تابعت الباحثة زينب مجدولي، مهرجان الساويرة لموسيقى القناوة وموسيقى العالم منذ بداياته الأولى في سنوات التسعينيات واهتمت في بحوثها بحركية القناوة بين الفضاءات التقليدية وفضاءات العروض، وترصد من خلال هذا الحوار تحول موسيقى القناوة وتطورها من التقليدي نحو المعاصر. كيف كانت علاقة القناوة بالمهرجان في بدايته؟ كانت علاقة تقبل وترحيب بالفكرة. لا ننسى أن القناوة كانت فئة من المنبوذين في المغرب، بحكم الممارسات التي توصف بتصرفات العبيد، لذلك فإن مجيء مهرجان يعيد لهم الاعتبار إلى الواجهة الفنية ويكرس لفنهم كان أمرا إيجابيا بالنسبة إليهم وطريقة للاعتراف بهم، لذلك مهرجان الساويرة له أهمية كبيرة بالنسبة لهذه العشيرة الدينية التي تمثل فئة شعبية كبيرة في المغرب. كيف تطور مفهوم العرض لدى هؤلاء؟ مفهوم العرض ليس غريبا عن القناوة، بما أنهم تعودوا على الاستعراض في ساحة جامع الفنا بمراكش، وكذا في الأفراح. كما أنه في الستينيات والسبعينيات كان هناك مهرجانا مخصصا للفنون التقليدية والفلكلورية. لكن لنركز في مفهوم العرض، هناك قسم من الليلة في الديوان يسمى بقسم "الكويو"، وهو قسم مبسط جدا وموجه للجمهور العريض يقدم بطريقة استعراضية ومستخدم بشكل شائع في العروض. وهذا هو القسم الذي تحول إلى المنصة وبما أنه استعاد تجسيد ساعات من الفقرات الغنائية المطولة، تم اختزال الأبراج، كذلك تم إدراج ما يسمى بالعادة الذي يفتتح الليلة مع حلول المساء ويعلن للجمهور بداية الطقوس والانطلاق في قسم الكويو قبل الانتقال إلى قسم "الملوك" وهو القسم الذي كان غائبا عن الركح، حيث حصر القناوة أداءهم على المنصة في قسم الكويو كونه استعراضيا مع خيار للأغاني التي يؤدونها وتكون غالبا معروفة لدى الجمهور الكبير. ومع ذلك وتحت إصرار الجمهور واستجابة لطلباتهم، رضخ القناوة في الآونة الأخيرة لاستعراض قسم الملوك في الليالي الخاصة، المنظمة هنا وهناك على هامش المهرجان. شخصيا، يمكن أن أعتبر ذلك أمرا محظورا، وكما هو متعارف عليه في جميع الثقافات فإن المحظورات تسقط في بعض الحالات الاستثنائية. ألا يفقد الديوان بذلك صياغته الأصلية؟ هو أمر وارد في الموسيقى التقليدية عبر العالم. هناك متحف في فرنسا يسمى بمتحف ثقافات العالم مكرس لإعادة الطقوس التقليدية المتواجدة عبر جميع أنحاء العالم، وتبقى بالطبع مجرد إعادة تجسيد. رغم ارتفاع الأصوات ضد ذلك على أساس أنها ممارسات محظورة، تدافع أصوات أخرى على هذه التقاليد بحكم أنها ستندثر وبالتالي يجب الحفاظ عليها، ولا يمكنني أخذ موقف من الوضعين فكلا الطرفين على حق، لكن ما يمكن قوله في هذا الشأن بالنسبة للقناوة هو أن المهرجان ذهب لصالحهم رغم أنهم واعين بأن هناك شيئا يخسرونه بالمقابل وهو ما أسميه من جهتي بلعبة الحياة. هل تمكنوا بذلك من فرض أنفسهم فنيا وإبداعيا؟ أجل، وذلك انطلاقا من مبدأ حرية الفعل. لنأخذ على سبيل المثال المعلم حسان بوسو نجل المعلم الراحل حميدة بوسو، الذي يعترف أن موسيقى القناوة محدودة ومجرد حلقة مفرغة، وتبقى أي موسيقى تقليدية على هذه الحالة إذا لم تنفتح على عوالم موسيقية أخرى، خصوصا أنه لا يوجد الكثير من الآلات ومن الصعب الإبداع موسيقيا. لذلك يجد القناويون أنفسهم أمام معضلة الخيار بين الانغراس في تقليد موسيقي نابع منهم أو الانتقال به لاكتشاف أشياء جديدة. لا ننسى أنهم موسيقيون يعيشون حالة كبت وإذا قبلوا لعبة الركح مع كل الامكانيات والحلول المقترحة موسيقيا، لا يمكن لهم أن يصنفوا أنفسهم كمجرد مؤدين بل من شأنهم أن يتطوروا إلى صف المؤلفين كذلك، ويبقى ذلك رهانا صعبا للغاية لأن هناك عامل أساسي يكرس لذلك وهو الشرعية الأبوية بحكم الانتماء حيث أعود لمثال المعلم حسان بوسو، فمن النادر أن يتمكن شخص من تقلد ثلاثة أدوار كمدير فني لمهرجان الساويرة، وكرئيس فرقة ناجحة في نوع الفيزيون عبر أوروبا يمكنه العودة إلى فضائه الأصلي وفرض نفسه كمعلم أساسي بين عشيرته، وهو أمر نادر جدا يستمده بوسو من شرعية انتمائه أساسا وهي شرعية عبر التقليد أي فضاء التداول من الأب إلى الإبن.