اتفق الناقدان جمال الدين مرداسي وبوخالفة أمازيت، صبيحة البارحة، أن أزمة السيناريو في الجزائر لن تحل إذا لم يتمتع الكاتب بالاحترافية اللازمة والاستقلالية في تناول المواضيع. وحمّلا المتحدثان بمنتدى الثقافي ليومية “المجاهد"، الدولة مسؤولية تراجع الوضع العام للسينما، عندما مارست الوصاية على الأفكار. يتكرر الحديث عن أزمة السيناريو في السينما الجزائرية وفي التلفزيون، وتتأكد مرة اخرى أيضا قناعة الفاعلين أن هدم البنية التحتية للمؤسسات السمعية البصرية، ساهم في تراجع الحالة الإبداعية السينمائية، وقلل من حماسة الكتاب والمخرجين والتقنيين، في إعطاء الجزائر أعمالا موجهة بالأساس إلى الجمهور العريض وليس إلى المهرجانات: “يجب الاعتراف أن ما ننتجه حاليا من أعمال هي أفلام صالونات، أو بتعبير آخر، أفلام منتجة للحصول على الجوائز. شخصيا لست ضد فكرة التتويج، لكن علينا التفكير في إعطاء المجتمع حقه في استقبال الفن السابع"، يقول مرداسي وهو يشرح الحالة الراهنة للشاشة الكبيرة الوطنية. مؤكدا أن قاعات السينما التي بلغت فجر الاستقلال أكثر من 500 قاعة وليس 420 كما يشاع، لم يعد لها وجود مقابل استقالة المجتمع المدني والسياسي من مطلب الحاجة إلى سينما، عمق من تقهقر الإنتاج السينمائي في كل أشكاله. من جهته، أشار بوخالفة أمازيت، الصحفي وكاتب السيناريو، إلى فيلم “بن بولعيد" بالقول: “رغم كل الأموال المكرسة للإنتاج إلا أنه فيلم لم يعرض في القاعات ولم يطلع عليه الجمهور بما يكفي"، ويضيف: “لا يمكن أن نخلي الدولة من مسؤوليتها تجاه ما نحن عليه اليوم، لا يجب أن تدعم الإنتاج من أجل الانتاج فقط" في إشارة منه إلى الأثر أوالصدى الذي يجب أن يسجل عقب كل عرض جماهيري. يلتزم مرداسي خطابا وسطيا فيقول: “لا يجب أن نلقي المسؤولية على الوزارة أوالدولة، خاصة عند الحديث عن السيناريو"، مؤكدا أن الجزائر في الثمانينيات وما قبلها شهدت تأثرا إيجابيا بالتيارات السينمائية العالمية، ما حفز صناع الفن السابع لكتابة أعمال وإخراجها وفق أسلوب مازال محبوبا إلى يومنا هذا. وفي رأي الناقد، لم يعد لهذه التيارات وجود. وينتقد جمال الدين، في المقابل، سعي الدولة للتهليل بكل ما تنجزه في القطاع، من باب “نحن الأفضل" كما هو واقع بالنسبة للأفلام التاريخية، وهو ما يجعل العمل موجها. أعلن مرداسي، رئيس لجنة قراءة “فداتيك"، في سياق متصل، أن كل النصوص التي تصل إلى الصندوق الوطني لدعم السينما التابع لوزارة الثقافة “لا يرفض منها إلا القليل، أمام غياب تام لمبادرة الخواص لتبني النصوص الأخرى". عبّر أمازيت عن قناعته أن “الجزائر لن يكون لها كتاب سيناريو جيدون إذا بقيت هذه المهمة عبارة عن هواية فقط.. علينا أن نصل الى مرحلة السيناريست المحترف". بينما رد صديقه: “السناريو عبارة عن ورقة طريق، كما أنه لا يضمن نجاح الفيلم لأن مصير الإنتاج بيد المخرج"، ما دفع أمازيت للتعليق: “ككاتب سيناريو تعاملت مع أكثر من مخرج، خاصة أحمد راشدي، إلا أني لا أحضر موقع التصوير لأني أشعر في كل مرة أن المخرج يغتصب نصي"، وهو ما أثار إشكالية الرقابة الذاتية أوالخارجية التي يتعرض إليها الكاتب، إذ عاد أمازيت للقول: “في الجزائر لم نتجاوز صعوبة الكتابة عن إحدى الشخصيات التاريخية من ماسينيسا إلى المقراني إلى الأمير عبد القادر"، ويجيبه مرداسي: “المشكل المطروح هو أن عائلات الأمير عبد القادر مثلا تعتبر الشخصية ملكا لها بينما هو ملك للشعب، تماما مثل كريم بلقاسم والشيخ المقراني والعربي بن مهيدي وزبانة وغيرهم، ولا يجوز أن يتدخل أحد في طريقة تناول ملمح من ملامح حياة هؤلاء الرجال".