دخل حوالي 500 عامل بالمحطة الرئيسية لترامواي العاصمة ببرج الكيفان، في إضراب عن العمل، بدءا من البارحة، إلى غاية تحديد هويتهم المهنية الضائعة بين الشركة الفرنسية لاستغلال الترامواي وبين الشركة الوطنية للنقل الحضري وشبه الحضري، مما أنتج خلافا كبيرا بينهم وبين المؤسستين المذكورتين، فاندفعت بذلك إلى السطح ملفات فظيعة لسوء التسيير والاستغلال الفرنسي لترامواي الجزائر. صحيح أن عمال ترامواي الجزائر ينتمون في الأصل إلى الشركة الوطنية للنقل الحضري وشبه الحضري بالعاصمة، وصحيح أيضا أن زملاءهم العاملون في الحافلات يشنون احتجاجات منذ أسابيع بسبب عدم تنفيذ كافة بنود الاتفاقيات الجماعية، إلا أن وضع العاملين بترامواي العاصمة وأخطر.. بل هو من الأوضاع النادرة وقد تكون غير مسبوقة في تاريخ تأسيس الشركات على أرض الجزائر. إضراب تضامني ومطلبي يتحوّل إلى كابوس للذي لا يعلم، فإن مؤسسة ترامواي الجزائر يتم تسييرها واستغلالها من طرف مؤسسة فرنسية يُقال لها “سيتيرام" بالشراكة مع “إيتوزا" العاصمة وزميلاتها الوطنية، على أساس القاعدة الاقتصادية الشائعة “49-51"، إلا أن تاريخ بدء الاستغلال الفرنسي لترامواي العاصمة بدأ في الفاتح من أكتوبر، حسب العمال المضربين، والذين لا يزالون إلى حد الساعة يتلقون أجورهم بكشوفات صادرة عن مؤسسة النقل الحضري وشبه الحضري ريثما يتم نقلهم نهائيا تحت السلطة الإدارية للشركة الفرنسية “سيتيرام"... وبسبب هذه المرحلة الانتقالية والكيفية التي اعتمدها الفرنسيون في ذلك، ضرب الشلل غالبية خطوط الترامواي، موقعا خللا فظيعا في مخطط النقل بمركز البلاد السياسي والاقتصادي. يقول العمال، إن شركتهم الأم “إيتوزا" أبلغتهم خلال تنقلهم إلى المديرية العامة ليشكوا لها إجراءات المرحلة الانتقالية، بأن ليس لها صلة مهنية بهم، وأن المفاوض الحصري لهم في وضعيتهم هي الشركة الفرنسية “سيتيرام". المرحلة الانتقالية التي يمر بها العمال جاءت وفق مخطط تنظيمي جديد أقرته الشركة الفرنسية يتضمن ضرورة التوقيع على عقود عمل تتضمن فترات تربص تدوم ثلاثة أشهر، تبقى فيها أجورهم على مدى عام كامل في حال قبولهم كما كانت عليه وهم في الشركة الوطنية للنقل الحضري وشبه الحضري، وعلى هذا الأساس، طلبت مديرية الموارد البشرية ل “سيتيرام" من العمال، إيداع ملفات جديدة والتوقيع على عقود تتضمن المعلومات سالفة الذكر، دون أن يتبيّن للعمال أي تطور في الوضعية المهنية رغم الانتقال من تسيير جزائري إلى آخر فرنسي!؟ الإضراب الذي يشنه العمال يأتي كنتيجة للوضع المهني الجديد المرفوض جملة وتفصيلا، ويقولون إنه “من غير المعقول أن نكون اجتزنا فترة تربص في مختلف المناصب لاستغلال وتسيير الترامواي تحت قبعة الشركة الوطنية للنقل الحضري وشبه الحضري، لتأتي الشركة الفرنسية “سيتيرام" تفرض علينا من جديد ضمن عقودها خلال المرحلة الانتقالية فترة تربص"، ما يعني أن العمال سيتم توظيفهم مرتين من أجل منصب واحد كانوا في الواقع يمارسونه على الأرض قبل نقلهم بموجب بروتوكول اتفاق بين “إيتوزا" و«سيتيرام". فالعمال المضربون بترامواي العاصمة، والذين أوقفوا العمل أسوة بزملائهم في الحافلات المطالبين بتطبيق الاتفاقية الجماعية على عمال إيتوزا (وهي شركتهم الأم)، اصطدموا وهم يحاولون التفاوض مع مسؤوليهم الفرنسيين الجدد، بوضعية أكثر تعقيدا وتشابكا، إذ يقول العمال “لقد أبلغتنا مديرة الموارد البشرية لسيتيرام أنه ابتداء من 18 أكتوبر يمكنها أن تكون حائزة على سلطة مفوضة من وزير النقل للشروع في طرد كل عامل يرفض التوقيع على العقود الجديدة للعمل التي أنجزتها سيتيرام الفرنسية"، وأبلغهم مسؤولون فرنسيون حول مسألة رفع الأجور بأنه خلال التوقيع على بروتوكول المرحلة الانتقالية مع “إيتوزا" تم الاتفاق على أن الحديث حول رفعها سيبدأ بعد عام من بدء الاستغلال الفرنسي لترامواي العاصمة. كما شجب العمال، من جهة أخرى، طلب الإدارة تضمين الملف للبطاقة الزرقاء كدليل على أنهم كانوا بطالين مسجلين ومحصيين لدى مكاتب التشغيل العمومية. وهنا يشير العمال إلى أن المدير العام لإيتوزا “لم ينصفنا لما آوينا إليه وقال إننا استفدنا من تكوين عالي في تسيير الترامواي وسياقة عرباته، وأن توقيف احتجاجنا الأخير كان دليلا على رضاهم بالوضعية الجديدة، بينما الأصح أن توقيف الإضراب لم يكن نتيجة اتفاق مع الإدارة بل خدمة للشعب الجزائري"، قبل أن يضيف آخر “لقد تحوّلت وضعيتنا إلى كابوس حقيقي في ظل ممارسات لا إنسانية ولا مهنية من طرف أجانب ببلدنا، فهم يريدون تحويلنا كسلعة تحت سلطة الفرنسيين دون مراعاة بطاقة الرغبات التي تمنحها المؤسسات التي تحترم نفسها، في حالات مماثلة للتي نعيشها نحن". خروقات فرنسية بالجملة في استغلال ترامواي الجزائر يعدد العمال فوق كل المشاكل الإدارية التي أحصينا بعضها قبلا، ومنها الأجر القاعدي الوطني الأدنى المضمون المنعدم في رواتبهم، يروي هؤلاء أمورا خطيرة لها علاقة بالسيادة الوطنية وأخرى بسلامة الجزائريين، فالعمال يؤكدون أن “سييترام" نزعت الرايات الوطنية من على الأعمدة التي كانت معلقة بها، وتفيد أيضا المعلومات التي استقيناها من العمال أن هناك من الإدارة من صرخ فيهم خلال الاحتجاج أنهم تحت سلطة فرنسية وليست جزائرية، معتبرين هذا الأسلوب “استعماريا لا يليق بسمعة شركة فتحت لها الجزائر المستقلة ذراعيها للاسترزاق". ويقول العمال إنهم غير مؤمّنين رغم عملهم طيلة أشهر، وأنهم تلقوا كشوفات رواتبهم مبتورة من الرموز الرقمية للضمان الاجتماعي، وأن هناك من السائقين من لا يفوق راتبه 25 ألف دينار في أحسن الأحوال رغم مواجهتهم لاعتداءات شبه يومية يؤججها انعدام أمن تام في المحطات وداخل الترامواي، مؤكدين بالمناسبة أن “فرنسيون لا يملكون رخصا لقيادة الترامواي إلا وهو فارغ قاموا بالأمس بالمخاطرة بحياة الجزائريين وقادوا العربات بهدف كسر الإضراب"، ويقول سائق تلقى تكوينه على يد الفرنسيين أنفسهم، ومطلع على القوانين إنه “لا يحق لسائق ترامواي قيادته في خط لا يعمل به ولا يعرفه ولم يسبق له وأن قاد فيه، لكن هذا ما فعله رئيس مصلحة الاستغلال الفرنسي جون لوك فاكورا ورئيسه المكلف بمصلحة المحطات". كما كشف عمال الشبابيك، من جهتهم، أن ترامواي الجزائر تكبد خسائر كبيرة “بسبب عدم دفع الركاب لحقوق التذاكر وانعدام مراقبين بالمحطات"، وفسّر أحدهم أن هذه المسألة “لها أهدافا سياسية أكثر منها إدارية"، كاشفين أيضا أنهم ينقلون بأنفسهم وبوسائلهم الخاصة الملايين من الأموال المحصلة اليومية إلى الصندوق العام دون أية حراسة ولا وسائل نقل “مما يعرّضنا إلى الاعتداءات والسرقة يوميا". كل هذا السوء في استغلال ترامواي الجزائر، لم نجد من يجيب عنه لدى دخولنا الإدارة، حيث رفضت مديرة الموارد البشرية بقولها “لا أريد التحدث معكم “، ولما سألنا عما يمنعها قالت ضاحكة “لا أريد وكفى"، بينما باءت محاولاتنا مع المدير العام وموظفين سامين آخرين بالفشل في الإطار ذاته، معتبرين أن وزارة النقل أولى بذلك.