[Sample Image]التقى أول أمس كل من الأديب التونسي الحبيب سالمي والأديب الجزائري السعيد بوطاجين، في حوار أدبي بالخيمة المخصصة للكتاب في إطار المهرجان الدولي الخامس للأدب وكتاب الشباب، وقد دار الحوار الذي نشطه الأديب محمد ساري حول الأدب والمقاومة وتجربة كل منهما في الكتابة الروائية. الكتابة الأدبية طرق متشعبة يسكلها الكاتب بأفكاره وتجاربه وتراكماته الثقافية والإنسانية، حيث من الصعب تحديد مواطنها أو حصرها في مساحة معينة نظرا للأدوات الثقيلة المستعملة في بناء الرواية، بدءا من الأفكار واللغة والمخزون الثقافي، إضافة الى الاستطلاعات المكثفة في المعارف الإنسانية المختلفة، كل هذه التراكمات تنتج نصا أدبيا خاصا بالكاتب الذي يكتبه وتظهر فيه شخصيته وإضافته، فكيف كانت تجربة الحبيب سالمي الروائي التونسي، بل كيف أجاب عن السؤال الذي وجهه له الأديب محمد ساري منشط اللقاء، وهو » كيف يمكن للكاتب في الوطن العربي في غياب حرية التعبير الجمع بين جمالية الكتابة والمقاومة؟«. يرى الروائي الحبيب سالمي، أن الكاتب ينبغي أن يكتب بشكل جيد من خلال الإصغاء إلى ما يدور حولنا وهذا ما تم انجازه في روايته ''نساء البساتين''، وذلك من خلال ملامسته الواقع بطريقة مخاتلة، حيث كتبها ولم يكن يتوقع أن النظام سيسقط بهذه السرعة. مضيفا في نفس الوقت، أن الكاتب ليس عرافا ولا نبيا، الكاتب يجيد الإصغاء إلى الواقع. أما الدكتور السعيد بوطاجين، فقد سأله محمد ساري عن تعامله مع الواقع بشكل ساخر مستفز، » فهل هذه السخرية نوع من المقاومة في نصوصه؟«، حيث أكد بوطاجين أنه يشعر بالحرية بشكل كبير في الجزائر، وأنه يكتب بحرية ولا يشعر بمضايقات. مضيفا أنه نشر نصوصا أساءت للوصاية وللساسة بشكل مباشر مثل روايته ''اللعنة عليكم جميعا'' و''حذائي وجواربي وأنتم''، وأنه بهذه الأعمال يقاوم قضية الاستلاب اللغوي. أما عن قضية تجربته الكتابية، فقد أكد الروائي السعيد بوطاجين أنه جزائري ويفكر بأفكار جزائرية، خلافا للروايات التي يقرؤها حيث يشعر أنه غريب عنها وأنها تتحدث عن إنسان آخر، ولا تتعلق بالإنسان الجزائري. أما المقاومة في نظر بوطاجين فهي مقاومة الظلم، ظلم السلطة، الجماعات، الأفراد، ظلم ذوي القربى، فأنا أتعامل مع الواقع بكثير من السخرية، هذه السخرية أجد فيها عدة منافذ للتعبير عن شيء لا أشعر به. كما وجه محمد ساري سؤاله للحبيب سالمي عن » سبب بحث الذكر العربي عن أنثى غربية وليس العكس في الكتابة الأدبية؟« ، فأكد سالمي أن الغرب والشرق سيمة قديمة لأنها سيمة الحب التي سنظل نكتب عنها » وأنا حاولت أن أقارب علاقة الشرق بالغرب وذلك من خلال الأشياء الصغيرة البسيطة، فمثلا التونسي عنده فطور الصباح كسرة وعلاقته بالطعام علاقة مقدسة يتطلب التطهر والنظافة لأنه نعمة، عكس الغرب فإنه يتناول الطعام دون غسل«. أما عن النظر إلى الواقع واللغة التي يستعملها الأديب، فقد أكد السعيد بوطاجين أنه لا يرتبط بواقع مثل الرجل الذي يختبئ خلف مسمار، » أنا جزائري لا أحب أن أكون متأثرا بأي كاتب، والواقع أكثر سخرية وعبثية مما أكتبه، والواقع العربي يأتينا مغلفا بالديانة، بالحضارة، والسخرية لنقد المجتمع والسلطة والفساد والعالم كله رديء، وأنا أتحدث عن الإنسان بشكل عام والأرض«. » هل الحبيب سالمي رافض لهذا الواقع من خلال ''نساء البساتين''«، فقال » ''نساء البساتين'' تجربة خاصة، كلمة الواقع نستعملها كأنها واقع، ماذا نعني بالواقع؟«، يتساءل الحبيب سالمي، » كل كاتب يصدر عن تجربة معنية، والكاتب يحتال الاحتيال الجميل لأن الواقع يعني الكثير، غير أننا نتحدث عنه وكأنه معطى موضوعي، ولكل واقعه«. من جانبه، أكد سعيد بوطاجين أن الرواية والنص ليس مجرد حكاية، الرواية مؤنثة وذلك من خلال تطعيم النص السردي بالفلسفة، بالحكمة، بمجموعة من المعارف، وهذا ما يجعلنا نفهم النص من خارجه، باستثمار ما كتبه الأوائل، لأنني لا أميل الى النصوص الباهتة المسطحة » أنا أستفيد من كل الناس، من الكتاب، الذي لا يعجبني هو من يتناول الإيديولوجية العارية، الحداثة المستوردة، وأنا لست حفيدا لماركس ولنين، أنا أخلق ذاتي من محيطي ولا يجب أن أنمحي أمام الآخر، لا تعجبني كثيرا السخرية من الدين، مهما كان هذا الدين، وأنا أفتخر بالعقد المكدسة لأنها تمنعني من ارتكاب الحماقات ولا أؤمن بطروحات فرويد«. وعن مشكلة الأدب العربي واللغة، قال سالمي » نحن نفكر باللغة ونعيش باللغة، اللغة مهمة جدا، نحن كائنات لغوية واللغة هي عامل كامل، الكلمة فيها تاريخ كامل، والرواية هي فن التسمية بامتياز«. أما السعيد بوطاجين فقال » نحن لا نعرف اللغة العربية أصلا، نستعمل 1124 كلمة من 12 مليون كلمة، لا أحد منا يعرف ما هو موجود في مطبخه، ملابسه، نوع الأشجار الطيور، نحن عندما نكتب نترجم وأغلبنا لا يعرف أسماء الأشياء ''الحشيش'' الذي هو شيء يابس و''العشب''، أنا أستعمل الإيحاءات، الاستعارات الحية ولا أستعمل التشبيهات الميتة، لا أحافظ على العلاقات السببية لأن الصور مستهلكة، وأنما أكتب لأصدم، والنص الجيد هو الذي ننتهي من قراءته ولا ننتهي«. هكذا كان الحوار واللقاء بين الأديبين الدكتور السعيد بوطاجين والروائي الحبيب سالمي حول كتابة الرواية، المقاومة، اللغة، بناء النص، توظيف التراكمات المعارفية وغيرها مما دار في الحوار، الذي كان شيقا وممتعا حول أسرار الكتابة الروائية، لأن الكتابة هي قبل كل شيء فكر والفكر هو الوعي بالأشياء وفهمها.