إحباط محاولات إدخال أزيد من 13 قنطارا من الكيف عبر الحدود مع المغرب    مالية : السيد فايد يستقبل المدير العام لصندوق النقد العربي    اليوم العالمي للمعلمين : إنصاف المعلم واحترامه من "أولويات" الدولة الجزائرية    الصالون الدولي للاستثمار الفلاحي, "مناسبة لعرض أحدث الابتكارات والتقنيات في مجال الفلاحة في الجزائر"    وزارة المالية: تعبئة الموارد المالية محور اجتماع تنسيقي    الأمم المتحدة/اللجنة الرابعة: مقدمو الالتماسات يرافعون لصالح حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 42 ألفا و10    الأونروا : 400 ألف فلسطيني محاصرون شمال قطاع غزة    افتتاح الطبعة التاسعة للأسبوع الثقافي الكوري الجنوبي بالجزائر "أسبوع كوريا"    إشادة بالحرص الرئاسي على ضمان السيادة الرقمية    إشادة بقرار رئيس الجمهورية زيادة المنحة السياحية    بداري يشدّد على أهمية الوسائل البيداغوجية المتطورة    تبّون يهنّئ قيس سعيد    سفير اليابان يشيد بالترحيب الحار    أكبر هجوم صاروخي من جنوب لبنان على حيفا وخليجها    صهيونية العماليق و السياحة السوداء    الأمن المغربي يقمع مسيرة حاشدة في وجدة    الخضر يستعدون لمواجهة الطوغو    هذه توجيهات الشرطة للمناصرين    قانون لحماية القدرة الشرائية للجزائريين    افتتاح معهد وطني للتكوين في الطاقات المتجدّدة بتيبازة    الأحذية الرياضية تستهوي النسوة    مشروع إيطالي لتصنيع السيارات بالجزائر    جامعات غربية يتغذّى تألقها من الجهود العربية    العرباوي يستقبل سفير إيطاليا    وقفات مع دعاء صلاة الاستخارة    اتفاقية تعاون بين سلطة حماية المعطيات ونظيرتها الموريتانية    مجازر الكيان الصهيوني في مخيم جباليا وفي غزة دليل على فشله    طقسا مشمسا إلى ممطر عبر أنحاء الوطن    الأكياس البلاستيكية السوداء تعود بقوة للأسواق    الصولد يستقطب اهتمام الزبائن عبر المحلات    الغرب المتصهين لا يعرف الحياد..؟!    تدخل ضمن برنامج الاحتفال المخلد للذكرى 70 للثورة التحريرية    القطاع أنجز عدة منصات للتكفل بانشغالات المهنيين وعصرنة الخدمة    مرابي يشرف على الدخول لدورة أكتوبر 2024 بوهران    سايحي يرسل كمية معتبرة من اللقاحات إلى تمنراست وإن قزام    موسم الاصطياف: وفاة 762 شخصا وجرح 31705 آخرين جراء حوادث المرور    ملاريا/دفتيريا: إرسال كميات جديدة من اللقاحات والتجهيزات الطبية للولايات الجنوبية    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: عرض أعمال تعالج مواضيع اجتماعية وإنسانية    تكوين مهني: إدراج تخصصات جديدة وإبرام اتفاقيات شراكة بجنوب البلاد    تصفيات كاس افريقيا للأمم 2025: "الخضر" يشرعون في التحضير لمواجهة طوغو    تصدر ترتيب أغلى المدربين في افريقيا..بيتكوفيتش يتقاضى 135 ألف يورو شهرياً    بوعناني سعيد بعودته للمنتخب الوطني    الذكرى ال20 لرحيل يحي بن مبروك : مسيرة حافلة في خدمة القضية الوطنية والثقافة الجزائرية    صندوق النقد العربي ينوه بجهود الجزائر.. فايد: الجزائر حققت "خطوات معتبرة" في مسار التحول الرقمي    مستغانم.. 810 مليون دج لترميم عدد من المواقع الأثرية    يفتح بابه غدا ل20 بلد ويشرّع نوافذه على التجارب الفكريّة والأدبيّة الجزائرية..الجزائر ضيف شرف معرض عمّان الدولي للكتاب    التكفل الأمثل بمرضى الملاريا والدفتيريا : إرسال كميات جديدة من اللقاحات والتجهيزات الطبية للولايات الجنوبية    المهرجان الثقافي الوطني لعكاظية الشعر الشعبي بمثابة المكافأة التي يستحقها أهل الشعر في الجزائر    جزائري يتوّج بجائزة أنغولا    كرة القدم/كأس الكونفدرالية الإفريقية: اتحاد الجزائر يفتتح المنافسة أمام اورابا يونايتد (بوتسوانا)    اجتماع تنسيقي بوزارة الصحة لمتابعة الوضعية الصحية بالمناطق الحدودية    لا زيادات في الضرائب    المنافسات الافريقية للأندية (عملية القرعة): الاندية الجزائرية تتعرف على منافسيها في مرحلة المجموعات غدا الاثنين    أسماء بنت يزيد.. الصحابية المجاهدة    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدينة الشمس أو يوتوبيا كامبانيلا
نشر في الجزائر نيوز يوم 01 - 07 - 2013

توماسو كامبانيلا، راهب وفيلسوف وشاعر إيطالي، بدأ حياته كاتبا ومؤلفا ولكن سرعان ما اصطدم بمحاكمات، انتهت بأكثر من عقوبة واحدة في عام 1591، حكم عليه بالحبس في نابولي بسبب مؤلف له مشهور عن الإثبات الفلسفي، وبعد ذلك تعاقبت المحاكمات عليه، وفي عام 1597 قدم للمحاكمة مرة أخرى بسبب أفكاره حول مثاليته، وبسبب دفاعه عن الجمهورية التيوقراطية، ومهاجمته للكنيسة، وحوكم مرة ثانية عام 1599، حيث تظاهر بالجنون، ورغم تعذيبه طويلا، فقد ظل على موقفه حتى صدر الحكم بالسجن المؤبد في عام 1602، وظل في السجن طوال 27 عاما، دون أن يتغير موقفه ودون أن يتساهل في آرائه وأفكاره جاعلا من فلسفة الوحدة السياسية في الجنس البشري، مبدأ مطلقا يفسر فلسفته في الحركة، وخلال وجوده في السجن لن تنقطع كتاباته، ومراسلاته مع العالم الخارجي. وفي سنة 1626، استطاعت الحكومة الإسبانية أن تحرّره من السجن، وفعلا انتقل إلى روما حيث سمح له البابا اوروباتو الثامن بالإقامة ومزاولة نشاطه الفكري من جديد، فعاد يدافع عن فكرة الوحدة جاعلا من فرنسا محور تصوره للعالم السياسي الجديد، وعلى هذا الأساس، ساعد سفير فرنسا كامبانيلا على مغادرة إيطاليا،حيث قضى بقية حياته في باريس، تحت حماية ملك فرنسا لويس السادس عشر، إلى أن توفي في 1639، وترك مجموعة ضخمة من المؤلفات الفلسفية والسياسية تصل إلى حوالي ثلاثين كتابا، أهمها كتاب (مدينة الشمس) الذي هو نموذج من اليوتوبيا يملك قوة في الحضور الفكري إلى الآن. يعرض فيه أفكاره الاجتماعية ناحيا منحى أفلاطون في الجمهورية وتوماس مور في يوتوبياه.
تقوم فلسفته على ثلاثة مبادئ، أولا اعتبار الفلسفة أداة التجديد للضمير الإنساني، بكل دلالاتها الأخلاقية والدينية، ثانيا الوجود السياسي يتمركز حول ثلاثية فلسفية هي السلطة، الحب والحكمة، ثالثا الدولة المثالية هي تلك المدينة التي يمكن أن توصف بأنها جمهورية، يسيطر فيها مبدأ النوعية على جميع عناصر الوجود الاجتماعي، فهو على حد تعبير الأستاذة عطيات أبو السعود من أوائل المناهضين لفلسفة أرسطو، وللعلم المدرسي.. الذي ساد الفكر الأوروبي في العصر الوسيط ويمكن القول إن العوامل الكامنة وراء كتابة (مدينة الشمس) هي العوامل السياسية وكما ذكرنا سابقا فإن غياب حق الحرية الذي تقوم عليه فلسفة المواطنة في المجتمع السياسي أو المدني، كانت من وراء التفكير في الكتاب الذي كان مشروع إصلاح سياسي.
يصوِّر كامبانيلا العلاقة بين الحاكم والمحكوم بأسلوب فني رائع وجميل، تظهر فيه قدرته التصويرية، ومعرفته العميقة بالبنية السيكولوجية للمجتمع أو الشعب، فيقول: (الشعب دابة لها مخّ مشوش غبي، لا تعرف قوّتها، ومن ثم تقف محمّلة بالخشب والحجارة، تقودها يدان هزيلتان لطفل بالشكيمة واللجام، إن رفسة واحدة تكفي لتحطيم القيد، ولكن الدابة تخاف وتجبن، وتفعل ما يطلبه الطفل، ولا تدرك قدرتها على إرهابه، وأعجب من هذا أنها تكبل نفسها، وتكمّم لسانها بيدها، وتجلب على نفسها الموت مقابل دريهمات يتصدق بها الملوك عليها من خزانتها هي، إنها تملك كل مابين الأرض والسماء، ولكنها لا تعرف ذلك، وإذا هبَّ إنسان لينطق بهذه الحقيقة، لقتلته دون أن تغفر له ذنبه)، فالسياسة والأخلاق عند كامبانيلا من سنخية واحدة، ولا يمكن الفصل بينهما، فهي ليست علما قائما بذاته، بل هي قائمة على محبة الإنسان لنفسه بالمعنى المتقدم، ومحبته للمجتمع الذي هو شرط أساسي في وجوده، وحلم كامبانيلا يتجلى في الرغبة في إيجاد إمبراطورية كبرى، يسيّر شؤونها مجلس من الملوك بإرشاد البابا، وأفضل تنظيم هو النظام القائم والمبني على أساس العلم الطبيعي والفلسفة، فيتولى شؤون السياسة والتدبير العلماء والفلاسفة. كتاب مدينة الشمس، يصوِّر فكرة إصلاح الجمهورية المسيحية طبقا للوعد الذي وعد به الله القديسة كاترينا والقديس بردجيه، يستخدم كامبانيلا الحوار بين الفارس هوسبيتالر وبحار من جنوة يصف المدينة المثالية التي زارها خلال إحدى رحلاته، وتقع مدينة الشمس بالقرب من تابروبان، فوق سهل مترامي الأطراف، وهي مقسَمة عل هيئة دوائر، لكل دائرة أربع أبواب، وللوصول إليها يجب المرور عبر أربع شوارع، ويوجد معبد في مركز الدائرة، والملاحظ أن هندسة أو مخطط المدينة أقيم بدافع أمني بحت وهو حماية المواطنين من الغزوات والاعتداءات الخارجية، فالأمن من القيم الأخلاقية الأساس التي تقوم عليها المواطنة. وسنتعرض للنظام السياسي في مدينة الشمس .الملك العادل الذي يسمى الشمس (لديهم أمير مقدس يسمى (o) أما ول ديورانت فكتابة اسم الحاكم بهذا الشكل Hoh، ومعناه في لغتنا (البحار) الميتافيزيقي وهو رئيسهم الروحي والزمني ويرجع إليه في كل الأمور، فهو يترأس السلطة السياسية والإدارية لهذه المدينة، فهو: (ميتافيزيقي من جنس الكاهن الأعلى، يملك العلم الكلي والسيادة المطلقة، الذي يقترب أويشبه في الميتافيزيقا الجوهرالأول..) وصلاحياته الدستورية ليست مطلقة، بل نجد السلطة السياسية موزعة بين مجموعة من الهيئات، فهي تتركب من مجلس استشاري يقوم بمساعدة الحاكم في تسيير شؤون البلاد، ويمكن اعتبارهم باللغة السياسية المعاصرة وزراء، أو بلغة النظام الملكي أمراء، وهم (وزير القوة) المكلف بشؤون الحرب والسياسة، سواء كانت سلطة القرار، أو الاهتمام بشؤون الحكام العسكريين والمحاربين، والجنود والذخيرة، والتحصينات، ووزير أو أمير المعرفة (الحكمة) Sapience والمسؤول عن جميع العلوم، وعن الدكاتره، والأساتذة المتخصصين في الفنون الحرة والآلية، ويساعده عدد من المشرفين أو القضاة مساو لعدد العلوم، وهم المنجِّم، وعالم الكونيات الكوزموجرافيا، والعالم في الهندسة، الفيزياء، البلاغة، النحو، الطبيب والعالم في السياسة والأخلاق، ولهؤلاء العلماء كتاب واحد وهو كتاب الحكمة يقرأ على الشعب كله حسب تقليد الفيثاغوريين، ويمكن القول إن سلطة المعرفة شبه حاليا جميع الوزارات المتعلقة بالتعليم والتكوين المعرفي سواء كان مرحليا أو تعليما أكاديميا، أما أمير الحب فهو المسؤول عن الشؤون الاجتماعية والأسرية، وتنظيم العلاقات بين المواطنين، وعليه فالنظام السياسي في مدينة الشمس يتركّب من الحاكم الأعلى (الشمس)، ثم يليه في التراتبية أمير القوة Pon، وأمير الحكمة Sin، وأمير الحب Mar، حيث يمثّل هؤلاء الهيئة التنفيذية، وبجانبها (توجد جمعيتان تشريعيتان إحداهما تتألف من رجال الدين ولها سلطة التشريع، والثانية تتألف من جمهور الشعب ولها الفصل في أمور السلم والحرب وإقرار القوانين).
من خلال المعطيات السابقة يبدو أن النظام السياسي موزع بطريقة تقوم على منطق العقل والعلم، فترأس شخص هرم السلطة مسألة ضرورية، ولا يمكن الاستغناء عنها، كما أن الحاكم الأعلى ليس مستبدا بالصلاحيات الإدارية بل هي مقسمة بالعدل على الأمراء الثلاث (أمير الجيش، وزير الدفاع، أمير الفكر، الحكمة، أمير الحب)، فالفضاء التعددي ظاهر في التركيبة السياسية للمدينة. فالحرية السياسية موجودة في المشاركة السياسية التي يقوم بها المواطنون، فالحرية ليست هي العمل وفق الأهواء، فصرامة القانون ضرورة لازمة للتسيير السياسي، وقد قامت الأستاذة عطيات أبو السعود، بتصوير هذه الصرامة فتقول: (ننتقل الآن من الحرية الليبرالية، وتسامح الأديان في يوتوبيا توماس مور إلى الوجه الآخر لهذه الحرية، إلى النظام الصارم الذي يضع كل شيء في موضعه).
وبناء على هذه الرؤية، فقد انشغل المثاليون ودعاة المدينة الفاضلة بهدف تغيير المجتمع، وركزوا على الإدارة والقيادة بوصفهما العامل الحاسم في الإصلاح. وقد قادهم هذا التركيز - كما هو متوقع - إلى إغفال موضوع الإصلاح ووسيلته الأساسية أي الإنسان، وما ينطوي عليه المجتمع الإنساني من مشارب متنوعة، ورؤى مختلفة وتجارب متباينة. يمكن القول - مجازا - إن المثاليين قد نظروا إلى المجتمع الإنساني كقالب جامد يتكون من أجزاء متماثلة الصفات والخصائص، وقابلة للتبديل والتعديل على يد الفئة الأصلح أو الأكمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.