يؤكد المناضل أحمد مهساس، الذي كان يرأس حزب ''اتحاد القوى الديمقراطية'' عندما اغتيل الرئيس محمد بوضياف سنة 1992، أنه لم يكن يتوقع شيئا من لجنة التحقيق في اغتياله التي تشكلت في ذلك الوقت· عندما اغتيل الرئيس الراحل محمد بوضياف، تشكلت لجنة برئاسة رفيقه أحمد بوشعيب، لكننا لم نر أثرا لها بعد ذلك، ما السر في ذلك حسب رأيك؟ عندما أتذكر محمد بوضياف، أذكر المثل الذي يقول: ''كي كان حي مشتاق تمرة، وكي مات علقوا لو عرجون''، كنت أعلم مسبقا أن لجنة التحقيق تلك لن تقدم شيئا في الموضوع، فالذين قتلوه كيف لهم أن يشكلوا لجنة تحقيق تقوم بمهامها كاملة، وقد سبق لي أن صرّحت بهذا· كنت ساعتها تترأس حزب ''اتحاد القوى الديمقراطية''؟ نعم، وكانت لي علاقات ودية معه، وربما كنت أحسن من عرفه من بين الأشخاص الذين لعبوا دورا سياسيا في الثورة، وكانت علاقاتي معه الأحسن، وعرفته في سطيف· عندما أرسلك حزب الشعب الجزائري هناك سنة 1946؟ أجل، وكان ذلك في إطار إعادة هيكلة الولاية، فكان لي عقد مع الحزب على أساس أني أقوم بالتنظيم ثم أنسحب من هناك، وهناك هناك الكثير من الأشخاص الذين اشتهروا بعد ذلك وكان من بينهم بشير بومعزة، واخترت من بينهم محمد بوضياف ليكون على رأس منطقة سطيف للحزب حينها· نعود إلى سنة ,1992 هل اتصل بك عند عودته إلى البلاد وترؤسه للمجلس الأعلى الدولة؟ التقيت به آخر مرة على ما أذكر سنة 1978 في المغرب، قبل موت بومدين، ساعتها ذهبت إلى المغرب وقصدته من أجل أن ينضم إلى الحزب الذي شكلناه آنذاك، وهو التجمع الوطني من أجل الديمقراطية والثورة (RNDR) وكان معنا في الحزب، قايد أحمد والطاهر زبيري، وكان حزب الاتحاد الاشتراكي بقيادة عبد الرحيم بوعبيد حينها، قدم لي دعوة لحضور مؤتمرهم ممثلا عن المعارضة الجزائرية، وساعتها تنقلت إلى مدينة القنيطرة حيث كان يقيم ووجدته هناك وعرضت عليه الانضمام إلى حزبنا، لكنه لم يقتنع بالفكرة، وكان له حزبه· يقال بأنه لجأ إلى حل حزبه بعد وفاة بومدين مباشرة؟ نعم، وحزبه ساعتها ذهب بعيدا في الإيديولوجيا، ورأى أنه يحل الحزب وفعل ذلك بالفعل· لم يتصل بك إطلاقا سنة 1992 بعد عودته إلى الجزائر؟ لم يتصل بي بشكل مباشر، فالذين أتوا به حددوا قائمة الشخصيات التي يمكن أن يتصل بها ولم يكن اسمي ضمن تلك القائمة، فلم ألتقه ولم أسع إلى ذلك، وفي المقابل، لم يعط هو أي إشارة للقاء، لكنه كان يبعث لي التحية والسلام بين الحين والآخر عن طريق رفاق الثورة الذين يذهبون إليه، وكنت أبادله التحية· وفي مرة كتبت في جريدة الوطن مقالا تحدثت عنه عن ''التشريفات الكاذبة''، وكان ذلك بمثابة رسالة مشفرة إليه لم يفهما في حينها، لكنه فهمها فيما بعد، وفي مثل هذا الوقت من تلك السنة كنت أنتظر مناسبة الخامس من جويلية للاحتفال بعيد الاستقلال، وكان يفترض أن ألتقيه في تلك المناسبة، وكنت أفكر في أن أنفرد به حتى أتفاهم معه في الكثير من القضايا، وأذكر أني كنت رفقة صحفية عندما جاءني خبر اغتياله· كنت أعرف بأنه سيدبرون له مكيدة، فهم الذين جاؤوا به وقدموه على أنه أب الثورة، وكانوا يريدون بذلك مسح الساحة السياسية وبعدها إن رفض لعب الدور الذي يريدونه يدبرون له مكيدة، كأن يعملوا له ملفات، ويقولون بعد ذلك، أنظروا ماذا فعل أب الثورة الجزائرية، لكني لم أتوقع إطلاقا أن يصل الأمر إلى درجة الاغتيال، لقد أخطأت التقدير· ولماذا قتلوه إذن؟ قتلوه، لأنه لم يكن من السهل استعماله، فلا يمكن لأي أحد أن يستعمله عندما يكون هو واعيا بالأمر·