ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    بوريل: مذكرات الجنائية الدولية ملزمة ويجب أن تحترم    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    انطلاق الدورة ال38 للجنة نقاط الاتصال للآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء بالجزائر    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    السيد ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محي الدين عميمور يفتي بدعم الإخوان المسلمين
نشر في الجزائر نيوز يوم 26 - 02 - 2013

كنت أتوقع مسبقا وأنا أطلع على المقابلة المنشورة في جريدة صوت الأحرار 23-02-2013 مع د. محي الدين عميمور (أجرى المقابلة خالد. س)، بأن تكون المرجعية الفكرية له هي تجربة حركة التحرر العربية، بل وكنت أتوقع تقييما لهذه التجربة بسلبياتها وإيجابياتها،
خاصة أن مصر والحركة السياسية الفاعلة اليوم، قد أعادت الاعتبار لهذا التراث وما العودة لإحياء وتجديد الإرث الناصري، حيث ترتفع صور الرئيس جمال عبد الناصر في مصر وغيرها من دول الربيع العربي، كذلك حصول المرشح الناصري حمدين صباحي، على ما يقارب خمسة ملايين صوت مؤيد له. سوى المؤشر لذلك.. أيضا فالجزائر ذاتها الركن المؤسس في هذا المسار وفي هذه التجربة، هو ما كان على السيد عميمور وغيره الإسترشاد بهذه التجربة ومراجعتها. إن هذا الإرث الذي لايمكن قراءة السير الذاتية للنخب التي قادت الثورة الجزائرية التنصل منه، هو ما على البعض تقييمه والتجديد والإضافة إليه. إن مرحلة النصف الثاني من القرن العشرين غنية التجربة، ونحن لا نريد أن نقف عندها بل نريد أن نعتبرها قاعدة يمكن البناء عليها، خاصة أنها المرحلة التي أعادت للعرب بكافة أقطارهم حضورهم الذاتي، وهذا ما قد إنعكس بعد سبعينيات القرن المنصرم إلى النكوص والتراجع دون أن يصار حتى الآن للسؤال عن ماهية هذه النكسة وعن أسبابها، وكيف يمكن قراءة التحولات والتطورات، وصولا إلى الوقوف عند الأحداث المهمة التي تعرفها مصر وغيرها من بلدان عربية اليوم؟
-لقد شهدت الجزائر وبعد وفاة الرئيس أحمد بن بلة، حراكا سياسيا وفكريا في تقييم مسار هذه التجربة وغيرها. إن هذا الحراك الذي يمثل بمئات المقالات والدراسات والشهادات التي كان هدفها تقييم مرحلة الاستقلال وتأسيس الجمهورية الجزائرية، هو ما كان على محي الدين عميمور أن يعتبره مرجع له في شهادته على هذا الصعيد، وأن يساهم في الحوار مع المتحاورين بشأنه. لذا يمكن من خلال مراجعة هذه النصوص التي كتبت بعد وفاة بن بلة، إستخلاص العبر والنتائج. وحيث المطلوب ليس فقط الوقوف عند المشاريع الوطنية، بل أيضا البدء بتلمس مشروع مغاربي عربي إفريقي أسيوي عالمي. وهذا ما نطمح أن تساهم فيه كل الفعاليات المعنية بمستقبل العرب، خاصة النخب الجزائرية منها.
- في مصر، وحيث يطغى الحدث الداخلي على ما عداه من أحداث عربية، يقوم المثقفون العرب بالمتابعة والإدلاء بآرائهم، خاصة أن التجربة المصرية ستساهم في رسم صورة إيجابية إذا نجحت وسيكون العكس من ذلك إذا فشلت.
لقد اندفع الدكتور محي الدين معميور بالإدلاء بدلوه حول هذه التجربة، وسنقوم بتلخيص وجهة نظره، تمهيدا للنقاش والحوار مع ما أورده من أفكار في المقابلة المشار إليها.
بدءا ينكر عميمور وجود قوى سياسية فاعلة في مصر غير الإخوان المسلمين قوى تمثل ثقلا شعبيا، ويرى بأن معارضي الرئيس محمد مرسي ونحن لا ننكر شرعية وجوده في هذا الموقع ينفدون مخططا “للانتقام من الشعب المصري" واصفا المشاركين في المظاهرات والتحركات بأنهم في مواقع مماثلة لما كانت تفعله القوى المؤيدة للرئيس مبارك، والذين كانوا يقولون له “أسفين يا ريس". ويضيف عمميور بأن الأغنياء الذين إستفادوا من ذاك النظام والذين يملكون الملايير، هم من يساعدون جبهة الإنقاذ ويقفون ضد الرئيس مرسي. وبالتالي ضد الإخوان المسلمين. ويرى بأن المظاهرات ضد المرسي ماهي “إلا محاولة لإستنساخ تظاهرات25 يناير المعادية لمبارك حيث تدفع “ أموال هائلة لشراء الذمم وتحريك الشارع". والهدف “تحقيق وجود فاعل لجبهة الإنقاذ في الإنتخابات التشريعية المقبلة". والملاحظ أن إنتقادات دكتور عميمور للإخوان تبدو خجولة، إذا لم تكن معدومة، قياسا على الانتقادات الموجهة لجبهة الإنقاذ. وهو الذي يعترض على المطالبين بحكومة إئتلافية أو بحكومة وحدة وطنية. فمن يطالبون بهذه أو تلك هم فاقدوا الحضور التمثيلي الشعبي، في حين أنهم يرغبون بانتزاع مواقع في السلطة عن طريق ضغط الشارع وكأن مرآة عميمور هنا وفيما يشير إليه ما حصل في الجزائر حين فازت الجماعات الإسلامية بالإنتخابات عام 1990 والخلاصة التي يصل إليها عميمور أن “الشرعية الثورية أي شرعية الإخوان ستظل القاعدة للشرعية الثورية". ويختتم معتبرا بأن جبهة الإنقاذ تضم كل من يكرهون مرسي. وأن الأمور في مصر تتجه نحو الهدوء بفضل فشل جبهة الإنقاذ في إثارة الجماهير.
- بداية لا أحد ينكر شرعية حصول الرئيس مرسي على ما ناله من أصوات أهلته للوصول إلى هذا الموقع، كما أنه لا أحد ينكر أو لا يعترف من أن الإخوان كتيار سياسي هم جزء، وليس كل، من مكونات الشعب. هم الأول من حيث التمثيل الشعبي أمام مجموعة متساوين في مصر. فهل جبهة الإنقاذ تمثل ثقلا شعبيا في مصر؟ وهل هي تنفذ مخططا للإنتقام من الشعب المصري؟ وهل من الخطأ المطالبة بحكومة إئتلافية أو حكومة وحدة وطنية؟ وهل أن الإخوان يمثلون الشرعية الثورية دون غيرهم من تيارات سياسية مصرية؟ أيضا هل الوضع المصري يسير نحو الهدوء بفضل فشل وضعف جبهة الإنقاذ المتآمرة على مصر وشعبها؟
إن العودة إلى الأرقام التي حصل عليها الإخوان وغيرهم في مصر، تبين لنا بأن الإخوان في الدورة الأولى حصلوا على حوالي ستة ملايين ونصف من أصوات الناخبين، بينما حصل حمدين صباحي وأبو فتوح وعمرو موسى وأحمد شفيق على ثمانية عشرة مليون صوت، بينما في الدورة الثانية فقد حصل الرئيس مرسي على ما يزيد على ثلاثة عشرة مليون صوت في حين حصل أحمد شفيق على ما يزيد على إثنى عشر مليون.
للإشارة، فإن المرشح الناصري حمدين صباحي كانت القوى التي إنتخبته بمعضمها من سكان المدن، بينما الأقلية من سكان هذه المدن أيدت الرئيس مرسي.
فهل ما نشير إليه يكفي لإعطاء شرعية لتيار جبهة الإنقاذ؟ وهل بعد الذي نقدمه يمكن القول بأن الإخوان هم الوحيدون الذين يمثلون إرادة وتوجهات الشعب المصري؟ وهل الثمانية عشرة مليون هم من ينفذون مخططا للانتقام من الشعب المصري، وبأنهم من كانوا يدعمون حسني مبارك من قبل؟ وأليس المطالبة بحكومة إئتلافية أو حكومة وحدة وطنية، هو مطلب عادل؟ وألا يرى معي دكتورعميمور بأن القسم الأكبر من هؤلاء هم من القاعدة الشرعية الثورية والتي كان لها السبق في التحرك وبالتالي في إسقاط مبارك؟.
وهل أن إستبعاد هؤلاء يساهم في الهدوء الذي يرغب به عميمور وغيره ممن تنحجب عن أنظارهم الحقيقة المجردة؟ وهل الإستقرار في مصر مرتبط بإستقرار سلطة الإخوان؟ نحن لا ننكر أي جبهة الإنقاذ وغيرها من الجماعات الإسلامية وهذا ما على الدكتور عميمور أن يلتفت إليه، بأنه ليس عند القوى السياسية التي قادت التغيير بشقيها اليساري التقليدي والإسلامي السلفي التقليدي مشروعا يمكن المراهنة عليه.
وهذا ما يؤدي وأمام ما نشير إليه من فراغ، من أن تلعب القوى المضادة أي التي استفادت من الحكم السابق، مما يحصل في مصر من فوضى وعدم إستقرار، ولكن يا صديقي، فإن القوى المضادة تلعب على الساحة المصرية للحفاظ على مصالحها وحماية الثروات المنهوبة، وبالتالي فإنها تلعب لحسابها وليس لحساب غيرها.
يرى المتابع للحراك في مصر بأن الرئيس مرسي، ولعدم استجابته، وبالتالي إستجابة الإخوان للدعوات المطالبة بحكومة إئتلافية أو حكومة وحدة وطنية، بأنه يدير دفة الحكم في مصر ممثلا لتيار سياسي وليس ممثلا لمن دفعوا الثمن الحقيقي لإسقاط مبارك، وخاصة من الأجيال الجديدة.
هذه الأجيال وغيرها من قوى وكفاءات عالية هي المستبعدة عن كل موقع، جيل الأنترنيت والفيس بوك والتويتر وغير ذلك. فهل من العدل أن يختصر المشهد السياسي بالإخوان دون غيرهم؟ وليتذكر السيد عميمور إلى ما آلت إليه اللجنة التي تشكلت لصياغة الدستور المصري، والتي إستقال معظم أعضائها ولم يبق سوى الإخوان والبعض من حلفائهم.
نقول البعض، وها نحن نرى التيار السلفي وقد إبتعد عن الإخوان، منتهجا مسارا خاصا به، في حين أن المطلوب مشاركة الجميع في هذه الصياغة، وليس استبعاد القوى المنافسة أو التي تعترض على سياسة الإخوان.
وألا يرى معي بأن عدم جدية الإخوان في الحوار مع بقية مكونات المجتمع المصري من المنافسين الذين يعتبرهم الإخوان أقلية غير فاعلة، وهو ما يراه عميمور أيضا، بأن ممارسات من هذا النوع ترتفع لمصاف إعتبار الإخوان وكأنهم القدر؟ وألا يرى عميمور أيضا بأن شعار الوئام المدني والذي عرفته الجزائر بعد العشرية الحمراء هو ما يجب أن يسترشد به، دون الوقوف عند الحدث الجزائري بذاته، فالمطلوب التقييم والنقد لمرحلة مبارك والسادات تلك المرحلة التي أوصلت مصر إلى ما وصلت إليه.
فالسادات إعتبر بأن حرب أكتوبر عام ثلاثة وسبعين هي آخر الحروب، وهو من أتى بجهاز المخابرات الأمريكية لحمايته، وهو تحت حجة الانفتاح الاقتصادي شرع لما يزيد عن ألفي شركة أجنبية لاستيراد الإنتاج الأجنبي، مما أدى إلى تدمير ما بنته ثورة يوليو. أضف ؤنه أفقد مصر إستقلالية قرارها السياسي حينما قطع علاقات مصر السياسية مع الإتحاد السوفياتي، ووضع مقدرات مصر بيد أمريكا، رافعا شعار تسعة وتسعون بالمئة من أوراق الحلول من مشاكل الشرق الأوسط بيد أمريكا.
إن ما نشير إليه من ضرورة النقد والتقييم لما عرفته مصر وغيرها من أقطار عربية يدفعنا للعودة إلى ما كانت عليه مصر قبل عام 1970 - لقد كانت مصر تملك كل ما بين أيدي مواطنيها من حاجات فالجنيه آنذاك مثلا كان يساوي الثلاثة دولارات والإقتصاد المصري عام 1963، حسب تقييمات شارل بتلهايم وسمير أمين، أكثر تطورا من الاقتصاد الكوري الجنوبي، وأقل تطورا من الإقتصاد الياباني، ونسبة الأمية التي كانت عام 1953 تتجاوز 90% هي ذاتها وقد انخفضت عام 1970 وحين وفاة عبد الناصر إلى 30 %، وأيضا مصر هي القائدة لتيار عالمي فاعل، تيار عدم الإنحياز، وناصر هو الأول بين زعماء هذا التيار العالمي. لذا، فإن تشكيل الرافعة التي ساهمت في إسقاط مبارك، تمثلت في مشاركة الجميع وتقتضي اليوم حكومة وحدة وطنية أو إئتلافية وهذا هو المدخل لصياغة الدستور الذي منه ستتبلور وتنبثق الإرادة الجديدة للشعب المصري. وعودة إلى ما يقوله عميمور نقول: إن هذه الرافعة التي تجمع كل المكونات التي لها مصلحة بالتغيير هي المؤهلة لصياغة مشروع سياسي إقتصادي إجتماعي لإدارة المؤسسات المصرية ولإعادة موقع مصر كقائدة على الصعيدين العربي والإقليمي. فالتوافق كما يقول محفوظ عبد الرحمان: “له الأولوية" إذ أن القوى الإقتصادية أو السياسية أو العسكرية مهمة، وهي كذلك، ولكن الأهم هو تماسك الجبهة الداخلية. فهل الإخوان سيضطلعون بهذا الدور، ويؤسسون بالتالي لهذا الإستقرار الذي يربطه عميمور بالإخوان دون غيرهم؟
الإخوان وموقعهم في الحياة السياسية المصرية
نرى مما سبق وتقدمنا به، أن كافة شرائح المجتمع المصري، خاصة المتوسطة والفقيرة، كانت المستفيد الأكبر من تجربة الرئيس عبد الناصر، فعبد الناصر إنحاز إلى الفقراء وخطط لمصر قوية بأغلبية سكانها وليس بأقلية منهم فقط.
إن المشروع الناصري، حين رؤيته من مختلف جوانبه، نراه بأنه توجه لتصفية الإرث الإقطاعي الإستعماري الذي كان سائدا قبل عام 1952، وهذا المشروع هو الذي استفادت منه شرائح الفقراء خاصة المنضوين إلى صفوف الإخوان وغيرهم، وفي حين عمل المشروع الناصري خاصة المشروع التنموي والتربوي، للتخلص من ثقافة الخدم أي ثقافة الاستعباد والإقطاع والاستعمار أي الارتقاء بالمجتمع المصري إلى ثقافة العمل، ثقافة المؤسسات النقابية إلى الثقافة التي تخدم إنسانية الإنسان. إلا أننا نجد بأن الثقافات التي سادت في مرحلتي حكم السادات ومبارك هي عودة إلى ما كان عليه الوضع قبل ثورة يوليو، أي الإنحياز إلى الأغنياء دون الاهتمام ببقية شرائح المجتمع، وهذا ما أوصل مصر إلى أن تفقد إستقلالية قرارها وتعاد السيطرة الاستعمارية غير المباشرة وأحيانا المباشرة، خاصة الأمريكية على القرار والمقدرات المصرية.
ويمكن متابعة هذه السياسة من خلال ارتفاع نسبة الأمية والتي وصلت إلى حدود ال 50 % وارتفاع نسبة البطالة التي تعدت الخطوط الحمراء، وهجرة الكفاءات والاختصاصات من مصر إلى غير بلد عربي وأجنبي، وانخفاض مؤثرات الدور المصري الإقليمي والدولي إلى الحضيض، أضف إنخفاض سعر الجنيه المصري، وصولا إلى التدني غير المسبوق للمستويات الاجتماعية والتربوية والثقافية إلى ماهي عليه الآن.
كل ذلك يمكن الاستناد إليه واعتباره الدافع والمؤثر الذي دفع عشرات الملايين من الشعب المصري للتحرك من أجل التغيير، وبالتالي لإسقاط حكم مبارك، مع ما يترتب على ذلك من أن الهدف النهائي هو التحرر من الاستعمار الأمريكي المتحكم بشكل أو بآخر بإرادة المصريين، خاصة وببقية قرارات الدول العربية عامة.
- لذا، في حين نتحدث عن تنظيم الإخوان، فإننا نتحدث عن كتلة سياسية إجتماعية، لديها بنية ثقافية هي هذه التي تكونت ونمت تاريخيا خاصة خلال فترة حكم السادات ومبارك. كما أن سياسة هذين النظامين قد انعكست سلبا على الوضعية الاجتماعية لهذه الكتلة. إن هذه البنية للإخوان هي الأكثر هشاشة بل هي الأكثر هجانة عن غيرها، إذ أن أغلبية المنتمين إليها من الأميين بل وأكثريتهم من العاطلين عن العمل وكأنهم بثقافتهم وبوضعيتهم التربوية المتدنية والموروثة يوجهون سياسة هذا التنظيم للإخوان وبالتالي مسار قياداته والتي هي المرآة عن هذا الواقع.
كما أن ما كان الإخوان يطرحونه من الناحية السياسية تاريخيا، لم يصل أبدا إلى مشروع يسعى للإرتفاع بالمستويات المعيشية ليس فقط بواقع هذه الشريحة التي يمثلونها، وإنما بواقع الشرائح الأخرى من المجتمع المصري، فالإخوان تاريخيا كان لديهم مشاريع خيرية لمساعدة الشرائح الاجتماعية الفقيرة، ولكنهم لم يطرحوا أبدا مشروعا لتحسين وضعيات هذه الشرائح وبالتالي لإدارة مؤسسات الدولة أو لبنائها وتطويرها. لقد كان عندهم مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة. لذا فإنه دون وجود مشروع سواء من تنظيمات الإخوان أو التنظيمات اليسارية التقليدية، فإن مشاريع القوى المضادة داخل مصر خاصة والمشاريع الأجنبية الأمريكية وغيرها فهي المستمرة في السيطرة والهيمنة، وبالتالي فإن مصر دون مشروعها الوطني القومي سيعني بأن واقع الفقراء سيبقى على حاله تماما كما كان في عهدي السادات ومبارك.
للإشارة، إن الأمكنة التي تقطن فيها هذه الشرائح، هي المناطق العشوائية في محيط المدن كذلك في الأحياء الفقيرة داخل هذه المدن تلك المناطق والأحياء - التي تفتقد إلى كل شيء من خدمات صحية أو غير صحية - والتي يعيش فيها ما يزيد عن 40٪ من سكان مصر.
إن إرهاب المعارضين لنظامي السادات ومبارك كانت تتم عبر تجييش وتجنيد البعض من هذه الشرائح ضد المعارضين لسياسات هذين النظامين وبقدر ما كان نظام مبارك الأخير يستفيد من جهل هذه الشرائح وكما يقول جلال عامر “فكل دجال يلزمه جاهل وكل طاغية يلزمه جبان" هذا بالضبط المثل الذي كان يطبق على الحكم في مصر بعد وفاة الرئيس عبد الناصر عام 1970. لقد تحولت مصر تدريجيا وبعد تلك الفترة إلى مزرعة تديرها الحيتان.
الفتاوى الإسلامية لخدمة نظامي السادات ومبارك وبالتالي لخدمة الإخوان
إن عملية إرهاب المعارضين لنظامي السادات ومبارك، كانت تتم بطرق مختلفة، أهم تلك الطرق ما كان رجال الدين خاصة الذين ينتمون إلى الإخوان المسلمين، يصدرونه من فتاوى عشوائية، لقد أفادت تلك الفتاوى ليس فقط نظام مبارك، وإنما أيضا تنظيم الإخوان، ولكن أليست هذه الفتاوى التي تأتي باسم الدين هي مواقف سياسية، وبالتالي ليس لها صلة بالدين مطلقا، فلا أحد مكلف من الله ولا من أنبيائه لإصدارها.
فهل الله أو رسوله وأنبياءه يريدون فعلا سحل المنافسين لحكم الدكتور محمد مرسي؟ وهل الإخوان وتنظيمهم الخاص، مكلفون ومن الله ورسوله بقتل قادة جبهة الإنقاذ في مصر؟ وهل يسمح الإسلام دين المغفرة والتسامح والمحبة والغفران بعدم معايدة الأقباط في أعيادهم؟ أليست هذه الفتاوى يا دكتور عميمور تؤسس لخلق مناخات لحروب أهلية، وبالتالي للتمييز العنصري بين أهل الوطن الواحد في مصر؟ وألا تدفع هذه الفتاوى البعض من سكان الوطن الأقباط مثلا للخوف بل والحذر من حكم الإخوان وحلفائهم؟ وألا تؤسس أيضا مطالبة البعض بحكم الشريعة أي حكم الخلافة الإسلامي دون حكم القانون المدني، إلى مطالبة البعض لتقسيم مصر، تماما كما حصل في السودان، حينما دعا عمر البشير لتطبيق الشريعة، مما حدا بالمسيحيين للدعوة إلى الانفصال، وهذا ما قد تكرس وتحقق؟ أيضا ما الموقف من الفتاوى التي صدرت في الخمسينيات بحق طه حسين وعلي عبد الرازق وغيرهما العشرات، والتي طالبت بقتلهما لخروجهما حسب ظن الجماعة عن الدين؟
هنا نسترجع الفتوى التي أصدرها الشيخ حسن البنا والتي دفعت أحدهم لقتل القاضي الخزندار، لقد سئل البنا قبل قتل هذا القاضي، ما رأيكم بحاكم يحكم بغير ما أنزل الله ويوقع الأذى بالمسلمين؟ فكان جوابه (إنما جزاء الذين يحاربون الله والرسول ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفووا من الأرض) وهذا ما اعتبره الجاني الذي قتل القاضي الخزندار إذن بالقتل.
وأيضا ماذا يقول المدافعون عن ممارسات الإخوان وفتاويهم وتشريعاتهم التي قضت بقتل فرج فودا، الذي طالب كما طالب من قبل علي عبد الرازق وغيره بفصل الدين عن الدولة؟ فما كان من بعض المشايخ أن اتخذوا فتاوى بالقتل؟ وما هو الموقف من الفتاوى التي صدرت بقتل نجيب محفوظ وناصر حامد أبو زيد وأخيرا وليس آخرا شكري بلعيد في تونس؟ ألا تدفع هكذا ممارسات وفتاوى للقول بأن الإخوان يحاولون فرض عقد إذعان على كل من يختلف معهم؟ وماذا يعني أن تصدر فتاوى مطالبة بالقتل الجماعي لقادة جبهة الإنقاذ ولسحل المواطنين المسالمين وكما يفعل الشيخ وجدي غنيم؟ أليست المطالبة بحكومة وحدة وطنية ائتلافية الهدف منه مواجهة السياسة الخاطئة للإخوان وتصويبها؟
لقد أجاب المجرم الذي حاول اغيتال نجيب محفوظ عن سبب فعلتها فقال: (إنه يقوم بذلك من أجل مصلحة الأمة؟) فهل حقا مصلحة الأمة تقتضي بقتل نجيب محفوظ وأيضا بسحل المتظاهرين وبالتالي بقتل المنافسين للإخوان والذين صدرت بحقهم هكذا فتاوى؟ يبدو أن قتل الأفراد لم يعد كافيا، لذا فقد أفتى هؤلاء بالقتل الجماعي، فهل هذا ما على المنافسين للإخوان الرضوخ له والاستجابة؟
لقد أدانت المؤسسة الفقهية في الأزهر هذه الفتاوى، وتنصلت منها، ولكن هل يكفي ذلك؟ أو أن المطلوب محاكمة هؤلاء وجرهم إلى السجون ليأخذوا قصاصهم العادل، وقبل هذا وذاك تنحيتهم عن مناصبهم والتشهير بما قاموا به؟.
أيضا ما الموقف من الفتاوى التي تعيد إلى الأذهان أسوأ فترات المرحلة الإقطاعية وثقافة العصور الوسطى، والتي يرى أصحابها بأن المرأة كائن ناقص، لقد صدر مواربة في مدونة الأحوال الشخصية من أن المرأة مكملة للرجل وليست مساوية له. فماذا يقول السيد عميمور وغيره عن هكذا ممارسات سياسية للإخوان، الذين لا يطرحون مشروعا سياسيا، ولا عقدا إجتماعيا يؤكد المساواة الكاملة بين المواطنين، وحيث العقل والعلم هما المرجعيتان للمستقبل. فهل يسعى الإخوان مثلا لإعادة إحياء دولة الخلافة؟ أليست الفتاوى التي يصدورنها بالعشرات يوميا هي للهروب من طرح البديل أي المشروع الذي نشير إليه؟ وماذا يقال عن أحد قيادات الإخوان خيرت الشاطر، حين سئل عن رأيه بما تطرحه وسائل الإعلام فقال (إنه لا يرى التلفزيون ولا يسمع الإذاعة ولا الأغاني ولا يحضر المسرح؟)، فهل بهذه الفتاوى وغيرها يتم تعزيز ثقافة القانون وتشجيع الفنون وبالتالي التأسيس للمساواة المواطنية؟ إن هذه التنظيمات التي تستغل الدين تحت مسميات شتى، والتي تربي أفرادها على الحقد والكراهية، وبالتالي على القتل ورفض الحوار، هي التي تنهج نهجا سياسيا لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الديكتاتورية والاستبداد. يا صديقي عميمور وأنا رأيتك مرات ولكن ليس من حوار بيننا كما أني أتابع الكثير مما تكتبه، ولكن، فإذا كانت الآلهة لا تخطئ فإن الإخوان ليسوا بآلهة وعندهم من الأخطاء ما لا يمكن تحمله، وبالتالي فعلينا أن نضع تصرفاتهم في مجال النقد دون خوف أو مجاملة أو الوقوف مواقف انتهازية. إن البعض من الإخوان والسلفيين على حد سواء، يرون بأن الإسلام دين سماوي وأنه دين لا يجدد ولا يتجدد. فهل هذا صحيح، إن فتاوى الإخوان ومواقفهم التي أشرنا إلى بعضها، تعتبر تدخلا سافرا في شؤون الفرد الذاتية، وهي اختيار لحلول سهلة لتصفية الخصوم؟ كما أنها فتاوى تساهم بإهدار القيم الإنسانية.
صديقي عميمور علينا أن ننتظر ولكن ليس بالبعيد ما ستفعله القوات المسلحة المصرية؟ فهل بعد هذا يمكن الوثوق وبالتالي الركون إلى سياسات الإخوان واعتبار ما يخططون له هو لمستقبل مصر ولخير أبنائها؟ شكرا دكتور عميمور لأنك أفسحت المجال للحوار لنا بشأن موضوعات كان من الصعب الحوار بشأنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.