في إطار إحياء اليوم الوطني للفنان، احتضن منتدى جريدة المجاهد، بالتنسيق مع جمعية مشعل الشهيد، صبيحة أمس، لقاء إعلاميا سلط خلاله الضوء على محطات هامة من تاريخ فنانين جزائريين قدموا الكثير للثورة الجزائرية ولم يكتب لبعضهم أن يتفيأ ظلال الاستقلال، فكانت هذه الالتفاتة للتذكير بهم وبمناقبهم عربون وفاء وتأكيدا على عدم النسيان. نشط اللقاء محمد عباد، رئيس جمعية مشعل الشهيد، وأحال الكلمة إلى الأستاذ عمار بلخوجة، الذي بدأ مداخلته متحدثا عن محمد التوري، هذا الفنان والكشاف الجزائري الذي زاوج بين النضالين الفني والسياسي فقدم عديد الأعمال من سكاتشات ومسرحيات، من بينها "مصائب الفقير"، ليكتب بعد ذلك مجموعة مسرحيات بلغة عامية تقترب من المتلقي في تلك المرحلة، وتعالج قضاياه اليومية في قالب فني جميل من بينها "زعيط ومعيط" و«بوحدبة"، بالإضافة إلى أدواره السينمائية كمشاركته في فيلم "معروف الإسكافي" الذي صور بالمغرب في أربعينيات القرن الماضي. ونظرا لالتزامه الوطني فقد اعتقل سنة 1956 من طرف السلطات الاستعمارية، التي أخضعته طويلا للتعذيب في سجن سركاجي لتطلق سراحه بعد ذلك، وقد توفي نتيجة مرض عضال في سنة 1959. وواصل بلخوجة مداخلته بالحديث عن فنان آخر هو الفنان أحسن العربي بن عمر، المعروف باحسيسن، والذي ولد بالقصبة في 1920 أين تعلم العزف على آلتي الموندول والقيثارة بمفرده، ليدخل الحياة الفنية في العام 1944 ويتنقل بين عديد الفرق الموسيقية، ولكنه سرعان ما يغادرها لاتسامها بالطابع الغربي في أنغامها، ليستقر على أغنية الشعبي الأصيلة، وليجد ضالته في حركة انتصار الحريات الديمقراطية التي كان يتزعمها مصالي الحاج، وانتقل بعد ذلك إلى فرنسا في سنة 1957، والتي سرعان ما غادرها متوجها إلى تونس تلبية لنداء جبهة التحرير الوطني إلى أن توفي عن 39 سنة بمستشفى الصديقية بتونس، بعد رفضه التنقل للعلاج بفرنسا، ليدفن في تونس، إلى غاية 2012 أين نقلت الدولة الجزائرية رفاته ليدفن بجانب والدته بالقطار في العاصمة. وعرج بعد ذلك الأستاذ عمار بلخوجة، على سيرة الشهيد علي معاشي، وكيف كانت بداياته الفنية من خلال تأسيسه لفرقة سفير الطرب، التي جابت مناطق عدة في الوطن، وهو يتغنى بالجزائر التي طالما حملها وصورها في أغانيه، كالمرأة التي يصعب على عاشقها أن يفارقها أو يراها تتألم، وذكر بأول أغانيه التي كتبها في الباخرة حيث كان يشتغل، والتي حملت عنوان "يا بابور"، بالإضافة إلى الأغنية التي كانت سببا وراء ذيوع صيته وانتشاره الواسع وهي "أنغام الجزائر"، ليختم حديثه بطريقة اغتياله التي تعبر عن بشاعة وهمجية المستعمر، رفقة زميليه محمد جهلان وجيلالي بن سترا، في الثامن جوان 1958، وتعليق جثثهم بغية ترهيب الأهالي في ساحة كارنو سابقا، الشهداء حاليا، في قلب مدينة تيارت مسقط رأسه.بعدها تناول الكلمة الفنان عبد الحميد رابية، الذي أعاد تلخيص مسيرة الفنانين محمد التوري واحسيسن، في قالب شعري تجاوب معه الحاضرون بشكل كبير.ليختتم اللقاء في أجواء حميمية بتكريم رمزي لأسرة الفنان الراحل احسيسن، تسلمته أرملته التي لم تفوت الفرصة لتعبر عن عظيم امتنانها وسعادتها بهذه الالتفاتة، وترفع أسمى آيات العرفان لكل من ساهم أوكان سببا في إعادة رفات زوجها إلى أرض الوطن.