أكد العضو السابق في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، علي هارون، أن تعيين المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني، لم يأت إلا بعد سفك دماء الجزائريين عقب فتنة مؤتمر طرابلس 1962. وقال إن خلفية تعيين أعضاء هذه السلطة مشكوك في شرعيتها، رغم ادعاءات أحمد بن بلة وحلفائه. سلط المحامي علي هارون، ظهيرة السبت الماضي، بقصر الثقافة مفدي زكريا، الضوء على الخلافات السياسية العميقة التي نشبت عقب مؤتمر طرابلس الاستثنائي، الذي عقد في ليبيا من 27 ماي إلى 5 جوان 1962. في مداخلة بعنوان “أزمة المجلس الوطني للثورة الجزائريةبطرابلس في جوان 1962"، وقال إن هذا الموعد الذي كان سيعين بموجبه مسؤوليين لتسيير البلاد مباشرة بعد إعلان الاستقلال، تحول إلى حلبة للصراع والنزاع، ترجم على أرض الواقع، بمواجهات عسكرية خلفت ألف قتيل بين أنصار بن بلة ومجموعة تيزي وزو المعارضة (لإعلان تلمسان) بحدوث انتخاب المسؤولين بثلثي الأصوات. بالعودة إلى أصل المشكل، قال هارون إن الجزائر المستقلة تجاهلت مؤتمر طرابلس عمدا “لأننا لسنا فخورين بالحديث عنه" و«لأنه يعكس أوقات مظلمة من تاريخنا". وأضاف: “القادة المجاهدون لم يكن لهم الوقت الكافي للتفكير في السياسة المعتمدة بعد الاستقلال، لم يتطرقوا إلى طبيعة النظام أو المنهج الايديولوجي أو القيادة التي ستوكل إليها مهمة تسيير البلاد بعد إخراج فرنسا.. كان ذلك ثانويا". يرى المتحدث، أن الأسرى الخمسة: بن بلة، بوضياف، خيدر، آيت أحمد وبيطاط هم أصحاب فكرة تنظيم مؤتمر طرابلس، بينما عارضت الحكومة المؤقتة الاقتراح وفضلت تنظيمه بالجزائر مباشرة بعد الإستقلال، وبحضور كل الأطراف المشاركة في معركة التحرير، في الداخل والخارج. إضافة إلى أن المؤتمر لم يكن حاجة مستعجلة في نظر الحكومة المؤقتة. إلا أن المؤتمر نظم بليبيا بحضور 65 مناضلا وغياب تسعة آخرين عين نواب عنهم. حرر بموجبه نصين الأول ايديولوجي، عبارة عن دراسة نقدية للثورة يعرف ب “أرضية الحمامات"، صوت عليها المؤتمرون بالإجماع: “من يقول إننا لم ننقاش الأرضية فقد كذب"، يسجل المحاضر. ظهرت مؤشرات الخلاف، في النص الثاني الخاص بالإدارة، أي من سيدير الجزائر المستقلة؟: “شكلت لجنة لاستقصاء أراء المناضلين بطريقة سرية حول من يرونه مؤهلا للقيادة. ترأس اللجنة محمد الصديق بن يحيى، الذي وقف عند نتيجة سلبية، حينما رفض الجميع الإدلاء بآرائهم. لهذا عين في 5 جوان 62 لجنة ثانية تعيد السؤال ولكن دون مناقشة أو تباحث في الآراء". تعمق الخلاف وتبادل المناضلون الشتائم والنعوت: “خاصة حيال بن خدة، عندما عجز بن يحيى عن تهدئة العناصر ورفع الجلسة، على أن تواصل في اليوم الموالي، وإلى يومنا هذا لم تعقد". ويخلص هارون إلى القول: “من يقول إن هذه المجموعة أو تلك اختيرت وانتخب عليها فقد كذب". في 20 جويلية 1962 أعلن بن بلة من تلمسان أنه حاز على أغلبية الأصوات (ثلثي الأصوات) “ولا أدري على ماذا اعتمد ليعلن هذه النتيجة؟" يستفهم المحامي. علما أن النقاش احتدم بين مجموعتي تلمسان وتيزي وزو وتحولت المعركة اللفظية إلى نزاع عسكري في أوت 1962: “اقتتلنا فيما بيننا وسقط حوالي ألف قتيل، وعلى شباب اليوم أن يعرفوا هذه الحقيقة". في غياب وثائق تؤرخ لهذا المؤتمر، قال علي هارون، إنه بعد إعلان وقف إطلاق النار في 4 سبتمبر 62، وتأسيس المكتب السياسي نهائيا في الجزائر العاصمة والاعتراف به كسلطة عليا لجبهة التحرير الوطني. يمكن القول إن “الجبهتين المتنازعتين جنبت البلاد السقوط في الحالة الكونغولية". ويضيف: “أعتقد أن المنتصرين والمنهزمين، كانوا عقلاء. لأنهم عرفوا أنهم إذا واصلوا في النزاع كنا سنبلغ حدود أخطر وانقسام التراب الوطني". داعيا إلى تلقين هذه الحقبة التاريخية لشباب اليوم، دون مواربة أو إخفاء للتفاصيل. كما انتقد المتحدث المنتصرين، لأنهم عند تعيين الجمعية التأسيسية أقصوا تيارات أخرى من المنهزمين، خاصة من الحكومة المؤقتة وفيدرالية جبهة التحرير بفرنسا وغيرهما وهو ما يفسر فشل الجمعية وقصر عمرها السياسي.