توظيف الوسطية في حياتنا المجتمعية وعلى المستوى الفردي وعلى المستوى الأسري يجب أن يكون نابعا من تشبعنا بالقيم الحقيقية للإسلام، وهذه القيم جسدها سيدنا رسول الله (ص) في معاملاته سواء مع أحفاده أو مع زوجاته أو مع جيرانه أو مع أصحابه وحتى مع من يخالفونه في الدين والعقيدة. أعتقد أن المرجعية الدينية في الجزائر مغيبة لا غائبة لأن السياسة المنتهجة منذ الاستقلال لم تركز على ترسيخ المرجعية الدينية، وبالتالي عندما جاءت الأفكار الوافدة من المشرق العربي وجدت أرضا خصبة لزعزعة المرجعية الدينية التي كانت هشة بالأساس كما قلت نتيجة عدم الاهتمام ويمكن استعادتها بسياسة منبرية مضبوطة بقوانين تخص القطاع الديني مضبوطة بالتعاون بين الوزارات السيادية لضبط ما يمكن ضبطه بكل الأدوات المتاحة الوعظية أو القانونية أو الأمنية حتى للإبقاء على الوظيفة الدينية منضبطة بمرجعية تمثل أصالة المجتمع، بل وتمثل علاقاتنا مع جيراننا لأن هذا التوافق المذهبي الموجود في المغرب الإسلامي يرجع الفضل فيه لهذه المرجعية، وبالتالي يجب التأسيس لمنصب مفتي الجمهورية الذي يكون ممثلا يجسد المرجعية بإطار ديني يتشكل حوله ويراجعه في المسائل الحساسة والشائكة بوجود مجالس علمية قوية تحافظ على العقيدة والمذهب والطريقة التربوية السلوكية والروحية بوجود مراكز علمية تقليدية كالزوايا وعصرية كالجامعات تخدم المرجعية الدينية، فهذا أمر ضروري، وإلا فإن الخطب والخطباء سيبقون يتكاثرون على المنابر وفي المساجد وفي أماكن الوعظ وهم خلو من المستويات العلمية المطلوبة والمؤهلة. بناء الفرد أساسا يتم عبر تلقينه المرجعيات الدينية في عقد الأشعرية وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك، ولذلك نجد أنه لا أحد ينكر أن الزوايا حافظت على اللسان العربي وعلى القرآن الكريم وعلى التقاليد، تقاليد الضيافة، مثلا شكل الضيافة، الكتابة على الألواح، الأكل في آنية معينة، طريقة الاجتماع على موائد الطعام، كل هذا حفظته الزوايا، فبناء الفرد يبدأ سلوكيا والسلوك إنما يتم تكوينه على أساس من المرجعية الدينية.