في أمسية شعرية ضمن البرنامج الأدبي المرافق للطبعة الثامنة من المهرجان الوطني للمسرح المحترف، والذي يقدمه الشاعر والإعلامي عبد الرزاق بوكبة، شهدت قاعة الحاج عمر بالمسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي، مساء أول أمس، أمسية شعرية استثنائية تعاقب على ترصيعها أنجما تهطل محبة وصدقا في كل الاتجاهات، كوكبة من الشعراء الجزائريين. البداية كانت مع الشاعرة والصحفية بالتلفزيون الجزائري عفاف فنوح، التي قرأت شيئا من مجموعتها المرتقبة خلال الصائفة القادمة والموسومة ب«إنا للحب وإنا إليه راجعون"، حيث تمكنت بلغتها الجميلة وإلقائها المتزن والمتفاعل مع النص من شد انتباه الجمهور الذي تجاوب معها بشكل كبير. بعد ذلك اعتلى المنبر الشاعر عبد القادر مكاريا، ابن مدينة تسمسيلت، الذي قرأ بعضا من أوجاع الذات الباحثة عن مأوى في ظل الخراب الذي يلف الوجود. ليأتي الدور على الشاعر والإعلامي رشدي رضوان، ليضفي شيئا من البهجة على القاعة من خلال قصيدته “بلاص أودان"، والتي قارب فيها مسافات التيه في القلب النابض للعاصمة، تيه العابثين المخيّرين أوالمجبرين على الضياع في قالب جمع فيه بين الفصحى والعامية من خلال توظيفه لبعض المصطلحات المتداولة في عاصمة الجزائر مثل: ياخو والبسبسة..، وهو ما شكل قيمة مضافة للنص ومنحه مزيدا من التميز والبريق. ليأتي الدور على الشاعر عبد العالي مزغيش، الذي قرأ نصين رافع من خلالهما لهوية الجزائر العربية وهاجم كل المتمسحين واللاحسين على موائد السلطان، معربا عن رفضه لمشاريع التغريب والأخونة على السواء. وقبل أن تختتم الأمسية مع الشاعر نصر الدين حديد، وصل الشاعر بوزيد حرزالله، الذي اقتنصه مقدم الأمسية عبد الرزاق بوكبة وزج به في البرنامج، حيث قرأ مقطعا من قصيدته “سفر في رؤى العائد" المرفوعة إلى محمد بوضياف والمنشورة في مجموعته “الإغارة". قراءة بوزيد حرزالله جاءت خارجة عن المألوف كعادته، حيث تحرك من المنبر بعد أن قرأ قليلا وراح يهوي إلى الأرض ببطء وهو يرتل “للجزائر صورتها القدسية معصمها سدرة المنتهى وأنا حين أسرى بي العشق كانت تراتيل أوراس تحدو بقلبي"، وكأنه كان يهوي بحثا عن الوطن المقدس الذي أضاعه في مكان وهو يقرأ بصوت محمل بالعتاب للوطن الذي لم يستشعر حجم الحب الذي يتدثر به. ليواصل بوزيد قراءته الشعرية وهو ممدد على خشبة قاعة الحاج عمر حتى يقول “أنت يا وطني إن تردني في حلقة القوم أوتلتمسني في ألحان / في الحلم / في عاصفات الظنون (أكون). لقد أعلنها بوزيد أنه سيكون في أي مكان يريده به الوطن المهم فقط أن يلتقيه. وختم بوزيد قراءته بالرقص على وقع رائعة أحمد وهبي عن كلمات علي معاشي (لو تسألوني نفرح ونبشر ونقول بلادي الجزائر) وهي تنبعث لتملأ المكان من ناي أمين الشيخ وبيانو عبد الله نجار، اللذين تألقا في مرافقة القراءات الشعرية. ليختتم بعد ذلك الصوت الشعري المتميز نصر الدين حديد، مساء البهجة الشعرية بقصيدته “حجرية" التي فازت بالجائزة الأولى في المهرجان الوطني للشعر الفصيح بالوادي، قبل شهر تقريبا. نشير إلى أنه قد أشعلت عديد الشموع في هذه الأمسية إلى أرواح أدباء ومسرحيين وفنانين، تركوا فراغا كبيرا برحيلهم مثل بختي بن عودة، عز الدين مجوبي، الطاهر جاووت، شريف قرطبي، يمينة مشاكرة، وغيرهم.