نزلت الروائية والناشرة اللبنانية رشا الأمير، بالجزائر أمس، للحديث عن روايتها الموسومة ب”يوم الدين”، التي صدرت مؤخراً عن منشورات البرزخ، في طبعة جزائرية. وكان اللقاء فرصة للقارئ الجزائري ليطلع على هذا العمل الذي حقق شهرة واسعة في الأوساط الثقافية العربية والفرنسية، خاصة بعد صدور الترجمة الفرنسية له الجنس وعلاقات الحب كلمات حاضرة في يومياتنا، فكيف لا تكون في رواياتنا؟ وكانت”الفجر”،قد نشرت في أعدادها السابقة حوارا كنا قد أجريناه معها تحدثت فيه عن تيمات هذا العمل.. عرفك القارئ الجزائري من خلال روايتك الموسومة ب''يوم الدين''، التي أسالت الكثير من الحبر فور صدورها ألم تخشى رشا أن يطلع القارئ الجزائري على هذا العمل، بعد أن أسال الكثير من الحبر؟ هناك بعض الجمالية التي ترافق كتابا أثار العديد من التأويلات، وردود الأفعال، لذا لم أخش على القارئ بقدر ما خشيت على الرواية، خاصة أن وصولها إلى الجزائر جاء متأخرا بعض الشيء، مقارنة بالدول الأخرى. لذلك فقد كان الرهان هو جَسُ نبضِ القارئ الجزائري لهذا العمل الذي قرئ سراً، كغيره من الكتب التي تصدر في بلداننا العربية، والتي يجد فيها الناقد صعوبة في فهم تيماته، فيكتفي بتغييبه وقتله، تماما كما يفعل القارئ بعده.. حين يكتفي بقراءة العمل سراً لا جهراً لعل السبب وراء هذا التغييب، لغتها السردية المشبعة بالتراث، والدين، أو لعله موضوعها، ما رأيك أنتِ؟ اللغة التي كتبت بها “يوم الدين” لم تأت من العدم، فهي لغتنا الأصلية، هي اللغة التي نستمع إليها مذ خلقنا على هذه الأرض، هي لغة القرآن الذي حفظناه منذ الصبا، ولغة المؤذن الذي يؤذن فينا كل وقت. أما التراث فهو أصلنا ومرجعنا، لذلك لا أعتبر أنها السبب وراء كل ما أثير حولها، ولا حتى موضوعها. أوَليس الجنس، وعلاقات الحب، والعلاقات الإنسانية موجودة في حياتنا؟ إذا فكيف ستغدو سببا وراء إقصاء أي عمل أدبي؟ فالدين والسياسة، القرآن وديوان المتنبي، العشق واللغة، الجنس، كلها هواجس ولدت داخل الرواية اتسمت بالجرأة الزائدة - حسب ما قاله البعض - أما أنا فككاتبة لا يهمني ما اختلف عليه النقاد في تصنيف عملي، بل همي الوحيد هو أن أكتب، وأن أجسد جُل ما يدور حولي في الحياة العادية أدباً، في حبكة وعقدة، جسدها في يوم الدين الشيخ الذي يجسد دور البطل في هذا العمل، الذي صوَّرَ حيرته مع تلك المرأة المثقفة، التقيا على أرضية فكرية مشابهة لهما فكراً وثقافةً على ماذا راهنت رشا الأمير في هذا العمل إذاً؟ أنا كاتبة كما سبق أن قلت، ورهاني أن أكون كاتبة جيدة وفقط، أنا كاتبة أعيش في عملي، ومسيرتي الأدبية لم تكن وليدة يوم الدين فقط.. أنا لم آت من العدم، تماما كما لم تولد أفكار هذا العمل من العدم أيضاً، لأن ثقافتنا العربية لديها أصولها وجذورها، وكل ما يدار حولها حاليا هو نقاش عمره آلاف القرون، لذلك راهنت على إعادة صياغة النقاش الدائر في حياتنا حول الجنس، الأدب، الدين، السياسة، التاريخ القارئ لروايتك يرى أنها لم تخرج عن السياق الذي تسير عليه جُل الأعمال الأدبية العربية المكتوبة بالقلم النسائي، وهذا ما يؤكد لنا كقراء أن الكاتبة لا تزال تراهن في أعمالها على تناول الممنوع والمحظور في الأدب، كالجنس، الدين، السياسة..ما تعليقك؟ ما تناولته في ‘'يوم الدين'' من أحاديث عن الجنس، والسياسة، والدين، لم يكن متعمداً، بقدر ما كان عفويا وبديهيا، لأننا لا يمكن أن نتحدث عن الإمام والجامع، والصلاة والأذان، دون أن نتطرق إلى الدين، ولا يمكن أيضا أن نتحدث عن العشق والغرام وقصص الحب دون أن نتحدث عن الجنس، وهكذا. لذلك وجب التنويه إلى أن كل ما تطرقت إليه الرواية لا علاقة له بالإثارة أو الإبتذال. لاحظنا في عملك الأدبي ‘'يوم الدين''، أيضا تناولك كغيرك من الكتاب العرب موضوع الحروب، وما خلفته من آثار. ألا ترين بأن الحديث في هذا الأمر أصبح تقليدا أدبياً عند كتابنا؟ كان ليكون كذلك لو حصرت في أحداث روايتي للحرب اللبنانية التي عشتها وعايشتها، لكن الحرب التي تحدثت عنها في العمل كانت غير مصنفة، وغير محددة، لأني حاولت أن أتركها حربا مفتوحة غير مقرونة بأي وطن أو حدث، لأنني أعتقد أننا كعرب نتشابه في الحروب، حد التطابق.. واختلافنا لا يكمن إلا في بعض التفاصيل، فحرب الجزائر هي حرب فلسطين، وحرب العراق، وحرب لبنان، حرب نشترك فيها في الشهداء والدم والسبب، ونختلف فيها في بعض التفاصيل الصغيرة. ولو عدنا إلى الوراء لوجدنا أن الحرب أو تناول الحرب في الأدب ليس حكرا على الروائيين فقط، بل أغلب ما تحفظه ذاكرتنا هي قصائد ونصوص شعرية كلها تتحدث عن الحرب، أو عن تفاصيل الحروب، لذلك يمكنني أن أقول إن الحرب هي ذائقتنا وأفقنا في الأدب بشكل عام. ترجمت روايتك ‘'يوم الدين''، مؤخراً إلى اللغة الفرنسية. كيف كانت ترجمة هذا العمل الصعب، بالنظر إلى لغته السردية، المشبعة بلغة الدين ولغة التراث؟ قبل أن يقترف الأديب الكبير يوسف الصديق، ترجمة هذا العمل، قيل لي إنه من الصعب أن تترجم هذه الرواية إلى لغة أخرى، نظراً إلى كثافة لغتها، والمصطلحات المنتقاة من قاموس لغوي غني وكثيف، هو القرآن والتراث الشعبي، و وجد آخرون أن ترجمتها هي تجسيد لمقولة أن الترجمة خيانة للنص الذي كتبت به الرواية، لكن حين قرأت الرواية بعد ترجمتها من قبل الصديق، أدركت كم هي جميلة تلك الخيانات اللغوية، وأدركت أكثر كم بذل المترجم من مجهودات جبارة في سبيل الحفاظ على معاني المفردات والتراكيب. إن ترجمة “يوم الدين” لم تكن بالأمر الهين، لأنها مشبعة بلغة القرآن، وترجمة القرآن تستوجب مترجما مختصا. كيف تقيّمين واقع النشر في عالمنا العربي؟ واقع صعب وصعوبته هذه هي من صعوبة البلاد، لأن النشر لا يمكن أن يكون خارج الوضع الإقتصادي والسياسي، والإجتماعي، والثقافي. هل أنتِ على اطلاع على المشهد الأدبي الجزائري؟ أحاول.. لكن للأسف كل الأعمال الأدبية الجزائرية نحصل عليها من فرنسا، وهي قليلة بالمقارنة مع ما رأيته من أعمال أدبية هنا بالجزائر، خاصة تلك المكتوبة باللغة العربية للأسف الشديد لا أحد في عالمنا العربي استطاع أن يؤسس لمكتبة حقيقية، ولا لشبكة توزيع حقيقية، ولا لصناعة كتاب حقيقية، كل ما نجحنا في صنعه جاء بنية حسنة.. في الكتابة أو صنع الكتاب ليس إلا.