يعتبر الدكتور محيي الدين عميمور، وزير الثقافة الأسبق، الرئيس الأسبق للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الأمة، ومن بين المثقفين الجزائريين الذيني عرفون مصرحق المعرفة، فأضحى من الضروري تسليط الضوء على حقيقة ما يجري في أرض الكنانة مع الدكتور عميمور من خلال هذا الحوار. كيف انقلب الاحتفال بسقوط الرئيس حسني مبارك إلى مظاهرات عارمة تنادي بسقوط الرئيس محمد مرسي، وهو الذي لم يكمل عاما واحدا على كرسي الرئاسة ؟ الحديث عن مظاهرات عارمة فيه الكثير من المبالغة، والذي حدث هو بالضبط ما كنت حذرت منه في حوار متلفز مع قناة الحياة المصرية في ,2011 وهو تمكن الطلقاء من التقاط أنفاسهم وإعداد العدة للانتقام من ثورة الشعب المصري ضد فساد عانى منه أكثر من عقدين. ولكن كيف استطاعوا تجنيد كل هذه الجموع ؟ أذكرك بما حدث عند محاكمة الرئيس مبارك، حيث تجمع المئات أمام المحكمة رافعين شعار : آسفين يا ريس، والشعار موجه للرئيس مبارك، وقلت يومها أن النظام السابق كان يحتضن عددا هاما من أصحاب الملايير الذين كونوا ثرواتهم بفضل تواطؤ زبانية النظام، وكانوا يشترون أصوات الناخبين في الاستشارات الانتخابية، ويستأجرون البلطجية للتخلص من خصومهم ولإرهاب الباقين، وهذا سر النسبة العالية التي كانوا يحصلون عليها في الانتخابات. وما حدثفي الأسبوعالماضي كانمحاولة لاستنساخ تظاهرات 25 يناير ,2011دفعت فيها أموال هائلة لشراء الذمم، ويكفي أن نلقي نظرة على الصور الملتقطة للحشود لندرك أن من يتصدرون التظاهرات ويشعلون النيران بعيدون كل البعد عن صورة المناضل الثوري الذي يدافع عن وجهة نظره. هل نفهم من هذا أن المعارضة تواطأت مع عناصر النظام السابق؟ هذا صحيح إلى حد كبير، ولكنه جزء من الصورة، والذي حدث هو أن تصرفات الإخوان المسلمين تميزت، منذ حصولهم على الأغلبية في مجلس النواب، بالكثير من الغطرسة والحماقة التي عرفنا مثلها يوما. ورغمأن الرئيس مرسي حاول التخلص من ضغطالجماعة التي ينتمي إليها، إلا أنه كان مضطرا في كثير من الأحيان لمسايرة تلك الضغوط، ومن هنا جاءت عبارته في الخطاب الشهير الذي ألقاه في ميدان التحرير وتحدث فيه عن الستينيات قائلا: وما أدراك ما الستينات؟ وفهمت العبارةعلىأنها تعريض بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر ،الذي يحمل له الإخوان المسلمون الكثير من الحقد، نتيجة لما عانوه خلال حكمه، وحتى لو كان ذلك نتيجة لبعض تجاوزاتهم وأخطائهم. وهكذا فقدمرسي تعاطفالكثيرين في الشارع المصري الذي ما زال يحن لعهد عبد الناصر ،وانتهز الفرصة قياديونفي التيار الناصري، بزعامة حمدين صباحي، فتحالفوا مع اليمين واليسارفي الوقتنفسه لمجابهة الرئيس الجديد، وكان المبرر الحقيقيالذي يتسترون عليه هو أنهم لم يحققوا، كمجموع، وجودا فاعلا في الانتخابات التشريعية. وهكذا أرادوا إسقاطحكممرسي بضغط من الشارع،وبنفسالأسلوبالذي اتبع لإسقاط مبارك، ولكن،لأنالشارع لم يكنمستعدا للمغامرة،اضطروا إلىالاستعانةبنفس عناصرالنظام السابق،وهذا ما يفسر الأحداثالأخيرة، التي شاهدنا فيها مجموعات ملثمة من الشباب ترشق رجال الأمنبالحجارة وزجاجات المولوتوف، في حينلم تعرف الثورة المصرية منذعامينأي ملثمين أو مقنعين. تقصد جماعةالبلاك بلوك )الكتلة السوداء( ؟ بالفعل، ولقد صدق النائب العام المصري )وكيل الجمهورية( عندما اعتبرها جماعات إرهابية مرتزقة، لكن الإعلام المصري الخاص، الذي خبرناه منذ ثلاث سنوات في أحداث الكرة الشهيرة، راح يسلط الأضواء الكاشفة على كل تلك التحركات فنجح في تضخيمها إلى حد كبير، وهو ما يشير أيضا إلى عجز الرئيس مرسي في التعامل مع الإعلام حيث لم يحاول استمالة قيادات إعلامية فاعلة مثل حمدي قنديل ومنى الشاذلي وغيرهما، وهكذا كانت صورة الإعلام الإسلامي هي التهريج الذي تقوم به قنوات تتمسح في الدعوة الإسلامية، وتمارس الإعلام بشكل مقرف واستفزازي. هل ممارسة الدعوة الإسلامية عمل استفزازي؟ لم أقل ذلك، لكن ماذا تسمي الدعوة لقتل المعارضين لنظام الرئيس مرسي، وماذا تسمي الدعوة لهدم تمثال أبو الهول على أساس أنه صنم، وكذلك المناداة بوضع أقنعة من الشمع على وجوه تماثيل الحضارة الفرعونية، التي لم يمسسها عمرو بن العاص عند فتح مصر، وماذا تسمي بقية التصرفات التي عانينا من مثلها طويلا؟ وقبل ذلك، ماذا تسمي قيام أحد النواب برفع الأذان في المجلس النيابي خلال الجلسة، في حين أن هناك مسجدا مجاورا لقاعة الاجتماعات، وكان الغريب أن أحدا من النواب لم يقم لأداة الصلاة .... عشرات التصرفات التي تتسم بالغباء وتعتمد الديماغوجية كانت أخطر على نظام مرسي من تصرفات كل خصومه. وهذه كانت الأرضية التي اعتمدها المعارضين لحشد الجماهير ضد الرئيس. ولعلي أضيف إلىذلكبعضالمواقفالصادرةعن بعضدولالخليج،والتيتبرزها التغطية الإعلامية المغرضة لبعض الفضائيات، والتيوصلت إلىحد التصريحاتالتي أطلقها بعض المسؤولين الخليجيين للتنديد بمواقف الإخوان المسلمين. لكنمطالبة جبهة الإنقاذبتكوين حكومة ائتلافية فيهالكثير من المنطق؟ بل فيه الكثير من المزايدة، إذ أن الحكومة الائتلافية لا يمكن تكوينها إلا بعد انتخاب مجلس وطني تتعدد فيه الاتجاهات الحزبية بما يفرض أن تكون ممثلة في الحكومة، وهو ما كان يفترض أن تعمل المعارضة على كسب التأييد الشعبي لانتزاع أكبر حجم ممكن من الأصوات في البرلمان القادم. ماذا عن حكومة الوحدة الوطنية ؟ في هذا الكثير من الديماغوجية لأن مقاييس الاختيار بالغة الضبابية، ونجد أن الخلفية هي محاولة البعض انتزاع مراكز في الحكومة لا تؤهلها لهم الاختيارات الشعبية، وهو ما يعني أن المعارضة تخشى من الانتخابات النيابية القادمة وتحاول انتزاع مواقع في السلطة عن طريق ضغط الشارع. لكننا نتذكر حوار العرب في دبي الذي طالبت أنت فيها باحترام إرادة الشارع، وعارضك في ذلك السيد عمرو موسي؟ في ديسمبر 2011 كان كثيرون يتحدثون عن انتهاء مرحلة الشرعية الثورية، وقلت بصراحة وعلى الملأ أن الشرعية الثورية ستظل دائما قاعدة الشرعية الدستورية، ورفض الأخ عمرو موسى ذلك قائلا بأن الاحتكام للشارع يؤدي إلى الفوضى، ومن الأحسن أن نستعمل تعبير ...الرأي العام. لكنه هو وجماعة الإنقاذ لجأوا فيما بعد للشارع؟ فعلا، وأتصور أنهم سمحوا للكراهية أن تسيطر على نفوسهم، ولم يعملوا بقوله تعالى: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. ولهذا نجدأن جبهة الإنقاذ تضمكل من يكرهون محمد مرسي، فنجد اليمين ممثلا في الوفد ووسط اليمين ممثلا في البرادعي وموسى، واليسار ممثلا في صباحي وأبو العز الحريري والمثقفون الوسطيون من أمثال أبو الغار وأسامة الغزالي حرب، وكان الانتصار الكبير انضمام القيادة الجديدة لحزب النور الإسلامي للجبهة، فيما بدا عملية التفاف على الإخوان المسلمين. هل هي نهاية الإسلاميين؟ لا أعتقد ذلك، وبالنسبة للإخوان المسلمين على وجه التحديد، يجب أن ندرك أنهم ليسوا كتلة واحدة، فهناك شباب الإخوان الذين تمردوا على القيادة في بداية الثورة وانضموا لها وشاركوا فيها بكل نضالية، واضطروا القيادة إلى ركوب القطار بعد إقلاعه. وهناك علىمستوى القيادة عناصر متجمدة التي ما زالت تعيش أحقاد المرحلة الناصرية، والتي جعلت قياديا مثل الدكتور العريان يستجدي اليهود المصريين العودة إلى مصر بعد أن طردهم، كما قال، الرئيس عبد الناصر، وهو افتئات على التاريخ، لمجرد الإساءة للرئيس الراحل. وهناك القيادات التي عاشت في الغربوتفهمت أصول النشاط الديموقراطي، ومن هؤلاء الرئيس مرسي شخصيا، والذي أعتقد أنه يعاني من القيادات الإخوانية أكثر من معاناتهمن القيادات اليسارية. وهناك عناصرانشقتعن جماعة الإخوان مثل الدكتوركمال الهلباوي ،وهو مناضل محترم عرفته في باكستانفي نهاية الثمانينيات. إلى أين تسير الأمور؟ أعتقد أن الأمور تتجه إلى الهدوء، بفضل فشل الإنقاذ في استثارة الجماهير التي تحس الآن بحجم الكارثة المترتبة عن التظاهرات المستمرة، وبفضل الهدوء والرصانة التي يتمتع بها مرسي في تعامله مع الأحداث، وبروز ما سمي: جبهة الضمير، بقيادة شباب مستنير وشخصيات وطنية مثل السفير السابق في الجزائر الأستاذ إبراهيم يسري، بالإضافة إلى عناصر وسطية معتدلة، وهناك موقف القوات المسلحة التي أكدت أنها تحترم الشرعية التي جاء بها الصندوق الانتخابي، وكلها عناصر تعمل من أجل استتباب الهدوء وعودة الحياة الطبيعية إلى مجاريها. ماذا يمكن لنا أن نفعله؟ لست أنا من يفترض أن يجيب على هذا السؤال