في أي خانة يمكننا وضع الإخفاق الذي مني به منتخبنا الوطني لأقل من 20 سنة في خرجته الأولى في إطار الدورة ال 18 لكأس افريقيا التي انطلقت يوم أمس بعين تموشنت؟ وماهي الأسباب التي كانت وراء التعثر أمام منتخب البنين؟، هل يمكننا اعتبارها كبوة ظرفية أم أن النتيجة كانت منطقية بالنظر إلى المستوى الحالي للكرة الجزائرية، وغياب سياسة تكوينية على مستوى الفئات الصغرى؟ في الحقيقة هناك العديد من الأسئلة الأخرى التي يمكن طرحها ونحن نتحدث عن المردود المتواضع جدا لمنتخب، يفترض أن يصبح بعد سنوات يمثل فئة الأكابر ويخلف الجيل الحالي الذي يقوده المدرب حليلوزيتش. وإذا كانت نتيجة التعادل المخيبة للآمال قد كشفت لنا عيوبا ونقائص أفرزها المردود السيء لعناصرنا، فإن العودة للحديث عن العمل القاعدي يطرح نفسه بإلحاح، خاصة أنه جاء في أعقاب المشاركة الكارثية لمنتخب الأكابر في نهائيات كأس إفريقيا الأخيرة بجنوب إفريقيا، والتي أسالت الكثير من الحبر وكشفت عن محدودية كرتنا قاريا. اليوم، ومع العروض التي كشفت عنها تشكيلة أقل من 20 سنة التي تتكون في أغلبيتها من عناصر قدمت من أكاديمية “الفاف"، هل آن الأوان لكشف سياسة التكوين الهشة التي انتهجها مختلف الفاعلين في الوسط الكروي بدءا بالفاف ومرورا بالأندية وانتهاء بالعمل الذي يتم على مستوى المنتخبات الوطنية. ولا نضيف شيئا إن قلنا أن نتائج الكرة الجزائرية اليوم على المستويين الاقليمي والقاري جاءت كلها سلبية، وشملت كل الفرق والأصناف بما فيها منتخب الأكابر الذي عجز عن المرور إلى الدور الثاني، وعاد خائبا من سفريته إلى جنوب إفريقيا خلال شهر جانفي الماضي. إذا كانت حظوظ منتخب أقل من 20 سنة ماتزال قائمة بعد تعادله أمام البنين، فإن استدراكه للوضع خلال اللقاءين القادمين أمام مصر وغانا لا يعني في كل الأحوال أن أموره على أحسن حال، فإن الاشكال المطروح اليوم على مستوى هذا المنتخب وبقية المنتخبات الكروية الأخرى في جميع الأصناف لا يتعلق فقط بسوء نتائجها، بل كذلك بإمكاناتها وآفاق تطورها. وعندما نعلم مثلا أن هذا المنتخب الذي فُرض عليه التعادل أمام البنين يشكل منطقيا رعيل اللاعبين الذين سيصبحون بعد سنوات قليلة ضمن تشكيلة منتخب الأكابر، فهذا في اعتقادنا كاف لتصور المستوى الذي سيظهر به هذا الأخير مستقبلا، لأن منطق الكرة يقول أن اللاعب الذي يعجز في سن العشرين عن تقديم مردود طيب لا يمكنه التطلع إلى اللعب في صنف الأكابر، لأنه يفتقر إلى مقومات اللاعب المكتمل. وفي هذا المجال لا نضيف شيئا كذلك إن قلنا أن مؤهلات أي لاعب تظهر في السنوات التي يلعب فيها في الأصناف الصغرى، وهو ما يتماشى مع منطق الكرة ومنهجية التكوين. وفي هذا الإطار يمكن القول إن بوادر اللاعب المتكامل تبرز خاصة في سن ال 20، وهي المرحلة التي تسبق انضمامه الى صنف الأكابر. وبالعودة إلى واقع الكوين القاعدي المعتمد حاليا في بلادنا يمكننا الخروج بنتيجة، وهي أن الوضع لا يبعث على الإرتياح وأن الفشل كان مآل جل أصنافنا الصغرى، وأن التكوين مازال في خبر كان رغم التصريحات التي يطلقها مسيرو كرتنا من حين إلى آخر، وفي مقدمتهم رئيس “الفاف" محمد روراوة، الذي سبق له أن أكد في هكذا مناسبة على مبدأ الانطلاق من التكوين. إذا اعتمدنا على هوية اللاعبين الذين راهنت عليهم الفاف في منافسة كأس افريقيا للأمم لأقل من 20 سنة، فإن السواد الأعظم منهم خريج أكاديمية الفاف، بالإضافة إلى بعض الفرديات القادمة من أندية صغيرة ومغمورة محترفة، وبالتحديد من فرنسا، مع تواجد عنصرين ينتميان إلى أندية الدرجة الأولى، وهما حدوش من أولمبي الشلف وفرحات من اتحاد الجزائر، وهو ما يعكس واقعا يكشف لنا عن عدة حقائق، منها أن التكوين بأنديتنا التي تنشط في القسم الأول أو الثاني لا تجد له أثرا، أولنقل لا يجري وفق المعايير الدولية المعمول بها، وأن المدرب الوطني لهذا الصنف من اللاعبين، وهو جان مارك نوبيلو، لم يجد العناصر الجاهزة على مستوى الأندية للاعتماد عليها، ولم يكن أمامه سوى خيار واحد هو الاعتماد على خريجي أكاديمية الفاف وبعض العناصر المحترفة. وبالنظر إلى المستوى الحالي لهذا المنتخب والمردود الضعيف الذي أبان عنه ضد البنين، فإن الخلاصة التي يمكن الخروج بها هو أن أكاديمية الفاف التي كثر عنها الحديث توجد في نفس وضعية الأندية الجزائرية التي تفتقر إلى قاعدة صلبة للتكوين، وبالتالي يمكننا استخلاص أن هذه الأكاديمية لم تستطع تعويض الفشل الذريع لسياسة التكوين في الجزائر، وأن اللجوء إليها لتكوين فريق وطني للفئات الصغرى كان فاشلا على طول الخط. وفي هذا المجال لا تكفي تصريحات مسؤولي كرتنا عن الإمكانيات التي سخرت للفئات الصغرى وأن العبرة بالنتائج والمردود، وأن ثمار أي عمل من المفروض أن تظهر خلال المناسبات الرسمية، وهو الأمر الذي لم يحدث مع الأسف الشديد، والدليل أن المشاركات في مختلف المنافسات كانت فاشلة، ومع هذا مايزال المتفائلون بمستقبل الكرة الجزائرية يرددون نفس الخطاب ويعتمدون على نفس الذهنيات والأساليب في معالجة مسألة التكوين في مجال الكرة. إذا تركنا جانبا أكاديمية الفاف وعرجنا على إشكالية التكوين بأنديتنا، فإن الواقع هناك كارثي على أكثر من صعيد، حيث أن السياسة التي تنتهجها كل الأندية بدون استثناء هو اهتمامها المفرط بصنف الأكابر، باعتباره يمثل واجهة هذه الأندية، في حين تبقى الاصناف الأخرى إن وجدت مهمشة وتفتقر إلى أدنى شروط التكوين الموجود في بقية الأندية العالمية. وإذا كانت بعض الأندية تتباهى بوجود بعض فرق الأصناف الصغرى، فإنها في المقابل لا تعير لها أي اهتمام ولا تسخر لها أي إمكانيات، وكل ما تستفيد منه هو بعض الفتات من ميزانية صنف الأكابر. وفي جانب آخر من الوضعية المزرية التي تعيشها الأصناف الصغرى، يمكن إدراج نقطة هامة تتعلق أساسا بالطواقم الفنية التي تشرف عليها، حيث تسند المهمة لبعض اللاعبين القدامى أومدربين بدون شهادات ولا مستوى ولا تجربة، وكما يقال فاقد الشيء لا يعطيه. ومع هذا الوضع تبقى الأندية رقما صعبا في معادلة التكوين.