذي أتاح للمقترع المصري، الاختيار بين البرامج بعد أن صوت في المرة الأولى بشكل تعاطفي مع الإخوان. وبالتالي أمام المعارضة فرصة حقيقية لإعادة تشكيل الخارطة السياسية بشكل جديد. هناك تصريحات للمرشد السابق للإخوان مهدي عاكف، تحدث فيها عن إمكانية تشكيل حكومة إخوانية 100٪ في حال حصول الإخوان على أغلبية البرلمان القادم؟ شخصيا، لا أعتقد أن ذلك يعبر عن مشروع الإخوان فهم كما ذكرت يتخوفون من تحمل المسؤولية وحدهم في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها مصر، وعموما هناك تراجع في شعبيتهم، وكذلك شعبية حزب النور السلفي، الذي فقد الكثير من المتعاطفين معه نتيجة تصرفات بعض نوابه التي أخلت بصورة الحزب خلال الفترة الماضية. هل يعن ذلك أننا سنشهد تغيرا حقيقا على مستوى الخارطة السياسية خلال الانتخابات القادمة، وهل يمكن الحديث عن فروق موضوعية كبيرة؟ لا أعتقد أنها فروق كبيرة، لكن أتوقع أن هناك قوى سياسية جديدة ناشطة الآن يمكنها أن تحدث مفاجأة. كحزب الدستور الذي يقوده البرادعي، والذي يعمل بشكل مؤسسي، ويتحرك في الشارع بشكل أفقي، حيث تجد في العديد من المحافظات خارج القاهرة الحركة تدب في أوساط الشباب الليبرالي المؤيد للبرادعي وحزبه، وكذلك حزب مصر القوية الذي يمكن أن يسحب الكثير من الأصوات من معين الإخوان، كما أن تشكيل تحالف مدني واسع يضم هذه الأحزاب بجانب الوفد والمصريين الأحرار وأنصار حمدين صباحي قد يكون طريقا مؤثرا لإعادة تشكيل الخارطة السياسية، وإن كنت أتوقع أن يبقى الإخوان، هم القوة الأولى في البرلمان لما يمتلكون من قدرة على التنظيم والحشد، لكن بنسب أقل من السابق. على ذكر حمدين صباحي المرشح الرئاسي الذي حل في المرتبة الثالثة وحاذى على أكثر من 5 ملايين صوت في الجولة الأولى، والتيار الشعبي الذي أعلنه هل يمكن أن يحدث مفاجأة ما؟ لا أعتقد أن حمدين سيحدث أي مفاجأة، فبالرغم من التعاطف والتأييد الذي حظي به حمدين في الانتخابات الرئاسية فإنه لا يعمل بشكل مؤسسي، ولا يسعى إلى إعلان مشروع دولة ومجتمع، حمدين يبدو في هذه المفاصلة أنه “مشروع رئيس" أكثر من أي عمل تنظيمي آخر. وهو يعتقد أنه الرئيس القادم، ولا يسعى إلى تأسيس حزب جديد، أو تفعيل حزب الكرامة، ليضم القوى اليسارية، بجانب الاستفادة من الأصوات التي حصل عليها وهي كبيرة ومقدرة، لكن لا يقدم ما يدل على أنه مستعد لطرح تلك المبادرات، والنشاط في الساحة من أجل ذلك التحالف أو التنظيم. هناك أيضا من يطالب بحل الهيئة التأسيسية للدستور، وتشكيل هيئة جديدة تحقيقا للتوازن وضمان الدولة المدنية، كيف تقدر ذلك؟ حل الجمعية التأسيسية للدستور تطرح بعض القوى السياسية، كما أن هناك قضايا مرفوعة في المحاكم من أجل ذلك، لكن السؤال في حال حل هذه الجمعية فإن الرئيس وفق الإعلان الدستوري هو من يحتفظ بحق تشكيلها من جديد، وفي اعتقادي أن استمرار الهيئة الحالية المعينة من قبل برلمان منتخب أكثر شرعية من تشكيلها من الرئيس بشكل منفرد. وأعتقد أنها تفي بالغرض الآن، خاصة وأن الإخوان الآن يبدون أكثر ميلا للتوافق، نتيجة أسباب موضوعية كثيرة منها الانتخابات القادمة، وتراجع شعبية وسمعة التيار السلفي، وبالتالي فالإخوان سينحازون لصالح مدنية الدولة، التي أصبحت مطلبا شعبيا وثوريا، وهم لا يسعون إلى مواجهة القضايا الحيوية المطروحة في الشارع، وبالتالي أتصور أنهم سيعملون مع القوى السياسية الممثلة في الهيئة، لصالح تثبيت هذا المبدأ في مسودة الدستور قبل عرضها على الاستفتاء الشعبي، عكس موقف السلفيين الذي قد يكون مخالفا لموقف الإخوان وهذا التباين أضحى واضحا الآن على الساحة السياسية المصرية. أخيراً، كيف تقيم فترة حكم الرئيس محمد مرسي، سياسياً؟ أعتقد أن مرسي يسعى إلى تحقيق مشروع النهضة الذي اقترحه على الشعب المصري خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومعلوم أن طبيعة هذه الفترة من الانتقال الديمقراطي الذي تشهده مصر صعبة ومستعصية، لكن في رأيي من أهم القرارات التي اتخذها هو حل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، الذي كان يكبل الرئيس المنتخب لصالح سلطة العسكر، الذين كانوا يسيطرون على كافة السلطات التشريعية، وأتصور أن القوات المسلحة الآن خارج المساحة السياسية في مصر وفي طريقها للعودة إلى الثكنات تماما، وهو تطور مهم ونوعي لمصر ما بعد الخامس والعشرين من يناير. لكن التحديات القادمة كثيرة ومتعددة لضمان انتخابات تشريعية نزيهة بعد إقرار دستور مدني ديمقراطي، يكون الضامن الحقيقي للتجربة الديمقراطية التي تتطلع لها مصر، بعد ثورة يناير. وهذا يتطلب تظافر جهود الحكم والمعارضة في آن واحد. وسوف نتابع ذلك في الانتخابات القادمة، من خلال نوعية التحالفات التي يمكن أن تقوم ومدى تأثيرها على المزاج العام وعلى تشكيل الخارطة السياسية التي ستحكم مصر.