يقول الشاعر الكبير المرحوم محمد بن محمد العيد أل خليفة، واصفا قسنطينة العاصمة العربية للثقافة 2015. بلد الهواء دعوك أم بلد الهوى إني أراك لذا وذاك مجالا إنها مدينة الصخر العتيق، مدينة الجسور المعلقة، مدينة عش النسر، كما أنها المدينة المسماة: قرطا، ساريم باتيم، قسطنطينية، قسنطينة، قسمطينة، سيرتا، العاصمة النوميدية للملك ماسينيسا، وابن أخيه يوغرطا، صنفها المؤرخون بأنها أجمل مدينة منظرا في العالم، يعود تاريخ تأسيسها إلى ما يقارب 26 ألف عام، بتواجد العديد من التجمعات السكانية الأمازيغية بها (الجبائل)، الذين أطلق عليهم الإغريق اسم الليبيين النوميديين، وكذا إلى مجموعة التجار الفينيقيين، المعروفة عندهم ب«قرطا" والتي تعني المدينة، كما أخذت إسم “ساريم باتيم" عند القرطاجيين. عرفت المدينة سلطة الرومان في العهد البيزنطي عام 311 م إذا دمرت على آخرها، إلى أن جاء الإمبراطور قسطنطين عام 313 م فأعاد بناءها وأخذت اسمه “القسطنطينية" أو"القسنطينية". وفي عام 429 م، استحوذ عليها الوندال والبيزنطينيين ردحا من الزمن، إلى أن تحررت واستقلت مع الفتح الإسلامي، حيث عربها الهلاليون مع نهاية القرن التاسع، ثم تعرفت المدينة على الزيريين والحماديين والأندلوسيين والجاليات اليهودية الهاربة من ويلات المسيحية المتطرفة للكنيسة الكاثوليكية، بعد سقوط الأندلس عام 1492م. وخلال القرن الثالث عشر، انتقلت المدينة إلى حكم الحفصيين، إلى أن حل بها سلطان الأتراك العثمانيين عام 1568 م فصارت بايلك الشرق (1771 - 1792) إلى عهد الاحتلال الفرنسي عام (1837 - 1962)، مرجانة الشرق الجزائري التي ستشرق عليها شمس الثقافة العربية 2015، التي بشر بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، بمجلس الوزراء يوم 26 / 12 / 2012، بمناسبة الإمضاء على قانون المالية 2013، الذي كلف فيه الجهاز التنفيذي بالاعتماد على وزارة الثقافة، للقيام بكل الإجراءات والمساعي المثمرة لاحتضان تظاهرة قسنطينة العاصمة العربية للثقافة 2015. تلك البشرى وذلك المسعى الذي تبنته المنظمة العربية للثقافة والعلوم “الكسو" في دورتها الواحد والعشرين المنعقدة بتونس يوم 29 / 12 / 2012. من العقد العالمي الأوروبي والعربي للتنمية الثقافية - إلى العواصم الأوروبية للثقافة (1985 - 2013) ترجع فكرة العواصم الثقافية إلى مؤتمر الأممالمتحدة المنعقدة في المكسيك عام 1982، الذي تضمن العديد من الاقتراحات المتعلقة بتفعيل السياسات الثقافية باعتبارها حلقة وصل بين شعوب العالم، قدمتها الأممالمتحدة في دورتها المئوية عام 1986 بالإعلان عن “العقد العالمي للتنمية الثقافية" والمتمثل في رسم خطة عشرية (1988 - 1997) تديرها منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو" وفق برنامج ثقافي خاص بالدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، فتحققت المبادرة الأولى باليونان، في جعل أثينا العاصمة الأوروبية للثقافة 1985، تقديرا لمكانة ودور الثقافة اليونانية في الوجدان الفكري والإبداعي للقارة الأوروبية، واستجابة لفكرة الممثلة المسرحية والسينمائية العالمية السياسية، المناضلة والمساندة للقضية الفلسطينية وزيرة الثقافة اليونانية (1981 - 1989) (هيلينا ميركوري: 1920 - 1994) صاحبة مشروع العواصم الثقافية، الذي تقدمت باقتراحه للإتحاد عام 1983، حيث توالت التظاهرات الثقافية بين عواصم الاتحاد الأوروبي من أثينا 1985 إلى باريس 1989 مرورا بمدريد 1992، وبروكسل 2000، وماريكو وعمراس 2012 ومارسيليا وكوشتسة 2013 إلى غير ذلك من التظاهرات التي وصلت إلى (44 تظاهرة) من عام 1985 إلى 2013. العواصم العربية للثقافة (1996 - 2015) محاكاة لذلك العمل الثقافي الأوروبي المثمر، بادرت المنظمة العربية للثقافة والعلوم بالتعاون والتنسيق مع مجموعة من الخبراء بالدول العربية، في إعداد دراسة شاملة، تحدد على إثرها خطة عربية ثقافية كاملة، تعرض على المؤتمر العربي لوزارء الثقافة في دورته الخامسة العام 1985، وإسهاما من المجموعة والمنظمة العربية في العقد العالمي للتنمية الثقافية، تلك الفكرة التي انتقلت من المساهمة في العقد العالمي إلى طرحها في الاجتماع العام لمنظمة “اليونسكو" عام 1995، والتي لاقت ترحيبا وتأييدا عربيا، أقرته جامعة الدول العربية مقدمة إياه إلى اجتماع اللجنة الدولية الحكومية في عشريتها العالمية للتنمية الثقافية كمشروع للعقد العربي للتنمية الثقافية، والمقدم في الوقت نفسه، للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، في دورتها ال 11 لوزراء الثقافة العرب، التي جرت أشغالها في الشارقة بالإمارات العربية المتحدة عام 1998، حيث تبنته المجموعة العربية بالاعتكاف على اختيار العواصم العربية للثقافة، والعمل على ترسيمها بمنظمة “اليونسكو" لتغطية العشرية الأولى من الألفية الثالثة، حدد على إثرها جدولا للعواصم العربية للثقافة، فكانت الانطلاقة الأولى من القاهرة عام 1996 ثم تونس 1997 فالشارقة 1998 ثم بيروت 1999 فالرياض 2000 إلى إن جاءت تظاهرة الجزائر 2007، ونظرا للنجاح الكبيرالذي حققته الجزائر العاصمة العربية للثقافة داخل الوطن وخارجه، بما اكتنزته العديد من مدنها التاريخية العريقة وماتركته الحضارات المتتالية، فقد حظيت باستضافة تظاهرة ثانية وفي ظرف قياسي عربي ثقافي، ستنطلق فعالياته مع مطلع 2015 بمرجانة الشرق الجزائري، وبأجمل مدينة منظرا في العالم “قسنطينة"، تلك التظاهرة التي تهدف إلى تنشيط مختلف المبادرات الثقافية والحضارية والفكرية، وتعمل على دعم الإبداع وتوسيع مجالات الحوار العربي المشترك والانفتاح على حضارة وثقافة الأمم والشعوب الأخرى، من أجل تعميق ثقافة التعاون والتسامح، واحترام الخصوصيات الفكرية والمعرفية والإبداعية والتعريف بها، ما جعل ذلك الحدث أو تلك التظاهرة الثقافية جسرا للتواصل بين العواصم، من أجل التنمية الثقافية وموسما سنويا تجتمع فيه الثقافات الإنسانية والتي على إثرها تضبط البرامج الفكرية والمعرفية، من أجل تفعيلها بين الأمم والشعوب وفق العناصر والأسس التي تتميز بها كل مدينة من مخزون أو رصيد أو موروث أثري وتراثي، كما يضاف إلى ذلك، الرغبات الملحة من زعماء وقادة الدول العربية التي تزخر مدن بلدانهم بالتراث الحضاري العربي، لاحتضان التظاهرة المصطلح على تسميتها “العاصمة العربية للثقافة". من العواصم العربية إلى العواصم الإسلامية للثقافة (2005 - 2013) على غرار ماقامت به المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وما عرفته تظاهرات العواصم العربية للثقافة من نجاحات وأصداء عربية وعالمية، سارعت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “الايسيسكو" بمبادرة ثقافية تهدف إلى إحداث عواصم للثقافة، في الدول العربية والإسلامية حددت بثلاث مناطق هي العالم العربي، إفريقيا وآسيا، بالإضافة إلى استضافة المؤتمر الإسلامي ودورة اجتماع وزراء الثقافة للدول الإسلامية، وفق ما تم الاتفاق عليه في عام 2001، بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وفي الدورة الثالثة لوزراء الثقافة، التي انعقدت في قطر،واعتمدت فيها مختلف التوصيات والنتائج الصادرة عن الدورة الرابعة لوزراء الثقافة بالجزائر 2004، من أجل تعزيز العلاقات الثقافية والتعريف بالموروث الفكري والعمل على نشر “ثقافة السلم والمصالحة والتسامح وحماية الإنسانية من المخاطر التي تهدد حضارتها وهويتها"، حيث حدد المؤتمر الإسلامي رزنامة شاملة لفعاليات “عواصم الثقافة الإسلامية"، انطلاقا من مكة المكرمة عام 2005 طيلة عام كامل، محققة بذلك نجاحا كبيرا ضبط على إثره برنامج خاص بالمناطق الثلاثة، فكانت (حلب أصفهان تمبكتو 2006)، وهكذا توالت التظاهرات بعواصم الثقافة الإسلامية التي بلغت مايقارب (20 تظاهرة) بمختلف المدن العربية والإسلامية وبالوطن العربي وإفريقيا وآسيا، كان للجزائر فيها الدور البارز في احتضان التظاهرة العالمية التي جرت فعالياتها طيلة عام كامل في تلمسان، “عاصمة الثقافة الإسلامية 2011". التظاهرات الثقافية الكبرى بالجزائر (2003 - 2015) لقد عرفت الجزائر خلال العشرية الأولى من الألفية الثالثة، تظاهرات ثقافية كبرى أبرزت من خلالها المكانة المغاربية والعربية والإفريقية والإسلامية والمتوسطية، باحتضانها فعاليات ثقافية كونية متميزة، تعلقت بالتعريف والتعرف على الموروث الحضاري والثقافي والتاريخي لدى الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي بعد مؤامرة السنين العجاف والعشرية المأساوية، التي أجهضها ووضع حدا لأخطارها قانون الوئام المدني (13 / 07 /1999) وميثاق المصالحة الوطنية (14 / 08 / 2005) وغيرها من المبادرات الأخرى التي ساعدت على استرجاع الجزائر عافيتها، متخذة من الثقافة وسيلة لتعميق السلم والأمن والمصالحة مع الذات والتاريخ وبتوطيد الترابط والتضامن المتجذر في المجتمع الجزائري وما جادت به الحضارة الإنسانية من مشاعر وقيم معرفية متنوعة المشارب، متعددة المصادر، جمعت في تلك المحطة التاريخية الكبرى. المحطة الثقافية الجامعة (سنة الجزائر بفرنسا)، التي جرت مراسيم افتتاحها مع بداية عام 2003 بالعاصمة الفرنسية باريس، والرامية إلى التعريف بالثقافة الجزائرية الأصيلة، التي تعرضت للطمس والتشويه طيلة الفترة الاستعمارية (1830 - 1962)، والتي استغل الجيل الفرنسي الجديد غير المشع بالفكر العنصري، تلك التظاهرة الجزائرية الثقافية، في التعرف على الموروث الثقافي الجزائري والتعريف به على نطاق واسع داخل الساكنة الفرنسية والأوروبية، تحت شعار “التواؤم بدلا من سوء الفهم" مع شعوب المستعمرات، حسب تعبير المحافظة العامة للتظاهرة، فرانسواز اللير. أما التظاهرة الثقافية العربية التي تمثلت في “الجزائر العاصمة للثقافة 2007" التي انطلقت فعالياتها يوم 11 / 01 / 2007، وهي الدورة ال 12 للعواصم العربية الثقافية، فكانت مع حلول السنة الأمازيغية متفادية ذلك الجدل الثقافي العقيم المحترم بين أيديولوجيات عقائدية ومذهبية، حول الأيام المناسبة لمراسيم التظاهرات العربية الثقافية المرتبطة برأس السنة الميلادية، المسيحية أو الأعياد الدينية الإسلامية، باعتبار بداية ذلك النشاط، معضلة رسمية ينشط تحتها العلمانيون والحداثيون، حسب زعم العديد من المجادلين. أما المحطة الثالثة وهي تظاهرة قارية انفردت بها الجزائر عن غيرها من دول العالم العربي والإسلامي والأوروبي جمعتها فعاليات “المهرجان الإفريقي الثاني"، الذي اقترنت نشاطاته مع عيد الاستقلال والشباب (5 / 07 / 2009)، تحت شعار “عودة إفريقيا" أو “إفريقيا التجديد والنهضة"، تعود فكرة المهرجان الإفريقي، الذي انطلقت فعاليات ظهوره في الطبعة الأولى بالجزائر عام (21 / 07 / 1969)، بمناسبة انعقاد ندوة رؤساء الدول الإفريقية، التي تمت من خلالها عملية المصالحة الإفريقية العربية، التي كانت فيها الجزائر محطة لتقارب وجهات النظر بين الزعماء والرؤساء الأفارقة والقادة العرب، في لقائهم الأول بالجزائر، ذلك الاجتماع الذي أخذت أثناءه القضية الفلسطينية بعدا إفريقيا، ساندت فيه العديد من الدول الإفريقية القضية الفلسطينية. المهرجان الإفريقي الأول الذي أسس له الدكتور الحقوقي السياسي المتمرس المثقف المرحوم محمد الصديق بن يحي، (1932 - 1982)، الذي تولى مسؤولية وزارة الثقافة والإعلام (1967 - 1970)، في حين أن المهرجان الإفريقي الثقافي الثاني جاء بناء على اقتراح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في اجتماع رؤساء الدول الإفريقية المنعقد في الخرطوم (السودان) عام 2005، الذي صادق عليه الحاضرون بالإجماع، بتشريف الجزائر على تنظيم الطبعة الثانية للمهرجان الإفريقي الثقافي الثاني بعد أربعين سنة، شاركت فيه جميع الدول الإفريقية (48 / 53)، إلى جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية، فرنسا والبرازيل من (5 إلى 20 / 07 / 2009)، أبرزت من خلاله وفود الدولة المشاركة مختلف الطبوع الثقافية والفكرية والفنون المادية وغير المادية تمثلت في نشر الدراسات والبحوث، والترجمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للقارة السمراء، خاصة المراحل التاريخية وكفاح شعوبها وثوراتهم المسلحة من أجل استرجاع السيادة والحرية والاستقلال. المهرجان الإفريقي الثاني الذي تميز بالتحرر الفكري والإبداع الفني والحضاري للفنون الشعبية العتيدة الإفريقية. المحطة الرابعة هي محطة عالمية إسلامية جمعت في “تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011" التظاهرة العالمية التي أشرف على افتتاحها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، يوم ال 16 أفريل 2011، بمناسبة ذكرى يوم العلم واليوم العالمي للمعالم الأثرية بحضور شخصيات سياسية ودبلوماسية ووزراء الدول الرسلامية ورجال الفكر والثقافة، ذات المكانة العالمية وبمشاركة (41 دولة) وقد سبق ذلك الافتتاح العالمي افتتاح وطني أشرفت عليه خليدة تومي وزيرة الثقافة، بحضور ممثلي الدول الإسلامية وغير الإسلامية (الولاياتالمتحدةالأمريكية، فرنسا، إسبانيا، البرتغال والبرازيل..) بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، وبتواجد الباحثين والمفكرين والدارسين للفكر والتراث الإسلامي يوم (15 فيفري 2011)، تلك المحطات الثقافية العالمية والإقليمية والمحلية وما ترتب عنها من إنجازات للعديد من المنشآت والفضاءات الثقافية والمعالم التراثية المادية وغير المادية والتي تدخل في إطار حرص رئيس الجمهورية وما يوليه من مكونات للشخصية وحماية للهوية والثوابت الوطنية. وما العاصمة النوميدية التي أمر رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء (26 / 12 / 2012) أعضاء الجهاز التنفيذي، بالاعتماد على وزارة الثقافة ودعمها، من أجل احتضان التظاهرة العربية المصطلح على تسميتها “قسنطينة العاصمة العربية للثقافة 2015"، إلا لبنة ثانية سيتم من خلالها إنجاز قصر للثقافة ومكتبة مركزية شاملة ومتاحف متميزة وغيرها من المشاريع التي تساعد على إخراج الموروث الفكري والثقافي والمخزون المادي وغير المادي الذي تكنزه عاصمة العلم والعلماء وما تزخر من معالم بونية، نوميدية، رومانية، وندالية، بزنطية وعربية إسلامية والتعريف بها وتثمينها وحمايتها بالمتاحف المواضعية والمتخصصة، وتأهيل وترميم ما أفسد الدهر والكوارث والمؤثرات الطبيعية، وما طالت إليه الأيادي البشرية والحروب والمقاومات الشعبية وكل ما عرفته أو مرت عليه مدينة الربوة الصخرية “قرطا" التاريخ والحضارة والفنون الشعبية والصناعات النحاسية والحرف التقليدية والعبقريات الأندلسية “عاصمة الوطن العربي 2015".