أصبح الشارع الجزائري في نظر الروائية والوزيرة (سابقا) زهور ونيسي، “بيئة غير ملائمة لتحرك المرأة"، وتفسر سبب ارتفاع نسبة العنف المعنوي والجسدي ضد الجزائريات، بالأخلاق وغياب القرار السياسي، الذي يضع حدا لكل معتدٍ، وترفض من جهة أخرى تبرير الوضع بالحالة الاقتصادية أو الاجتماعية للأفراد. لا تخرج زهور ونيسي كثيرا إلى الشارع إلا لحاجة تريدها. ولكن عندما تخرج تقول “أحاول أن أتحاشى بعض سلوكات السب والشتم والاعتداء المجاني، ولا أدخل في صميم المشكل". تتعرض نسبة كبيرة من العاملات والطالبات في الجامعة والثانوية، إلى كثير من المضايقات والتطرف في السلوك السلبي، وهي الفئة التي تركز ونيسي الحديث عنها في مداخلتها بالقول: “الشارع أصبح بيئة غير ملائمة، سابقا كانت الأماكن العمومية تحترم المرأة". أما اليوم ف “القضية أخلاقية محضة"، حسب الكاتبة التي ترفض إلحاقها بالأوضاع “الاقتصادية والسياسية ولا يمكن أن نضع شرطيا أمام كل فرد، على المدرسة والأسرة أن تستعيد دورها في ضبط السلوكات". تتزاحم ملايين النساء في الأسواق والمحلات والمستشفيات والشوارع الكبرى و لأزقة، إلا أن “الكم" لم يمنحهن القوة المعنوية لتكون عنصرا كامل الصلاحيات، وتشرح ونيسي هذه المفارقة بالقول: “لأنها ضعيفة في تكوينها، شخصية غير قوية، وتنظر للرجل أنه الشخص الكامل وهي الناقصة المنقوصة، كذلك هناك الخوف الذي يساور المرأة في حياتها، وعلى علماء الاجتماع تفسير ذلك". هذا “الكم النسائي"، تقول عنه الوزيرة سابقا، أنه إذا كان مؤطرا من قبل جمعيات أو منظمات فهو “تأطير سيء غير كامل". تؤكد زهور ونيسي، أن وضع الجزائرية شبيه بنظيراتها في الدول العربية، على أساس أنه “في السنوات الأخيرة تقهقر وضعها العام" مفندة محاولات البعض لإثبات العكس، و تضيف أنه “إذا كانت المرأة عندنا تعيش هذه الحالات فهذا يعني أنها لم تحقق شيئا". مجاهد فايقة (نفسانية ومناضلة): الحلقة الأضعف في المجتمع وأمام القانون تقول مجاهد فايقة، المختصة في علم النفس والمناضلة في حقل حقوق المرأة، إن الجزائرية لم تكن تحلم يوما باعتماد مادة واحدة تدين التحرش الجنسي، إلا أن معاناتها لم تتوقف لأن قانون الأسرة، ما زال يعتبر النسوة عنصرا فاقدا للأهلية. الخوف القابع في نفس المرأة، حسب النفسانية مجاهد، مرده سلوك المجتمع الذي يتصرف مع نسائه كأفراد قصر: “المجتمع غير مؤمن بمكانة المرأة، وتربيته الثقافية لا تخول له تقبل ذلك". وينتج عن حالة الضيق هذه حالات تتلقاها مجاهد في عيادتها، وتصنفها على أنها “في الأغلب يتعرضن للعنف في الشارع أو البيت، بسبب التفرقة بين الجنسين من قبل الأولياء، أو السلطة الاخوية، كما أسجل حالات اعتداء كثيرة على المتشردات اللائي ارتفع عددهن منذ العشرية الدموية، وتعرض العائلة الجزائرية إلى اليتم بفقدان الولي و الراعي، وغالبا ما تتجاهل الاحصاءات والدراسات هذه الفئة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة". تشرح المتحدثة، التي تضيف أن: “قانون الأسرة يغبن المرأة بدرجة غير معقولة، وتركها شخصا قاصرا فكريا ونفسيا وقانونيا، يضاف إليها الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والانسانية التي يعيشها المجتمع، حيث تشكل المرأة العنصر الأضعف فيه". هشاشة وضعية “نون" مجتمعنا، رغم تقدمها في مجالات عدة، يجعلها معرضة للتحرش بكل أشكاله: “رغم إقرار نص قانوني يجرم التحرش صراحة في تعديل قانون العقوبات عام 2003، حيث اعتبرت المادة 341 مكرر التحرش الجنسي من جانب أشخاص في مناصب ذات سلطة جريمة يعاقب عليها بالسجن مدة تقرب من عام، أو عامين في حالة تكرار الجريمة. إلا أن تبقى واحدة ووحيدة في منظومة لا تحمي الشهود ولا تعاقب المعتدي بشكل صارم، إلا أننا نتعامل مع هذه المادة كمنجز كبير، إذ لم نكن نحلم يوما بالتحدث صراحة عن الظاهرة"، تشرح المناضلة. الممثلة سعاد سبكي: الأنترنت أفسدت أخلاق الشباب تمارس سعاد سبكي حياتها العادية، دون حرمان نفسها المرور عبر الازقة و الشوارع. تصادفها في كل مكان، باتجاه المسرح الوطني أو قاعات اخرى. لكنها في غمرة التنقل تصب غضبها على “جيل الأنترنت الذي فقد السيطرة على لسانه ومزاجه". يصعب على الفنان أن يتأقلم مع مجتمع تختلط فيه المعتقدات والقناعات، وجزء من الناس يسعدون بلقاء احد الوجوه التلفزيونية والسينمائية، وآخرون يتشنجون في أماكنهم، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بامرأة: “ثقافة الفنان لا يملكها كل الناس، لهذا هناك من يسيء اليك بكلام هابط وملاحظات في غير محلها، وثمة أناس يبدون الاحترام والتقدير"، تقول سبكي. يومياتها تعزز لدى هذه الفنانة، قناعة بأن الأجيال المتعاقبة تخلت تدريجيا عن معاني الحشمة والاحترام، خصوصا الجيل الصاعد: “جيل الانترنت أفسد عقول شبابنا، وأدخلهم منذ الطفولة في عوالم فاقت مخيلتهم، لهذا هم سريعو الانفعال والتعليق والتعبير بشكل لا حدود له". دليلة جربال (عضو شبكة “وسيلة"): مطلقة طالبة أو عجوز: كلكن للمتعة والضرب تسرد دليلة جربال الناشطة في شبكة “وسيلة" لحقوق المرأة، مجموعة من الأحداث المفجعة، التي تلم بنساء في مختلف الاعمار. العنف داخل البيت وخارجه، لا يفرق بين اغتصاب عجوز في 74 من عمرها وفتاة في ربيعها ال 17. تشير جربال أن العائلة هي البيئة المثلى لممارسة العنف ضد النساء، يتبعه المحيط القريب منها وهو الجيران: “سيدتان في عقدهما الخامس، تعيش الأولى مع والدتها، والثانية مطلقة تعاني من مراقبة يومية لجارها الشاب (25 عاما)، لا يكف عن إيذائها بالكلام والاشارات، إلا أنها تعجز في كل مرة عن اثبات ذلك. السيدة الأخرى، تعرض إليها جارها بالضرب المبرح عند باب العمارة، أمام أعين الجيران وعون شرطة، وقد عجزت عن ملاحقته وإدانته بعد رفض الجيران والشرطي الشهادة لصالحها"، هو مصير المرأة الفاقدة “لحماية رجل"، حسب ما ترويه هذه الناشطة، يكشف عسرا آخر في يوميات هذه النسوة: “ثمة مشكل في الحصول على مسكن مستقل بالنسبة للنساء، سواء العاملات أو الطالبات، هن أسيرات رقابة الحي والجيرة"، وتضيف ساردة: “أم أخرى تكافح لحماية ابنتها المراهقة 16 سنة من شاب في الحي يصر على إيذائها". سجل شبكة “وسيلة" لا يخلو من الحكايات المؤلمة، حسب مجاهد، “كحكاية العجوز صاحبة 74 عاما، التي تعرضت شهر جانفي الماضي، للاغتصاب من قبل أربعة شبان، ونقلت إلى المستشفى حيث لفظت أنفاسها" وتردف أخرى: “منذ سنة تقريبا سجلنا حالة طالبة في الثانوية بالعاصمة، كانت تهم باجتياز امتحان البكالوريا، اختطفت وعرضت للتخذير على مدار ستة أشهر، واحتجزت في مكان في حي باب الوادي ثم نقلت إلى أحد المركبات السياحية، حيث كانت تعرض لمتعة رجال مجهولين... حاولت مرة الهروب، ومنعها عون أمن داخلي في المركب، وبعد أشهر عديدة ألقى بها المختطفون وأبلغوا عائلتها عن مكانها... كانت في حالة منهارة، مريضة جسديا ونفسيا، ولولا مساندة ووعي عائلتها لما تجاوزت محنتها". المطربة نادية بن يوسف: أبني احترامي على تواضعي لا على نضال الجمعيات النسوية ترى الفنانة المخضرمة نادية بن يوسف، أنها مطالبة بالتواضع عند التعامل مع عامة الناس، وإعطاء كل ذي قدر قدره. بن يوسف تؤمن أيضا أنه لا نضال في صفوف الجمعيات النسوية، ولا ترى وجود لأي تنظيم ممن يعلنون وجودهم بين الفينة والأخرى. عندما سألنا نادية بن يوسف عن حالها وهي تسير في الشارع، أجابت قائلة: “الواحدة منا يجب أن تتصرف كأي فرد من الناس الذين تصادفهم، ألا تتظاهر بالتعالي أو التفرقة. شخصيا أعطي لكل ذي قدر قدره"، وهي الطريقة المثالية للفنانة، لتجنب أي مفاجأة غير مزعجة، وهي التي تحظى بحب وتقدير جمهورها من الرجال والنساء معا. إلا أن السيدة نادية، لا تمنع نفسها من الاحساس بالانزعاج من سلوكات تتعرض إليها غيرها من النساء: “كثرة المعاكسات و النظرات المريبة التي تضع المرأة في حال غير مريح، هذا ما يقلقني بصراحة"، فالشارع في نظر المطربة “ينقصه التنظيم"، ليكون فضاء تتعايش فيه الأجناس، بمختلف ثقافاتهم ومستوياتهم. عن مساهمة الجمعيات النسائية في توعية المجتمع، وتوعية المرأة، تقول بن يوسف: “فعلا هي كثيرة، ولكن ما فائدتها؟" لتردف سريعا: “لا أشعر ولا أرى وجودها ميدانيا، وقد رفضت فيما سبق طلب إحداها للانخراط معها، لم أقبل لأني مؤمنة أنه من يريد أن يكون فاعلا في مجتمعه لا يحتاج إلى كل تلك الهالة التي يحدثونها كل مرة"، في إشارة منها إلى دورها كفنانة تلقن الجمهور الذوق الفني النظيف. الممثلة فريدة كريم: حال المرأة اليوم من حال التنمية الضعيفة للبلد تعتقد الممثلة الكوميدية فريدة كريم، جازمة أن ما أوصل المرأة إلى مواقف التحرش والتعدي والتطاول عليها، هو عدم احترامها لنفسها. وتؤكد من جهة أخرى أن واقع المرأة المزري، هو نتاج تأخر عجلة التنمية. تستند فريدة كريم إلى الجو العام “المريح" في الشارع الجزائري: “لا أخفيك اني راضية على ما بلغناه من هدوء وأمن، لولا بعض الظواهر الاجتماعية الاخرى كالسرقة خاصة، التي أشعر أنها تهددنا جميعا وليس النساء وحدهن". وعن مسألة المعاكسات والسب والشتم وحتى التحرش اللفظي و الجسدي، ترى الممثلة أن “سفور بناتنا جعل الرجال يفقدون صوابهم، على الأسر أن تلقن بناتها معاني الاحتشام و الالتزام، حتى يتحاشين أي نوع من الاعتداء". تتعامل فريدة كريم مع الجمعيات النسوية بمنطق اللاوجود أيضا: “أنا أرفض وجودها أصلا، فلماذا انتظر منها أن تدافع عن مشاكل المرأة في الشارع أو غيره، في الواقع الجزائرية تنعم بحريتها ولا تحتاج إلى أي جهة تناضل لأجلها". وتصف المتحدثة التنظيمات تلك ب “صناديق لنسف الاموال ووضعها في الجيوب"، ضاربة المثل بحال المرأة في الأرياف والبوادي: “زرت منطقة مجبرة بالجلفة أثناء تصوير سلسلة تلفزيونية مع محمد صحراوي، واكتشفت كم هي عميقة معاناة المرأة هناك... تصوري النساء هناك لا تعرف حتى حلوة البيمو فما بالك بالكهرباء والغاز"، مؤكدة في السياق ذاته أن مشكلة المرأة اليوم هي من مشاكل الجزائر التنموية التي تعسر فكها بعد خمسين عاما من الاستقلال.