بومدين لم ينقلب على الحكومة المؤقتة سنة 1962 بل انقلب على اتفاقها مع فرنسا على حل الجيش المنتصر وعلى تمكين الكولون من البقاء في القيادة والحكم في عهد الجزائر المستقلة حسب نص اتفاقيات إيفيان، ولو لم ينقلب بومدين وبن بلة على اتفاقيات إيفيان لكان وضع الجزائر مثل وضع إسرائيل الآن. بومدين استخدم القوة المنظمة، وهي الجيش، في فرض تطبيق برنامج طرابلس (جوان 1962) الذي وافق عليه المجلس الوطني للثورة بالإجماع واختلفوا فقط حول تعيين القيادة التي تقود تطبيق هذا البرنامج... وحسم بومدين لصالح البرنامج وليس لصالح صراع الأشخاص حول السلطة.! بومدين طبّق برنامج طرابلس في الستينيات والسبعينيات ولم يصفّ خصومه السياسيين كما ادعى المعتوهون سياسيا.. فالعديد من رجالات الحكومة المؤقتة شاركوا في مؤسسات دولة الاستقلال من فرحات عباس إلى القيادات التاريخية مثل خيضر وكريم وبيطاط وبن طوبال وغيرهم.. وإن كانوا قد اختاروا طريقا آخر فيما بعد. ليس صحيحا أن بومدين مكّن ضباط فرنسا من السلطة في 1962 والدليل أنه عندما مات، رحمه اللّه، ترك على رأس المجلس الشعبي الوطني رابح بيطاط وهو أحد الستة التاريخيين... وترك على رأس الأفالان محمد الصالح يحياوي وهو المجاهد الصافي والمخلص.. وترك على رأس جهاز الأمن العسكري المرحوم قاصدي مرباح وهو من هو في الجهاد.. وعائلة خالف معروفة بجهادها. وترك على رأس وزارة العدل بوعلام بن حمودة وهو من هو في الولاية الرابعة.. وترك على رأس وزارة الداخلية محمد بن محمد عبد الغني وهو ليس من جماعة فرنسا... وترك على رأس الخارجية عبد العزيز بوتفليقة وهو ليس من ضباط فرنسا، وترك على رأس كل النواحي العسكرية قادة جهاد خلص... وترك على رأس الأمن الوطني محمد دراية. وترك ما يسمى بضباط فرنسا مجرد تقنيين وليس بيدهم أي قرار.. لكن كون هؤلاء تغوّلوا فيما بعد، فذاك يعود إلى ضعف من أخذ مكان بومدين ولا يعود إلى ما تركه بومدين. يعاب على بومدين أنه صفى جسديا خيضر وكريم بلقاسم وشعباني.. والحقيقة خلاف ذلك تماما.. كيف يكون بومدين دمويا ويصفي هؤلاء وهو الذي رفض إعدام من أطلق عليه النار في قصر الحكومة سنة 1967؟! بومدين هو الذي أطلق سراح آيت أحمد بتسهيل مهمة هروبه بعد انقلاب 1965.. وقد قال لي هذا الكلام المرحوم الجهادي لخضيري الذي كلفه بومدين بتسهيل فراره. ترى لماذا لم يصفّ بومدين آيت أحمد أو بوضياف أو الزبيري وفعل ذلك مع خيضر وكريم بلقاسم.؟! بومدين طبق على كريم ما طبقه هو على عبان رمضان في الثورة! هل يعقل أن يقتل بومدين في الخروبة مدير شركة النقل، لأنه سرق 45 مليونا من أموال الشركة ولا يطبق نفس الأمر على من أخذوا أموال جبهة التحرير وتقاسموها في سويسرا وراحوا يموّلون بها عمليات ضد أمن البلد. بومدين لم يستعمل العنف ضد آيت أحمد أو الزبيري أو حتى بوضياف، لأن معارضتهم كانت سياسية ولم تتحول إلى أعمال عسكرية، كما فعل كريم وخيضر.. ومن طلق زوجة مناضل من رقبة زوجها، لأنه فتح له بيته ليختبئ فيه ويتزوجها فيما بعد في تونس، لا يحق له أن يعطي المثل الأخلاقي لأمثال بومدين؟! واسألوا المناضل محمد كيوان.! نعم، بومدين كان ديكتاتورا... لكنه كان منحاز بديكتاتوريته إلى المسحوقين من شعبه، فلم يستخدم الديكتاتورية إلا فيما يخدم مصالح الشعب.. ومات وفي حسابه 25 ألف دينار فقط. بقي أن أقول: إذا كان ضباط فرنسا الذين قرّبهم بومدين منه سنة 1962 قد فعلوا بالبلاد هذه الأفاعيل كما يدّعي المعتوهون سياسيا.. فماذا لو ترك بومدين الحكومة المؤقتة، تمكّن الكولون والحركة من الحكم في الجزائر المستقلة وفق اتفاقيات إيفيان؟! الجواب تعرفونه بالتأكيد..