جباب محمد نورالدين: صديقي الحبيب، وأنا استمتع بهذه التحفة الفنية الجميلة، وهذا التحليل النقدي والاستخلاص المقنع، بل ما استعدني أكثر أنني لم أجد في المتن تلك الازمة التي “دوختنا" في السبعينيات، لما كنا نطالب ب “لغة الشعب.. وعلى ذكر الإشكالية اللغوية فهذه ليست جديدة، لقد اشار إليها ابن خلدون." الحبيب السائح: كل السعادة لي يا صديقي نور الدين. فعلا، إنها إشكالية متواصلة؛ لأنها ذات علاقة بالإنسان وبوسيلة تعبيره واتصاله بغيره. شكرا لك. قادة ضيف الله: صديقي الروائي المتميز لحبيب السايح، لقد وضعت أصابعك الخمسة على جرح الرواية الجزائرية التي ينتظر منها خصوصية استثنائية لا يمكن أن توجد في غيرها من روايات الأشقاء العرب، نظرا للخصوصية اللسانية التي تأصلت بفعل عوامل عدة عبر التاريخ، ولأن القارىء الجزائري، وحتى الكاتب قد تعودَ على قراءة المتن الروائي المشرقي الذي ينطلق في بناء لغته على لغة الأم، عكس الروائي الجزائري الذي يجد نفسه مغتربا بين ما هو كائن من لغة تستعمل في أغلبها شفويا، وبين ما هو مكتوب دخيل عبر الرسمي من المؤسسات، مما يجعل الكتابة الروائية في مأزق كبير من حيث اتساق استعاراتها مع الذات الكاتبة التي تتعامل في يومياتها بالشفهي المغيب والمنظور إليه بازدراء. ولأن المسألة لا تخص الروائي وحده، بل هي تعود الى غياب مشروع مجتمعي تؤطره مجمعات اللغة التي عليها مسؤولية تجديد القاموس اللغوي المطلوب في الوقت الراهن، لأن العالم كله لا يكاد يستقر قاموسه يوما حتى تضاف إليه مفردات من الاستعمال الجديد. لهذا صديقي الحبيب أحييك على هذا الطرح المهم الذي يجب صياغته من طرف كل المعنيين، سواء مؤسسات أو كتاب من أجل البحث عن حلول تساعد على اتساق بين المستعمل والمكتوب. شكرا لك سي الحبيب. الحبيب السائح: تصويب. أرجو قراءة الفقرة الثانية من النص، كما يلي: “فإن الكاتب في الجزائر تلزمه تلك الحدود، في رهانه على كتابة الرواية، بأن يتعامل مع موروثه اللغوي الخام المشكل من لغة الأم، التي تستدعي اشتغالا على تهذيبها وإعادة بنائها نحويا لتتسق مع التركيب العربي..." الحبيب السائح: صديقي، قادة. لأنك أنت أيضا أحد المهمومين بالمسألة. شكرا كثيرا على إضاءتك. السعيد بوطاجين: الصديق الحبيب السائح، أجد أن ما قلته غاية في الدقة والاحترافية، وإني آمل أن تثار المسألة في الجامعة وفي المخابر المهتمة بالشأن الروائي واللساني، ويمكن أن أضيف، بعد إذنك، أن تدهور القراءة عندنا، وقلة الجهد المبذول في فعل القول والكتابة والتنقيب، والاستخفاف بالمعجم، سيجعل قطتي صغيرة واسمها نميرة عبارة معقدة جدا، خاصة مع التلوث الفظيع للغة. حميد عبد القادر: صديقي لحبيب... لو تمكنت من النزول باللغة إلى مستوى الصعلكة لفعلت، وإن وجدت ما هو أكثر انحدارا من الصعلكة لفعلت كذلك، حتى أكسر هذه النمطية التاريخية التي جعلت من العرب كائنات لغوية حبيسة النص المقدس. الرواية يا لحبيب تعبر عن ما هو مدنس، وإن قالت ذلك فهي تبحث عن التحرر من المقدس، فكيف تسقط في مقدس اللغة أو ما تسميه لغة اللغة، والاقتراب من الشعري.. فالشعر موجود في الشارع، في نبضه، في عفويته، وليس في مختبرات الكتاب. نعم يا نورالدين جباب، لغة الشعب هي الأهم، وما قلته يعبر عن احتقار للفئات الشعبية وللغتها. اسمح لي يا لحبيب لكنك ذكرتني بمطربي الشعبي، تجدهم يغنون عن الحياة والكؤوس السبعة والنساء الفاتنات وهم شباب، لكن بمجرد أن يكبروا يذهبون إلى مكة لغسل عظامهم وينتقلون إلى المدائح الدينية، فيتحول الفن بالنسبة اليهم إلى مسألة مرتبطة بالمقدس.. الرواية يا لحبيب فن، فن، فن، والفن هو ذلك الفعل الذي يخبرنا بأن الحياة ليست بخير حتى نتذكر بأنه يوجد شيء اسمه المقدس، الرواية انحراف يا لحبيب، هي خطيئة يقترفها الكاتب. تحياتي. بوضربة عبد القادر: لعلنا نكتب بحرقة ويأس، نظرا لواقعنا البائس في الأصل... قرأت بعض الروايات لكتاب يسمون أنفسهم عبثا بالكبار وخرجت في النهابة بعلامات استفهام، وتساءلت إن كنت أنا الجزائري أقرأ وأتيه فكيف يفعل غيري من من يود اكتشاف الاشياء؟ لا أسمي ذلك لغة ولا أسلوبا.. لا أسميها إلا مسخرة، مسخرة لا حد لها، لكني رغم ذلك أوافق الصحفي عبد القادر حميد حين قال بأن الرواية انحراف، هي فعلا انحراف لا حد له.. انحراف يجعلنا نكتشف من حين لآخر منحرفا جديرا بالاحترام... حفيظ جلولي: أستاذي وصديقي لحبيب... تحية على الطّرح المنهجي والذّوقي الذي لا ينهل ممّا يجب أن يستريح إليه الكاتب بلعبته اللغوية المشطورة، ولكن الذوق الذي يرتفع بالحس التجريبي الروائي إلى مرتبة الفعل التنقيبي داخل ما أسميته بلغة اللغة، وعملية الوصول إلى هذه المرحلة تعبّر عن مغامرة لأنّها تتعلق بهاجس البحث والتّجريب الذي يمارسه الكاتب ويتصارع معه، فهو إذا ليس هدنة مع اللغة، حتى تتحول إلى “مقدّس"، كما فهم الأستاذ حميد عبد القادر، ولكن هي عملية شد وجذب تُمتحن خلالها اللغة في قدرتها على الاستجابة لتطلعات الروائي ورغباته الكتابية. تأتي أهمية الطرح الذي تقدّمت به أستاذ لحبيب، في أن المغامرة اللغوية كمحاولة لترتيب فضاء روائي يمتح من لغة ذات خصوصية، يتعلق في جوهره بشخص معين يدعى الروائي، وهو المنوط به وحده عملية تفجير ميكانيزمات دالة ولسانية داخل مختبر اللغة، وبالتالي يتعين على المتلقي أن يكون على تماس مع تجربة الروائي حين يبادر هذا الأخير إلى إطلاق عملية التحوير الفني للغة، كما أن النص الروائي الجزائري يفتقد إلى عملية إنضاج على مهل، ذلك ان التسرع في كثير من الأحيان يضع أمام القارئ كتلة من الكلمات تقدم نفسها على انها رواية، بينما هي في الحقيقة مكوّن حدسي يتوهّمه مخيال الكاتب في مستوى حكائي، ذلك أن المقال الحاضر لو لم يكن مؤطرا وفق تجربة لما لامس الوجدان المنتج لدى القارئ، فالعديد من النصوص السائحية كتبت من مستويات مغامراتية داخل فعل اللغة، كما نقرأ في “مذنبون" وداخل الجغرافيا ذاتها، كما هي تجربة السائح الرحلية، بحثا عن المشترك والجديد اللغوي ومجموع المفردات التي تنتشر عبر الجغرافيا لتؤثث في النهاية النص الروائي كعلامة دالة على التنوع الدلالي الذي يتضمنه الشرط اللساني. أخيرا أستاذ لحبيب لقد انتهيت بعدما أشرت إلى شعرية اللغة، وأنا أقول دائما ان الرواية في الجزائر تنحو صوب الشعرية، ذلك لأن المخزون الذاتي المنتج، والجمعي الدافع يتضمن ثلاث دلالات تمنح الكتابة شعريتها: الذاكرة، المكان والاغتراب، ولقد فجر مالك حداد هذا الإتجاه في الرواية الجزائرية.. دمت رائعا أستاذي العزيز... محبتي... جباب محمد نورالدين: صديقي حميد عبد القادر سمعت مرة واحدة تدافع عن لغة الشعب وألفت كتابا في ذلك لتعليم لغة الشعب، لأبناء الشعب ومن ضمن الصيغ التي جاءت في الكاتب على سبيل المثال لا الحصر “البنكوان في البالكون" لقد صدق الصديق السعيد بوطاجين سوف يأتي اليوم الذي تصبح فيه “قطتي صغيرة اسمها نميرة" ليست عبارة معقدة فحسب، إنما دخيلة على لغة الشعب. الحبيب السايح: صديقي، السعيد بوطاجين. ضحكت من الهم، هنا أمام شاشتي! لم أقرأ من قبل عبارة أبلغ من عبارتك عما آل إليه وضع القراءة في الجزائر: “... سيجعل قطتي صغيرة واسمها نميرة" عبارة معقدة جدا، خاصة مع التلوث الفظيع للغة. كم شغلتنا أنت وأنا خاصة هذه “المحنة"! مسرور جدا جدا بأن تكون معي متورطا! تقديري العالي. الحبيب السائح: صديقي حميد، الرواية كما قلتَ فن، فن، فن. في تقديري، هي لن تبلغ ذلك المستوى ما لم تكن اللغة مادتها؛ مثلها مثل الفن التشكيلي والتصوير السينمائي والرقص الفني والموسيقى والشعر وكلها تحتاج إلى لغة راقية على ذوق العامة ! أتفق معك في أنه قد نكتب رواية باللغة التي تتحدث عنها. ولكني أختلف معك في أن نعطيها صفة الرواية ولا أن نمنحها اعتبار الأدبية. إني أتكلم، في يساق الموضوع، عن الرواية الأدبية. إني أتحدث عن مشروع كامل. شكرا وتقديرا لإسهامك. الحبيب السائح: الصديق بوضربة عبد القادر. أنت ترى أن ذلك قد يعود في جانب منه إلى هذه المعمعة الكبيرة في المشهد السردي في الجزائر. إنه الفساد المعمم، كما عبرت عنه يوما. وللإعلام وللجامعة مسؤولية مباشرة في ذلك. شكرا لك. الحبيب السائح: صديقي، حفيظ. قرأت تعليقك - المساهمة باستمتاع كما ذكر أعلاه صديقنا نور الدين. أنت ترفع النقاش درجة أخرى إلى ما ينبغي أن يكون عليه التفكير الأدبي هذا الذي ينقصنا التفكير الأدبي؛ إن كان صديقي الأديب المتفرد والسيميائي الكبير السعيد بوطاجين يسمح لي باستعمال المفهوم (صفة وموصوفا). لك تقديري العميق. الحبيب السائح: صديقي نور الدين، أنت تعلم أن لغة الرواية هي كون بين الفلسفي وبين الشعري، لذا أدعو صديقنا حميد عبد القادر وهو كاتب روائي أيضا أن يتأمل المسألة. كل الكتابات الروائية الأدبية في العالم هي لغة أولا! فلا تخدعننا الترجمات لأنها تعري تلك اللغات في أصلها من روحها. شكري لك. بشير خلاف: شكرا صديقي الحبيب على هذا التحليل الشيّق، وأنت باقتدار فتحت نقاشا ساهمت فيه قامات أدبية لها باعها في جنس السرد.. دمت معطاء.. تحياتي. الحبيب السائح: كبير امتناني لك، صديقي بشير. وأنت واحد ممن أسسوا لجنس القصة القصيرة المعاصرة في الجزائر! أحمد عبد الكريم: المسألة التي اثارها الروائي حبيب السايح فعلا تستحق النقاش العميق، بهكذا نقاش بين أصحاب الشأن وتواصل بينهم لا يدير الظهر لما يجب أن يناقش ويفحص. أعتقد أننا سنصل إلى نتائج مبشرة بأفق أرحب.. دمتم جميعا. الحبيب السائح: صديقي، أحمد عبد الكريم. أتمنى ذلك! وأنت أيضا، زيادة على كونك شاعرا، جربت الكتابة في الرواية. شكرا لك. نصرو عطاء الله: السلام عليكم. هذه المقالة من أروع ما كتبت.. وها هي في التداول تلقى كل هذه الردود.. توصيف نقدي حصيف للمجهود الإبداعي السردي الذي تمارس.. وإن كانت العبارة تتناول ما هو جزائري عامة. غير أني على يقين من أنهم قلة... وفعلا لا مخرج من مأزق ما ذكرت إلا الحفاظ على الهوية لغة من حيث التأبي على السقوط في لغة الصعلكة بمزيد من التأثيل اللغوي والصوغ الشعري حفاظا على الجمالية في أرقى ما صورتها به... وهذا دور الأدب الحق وإن تدنت قابلية التلقي المعرفية والذوقية.. وهذا ما قام به القرآن المعجز... فما قاله الأنبياء بلغتهم في ألسنهم أعيد صوغه بلغة القرآن... لعل مشروعك الروائي عندي هو أفضل مشروع قرأته حتى الآن - طبعا مع قلة ما قرأت - دمت بهذا المستوى وأعلى! الحبيب السائح صديقي نصرو. فعلا! ذلك هو الرهان الحضاري لنا في زمن هيمنة الامبريالية وقُلِ العولمة الثقافية واللغوية! شكرا لك.. حبيب مونسي: هناك جريرة أرتكبها الروائيون أنفسهم أول الأمر، وهول من شأنها نقاد السوء.. إنها جريرة الالتفات إلى القارئ بدل الالتفات إلى الفن. حين يكتب الروائي روايته وفي ذهنه إرضاء القارئ وتلبية ما يسمونه أفق انتظاره وهول من شأنها نقاد السوء.. إنها جريرة الالتفات إلى القارئ بدل الالتفات إلى الفن. حين يكتب الروائي روايته وفي ذهنه إرضاء القارئ وتلبية ما يسمونه أفق انتظاره. كان الروائي اقرب الناس على انتهاك حرمة الفن وتدجين اللغة والنزول بها إلى المبتذل الساذج من اللسان الدارج. ومن ثم خرج علينا نقاد يتحدثون عن الهوية وازدواج اللسان في المجتمعات العربية وغيره.. لما كتب طه حسين والرافعي وحسن الزيات وجبران... وغيرهم لم يدر في خلدهم سوى تلبية آفاق الفن الذي ينتمون إليه والتحليق في سمائه وعليائه والتميز في أساليبه.. فارتفع إليهم العامة من الناس قراء ودارسين واشرأبت نحوهم أعناق الطلبة والمريدين، وكان الفن إماما قائدا.. لا تابعا مقودا.. إن جريرتنا اليوم أننا خدعنا مرتين: مرة حين قبلنا بالنزول إلى العامة من الناس، وهؤلاء ليسوا مطالبين بقراءة الروايات قطعا.. ثم رحنا نتأسف على الإسفاف الذي وقعنا فيه ونحسر على الزمن السعيد الذي كانت فيه الرواية رواية.. خدعنا مرة أخرى حينما استمعنا لمن حسبناهم نقادا وحدثونا عن انفصام اللسان وعن ضرورة البحث عن لغة بديلة وليس في مرماهم سوى قتل تلك اللغة الصافية التي توارثها الأدباء جيلا عن جيل على اختلاف مشاربهم، ولكنهم أجمعوا على حبها واحترامها.. كتب بها الشيوعي والعلماني والمسيحي والمسلم والملحد.. وأجادوا.. حبيب لا تترك أسلوبك الصافي لمثل تلك الخزعبلات قرأوا أم لم يقرأوا.. نادية بوشفرة: شكرا لكاتبنا المهموم باللغة السردية في الجزائر. للأسف، لقد طغى الكم على حساب الكيف في السنوات الأخيرة. قرأت قبل أسبوع رواية لشخصية مشهورة، استهوتني اللغة في البداية كما شدني الجانب التاريخي الذي يعود إلى فترة ما قبل الاستعمار الفرنسي.. هذا في الصفحات الأولى (40 صفحة) أما ما بعدها فتافه جدا وبلا مضمون ويتعذر على القارئ تحليلها وفق دراسة نقدية.. رواية بلا روح ولا معنى يروج لها في الداخل والخارج؟؟ فما بالك ببعض الكتاب الجدد الذين ينتشرون في البلد بسرعة البرق.. تحياتي لك.. دمت بارعا في خدمة الأدب الجزائري. الحبيب السائح: العزيزة الدكتورة نادية، ها أنت تزيدين يقيني ثباتا في أن في الجامعة الجزائرية، برغم محنتها، كفاءات تقرأ وتنشغل وتسهم؛ وفوق ذلك، تكسر قوقعة الانغلاق. شكرا لك. محمد ساري: حقا أيها الصديق، لقد وضعت الإبرة على الجرح. إنها إشكالية مؤرقة لكاتب الرواية، هل يفصل لغته عن لغة المجتمع التي تبتعد يوميا عن لغة الكتابة التقليدية، أم أنه يبقى في البرج التليد يبكي على الأطلال ويتحسر على غياب القراء لما يكتب؟ أظن أن كل روائي وشاعر اليوم يتخبط بوعي أو بغير وعي في هذه المفارقة اللغوية التراجيدية. كان طه حسين يقول بأن اللغة العربية هي حقا لغة القرآن، ولكنها أيضا لغة الناس الذين يستعملونها، ومن واجب منتجي هذه اللغة أن يراعوا هذه المسألة وإلا بقيت اللغة التقليدية التي تستمد معجمها وصورها الشعرية من المجتمعات القديمة، أي من لغة استخدمتها شعوب في الأزمنة الغابرة في رفوف المكتبات لا يقرأها إلا الباحثون المجبرون على إنجاز البحوث. ما نفعله هو تكرير بل وتقديس استعمالاتها التي كانت تستجيب لحاجيات الشعوب القديمة. لقد غيّر أبو نواس لغة الشعر الجاهلي، كما غير طه حسين ونزار قباني لغة الشعر والنثر القديمين. أظن بأن الأسئلة المطروحة أصلا خاطئة. صحيح أن السؤال الأول (كيف نكتب) هو الجوهري، ولكن الأسئلة الأخرى ضرورية أيضا. لمن نكتب؟ وحينما نجد الجواب نبدأ في الحفر لمعرفة واقع ولغة الذي نكتب له وعنه. إن الكوميديا الإلهية لدانتي كتبت باللاتينية المبتذلة، أي بالدارجة، أي بلغة الشعب، ثم وفي قرون معدودة أصبحت لغة دانتي هي لغة إيطاليا مثلما يقول أمبرتو إيكو. صحيح أن المسألة معقّدة والأسئلة أكثر من الأجوبة. ماذا نعني بالشعرية؟ هل الأدب الشعبي مثلا لا يحتوي على شعرية؟ ما هو القاموس العربي وغير العربي؟ والناس كيف سيتكلمون في رواياتنا؟ كيف ننطقهم، هل نكتفي بالتعبير عن أفكارهم وعواطفهم؟ فأين لغاتهم وألفاظهم حينما يسخطون ويغضبون ويحبون ويكرهون؟ أم أننا نكتب عن كائنات خيالية تعيش في كواكب أخرى؟ في هذه الصائفة أعدت قراءة رواية (وليمة لأعشاب البحر، نشيد الموت، لحيدر حيدر) وتوقفت طويلا عند الحوار الذي يستخدمه فوجدت أن الكاتب راعى جيدا الفارق اللغوي، بين شعرية السرد والوصف العالية وبين ما تنطق به الشخصيات، سواء الجزائرية أم المشرقية، فنزل واقترب من لغة أهل عنابة وأهل الموصل فأنتج حوارا قويا مؤثرا دون أن يخل ب (الشعرية والفن). هذه بعض الأفكار استحضرتها بعد قراءتي لمقال صديقنا الحبيب المثير للجدل عن هذه اللغة السردية، وهو الموضوع الذي سبق لي أن تطرقت إليه في مقالات عديدة في السنوات الماضية (مقالات موجودة في كتابي محنة الكتابة) وبعد قراءة التعليقات المتعددة للزملاء الكتاب والأساتذة والمبدعين. تحياتي. جباب محمد نورالدين: تناول محمد ساري مسألة فكرية عامة وهي لمن نكتب وكيف نكتب؟ لكن الشرخ الثقافي الجزائري له خصوصية يبدو أنها تحتاج إلى معالجة خاصة، كما تحتاج إلى جرأة الحديث. أما بخصوص الرواية لا أعلم إذا كان الصديق محمد ساري لا يزال يؤمن مثلي انها فن البرجوازية الصغيرة. تحياتي أيها المبدع. الحبيب السائح: صديقي العزيز، محمد ساري. أنت ترى، لو كان في هذه الجزائر صحف تستطيع أن تفتح صدرها أو مجلة واحدة متخصصة، تستوعب مثل هذا النقاش العالي المستوى، لتقدمنا خطوة في طريق التأسيس للفكر الأدبي. أما المقال، في حد ذاته فهو كما تعرف جزء من مشروع نظرتي إلى الكتابة السردية من خلال تجربتي؛ يكون حواري مع الصديق الروائي التونسي كمال الرياحي في مجلة عمان في 2005، كما حواري مع الصديق الأديب السعيد بوطاجين في مجلة المعنى المحكمة الصادرة عن جامعة خنشلة 2008، كما في جملة من المقالات في الصحف الجزائرية خاصة، هي أبرز مفاصله. شكرا كثيرا على تعليقك السخي، ولو أنك معني مثلي بالإشكالية. مودتي.