دون سابق إنذار قفزت أسعار اللحوم البيضاء إلى مستويات قياسية في ظرف أيام معدودة، حيث سجلت زيادة تقدر بأكثر من 100 دج في سوق الجملة، بعدما كان سعرها لا يتجاوز 180 دج. بيعت خلال الثلاثة أيام الماضية ب 209 دج، وهو ما طرح العديد من التساؤلات لدى البسيط الذي ارتاح خلال الأشهر الماضية إلى انخفاض الأسعار. وقد سمحت لنا الجولة التي قمنا بها إلى أسواق التجزئة بالعاصمة للوقوف على ارتفاع الأسعار، كما أكد لنا بعض بائعي الدجاج هذه الزيادة التي صدموا بها بأسواق الجملة. وخلافا لبعض المؤشرات التي توقعت ارتفاعا تدريجيا للحوم البيضاء مع اقتراب شهر الصيام، كما جرت عليه العادة، فقد أكد لنا بعض التجار أن هذا السبب ليس الوحيد الذي ساهم في الزيادة الجنونية لسعر الدجاج، حيث أكدوا أن الانهيار الكبير الذي عرفته الأسعار في الأشهر الأخيرة كان أحد الأسباب الرئيسية التي أدت اليوم إلى عودة التهاب أسعار هذه المادة الاستهلاكية، التي يلجأ إليها المواطن ليعوض بها عن اللحوم الحمراء التي باتت اليوم في غير متناوله كونها وصلت إلى أسعار عالية جدا. عندما وصلنا إلى سوق كلوزال، بوسط العاصمة، بدا لنا إقبال المواطنين على محلات بيع الدجاج شبه عادي، حيث شاهدنا مواطنين يقفون أمام واجهات بيع الدجاج يسألون حينا عن أسعارها ويقتنون ما يحتاجون أوما تسمح به قدرتهم الشرائية. غير أن ما استرعى انتباهنا أن جل الزبائن اندهشوا للارتفاع الذي عرفته أسعار الدجاج، ومع ذلك كانوا ربما يعتقدون أن الانخفاض الذي عرفته خلال المدة الأخيرة سيستمر على الأقل إلى غاية دخول شهر رمضان. وقد لمسنا ذلك من خلال ردود فعلهم التي صبت في بوتقة واحدة.. هي أن الزيادات التي سجلت فاجأتهم، وأن مرحلة انخفاض الأسعار التي ارتاحوا لها لبعض أشهر قد ولت، وبالتالي فالأسعار عادت من جديد إلى نقطة الصفر. والأمر الذي يمكن استنتاجه من ردود فعل المواطنين الذين تحدثنا إليهم، هو نهاية شهر العسل الذي جمع الدجاج بالزبائن، حيث أجمعوا كلهم على أن نسبة الزيادة كانت كبيرة، وهو ما حاولت إحدى السيدات التي وجدناها عند تاجر دجاج قوله لنا في هذا الموضوع: "قبل أسبوع كانت الأسعار معقولة ووصلت إلى غاية 21 ألف سنتيم للكيلوغرام، قبل أن تقفز اليوم إلى أسعار تتراوح بين 35 ألف و40 ألف سنتيم أي بزيادة 100٪ تقريبا، ولسنا ندري كيف سيكون الحال في شهر رمضان القادم؟!". نفس الإنطباعات عبر بها مواطن آخر، أب لأربعة أطفال، حيث أبدى لنا استياءه الكبير من الزديادات المتفاوتة في أسعار الدجاج: "لا يخفى على أحد أن المواطن البسيط لا يستطيع تناول اللحوم اللحوم الحمراء التي بلغت مستويات عالية في الأسعار، وبدلها عادة ما يلجأ إلى تعويضها بلحم الدجاج، خاصة بعد أن شهدت أسعاره انخفاضات معتبرة منذ الشتاء الماضي، الأمر الذي سمح لنا باستهلاكها دون إشكال، لكن الانفلات الجنوني الذي سجلته أسعارها اليوم أربكنا صراحة، وهذا قبل حلول الشهر العظيم، فأنا شخصيا تفاجأت من هذا الأمر، خاصة أن وزير التجارة طمأن المواطنين باستقرار الأسعار خلال شهر رمضان، وأنا مثل بقية المواطنين أتساءل عن المستويات التي ستبلغها أسعار الدجاج مع بداية شهر الصيام". وللأمانة لم تخرج ردود فعل بقية المواطنين الذين التقينا بهم عما سردناه من آراء، لأنها أجمعت كلها على نفس الهواجس والمخاوف من هذه الزيادات التي جاءت لتزيد من محنة المواطن في تأمين قوت أسرته ببعض الدجاج الذي يبقى رغم كل ذلك يمثل البديل الأنسب للمواطن خلال شهر رمضان.. في ظل غلاء اللحوم الحمراء. والأكيد أن تفسيرات تجار التجزئة المختصين في بيع اللحوم البيضاء، تختلف جدا عن تلك التي عبر عنها المواطنون، لأنها ببساطة تخضع لتموجات أسواق الجملة وقانون العرض والطلب، طالما أن تاجر التجزئة يجد الأسعار وفق معطيات أسواق الجملة، على نحو ما صرح به تاجر بسوق "كلوزال":"يمكن القول إن ارتفاع أسعار الدجاج عرفت منذ شهر تذبذبات كثيرة، إلى أن وصلت اليوم إلى 028 دينار ومنذ ثلاثة أيام وصلت إلى حدود 030 دينار. وما تجدر الاشارة إليه هو أن الاسعار سارت في شكل تصاعدي منذ أسابيع، وقد بلغت اليوم مستويات قياسية، وهي مرشحة للزيادة أكثر كلما اقتربنا من شهر رمضان، وقد تعرف غلاء فاحشا خلال الأسبوع الأول من الصيام". وذهب تاجر آخر ب "مارشي 12" ببلوزداد إلى أبعد من ذلك عندما فسر لنا خلفيات ارتفاع سعر الدجاج بالعودة إلى الفترة التي انخفض فيها: "عندما بلغت أسعار الدجاج مستويات دنيا في الأشهر الماضية، الكل استحسن الأمر، لكن ذلك لم يمر دون أن يؤثر على بعض منتجي الدجاج، وتجاره خسروا في العملية، وأدى بهم الوضع إلى التوقف عن العمل لبعض الوقت أوبصفة نهائية، وهو ما انعكس اليوم على عنصر العرض والطلب وفي حالة عودة بعض التجار الصغار إلى النشاط فإن انتاجهم سيكون منخفضا مقارنة بالأشهر الماضية". وخلافا لبعض توقعات تجار الجملة الذين أكدوا لنا أن الأسعار ستعرف مزيدا من الارتفاع قبيل رمضان وخلاله، توقع أحد التجار أن تنهار الأسعار، وقد فسر لنا ذلك بقوله: "هناك كميات كبيرة من اللحوم البيضاء ممثلة في الدجاج والديك الرومي، تم تخزينها وسيتم عرضها خلال شهر رمضان، وهو ما يعني وفق منطق السوق أن تعرف أسعارها تراجعا معتبرا، غير أن ذلك لا يعتبر حتمية، لأن الأسعار مهما كانت طبيعتها تخضع إلى قانون العرض والطلب ولعامل المضاربة". بالاستناد إلى التصاعد الجنوني في أسعار الدجاج الذي تعرفه أسواق الجملة والتجزئة، توقع أحد التجار أن يصل سعر الدجاج إلى 45 ألف سنتيم في أسواق التجزئة خلال شهر رمضان، فيما سيصل سعره في أسواق والجملة إلى 35 ألف سنتيم. غير أن هذه التكهنات والتوقعات التي أفصح لنا عنها بعض تجار التجزئة تعتمد أكثر على المنحى التصاعدي السريع الذي تعرفه الأسعار هذه الأيام.