لطالما استمد قطاع التربية في الجزائر أهدافه من فلسفة المجتمع المبنية على عدد من العناصر، أهمّها التمسّك الشديد بالإسلام والارتباط الوثيق بالعروبة وقيمها الثقافية، ناهيك عن النضال المستميت من أجل العزّة، الحرية والكرامة، وكذا التمسّك بالديمقراطية والنضال من أجل تحقيقها، أمّا المبادئ، فتمحورت أساسا في اعتماد “التربية حق للجميع” مجانية التعليم من البداية إلى النهاية، وكذا الجمع بين الأصالة والمعاصرة، ومن هذا المنطلق، عرفت المدرسة الجزائرية منذ الاستقلال، عددا معتبرا من المحطات الإصلاحية والتحسينية. عند الاستقلال عام 1962، كانت نسبة الأمية تفوق 85 بالمائة، وفئة المتمدرسين تكاد تكون منعدمة مقارنة مع حاجيات المجتمع وتطلّعاته، وكم كانت تطلّعات الجزائريين كبيرة وهم يخرجون من فترة طويلة من الاستعمار، تطلّعات لحياة كريمة ورقيّ اجتماعي، وعبّرت الجماهير عن هذه المطامح عن طريق طلب متزايد للتعلّم والتكوين، وكان “الحق في التربية” أوّل مطلب نادى به الشعب الجزائري بعد استرجاع حريته، ممّا يعكس قناعة الجزائريين أنّه لا يمكن التحدّث عن الحرية دون حرية الالتحاق بمناهل العلم. واقع تربوي يرثى له عند الاستقلال كان التعليم الابتدائي سنة 1962 في حالة يرثى لها على غرار الميادين الأخرى، وقاربت نسبة الانتساب إليه 20% من مجموع التلاميذ الذين بلغوا سن التمدرس، فقد كانت مهمة المدرسة تتلخّص في تكوين ما يحتاج إليه الاستعمار من مساعدين، وقد كان أوّل دخول مدرسي في أكتوبر 1962، واتّخذت وزارة التربية قرارا يقضي بإدخال اللغة العربية في جميع المدارس الابتدائية بنسبة سبع ساعات في الأسبوع، وقد تم توظيف 3452 معلما للعربية و16450 للغة الأجنبية، منهم عدد من الممرنين قصد سدّ الفراغ المدهش الذي أحدثه عمْدا، أكثر من 10 آلاف معلم فرنسي غادروا الجزائر بصفة جماعية. وورثت الجزائر قلة هياكل الاستقبال، مع قلّة الإطارات ومشكلة سيطرة اللغة الفرنسية، وانحصار التعليم على مناطق وطبقات دون أخرى، وقد عمدت السلطة الجزائرية تعديلات مختلفة منذ 1962، ومن الإجراءات الفورية التي اتّخذتها اللجنة الوطنية التي عقدت اجتماعها الأول في 15 ديسمبر 1962، الجزأرة، ديمقراطية التعليم، التعريب، والتكوين العلمي والتكنولوجي، واستمر تطبيق مجموع الإجراءات السنة تلو الأخرى، ففي أكتوبر1967، طبق القرار القاضي بتعريب السنة الثانية الابتدائية تعريبا كاملا، حيث تدرّس كلّ المواد المبرمجة باللغة العربية وحدها بتوقيت 20ساعة أسبوعيا. وانطلاقا من قناعة السلطات العمومية بأنّ منظومة التربية الجزائرية تعتبر أداة مميزة لإقامة المجتمع الجزائري الجديد، بنيت السياسة التربوية على مبادئ أساسية أهمّها إقامة نظام ديمقراطي يضمن لكلّ الأطفال الذين بلغوا سن التمدرس الحق في الاستفادة من تربية قاعدية مجانية، ونظام تربوي وطني يعتمد اللغة العربية في تلقين الدروس، ويشترط أن يكون التأطير وكذا مضامين البرامج جزائرية، مع التأكيد على التوجّه العلمي والتقني. «الحق في التربية” عبر ثلاث فترات ويمكن تلخيص النظام التربوي الجزائري في فترتين، وتمتدّ الفترة الأولى من 1962 إلى 1976، وهي فترة انتقالية كان يسودها عدّة نقائص، فاقتصرت على إدخال تحويلات تدريجية، تمهيدا لتأسيس نظام تربوي يساير متطلّبات التنمية، ومن أولويات هذه الفترة، تعميم التعليم بإقامة منشآت تعليمية وتوسيعها للمناطق النائية، جزأرة إطارات التعليم (أي إزالة آثار العناصر الدخيلة الوافدة من المجتمعات والثقافات التي لا تمت بصلة للمجتمع الجزائري، كما يعني جزأرة نظام التعليم ومناهجه والبعد عن الاستعارة من المجتمعات الأخرى، جزأرة الإطارات غايتها الاعتماد على أبناء البلاد من أهل الاختصاص لتحقيق الكفاءة التعليمية)، تكييف مضامين التعليم الموروثة عن النظام التعليمي الفرنسي، وتأمينه لمدة 9 سنوات والتعريب التدريجي للتعليم، وقد أدّت هذه التدابير إلى ارتفاع نسبة المتمدرسين الذين بلغوا سن الدراسة، إذ قفزت من 20% إبان الدخول المدرسي الأول إلى 70% في نهاية هذه المرحلة. وبدأت الفترة الثانية من 1976 إلى 2002، بصدور الأمر 76-35 المؤرخ في 16 أفريل 1976 بتنظيم التربية والتكوين بالجزائر، وأدخلت إصلاحات على النظام لتتماشى والتحوّلات الاقتصادية والاجتماعية، كما كرّس الطابع الإلزامي ومجانية التعليم، وقد شرع في تعميم وتطبيق أحكام هذا الأمر ابتداء من السنة الدراسية 1980- 1981، وهو ما عرف بنظام “المدرسة الأساسية” ذات البعد العلمي والتكنولوجي، وتستمر فيها الدراسة تسع سنوات، أي إلى أن يبلغ التلميذ 16 سنة، فيما تمتدّ الفترة الثالثة وهي فترة الإصلاحات الكبرى من سنة 2000 إلى يومنا هذا. وهكذا، اجتازت المدرسة الجزائرية أشواطا كبيرة وشهدت تطوّرا مذهلا في زمن قصير نسبيا، فالنتائج المحصّل عليها منذ الاستقلال في حقل التربية، كانت مدهشة على صعيد الكم، إلاّ أنّ هذه النتائج كانت مرفوقة بعدد من الآثار السلبية على صعيد النوعية، مما نتج عنه تدني نوعية التعليم الممنوح وضعف مردود المؤسسة التربوية، وتجمّع التقارير حول المنظومة التربوية والتكوين في الجزائر، على أنّ المستوى الذي تمّ بلوغه من حيث الكم مرض (نسبة التمدرس، الهياكل، التأطير)، وعلى عكس ذلك، فإنّ النتائج المحصّل عليها في الجانب الكمي لا يمكن لها أن تغطي الاختلالات الكبيرة، وكذا النقائص والاضطراب في التسيير اللذين عرفتهما المنظومة التربوية، ولعلّ ذلك يعود إلى غياب استراتيجية التكوين المناسبة. تعداد ما فتئ يتزايد وفي هذا السياق، لابدّ من الإشارة إلى أنّ هذه المنظومة تحمّلت وبصفة متواصلة، الثقل المرهق الناجم عن تعداد التلاميذ الذي ما فتئ يتزايد بارتفاع وتيرة النمو الديمغرافي والتأثير السلبي الناتج عن الضغوطات الإيديولوجية، والانحرافات السياسية التي شوّهت غاياتها وأهدافها، حيث تضاعف التعداد العام للتلاميذ بأكثر من عشر مرات، حيث وصل في إطار الدخول المدرسي 2011 - 2012 إلى أكثر من 8 ملايين تلميذ، وبالتالي، يسجّل القطاع زيادة إجمالية قدرها 273 ألف تلميذ مقارنة بالسنة الفارطة (+4،3 بالمائة) في كلّ الأطوار التعليمية، وهو عدد يفوق ربع مليون تلميذ، مع العلم أنّ هذه النسبة لم تكن تقدّر إلاّ ب1/ 12 سنة 1962. وفي هذا الإطار، شهد التعليم الابتدائي في الدخول المدرسي 2011-2012 مقارنة بالدخول المدرسي 2010 -2011، زيادة قدرها 96 ألف تلميذ (+8،2 بالمائة) والمتوسط ارتفاعا ب98.500 تلميذ (+2،3 بالمائة) والتعليم الثانوي العام والتكنولوجي زيادة قدرها 78.500 تلميذ (+1،6 بالمائة)، مع التذكير بأنّ تعداد التعليم الثانوي بخاصة تضاعف بنسب كبيرة منذ الاستقلال، حيث قدّر عام 1963 ب 5800 تلميذ. وارتفع عدد الناجحين في امتحان شهادة البكالوريا من 42 بالمائة سنة 1962 إلى 22.64 بالمائة سنة 1976، إلى 22.64 بالمائة عام 1979، لتصل 24.64 بالمائة عام 1999، وما يقارب 59 بالمائة عام 2012. ولمواجهة ارتفاع تعداد التلاميذ، بذلت جهود حثيثة لتوظيف الأساتذة وتكوينهم، ومن ثمّة تضاعف العدد الإجمالي للأساتذة 16 مرة منذ 1962، حيث قدّر ب326 ألف عام 2000، منهم 170 ألف معلم ابتدائي، و101 أستاذ تعليم أساسي و55 ألف تعليم ثانوي، ووصل عدد مستخدمي القطاع عام 2012 إلى 632.402، من بينهم 406.285 (24،64 بالمائة) يمثّلون التأطير البيداغوجي و226.117 (76،35 بالمائة) يمثلون التأطير الإداري، وقدّرت نسبة التأطير على المستوى الوطني (عدد التلاميذ لكل أستاذ) ب54،23 في الابتدائي و97،20 في المتوسط و10،16 في الثانوي. في نفس الوقت، قدّرت نسبة الجزأرة ب99.7 بالمائة في حين كانت تقدّر عام 1962 ب62.3 بالمائة، كما يتوجّه سلك التعليم نحو التأنيث، حيث سجّل خلال سنة 2010 2011 حوالي 130 امرأة مقابل 100 رجل في مختلف الأطوار التعليمية، مقابل 89 امرأة سنة 2000 2001، ويتم تسجيل على التوالي 121 و149 و117 امرأة في الابتدائي، المتوسط والثانوي، مقابل 100 رجل، بعد أن كانت تكاد تكون منعدمة تماما غداة الاستقلال. وتجدر الإشارة إلى أنّ نسبة مشاركة المعلمات، وكذا ارتفاع تعداد الفتيات المتمدرسات كان منتظما ومهما، ومن هذا المنطلق يعدّ قطاع التربية بلا منازع، أهمّ القطاعات التي أتاحت للمرأة أن تخوض غمار الحياة العملية، مما كان له الشأن الكبير في تحسين مكانتها والرقي الاجتماعي على العموم. من حيث شبكة المنشآت المدرسية، أنجزت الجزائر منذ 1962 إلى أيامنا، حظيرة تضمّ أكثر من 24.932 مؤسسة (مدارس ابتدائية، متوسطات وثانويات)، بعد أن كانت تقدّر عام 2000 بنحو 21 ألف مؤسسة تعليمية بمختلف أنواعها، مما يعادل فتح 355 مدرسة ابتدائية، 79 إكمالي و32 ثانوية أو متقنة كلّ سنة. وحسب القائمين على قطاع التربية، فإنّه لم يكن لمثل هذه النتائج الكمية أن ترى النور لولا توفّر وسائل مالية كبيرة، حيث شهدت اعتمادات تسيير وزارة التربية ارتفاعا مستمرا، حيث قفزت من 322 مليون دينار عام 1963، إلى مليار عام 1970، وخمسة ملايير عام 1980، 132 مليار عام 2000، لتبلغ عام 2012 أكثر من 544 مليار دينار، علاوة على أنّ هذه النتائج، لاسيما ارتفاع نسبة التمدرس، لم تكن لتتحقّق دون اعتماد مجانية التعليم في جميع المستويات وتبني إجراءات اجتماعية متعدّدة كتقديم المنح، بناء الداخليات، إحداث المطاعم المدرسية وتسليم الكتب المدرسية بأسعار رمزية. مدرسة مريضة من منظور النوعية بمقابل كلّ ما ذكر، عرفت المنظومة التربوية آثارا سلبية من منظور النوعية، على غرار كون “فرص التمدرس غير عادلة”، فإذا كانت النسبة العامة للتمدرس بالنسبة للأطفال البالغين من العمر 6 سنوات مرضية إلى حدّ بعيد، تظلّ بعض المفارقات بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية، وبخاصة المناطق المعزولة التي تسجّل نسبة تمدرس تقدّر ب60 بالمائة فقط، ناهيك عن نقص المنشآت المدرسية، فحتى وإن كانت وتيرة بناء المؤسسات التعليمية مرضية، إلاّ أنّها لم تسمح باستقبال مجمل التلاميذ في ظروف تربوية مقبولة، وقد نجم عن هذا التأخّر في الإنجاز اكتظاظ حجر الدراسة المستعملة، الاستعمال المفرط للمنشآت التعليمية، انعدام عوامل الراحة الضرورية من ماء، كهرباء، تدفئة ووحدات صحية. ويضاف إلى هذا، ضعف تأهيل الأساتذة بسبب التكوين الأكاديمي الضعيف، ففي غياب موارد بشرية من شأنها التكفّل بالتعداد المتزايد للتلاميذ، أجبر القطاع على اللجوء إلى توظيف أساتذة بالجملة، دون أن يتمتّعوا بالمستوى التأهيلي العالي، وتمّ تكوينهم في آجال جدّ قصيرة، علاوة على التكوين البيداغوجي غير الكافي وقلّة فعالية عمليات تجديد المعارف وتحسين المستوى، لأنّها لم ترتكز على ضبط النقائص ذات الطابع العلمي، النفسي، البيداغوجي والمهني لكلّ فئة من فئات سلك التعليم. إلى جانب عدم تكييف البرامج والكتب المدرسية، إذ أنّ البرامج التعليمية التي طبّقت إلى غاية تجسيد عملية إصلاح المنظومة التربوية يرجع إعدادها إلى بداية العقد الثامن من القرن الماضي، ولم تعرف تجديدا ماعدا بعض التخفيفات التي عرفتها في بداية التسعينيات، كما أنّ عملية إنجاز الكتب المدرسية عرفت ظروفا خاصة تشكو من نقائص عدّة، سواء من حيث شكلها أو من حيث مطابقتها لأهداف البرامج الرسمية محتوى ومعالجة. وتفتقر المنظومة التربوية إلى جهاز تقييم وطني يحدّد مواصفات وطرق التقييم وتقنياته بمختلف جوانبه ومواضيعه، إضافة إلى الافتقار إلى المؤشرات النوعية المتعلّقة بالمنظومة التربوية، وهذا رغم المحاولات العديدة لإقامة هذا الجهاز منذ بداية التسعينيات، كما لم يتم تجسيد المدرسة الأساسية متعدّدة الاختصاصات بصفة شاملة على أرض الواقع، والتي كانت ترمي إلى إحداث قطيعة نوعية من شأنها خلق تحوّلات عميقة في منظومة التربية والتكوين، مثلما حرّفت أهداف التعليم الثانوي وسجّل ضعف مردود المنظومة التربوية وكثافة التسرّبات.
الإصلاح كضرورة ملحة للمساهمة في مجتمعات المعرفة ونظرا للأولوية المطلقة التي أعطتها أعلى سلطات الدولة للتربية التي تعتبر “استثمارا إنتاجيا”، أصبح إصلاح المدرسة الجزائرية ضرورة ملحة كنتيجة حتمية التقدّم المسجّل في مجال التمدرس، فقد بات لزاما على المدرسة الجزائرية أن تدخل مرحلة جديدة من تاريخها، ألا وهي مرحلة النوعية، بعدما كانت تجابه الضغوطات الكنية تلبية لحاجيات الأطفال للتعليم، ومن هذا المنظور، باشرت الجزائر منذ 2001 إصلاحات شاملة، عميقة ومنسجمة للمنظومة التربوية. جاءت هذه الإصلاحات بعد عمل قامت به اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية التي نصّبت يوم 13 ماي 2000 من قبل رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي أكّد في خطابه على أنّ “التربية ترهن مصير الآتي من الأجيال، وترهن في نفس الوقت تطوّر مجتمعنا وانسجام توازنه، كما ترهن التنمية الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية لوطننا، وكذا إشعاع شخصيتنا وثقافتنا في العالم”، وخلص رئيس الجمهورية إلى أنّ “المدرسة الجزائرية مريضة”، حيث أبرز أنّ العوامل الرئيسية للتطوّر غير متوفّرة، ممّا أدّى إلى تدن ملحوظ لنوعية التعليم على جميع المستويات وإلى تعميق الهوة التي حالت دون تطبيق الاختيارات الأساسية للمنظومة التربوية، لاسيما عامل الديمقراطية”. وبيّن السيد الرئيس أنّ الجزائر مقبلة على “إصلاح جذري وشامل للمدرسة بتطبيق سياسة تربوية متجدّدة مسجّلة في الآجال ومطابقة للمحيط الداخلي والخارج، وتستجيب لمتطلّبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذا لحاجات عصرنتها”، مؤكّدا على أنّ “الجزائر لا يمكن لها أن تبقى مهمّشة خارج الحركة العالمية للتقدّم، وهي مطالبة اليوم بالمساهمة في مجتمعات العلم والمعرفة، شريطة أن تستثمر الوسائل الضرورية، ولأن تكيّف مدرستها حتى تجعل منها بوتقة العلم والذكاء”. وبالنسبة لرئيس الجمهورية، فإنّ الاختيارات التي ستطرأ على هذا الإصلاح سوف تعبّر عن تمسّكنا بقيم حضارتنا وثقافتنا، وأنّها ستفتح مجالات وأفاقا واسعة لشبيبتنا التي تطمح إلى بتاء مستقبلها في مجتمع ديمقراطي عصري ومتفتّح على العالم، معتبرا أنّ المدرسة عندما “تكوّن مواطنين أوفياء لمبادئهم وقيمهم”، ستصبح عندئذ قادرة على التفتّح على العالم الخارجي من دون عقدة، كما أنّ “وطننا عبر منظومته التربوية ومؤسّساته الخاصة بالتكوين والبحث، وبفضل نخبته يمكن له أن يصل بسرعة إلى التكنولوجيات الحديثة ولا سيما تكنولوجية الإعلام والاتصال والإعلام الآلي التي أحدثت ثورة في عالمنا اليوم، ولكونها خلقت علاقات جديدة أساسها القوّة”. وفي هذا السياق، عمدت اللجنة إلى فتح عدد من الورشات، أهمّها “تكوين المكوّنين”، “التجديد الجذري للبيداغوجيا”، “تقوية ودعم اللغة العربية، ترقية اللغة الأمازيغية والتفتّح على اللغات الأجنبية”، “التربية المدنية والخلقية والدينية، من أجل تكوين مواطن يعتزّ بقيمه ووطنه ومتفتّح على العالم”، التكفّل بالطفولة ما قبل التمدرس”، “إدراج التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتّصال على جميع مستويات التعليم والتكوين”، “تأسيس التعليم الخاص وتنظيمه كجزء لا يتجزأ من المنظومة التربوية الوطنية”، “وضع تنظيم جديد أكثر نجاعة للتعليم القاعدي الإلزامي في خدمة النوعية والإنصاف”، “إعادة تنظيم مراحل التعليم ما بعد الإلزامي”، إضافة إلى “إعادة تحديد وتنظيم وظيفة التوجيه المدرسي والمهني والجامعي”، “من أجل مخطّط موجّه لتطوّر التعليم والتكوين العاليين”، “من أجل جامعة أحسن أداء ومتفتّحة على التعاون الدولي”، “من أجل تحسين التنظيم والتسيير للنظام الجامعي”، وكذا “من أجل الحثّ على الدفع بالبحث العلمي و«من أجل هيكلة شاملة لمنظومة تربوية أكثر اندماجا وأدقّ انسجاما”. ووضعت اللجنة عددا من المقترحات، أهمّها تحسين مستوى تأهيل المعلّمين، مراجعة البرامج التعليمية، تحديد سياسة جديدة للكتاب المدرسي، إقامة نظام للتقويم، عصرنة تسيير المنظومة التربوية وإدخال التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال في المدرسة. ففيما يخصّ تحسين مستوى تأهيل المعلّمين، تمّ تصوّر سياسة جديدة لتكوين المكوّنين، ترمي إلى تلقين المعارف الأكاديمية والمهارات المهنية في آن واحد، أمّا فيما يتعلّق بمراجعة البرامج التعليمية، فتمّ إعادة النظر في مضامين البرامج التعليمية وطرق التعليم كلية لمواكبة تطوّر المعارف العلمية، التكنولوجية والبيداغوجية، قصد ضمان تفتّح المدرسة على العالم الخارجي الذي بات ضروريا، وكذا استجابة للحاجيات الجديدة للمجتمع الجزائري التي أفرزتها التحوّلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة التي عرفتها الجزائر. وضمن نقطة تحديد سياسة جديدة للكتاب المدرسي، أوصت اللجنة بضرورة أن يكون الكتاب المدرسي متوفّرا في كلّ المناطق وفي كلّ الأزمنة، علاوة على ضرورة أن يكون الكتاب المدرسي مسايرا لتطوّر البرامج التعليمية الوطنية والمقاييس التقنية العالمية. وللمساهمة في معرفة أحسن للنظام التربوي قصد توجيه وتسهيل اتّخاذ القرار، معالجة الاختلالات المحتملة، دعت اللجنة إلى إقامة نظام للتقويم يكون شاملا ويتناول التقويم التربوي للتلاميذ، تقويم برامج التعليم والتكوين، تقويم الكتب المدرسية والوسائل التعليمية الأخرى، وأيضا تقويم أداء الأساتذة وموظفي التأطير الآخرين، وفي باب عصرنة تسيير المنظومة التربوية، اعتبرت اللجنة أنّ الثغرة الجوهرية للمنظومة تكمن في مدى التحكّم في تنظيمها وتسييرها، وكذا سيرها، واقترحت إدراج وتثمين نشاطات قادرة على توقّع المشاكل التي قد تطرح وضمان تكيّف خدمات المنظومة التربوية بما يتماشى والتنمية الشاملة للمجتمع، من خلال ترقية وظيفة الدراسة والتصوّر في تنظيم المنظومة التربوية وتسييرها، ورأت اللجنة أنّه من بين نشاطات الدعم التي تكتسي طابع الأولوية، تلك المتعلّقة بالاستعمال العقلاني لتكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة كسند أساسي لإصلاح المنظومة التربوية.
بعث ديناميكية تحسين المردود وباشرت وزارة التربية عددا من النشاطات الرامية إلى وضع حدّ للتدهور المسجّل على مستوى القطاع، وبعث ديناميكية لتحسين مردود المؤسّسة التربوية استهدفت ثلاثة مجالات هي؛ “تحسين ظروف التمدرس”، “تثمين التأطير” و«تحسين التنظيم البيداغوجي”، ويشمل المجال الأوّل تحسين مردود المنظومة التربوية بوضع حدّ إلى التسرّب المدرسي على وجه الخصوص، من خلال تقليص الفوارق الاجتماعية والجهوية في مجال التمدرس بتوفير منح وتقديم مساعدات متنوّعة، إعادة الاعتبار للمنشآت المدرسية برصد اعتمادات كافية لمباشرة عمليات الترميم والإصلاحات الكبرى، إعادة فتح المطاعم المدرسية والداخليات ونصف الداخليات بصفة تدريجية، إلى جانب إعادة بعث النشاطات الثقافية بتزويد المكتبات المدرسية بمؤلّفات مرجعية، تدعيم نظام الصحة المدرسية، تطوير التكفّل النفسي في الوسط المدرسي وتعزيز عمليات التضامن المدرسي وتوسيعها. ول«تثمين التأطير”، اتّخذت وزارة التربية عددا من الإجراءات، أهمّها تحسين الظروف الاجتماعية والمهنية للأساتذة من خلال مراجعة القانون الخاص المتعلّق بهم وتثمين وظيفتهم على وجه الخصوص، وفي هذا الإطار خصّصت الدولة ضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2012 ، ما قيمته 240 مليار دينار لمراجعة مخلفات النظام التعويضي لعمال قطاع التربية الوطنية، والتكفّل بمؤخرات الرواتب في حدود 50 بالمائة، في الفترة الممتدة بين 2008 و 2011، فيما أنفقت الحكومة على الزيادات الجديدة لعمال القطاع ما يقارب 5 ملايير دولار، أمّا فيما يخصّ “تحسين التنظيم البيداغوجي”، فتمّ اعتماد تنظيم جديد للسنة الدراسية. لتبقى الغاية من إصلاح المنظومة التربوية، تعويض التربية النموذجية بتربية فاعلة تضع في المقام الأوّل التلميذ الحقيقي، الطفل والمراهق، تربية تنمّي ذكاءه وإبداعه، حاجاته الثقافية وذوقه الفني، تربية تزوّده بثقافة احترام الغير والحق في الاختلاف، علاوة على منفعة الجهد المبذول وإتقان العمل، تربية تسمح للتلميذ باكتساب الوسائل التي تساعده على التكيّف الفاعل مع محيطه، وهي التربية التي تكوّن فردا قادرا على تحمّل المسؤولية الملقاة على عاتقه كفرد واع بانتمائه التاريخي، الاجتماعي والحضاري.