لقد استمر تهميش المرأة لأحقاب زمنية طويلة، بالرغم من أن التفكير خاصية إنسانية، فهو ليس ذكرا ولا أنثى، إلا أنّه سادت الفكرة الساذجة القائلة: “إن عقل المرأة أقل من عقل الرجل"، وأن “المرأة انفعالية لا فعالة"، وبالتالي من الضروري أن تخضع لقرارات الذكر فتنفذ ما يراه صائبا وتعدل عما يراه غير صائب. إذ يأتي ذلك تكريسا لموقف المعلم الأول، أرسطو، القائل في كتاب السياسة: “فتسلط الرجال على النساء مسألة طبيعية جدا...!"، حيث يؤكد بهذا تفوق الرجل بالطبيعة على المرأة. إن الاطلاع على تاريخ الفلسفة، من شأنه أن يفنّد هذه الفكرة، حيث يسجل تاريخ الفلسفة اليونانية حضور عدد من الفيلسوفات من أمثال: “أرستوكلي" و«أريتا" و«إسبيشيا الملطية" و«جوليا دونا"... لذلك بات من الضروري في المرحلة المعاصرة التي تتميز بالتقدم العلمي والتكنولوجي أن تؤسس المرأة العربية، وعلى وجه الخصوص الجزائرية، خطابا فلسفيا يترجم انشغالاتها واهتماماتها باعتبارها “ذات مفكرة". ويقوم هذا الخطاب أساسا على رفض المركزية الذكورية ومطابقة الخبرة الإنسانية بالخبرة الذكورية، واعتبار الرجل هو الوحيد صانع العلم والتاريخ و.. والفلسفة. فمن شأن هذا الخطاب أن يعمل على القضاء على كل هياكل الهيمنة وأشكال القهر والقمع وإعادة الاعتبار للآخر المهمّش، ولا ينبغي أن نفهم من ذلك دعوة إلى الصراع أو التصادم، بل يتم ذلك على أساس الاعتراف بالآخر ضد النظرة الأحادية وهذه الدعوة من شأنها جعل العلاقة بين الذكر والأنثى علاقة متوازنة، إذ لا يمكن التأثير في الواقع وتغييره دون فهم عميق لواقع المرأة، لهويتها، ولعلاقتها بالرجل ولحقيقة الاختلاف الجنسي القائم بينهما. وفي اعتقادنا، فإن ظاهرة العنف مثلا على مستوى العلاقات بين الجنسين (الأبوة، والأخوة، والزواج) والتي، غالبا، ما تستهدف المرأة، ترجع أساسا إلى الجهل بحقيقة الذات والغير، فماهية العنف هي عدم الاعتراف بالآخر والجهل بطبيعته، أو هي معرفة مؤسّسة على موروث ذهني جاهز، ولا سبيل إلى التحرر من سلطة هذا الموروث إلا بالفلسفة. ويجب الإشارة في هذا المقام، إلى أن مشكلة تأسيس خطاب فلسفي نسوي لا بد وأن تطرح باعتبارها تخص الجنس البشري لا المرأة وحدها فحسب؛ فإذا كان الخطاب الفلسفي قد عمل تاريخيا على فرض سيطرة العقل لتبرير سلطة المذكّر، فلابد أن يتأسس خطابا مغايرا يقوم على فرض رؤية مغايرة للمرأة على مستويين: مستوى الفكر ومستوى الواقع. وهذه الدعوة لا تمثل أبدا دعوة لتخلي المرأة عن أنوثتها فهي من تنبع الحياة من رحمها، وإنما هي دعوة للبحث في سبب اختلال العلاقة بين الأنثى والذكر، وسيادة أحد الطرفين على الآخر وتهميشه واستبعاد مساهمته في إنتاج المعرفة.