تالا بسام ابراهيم بني غرة (12 عاما) فلسطينية، تنحدر عائلتها من قرية المنسي قضاء حيفا وتسكن (العائلة) منذ نكبة عام 1948 في بيت متواضع في مخيم جنين بفلسطين. عاشت تالا حياتها بشكل طبيعي ككل أطفال اللجوء في المخيمات يتمسكون بالحياة رغم الاحتلال وما يرسمه من صور معاناة حرمتهم حياتهم وطفولتهم، ولكن عائلتها حرصت على رعاية أطفالها. ومنذ ولادتها لم تعانِ تالا من أية أمراض، كما تروي والدتها المربية نجاة اسماعيل ابو قطنة، وهي تحمل الجنسية الجزائرية، (نسبة لأمها الجزائرية حبيبة هواري صحراوي) فقد أنجبتها بولادة طبيعية لتكون الثانية في عائلتها المكونة من 5 إخوة، تقول والدتها "في المستشفى أنجبت تالا وتمتعت بصحة ممتازة وعاشت حياتها دون أي مشاكل، وكبرت مع أشقائها وسط حرصنا على تعليمهم وتربيتهم بأفضل طريقة رغم ظروفنا الصعبة". ومن مفارقات القدر، أن الغزو الإسرائيلي الذي استهدف مخيم جنين بالقصف والدمار للقضاء على مقاومة أهله الذين صمدوا وتصدوا لآلة الحرب الإسرائيلية بكل الأشكال بما فيها التمسك بإرادة الحياة والصمود والثبات، في تلك الأيام وتحديدا في 3- 5 - 2000 كانت تالا تولد بالمستشفى الملاصق للمخيم الذي عاشت فيه عائلتها بصمود وثبات رغم كل الويلات والمآسي التي تعيد للأذهان صور الحكايات القديمة لرحلة اللجوء لوالدها الذي عانى من التشرد والفقر ولكنه كافح لتوفير حياة كريمة لأطفاله ابراهيم (15 عاما) تالا (12 عاما) وصهيب (10 سنوات). تعرض أم تالا شهاداتها المدرسية وهي تبكي وتقول "بسبب المرض انقطعت عن مدرستها وحرمت من التعليم رغم أنها كانت طالبة متفوقة في دروسها في كافة الصفوف، كانت هوايتها الرسم وتحب الرياضة ولكنها لم تعد قادرة على الدراسة والحركة، إنها أكبر مصيبة بحياتي، فطفلتي كانت تطمح أن تصبح طبيبة أسنان ولكنها اليوم تعيش نكبة لم أتوقعها في أسوأ كوابيس حياتي، فهي غير قادرة على إكمال شرب كأس ماء"! تنهمر دموع والدة تالا المربية التي أفنت حياتها في التعليم والمشاركة في الحملات الشعبية بعد مجزرة مخيم جنين كمتطوعة لإيصال صوت ورسالة الشعب الفلسطيني كونها تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وساهمت في إنقاذ حياة العديد من العائلات المنكوبة ولكنها تعجز عن إيجاد حل للنكبة التي حلت بطفلتها مؤخرا بعدما أصبحت في الصف السابع، وتقول "بدأت مأساتنا في مطلع شهر سبتمبر الماضي بعد انتظام الدوام الدراسي، فجأة اشتكت تالا من ألم في الرأس والمعدة وحالة استفراغ، فسارعنا لعرضها على الأطباء معتقدين أنها حالة مرضية عادية". اختلفت تشخيصات الأطباء ورغم العلاج اُصيبت الطفلة بمضاعفات مختلفة، وتقول والدتها "تدهورت حالتها الصحية بسرعة وأصبحت تتقيأ أي شيء سواء أكلت أم لا، ورغم خضوعها لعلاج مكثف في المستشفى واجراء الفحوصات لازمها المغص وألم الرأس والتقيؤ، وفجأة أصبحت طريحة الفراش". صدمة قاسية عاشتها العائلة بسبب تتالي الصدمات مع تفاقم حالة "تالا" التي جرى عرضها على أطباء قلب متخصصين، وكانت النتيجة القاسية بعد الفحوصات أن الطفلة مصابة بمرض تضخم القلب التوسعي، والذي يعتبر في لغة الطب كما أفاد الأطباء الذين تابعوا حالة الطفلة في مستشفيات "هداسا" في الداخل والمقاصد الخيرية في القدس، أنه حالة نادرة من أمراض القلب والتي لا يتوفر علاج لها في إسرائيل وفلسطين. وتقول أم تالا "واجهنا صدمة كبيرة ولم نصدق التشخيص رغم أنه صدر عن أفضل أطباء الاختصاص وتابعنا الفحوصات وصور الأشعة ولكن كان قرار الأطباء واحداً، أن تالا تعاني من تضخم القلب التوسعي وهذا يعني قصور في وظائف القلب يهدد المصاب في كل لحظة بتوقف عضلة القلب والوفاة"، وأضافت "والمصيبة الكبرى أن الأطباء أبلغونا أن الحل زراعة قلب وهو غير متوفر هنا وتكاليفه باهظة جدا". تلك النتائج شكلت نكسة كبيرة للعائلة التي تعيش ظروفا مأساوية تفاقمت بعدما اصيب رب الأسرة (44 عاما) بإعاقة حركية أفقدته عمله الذي تعتمد عليه عائلته في معيشتها، فأصبح طريح الفراش ولا يقوى على الحركة دون الاستعانة بالعصا، بسبب عجزه عن توفير تكاليف إجراء عملية زراعة مفاصل صماعية في الحوض ليتحرر من الإعاقة. أصبحت الزوجة أمام تحدي كبير في مواجهة المأساتين زوجها وإعاقته وعجزه وطفلتها ومرضها وعدم توفر أدنى إمكانية لعلاجها، وتقول "لم نملك سوى الصبر والايمان بالله، زوجي تحمّل ألمه وقاومه وكرسنا حياتنا في سبيل علاج طفلتنا وإنقاذ حياتها، بعدما عرضناها على طبيب فرنسي أبلغنا أن قلبها لا يحتمل وتحتاج لعملية سريعة وكل دقيقة تمضي تضاعف من الخطر على حياتها". وهذا ما حلّ بحياة الطفلة، التي تحولت لجحيم ومسلسل ألم لا يتوقف، فأصبحت تقضي حياتها بين الأطباء وغرفة العناية المكثفة، وتقول والدتها "استمرت الانتكاسات في حالة طفلتي حتى أصبحت في وضع سيء جدا بعدما اصيبت بانخفاض في الضغط وتقيؤ مستمر وادخلت غرفة للعناية المكثفة في مستشفى المقاصد وتم انقاذ حياتها عن طريق الأجهزة المنعشة للقلب، فتحسنت حالتها وقرروا لها عدة أدوية"، وتضيف "بتاريخ 14-11-2012، قام الطبيب الإيطالي ستيفان لويزي بفحص تالا في مستشفى المقاصد وأبلغنا أن الحل الوحيد زراعة قلب وهذا غير متوفر بفلسطين". الوالدة التي أصيبت من الحزن والبكاء بأمراض الضغط والسكري تخلت عن حياتها وأصبحت تعيش لطفلتها والبحث عن علاج، وفي نفس الغرفة التي ترقد فيها تالا في منزلها تلازم والدتها جهاز الكمبيوتر وتستثمر اتقانها للغات الفرنسية والإنجليزية للبحث عن الحل، وتقول "في البداية قدمنا أوراقها لكافة الجهات للحصول على تحويلة لعلاج طفلتي في الخارج، ولكن لم يستجب أحد لصراخنا، بينما كانت حالة طفلتي تتدهور يوميا.. كتبت قصتها بكل اللغات وراسلت عشرات المؤسسات والجمعيات الفلسطينية والعربية والأجنبية بالخارج، وبحثت عن أطباء ومستشفيات متخصصة لإنقاذ حياتها". دون يأس أو كلل تعمل أم تالا ليل نهار في استخدام كل سبل الاتصالات والانترنت والفيس بوك لإنقاذ حياة الطفلة التي تعيش منذ أسبوع في غرفة العناية المكثفة في مستشفى الرازي في جنين، وتقول "لم أعد قادرة على النوم وابنتي تموت أمامي، تركت كل حياتي وبيتي وعملي وأطفالي في سبيل انقاذ حياة تالا التي داهمتها نوبة ألم جديدة، حيث تشتد أوجاعها لأن عضلة القلب تزداد ضعفا، وهي من شدة المرض تعاني من ألم في الظهر والصدر وسعال"، وتضيف "من شدة الألم أصبحت غير قادرة على النوم، فهي تستلقي طوال الوقت على جنبها ومن المؤلم أن حالة طفلتي تسوء وأنا أتحسر وأتألم لعجزنا وليتني اتمكن أن أعطيها قلبي لأحررها من الجحيم الذي تعيشه". رغم الألم والحزن، ترسم الطفلة البريئة ابتسامة لا تفارق محياها طوال الحديث، وتقول "أمنيتي وحلمي أن أعيش وأغادر فراشي وأعود لمدرستي وأتخلص من الإبر والألم والأدوية، إنني مؤمنة ومتوكلة على الله"، ورغم عجز الأطباء عن ايجاد مكان في جسدها لغرز الابرة لتزويدها بالمضادات، قالت وهي تتألم "حلمت انني اجريت العملية ونجحت، واصلي لله في كل يوم ان يحقق حلمي ويشفيني من المرض فأنا حزينة لأن كل عائلتي تتألم واصبحت حياتنا في المستشفى وغرفة العناية المكثفة". والدة الطفلة، لم يبقَ باب إلا وطرقته بحثا عن المساعدة لعلاج طفلتها، وبعد جهد ومعاناة واتصالات مستمرة وبمساعدة الدكتور الفلسطيني العامل في إيطاليا يوسف عبد الغني (عضو في تجمع الأطباء الفلسطينين في اوروبا) وافق مستشفى "بابا جيوفاني" في مدينة بيرغامو في ايطاليا على اجراء عملية زراعة قلب للطفلة، وقالت الوالدة "لأول مرة أشعر أن الحلم بدأ يتحقق ويمكن انقاذ حياة طفلتي، فالجهود الكبيرة التي بذلها الدكتور يوسف ومتابعته لملف طفلتي الطبي حقق الموافقة"، وتضيف "لكن إجراء العملية بحاجة لتغطية تكاليفها الباهظة فورا إضافة لتقديم تعهد مكتوب ورسمي من وزارة الصحة الفلسطينية باستكمال العلاج بعد عودتها من إيطاليا وتوفير الأدوية والفحوصات المناسبة". تبكي ام تالا وتقول "لا ادري، هل المفروض أن افرح ام احزن، فانجاز العملية وهي الامل الاول والاخير والوحيد لمنح طفلتي حياة جديدة بحاجة لتوفير الضمانات، لذلك أناشد الرئيس محمود عباس ووزير الصحة منحنا الدعم المطلوب فورا". الوالدة أم تالا التي تحمل الجنسية الجزائرية تتطلع بأمل كبير نحو وطنها الجزائر وأهل بلدها الطيب وكلها أمل أن يساعدوها. وتحكي نجاة (ام تالا) قصتها مع الجزائر التي تعدها "المنقذ الأخير" لابنتها بالقول ينحدر والدي من قرية المنسي قضاء حيفا، وعقب النكسة في عام 1967 لجأ إلى الجزائر وعمل موظفا في سلك التربية والتعليم كمعلم لمادة اللغة العربية، وأقام في منطقة "بسكرة" ودرس لمدة 3 سنوات في مدارسها، ثم انتقل لسلك التربية في مدينة الورود "البليدة" وهناك درس في عدة مدارس وارتبط بزوجته الجزائرية (أمي) حبيبة هواري صحراوي، ورزق بعدة ابناء، وعاشت العائلة في منطقة القبائل بحكم انتدابه للتدريس في مدرسة "تيقو بعين" بمنطقة تيزي وزو. واستمرت العائلة بالإقامة في الجزائر حتى عام 1994، حيث عادت لفلسطين مع السلطة الوطنية والقوات الفلسطينية العائدة من الجزائر واستقرت في مخيم جنين مع عائلته، وفي عام 1997 توفي الوالد في مخيم جنين ولحقت به زوجته الجزائرية بعد 3 سنوات ودفنت بأرض فلسطين. نجاة التي تخرجت من جامعة "تيزي وزو" بتخصص احياء تزوجت في المخيم وبدأت حياتها مع زوجها حتى بدأت مأساة طفلتها، لذلك تناشد السلطات في الجزائر، والرئيس عبد العزيز بوتفليقه وكافة الجزائريين الوقوف لجانبها والتبرع لتغطية تكاليف العملية، وتبعث من مخيم جنين صرختها "من جنين أناشدكم تلبية صرختي فطفلتي في غرفة العناية المكثفة منذ أسبوع وحالتها كل يوم تسوء، فأرجوكم اغيثونا وانقذوا حياة طفلتي قبل فوات الآوان".