كان سيدات 2024 :الجزائر ضمن مجموعة صعبة برفقة تونس    الرابطة الأولى موبيليس: مولودية وهران تسقط في فخ التعادل السلبي امام اتحاد خنشلة    إجتماع أوبك/روسيا: التأكيد على أهمية استقرار أسواق النفط والطاقة    المؤسسات الناشئة: ضرورة تنويع آليات التمويل    تصفيات كأس إفريقيا-2025 لأقل من 20 سنة/تونس-الجزائر: ''الخضر'' مطالبون بالفوز لمواصلة حلم التأهل    لجنة تابعة للأمم المتحدة تعتمد 3 قرارات لصالح فلسطين    تنظيم الطبعة ال20 للصالون الدولي للأشغال العمومية من 24 إلى 27 نوفمبر    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    مولي: الاجتماع المخصص للصادرات برئاسة رئيس الجمهورية كان مهما ومثمرا    ميلة.. تصدير ثاني شحنة من أسماك المياه العذبة نحو دولة السينغال    بنك الجزائر يحدد الشروط الخاصة بتأسيس البنوك الرقمية    الرئاسة الفلسطينية تؤكد ضرورة قيام المجتمع الدولي بالعمل الفوري على وقف العدوان الصهيوني المتواصل عل الفلسطينيين    أوبرا الجزائر تحتضن العرض الشرفي الأول للعمل الفني التاريخي ملحمة الرمال " تاهقارت"    الاتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا يثمن قرار الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين صهيونيين    منظمة العفو الدولية: المدعو نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة الجنائية    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    دعم حقوق الأطفال لضمان مستقبل أفضل    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطفل الجزائري بين تعليم بابا وتربية ماما
نشر في الجزائر نيوز يوم 29 - 06 - 2013

منذ سقوط جدار برلين (09 / 11 / 1989) وانهيار برجي مانهاتن (11 / 09 / 2001) شهد العالم العديد من التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، طالت فعالياتها العديد من المؤسسات الثقافية والتعليمية، دفعت بالدولة القوية والمتوسطة القوة، غير المغلوبة على أوضاعها، أن تتفاعل مع المتغيرات الكونية الطارئة، المتعددة الأنماط والتوجهات محاولة الخروج في أقصر وقت وبأقل ثمن، وللتخلص تدريجيا من الأزمة الاجتماعية الخطيرة، التي تلاحق "طفل المستقبل رأس مال الدولة وملك الوطن"، يجب على كل المجتمعات وأنظمتها التكفل به وتمكينه من الحصول على حقه عن طريق الرسالة الثقافية والتربوية والتعليمية، الملخصة فيما أصبح يعرف ب "المنظومة التربوية" المتعلقة غالبا بإصلاح المناهج وتغيير البرامج بالحذف والإضافة والتمديد والتقليص في المقياس المعرفي اليومي أو الساعاتي، مما زاد في تهديم البنية الفكرية وتحطيم الذاكرة الاستيعابية التقليدية التي سادت في العديد من الأقطار وبين الشعوب المستقوية والمستضعفة، في إطارها الإقليمي أو الجهوي، أو في إطار هيمنة الأقوياء وسيطرتهم المتواصلة بالتبعية أو الاستعمار المباشر، أفقد بعضهم هويتهم بالاندماج أو الذوبان في المنظومة التربوية والتعليمية والثقافية للآخر، بل تعدي ذلك إلى الأنماط السياسية والاقتصادية، مما أحدث فجوات وشرخات مذهبية وإيديولوجية كانت لها انعكاسات سلبية على الفكر المحلي الشامل، الدائم البحث عن منفذ النجاة، خاصة في التطور التكنولوجي لوسائل الاعلام والاتصال الاجتماعي، الذي تحول العالم من خلاله إلى قرية صغيرة، انقسم سكان أحيائها إلى مؤيد ورافض ومتفرج ومحايد.
فالمؤيدون من الدول المستقوية التي تؤمن بالتغيير والتجديد والتطور الفكري، والإصلاح الشامل المتعلق بالمنظومة والمنهج، فإنها تخصص كل عام نسبة عالية من المال للإنفاق على التعليم خارج الإطار الخاص بالإصلاح المبرمج أو المخطط له، منذ تنصيب الهيئات الاستشرافية الدائمة والمكلفة بالدراسات والتحاليل والتقييم، وبتوفير الوسائل وتحديد الأهداف، على مختلف الأصعدة للخطة الخمسية أو العشرية المتوسطة والطويلة المدى.
لقد كان لسقوط جدار برلين (1989) وما أحدثه من تغيير في القارة الأوروبية، كما كان الهجوم الإرهابي على برجي منهاتن (2001) تحولا فكريا وسياسيا واقتصاديا في العالم، جعل الدول الكبرى وكل من اهتدى واقتدى بتلك الإجراءات المتخذة من أجل إعادة النظر في هيكلة المنظومة التربوية العالمية، خاصة تلك التي نتج عنها الفكر المتطرف، بحيث خصصت الولايات المتحدة الأمريكية ميزانية خاصة لإصلاح التعليم ومناهجه وأجره قدرت (6,7 مليار دولار) إضافة إلى (447 مليار دولار) لتوظيف مدرسين جدد، تتوافق معارفهم وخطة الإصلاح التي تقدم بها المجلس القومي الأمريكي للدراسات الاجتماعية، والمجلس القومي للمعايير التربوية، وغيره من البحوث الخاصة والدراسات والتحاليل والاقتراحات التي تساهم بها الاتحادات والجمعيات واللجان الخاصة بالتربية والتعليم والتكوين، والعمل المتميز الذي قدمته لجنة العشرة العلمية التربوية، التي تركزت دراساتها على مختلف أطوار وسنوات التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي (اللغة الإنجليزية - الرياضيات - التاريخ - الجغرافيا - العلوم) باعتبار الجيل متشبع ومتمسك بروح المواطنة، إذ المطلوب منه أن يكون دائما في الصدارة وفي المراتب الأولى لطلاب العلم، خاصة في مادتي (العلوم والرياضيات) ولا بأس من إتقان اللغات الأجنبية الأخرى.
أما في بريطانيا العظمى، فإن عملية إصلاح التعليم لم تكن ببعيدة عن منظومة الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها تركز فيها على الأطوار الثلاثة بالتمكين والاتقان ل (اللغة الانجليزية - العلوم - الفيزياء - علم الفلك - الأدب الإنجليزي وسير العلماء).
أما فرنسا التي تعد من الدول المؤثرة في بعض الدول التابعة لمنطقة الفرانكفونية فإن منظومتها الإصلاحية في مجال التربية والتعليم، ما زالت مرتبطة ومتمسكة بتلك المنظومة التي وضع قواعدها (نابليون عام 1800) والتي تقوم على أساسيات ثلاثة (اعتبار التعليم موجه للشعب - مناصرة أهل العلم وجعلهم جزء من الحكومة - سلوك المنهج الديني اللائكي) وذلك باعتبار أن فرنسا تسودها القلاقل والانهيارات الدينية والأخلاقية والاجتماعية، من عصر إلى عصر، محدثة انشقاقات في المجتمع الفرنسي المتعدد الأجناس والطوائف والأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن تطرف وإلحاد، وبذلك فإن إصلاح التعليم ما زال متمسكا بفلسفة نابليون في التركيز على (اللغة الفرنسية - مطالعة الأدب الفرنسي - التمسك بتطور علوم الإدارة والقضاء والعلوم المتعلقة بإصلاح حياة الأفراد انطلاقا من تكوين وتربية الطفل)، ذلك ما يقوم به بعض العجم.
أما عما يقوم به بعض العرب، فتعتبر المملكة العربية السعودية الرائدة عربيا والرابعة عالميا، بحيث خصصت ما يفوق (3٫5 مليار دولار) لعملية إصلاح المنظومة التربوية التي أفسدها الدهر، وما صاحب ذلك من تحولات فكرية وثقافية، علمية ودينية وسياسية واقتصادية وافدة، لا يمكن مواجهتها إلا بالتركيز على التحصيل الجيد للقيم الثقافية الأصيلة والمرجعية العتيدة مع مراعاة المتغيرات العصرية الطارئة، التي تهدف غالبا إلى تفكيك العلاقات الأسرية المتماسكة من خلال تلك الأنماط والسلوكات الوافدة، عن طريق التبادلات والعلاقات الفكرية، أو من خلال وسائل الإعلام والدعاية والاتصال والتواصل الاجتماعي داخل (العالم القرية) والاحتكاك بتلك العادات والتقاليد وأنماط حياة الأمم والشعوب الأخرى، والتي لابد من مراعاة مؤثراته على المنظومة الإصلاحية والتعليمية المعاصرة التي تستدعي إشراك الجميع، كل حسب مقدراته وكفاءته وموقعه في تطبيقها وانجازها وجعلها تأخذ المكانة القارية أو الإقليمية المناسبة، في مسار التربية والتعليم في زمن العولمة.
الجزائر ليست بمنأى عن مختلف التطورات المتعلقة بمسألة التعليم، خاصة وأنها تعد من الدول المهددة باستمرار في هويتها وأصالتها، بحيث كادت أن تفقدها من منظومة التعليم الاستعماري الاستيطاني (غير التعليم الفرنسي) الرامي إلى محو الهوية الوطنية الأصيلة (1830 - 1962) مما جعل المنظومة التعليمية الوطنية تتأثر بالعديد من الأفكار والآراء والنقاشات منذ السنوات الأولى من استرجاع السيادة الوطنية، حيث كان آخر نظام تعليمي استعماري (غير التعليم الفرنسي) ما تضمنه مخطط مشروع قسنطينة (1958 - 1963) الرامي إلى دمج (مليون ونصف طفل جزائري) ضمن قائمة الدخول المدرسي المقبل (1959) لكل من بلغ سن التمدرس (يستثني من ذلك سكان الأرياف)، تلك المنظومة التعليمية الاستعمارية التي احتدم حولها الصراع بين التقليديين والمتعربين والمتغربين والمهجنين ومن دخل بينهم من الحاقدين، تحت رداء الحرية والاستقلال، والبحث عن إعادة بناء الهوية الوطنية والدولة الجزائرية الحديثة، التي كانت في تلك الفترة بحاجة ماسة إلى الوحدة والتوحد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإقليمي المغاربي والعربي والإفريقي، ناهيك عن القلاقل السياسية التي رافقت السنوات الأولى من الاستقلال (1962 - 1965) فرضت على القيادة السياسية البحث عن منظومة إنقاذية تمثلت في تنصيب (اللجنة العليا لإصلاح التعليم 1963 - 1964) ولوضع حد لذلك الفراغ والخلاف الإيديولوجي، الذي سيقبل عليه الطفل الجزائري، فاستقر الرأي على منظومة تربوية وتعليمية مزدوجة (المعربون - المفرنسون) تمثلت في أعمال اللجنة، بإحداث برامج ومناهج باللغة العربية وأخرى باللغة الفرنسية، تشرف على تطبيق مراحلها مجموعة من الإطارات الوافدة من الدول العربية الشقيقة والأوروبية الصديقة، في إطار التعاون الفني بين الجزائر والدول المتعاونة، ساعدت المدرسة الجزائرية الفتية الحديثة، أن تعرف نوعا من الاستقرار لمنظومة الإصلاح التربوي والتعليمي للدولة الجزائرية المستقلة، حيث تم التركيز على إنشاء الهياكل المدرسية والتكوين السريع ومحاربة التهميش والاقصاء والفوارق المعرفية والثقافية لجيل الاستقلال، وقدرته على مسايرة التعليم للجميع (مجانية التعليم لكل طفل بلغ ست سنوات) في جميع الأطوار الثلاثة (الابتدائي - الإعدادي - الثانوي) مع إبقاء مجال التعليم الخاص في بعض المدن الجزائرية. وتعدد التعليم العمومي (تعليم عصري - تعليم أصلي - تعليم تقني) رافقت سياسة التخطيط المعروفة، بداية من المخطط الرباعي الأول (1969– 1973) والمخطط الرباعي الثاني (1974- 1977) اللذين اعتمدت فيهما سياسة التعليم الكمي حينا والنوعي حين آخر (زيادة المقاعد المدرسية للطفولة الجزائرية)، إلا أن تلك المنظومة لم تسلم من الميولات السياسية والمذهبية في الاهتمام بالمناهج الاجتماعية حينا والعلمية حينا آخر، والارتباط بالمنظومات التي يفرضها الواقع أو بإيعاز من الخارج والتي يغلب عليها الطابع البيروقراطي الفوقي، أو القاعدي الإيديولوجي أو السياسي الإقليمي الفرانكفوني، أو الأنجلوساكسوني أفضى إلى بروز رغبات سياسية جديدة وافدة، كان لها الأثر البارز في إلغاء مؤسسات وهياكل تكوينية، للتخلي عن مناهج اجتماعية وعلمية، أثبتت نجاعتها العلمية المحلية والإقليمية استدعت اعادة النظر في المنظومة (1962 - 1970) تضمنها القرار السياسي في الأمر رقم 76 - 35 المؤرخ في 16 أفريل 1972 المتعلق بالتعليم الأساسي والمتضمن التكوين والتأطير والتأهيل، الهادف إلى التخلص من التبعية المعرفية للتعليم المتعدد الأنماط (المنظومات التعليمية التجريبية)، إلا أن ذلك التوجه الفكري الذي جمع بين الفكر الفلسفي والفكر العلمي والفكر الديني والفكر التقني المهني (محاولة أولى لجراءة الفكر التربوي) كان فرصة مواتية استغلتها مختلف التيارات السياسية وما حوته من المعادين وجماعة التموقع الوظيفي في تفتيت وتحطيم المنظومة، وكسر طموحات الدولة الجزائرية الفتية وتحويل قطاع التربية الوطنية والتعليم إلى مؤسسة إدارية وجماعة سياسية ضاغطة قائمة على هياكل ووظائف ساعدت على انتشار ظاهرة الفساد والبيروقراطية بتولي الفاشلين، المناصب العليا والغاوون من الشعراء والقصاصين والقوالين، لتولي إدارة تسيير المؤسسات التعليمية بمختلف أطوارها الثلاثة (الابتدائي - الإعدادي الثانوي) وإقصاء حاملي المؤهلات العلمية (اقتصاد - تسيير - رياضيات - علوم - فيزياء...) ألزمت القيادة السياسية إلى طرح منظومة إصلاحية (1980 - 2000) اعتمد في عرض أسبابها على إدراج مفاهيم ومصطلحات، زعموا أنها المنظومة المنقذة للقطاع والمخلصة للتعليم من المخلفات المعرفية والثقافية السائدة والاعتقاد بأنها المنظومة المسايرة للألفية الثالثة، بالانتقال من نمط التعليم القائم على الأهداف، إلى نمط التعليم القائم على المقاربة بالكفاءات والمساعدة على الانسياب في نمط تعليم الألفية الثالثة، والمتمثل في نمط التعليم القائم على نمط الدراسة بالمسؤوليات.
عرف قطاع التربية والتعليم خلال خمسين سنة (1962 - 2012) منذ استرجاع السيادة الوطنية أربع اصلاحات (1962 - 1970 - 1980 - 2000) أشرف على تنفيذ أجزاء من أهدافها وغاياتها (13,5 وزيرا) يزعم كل واحد منهم أنه يحمل أفكارا وتوجهات سياسية (عروبية - فرانكفونية - علمانية - اشتراكية ليبرالية) جعلت المنظومة التربوية حديث كل مهتم بشؤون جيل المستقبل وما لحق به من تدني في المستوى المعرفي، بين التلاميذ والطلاب وما ساد القطاع من الخطابات الشعبوية المتأرجحة بين التنظير والتطبيق وعلاقة التعليم بالمسألة اللغوية والإيديولوجية الهادفة دون التطرق إلى رسم استراتيجية مستقبلية وما سوف تشكله من أنماط سياسية، غير متحزبة والتي ما زالت مظاهرها مسيطرة على قطاع التربية والتعليم، بالتمادي في تنصيب اللجان المحلية والجهوية والقطاعية وعقد الندوات بإشراف أباطرة البيروقراطية والفساد والتموقع الوظيفي، والالتزام الدائم بإقصاء العارفين والباحثين والعلماء، بدعوى اشراك الجميع في البحث عن المنافذ المساعدة على تطبيق محاور المنظومة الإصلاحية الرابعة (2003 - 2014) والتي ما زالت في حاجة إلى فهم وتطبيق فعلي ومباشر، دون اللجوء إلى عملية التحسيس والاستشارة، تلك المنظومة التي تهدف بالدرجة الأولى إلى اصلاح الفكر المعرفي والثقافي وحماية الطفل الجزائري وتحصينه بثقافة المواطنة، ومعالجة العديد من الأفكار الوافدة التي زادتها العشرية السوداء طمسا وتفريقا بين الطفولة الجزائرية، بحيث عادت الفوارق المعرفية بين تلاميذ المدرسة الواحدة وفي المدن والقرى والأرياف بتفشي ظاهرة الأمية الحضارية (مؤهلات عليا لأمية كاملة) ناهيك عن انتشار ظاهرة ابتزاز ميزانية العائلات المحرومة والمحدودة الدخل، باستغلال الأطفال والتلاميذ من خلال ما أصبح يعرف بالدروس الخاصة أو الاستدراكية أو التدعيمية، وغيرها من الظواهر الإجرامية المرتكبة في حق التعليم بقتل العبقرية والموهبة وروح المبادرة للتلميذ الجزائري، والذي أصبحت مناهجه وبرامجه تسير عن طريق القرارات والمناشير والتعليمات التي أفقدت روح البحث والاجتهاد المستمر، وانحصرت في تغيير البرامج والمقررات والمواقيت والمواعيد بحذف مادة و زيادة ساعة وإلغاء مقياس لمدة عام أوعامين ثم الرجوع إليه، دون التطرق إلى تحليل المضمون المعرفي الخاص بصناعة الأجيال وما ترتب عن تلك المنظومة من نتائج وما تحقق من أهداف وما توصلت إليه المناهج والبرامج من غايات، في إطار المنظومة الوطنية وأثرها وتأثيرها، بالإصلاحات الاقليمية والمتوسطية، التي طبقت عليها التوجهات السياسية والميولات الإيديولوجية والأنماط المذهبية الرامية إلى استقطاب الأعداد المتميزة من التلاميذ والطلبة الذين تخرجوا وتحصلوا على معارف علمية أو فلسفية أو اجتماعية بشتى الطرق المختلفة من المدرسة الجزائرية وإقبالهم على عالم البطالة وفضاء الهجرة (الحرڤة) ونحو ما أجبرته عليه الإيديولوجيات الوافدة التي رافقت المنظومات التعليمية الثلاث السابقة (1962 - 2000) والتي لم تتعرض لدراسات تحليلية أو إصدارات معرفية أو مؤلفات أو كتب إرشادية تنير الرأي العام حول كيفيات مراحل التنفيذ وميكانيزمات التطبيق المجدي، أو إبراز الصعوبات والمعوقات التي اعترضت سياسة التنفيذ، ومدى التأثير المستمر حول تقاذف المنظومة الإصلاحية بين مؤثرات الواقع الداخلي والفكر الخارجي، كما أنها لم تخضع إطلاقا لدراسة الوضع أو لسياسة التشخيص أو لأساليب التطبيق، رغم التزايد المستمر لعناصرها (الهياكل - البرامج - المناهج - الموارد المالية والبشرية) تلك الاختلالات السائدة التي ستكون منفذا لرسالة العولمة ودورها في توجيه بل في صناعة الفكر الثقافي والاجتماعي والعلمي والاقتصادي والسياسي المستقبلي، بداية من التحكم في مستحدثات التكنولوجيا وتوظيف وسائل الاعلام والاتصال الاجتماعي والمعلوماتية وغيرها من الوسائط الأخرى التي صهرت العالم في قرية غابت فيها الحدود الجغرافية المكانية والزمانية، بحيث أصبح سكان العالم خاصة الشعوب المغلوبة على أمرها، تحت قوة منظومة توحيد التعليم والثقافة والسياسة والاقتصاد، تحمل في طياتها قيما وأنماطا لا تتلاءم والعادات والتقاليد والسلوكات التقليدية السائدة، والتي لا يمكن الانفلات منها، إلا بترسيخ ثقافة المواطنة ومقومات الهوية واتباع الطرق الحديثة للتدريس القائم على الإبداع والابتكار وتكوين الشخصية العلمية المستقلة، المتميزة بالدرجة المعرفية الواسعة، قاعدتها الفكر العلمي والفلسفي والتقني الحديث، الذي يساعد على التحكم في علوم البيئة والهندسة الوراثية والحاسوب الإلكتروني والانترنيت والتعليم عن بعد وتدريب التلميذ والطالب على حل المشكلات باستخدام العقل وتحريك الحواس وربط العمل الفكري بالمستجدات العلمية المعاصرة والتي لا تتم إلا بتوظيف الكفاءات البشرية الأكثر إبداعا (باعتبار التعليم علما وفنا) وقدرة على العطاء وتقديم الأفضل في مجالات التربية والتعليم وكل ما يتمتعون به من مهنية واحترافية وفق ميثاق الشرف التربوي والتعليمي.
تعتبر منظومة اصلاح التعليم الجديدة (2003-2014) أول منظومة جزائرية حديثة، باعتبارها نتاج الفكر والمعرفة التي توصلت إليها المدرسة الجزائرية، بحيث أن أغلبية الاطارات التي أشرفت وساهمت في إثراء هذه المنظومة، تلقت تعليمها بمختلف مراحله ومعارفه بالمعاهد والمدارس العليا للجامعة الجزائرية، كما أنها كلها واكبت المسار السياسي وتحولات نظام التربية الوطنية والتعليم وما رافقها من ميولات سياسية وإيديولوجية ومذهبية وافدة، كان لهم جانب من المسؤولية فيها وما ترتب عليها من تدني المستوى المعرفي والأخلاقي وما صاحبها من العنف المادي أو المعنوي أو اللفظي والتطرف وغيرها من الظواهر التي لم يعرفها الجيل الراشد والمسؤول في مختلف مؤسسات وهياكل الدولة، ما دفع السلطة السياسية العليا أن تقرر، وفي أسرع وقت، تدارك الوضع في تنصيب لجنة تعنى بمنظومة إصلاح التعليم، بداية من إصلاح العقول (09/05/2000) تلك المنظومة التي انبثقت محاورها الكبرى من البرنامج السياسي الإصلاحي الشامل للرئيس عبد العزيز بوتفليقة والمؤكد عليه في الخطاب التاريخي لغايات المنظومة التعليمية العلمية الهادفة بجامعة سطيف (2010) تلك المنظومة التي تحددت في (52 إجراء)، منها (43 إجراء) خاص بقطاع التربية و(9 إجراءات) خاصة بقطاعي التعليم العالي والتكوين المهني، وهي كلها إجراءات قائمة على دراسات تحليلية دقيقة محددة بنتائج وغايات تهدف بالدرجة الأولى إلى اصلاح الفكر المعرفي والثقافي السلبي، الناتج عن المؤثرات السياسية والإيديولوجية والمذهبية الوافدة التي تمكنت من التأثير في المنظومات السابقة طيلة الثلاثة العقود الأخيرة من القرن الماضي كانتشار ظواهر الشغب والعدوانية والتسرب والطقوس المستحدثة وتدني العلاقات بين المدرسين والمتعلمين، كما تعنى المنظومة الجديدة بتحديد الرؤية المستقبلية لنوعية التربية والتعليم والتكوين وسبل مواجهة أخطار العولمة وكيفية التفاعل مع المتغيرات العالمية في مجالات التفكير والمعرفة والعلم، والأخذ بيد المدرسين وتأهيلهم، بالرفع من مستواهم الاجتماعي والمهني والفكري إلى جانب عمل الاستشراف المستمر الهادف إلى تجنيد وتوجيه الجميع نحو تطبيق جميع الإجراءات المنصوص عليها في المنظومة، دون أدنى تردد، خاصة وأن مضمونها متجاوب والرغبات العلمية والفكرية لكل مؤهل في المستقبل الواعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.