كلنا ندري أن إخوان مصر تحولوا إلى ورقة بين أيدي قطر لتثبيت تصورها وفلسفتها واستراتيجيتها الصاعدة والمتعاظمة، والمعتمدة على آخر تقنيات ما بعد الحداثة في مجال حرب الإتصالات، وأضحت هذه الورقة قوة محاصرة للوصفة الوهابية (السلفية) هل نلوم الشيخة موزة، تشاتشر القطرية، لأنها فكرت بعد زيارتها إلى مصر مباشرة بعد سقوط حسني مبارك، في شراء بيت الكاتب والمفكر المصري الكبير عباس محمود العقاد بأسوان، لبعثه من جديد كمتحف يخلد ذكراه، ويحافظ على مقامه في أعين الأجيال الجديدة التي لم تعرفه ولم تعش زمانه ولم تعاصر معاركه الثقافية والفكرية والسياسية؟!. هذا التساؤل كان مصدره الحصة التي خصصت على قناة العربية في الحديث المصري حول مآل بيت ومقتنيات عباس محمود العقاد المادية المتواضعة، والبالغة الأهمية على الصعيد الرمزي.. وما أثارني كذلك في هذه الحصة حماسة المنشط الذي استضاف ابن شقيق عباد محمود العقاد، الذي أدلى بشهادة حزينة حول مآل البيت، ولامبالاة وزارة الثقافة المصرية وكذلك النخب المصرية، والنوايا الطيبة لدولة قطر في شراء الإرث العقادي ليضاف إلى “بريستيج" الشيخة موزة ودولتها التي انخرطت في مباراة مثيرة، فريدة من نوعها في العالم العربي في اقتناء كل ما يرمز إلى الوجاهة والسلطة الرمزية والقوة المجازية التي تكون على مستوى المخيال، في أحيان كثيرة، أعظم وأعتى من القوة المادية والملموسة، سواء كان ذلك في اقتناء أسماء المفكرين والمثقفين الشهيرين، مهما كانت مشاربهم ولغاتهم وجنسياتهم وأفكارهم، أوالرياضيين، أوحتى المعارضين من إسلاميين إلى ليبراليين وعلمانيين، أوسياسيين وزعماء سابقين، أو مؤسسات وممتلكات في كل بقعة من العالم، وكل ذلك بفضل المال المتوفر الذي أصبح السلاح السحري عند أمير قطر ومعاونيه لخلق عظمة أو امبراطورية عظيمة، رغم الصغر المتناهي لدولة مثل قطر، وفق التصور التقليدي، تتوافق والزمن الإصطناعي مثلما يشير إلى ذلك الفيلسوف الفرنسي بودريار.. تخلى المنشط المصري، وهو يحاور ابن شقيق المفكر عباس محمود العقاد، عن دوره الوظيفي والطبيعي والمتمثل افتراضيا في طرح الأسئلة ليتحول إلى محرض ومناضل مستميت من أجل أن لا يتحول بيت العقاد، وبالتالي الإرث الرمزي لصاحب “العبقريات"، إلى مقتنى من مقتنيات دولة قطر، ربما دفاعا عن صورة مصر الأسطورية، مصر العمالقة ومصر العملاقة التي تآكلت وتلاشت بفعل ما جنته على مصر وتاريخ مصر وشعبها عقود من الحكم الشمولي التسلطي، وبفعل الهشاشة الكبرى التي أظهرتها ثورة مصر وتداعيتها التي لازالت مستمرة.. وربما انخراطا في استراتيجية الصراع الخفي حينا والمعلن حينا آخر بين الشقيقتين الخليجيتين، السعودية وقطر، اللتين أصبحتا تعيشان لحظات مريرة من الصراع على القيادة، ليس قيادة منطقة الخليج، بل المنطقة العربية بكاملها التي أصبحت هي الأخرى تعيش أخطر لحظاتها في الحياة والإستمرار على قيد الحياة.. ويظهر ذلك جليا من حيث الخطاب على ساحة الميديا، بين قناتي الجزيرة القطرية والعربية السعودية.. وعلى هذه الأرضية وُضع العقاد، المفكر والكاتب والشاعر والمثقف، كمادة تعبر بكثافة حول مجريات مثل هذا النزاع / الصراع.. لا شك كلنا ندري أن إخوان مصر تحولوا إلى ورقة بين أيدي قطر لتثبيت تصورها وفلسفتها واستراتيجيتها الصاعدة والمتعاظمة، والمعتمدة على آخر تقنيات ما بعد الحداثة في مجال حرب الإتصالات، وأضحت هذه الورقة قوة محاصرة للوصفة الوهابية (السلفية) التي نجح السعوديون في استعمالها خلال العقود الماضية بعد الطفرة البترولية للإطاحة بخصومها من الحكام القوميين والوطنيين الثوريين في المنطقة العربية. ولقد ذهب مفكرون إلى وصف الصعود السعودي آنذاك، بالحقبة السعودية، أو حقبة البترودولار.. إلا أن القوة السعودية سرعان ما وجدت نفسها أمام تحديات داخلية وإقليمية بعد الطفرة القطرية التي استفادت من تداعيات حرب الخليج الأولى والثانية.. وانعكاساتها السلبية على سلطان الريادة السعودية، لتهتدي إلى خطة غير مسبوقة، تمثلت في إنشاء قناة الجزيرة كخطوة أولى.. عملت على إعادة تنميط وتوجيه الشعبوية العربية ذات الطابع الإسلاموي إلى أهدافها الخاصة، من حيث إرباك النظام العربي القديم، وبالتالي الإطاحة برموزه ولغاته وثقافاته، والدخول في مرحلة أخرى لعبت فيها قوة المال والإتصال ضمن النظرة ما بعد الحديثة دورا حاسما في فرض ميزان قوة جديد ومفاجئ ومباغث جعل من قطر الذراع الفعلي لإستراتيجية خفية ومتنامية الملامح، غايتها العمل على قطرنة العالم العربي على مستوى الحجم والجغرافيا، وذلك من خلال تقسيمه إلى دويلات مجهرية، وتفكيكه إلى كيانات صغرى يلعب فيه حكم الإخوان المسلمين دور المفجر لديناميكية جديدة عبر خطة الفوضى الخلاقة للتجزئات المتوالدة والمتحركة كرمال الصحراء ذاتها..