عبد الحميد بن باديس لا نملك منه سوى الشعار، والصورة العامة المسيجة للدوغماتية والأدب السياسي المبتذل حول وعن الذاكرة.. كل سنة نحتفل بيوم العلم بتاريخ 16 أفريل الموافق لرحيل رمز النهضة الإصلاحية في الجزائر، الشيخ عبد الحميد بن باديس. ويتلخص كل عام الاحتفال بنشاطات واحتفالات ثقافية وفنية، حتى تحول الاحتفال إلى مجرد روتين خال من كل روح ودلالة. في حين تطرح علينا الذكرى تساؤلات جادة فيما يتعلق ليس بماضينا وحسب، بل بمسألة التأويل الجديد لما أقدمت عليه بعض رموز تاريخنا الثقافي والسياسي، والدلالات والإرث المخلّف وقدرة المعاني التي اشتغلوا على تأسيسها للتجدد والانبعاث، والتمثل ضمن سياقات غير سياقات الأمس.. من هو عبد الحميد بن باديس؟! سكولاستيكيا، هو رائد الاصلاح في الجزائر، والتلميذ الروحي لقادة الإصلاح الاسلامي في العالم العربي، الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا.. وصاحب البيت الشهير"شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب"، وعند البعض هو ملهم الروح الثقافية للثورة الجزائرية التي استعادت، من خلال حرب التحرير والاستقلال، السيادة السياسية والثقافية والتاريخية والجغرافيا للجزائر.. لكن كل ذلك لا يضيف شيئا إلى راهننا وإلى الساحة السياسية والثقافية والتاريخية الجزائرية.. فعبد الحميد بن باديس، إلى يومنا هذا، لم يقم مثقفونا ومفكرونا وجامعيونا بمقاربته بشكل مغاير وجديد، ولايزال فكره وعمله غير معمم وغير متوفر بين أيدي الناشئة، بل ولا تزال إسهاماته بعيدة عن التناول الخلاق وعن إعادة الكشف والاكتشاف.. كيف تمكن ابن باديس أن يجمع بين السلفية والحداثة، وبين الاستقامة الفكرية والدينية والتعاطي البراغماتي والواقعي وغير الثوري، مع المعطى الاستعماري والإدارة والقوانين الكولونيالية؟! كيف رفع عبد الحميد بن باديس لواء النضال المتشدد ضد المتصوفة التحريريين، لكن في الوقت ذاته دخل مع نخبة المتصوفة في حوار جديد واستراتيجية تعاون وتكامل من أجل قضية واحدة، وهي إعادة بناء الإنسان الجزائري والعمل على إعادة بناء وعيه الديني المتعدد والثقافي.. ولقد حدث مثل هذا الحوار والتوجه عندما التقى عبد الحميد بن باديس مع مؤسس الطريقة العلوية، الشيخ بن عليوه، في منزله بتجديت، في مستغانم، وتم التوصل إلى مشروع تنظيم سمي بجمعية العلماء الجزائريين السنة، لكن سرعان ما تم تقويض مثل هذا التوجه بعد وفاة عبد الحميد بن باديس عن طريق العناصر السلفية المتشددة، مثل العقبي، لتقترب الجمعية فيما بعد على يد البشير الابراهيمي من التيار القطبي داخل جماعة الإخوان المسلمين.. ما الذي جعل شيخ مثل عبد الحميد بن باديس ينأى بنفسه عن ممثل تاريخي وراديكالي للوطنية الجزائرية وتنظيمه (حزب الشعب) ويكون قريبا من المعتدلين القائلين باستقلال الجزائر ضمن نظام اتحادي مع فرنسا، ومن الحزب الشيوعي الجزائري الذي اجتمع مع ممثليه في ما يسمى بالمؤتمر الإسلامي؟! لماذا ظل عبد الحميد بن باديس يمثل خصوصية داخل جمعية العلماء بالمقارنة بزملائه، وتتمثل هذه الخصوصية في النظرة غير التقليدية والمرنة من حيث عملية التشكيل الجزائري لأفكار الإصلاح والنهضة الإسلاميتين؟! مثل هذه الأسئلة وغيرها، تجعل من بن باديس وفكره لحظة راهنة مشرّعة على المستقبل قبل أن تكون مجرد لحظة مرتبطة بالتاريخ أو الذاكرة.