إلى جانب الكتب السماوية التي أثرت بعدد كبير من الناس، هناك أيضاً كتب علمية وفلسفية استطاعت تغيير آراء الناس ومعتقداتهم الفلسفية من أجل خير الإنسان والبشر.. فمن الدين والفقه، مرورا بالسياسة والاستراتيجية..وصولا إلى العلم والاقتصاد.. احتفظت هذه الكتب دوما بوقع عظيم ومستمر في الحضارة والإنسان. كتاب غني عن التعريف طبعاً، ألفه الديكتاتور الألماني الأشهر فى تاريخ البشرية "أدولف هتلر" وهو في السجن، ونُشر فى العامين 1925 و 1926 .. وهو عبارة عن خليط مجنون من خطط هتلر الطموحة، وسياساته التوسعية ونظراته السياسية، فضلاً عن سيرته الذاتية.. الكتاب كان عنوانه الأصلي الذي اختاره هتلر له هو: "أربع سنوات ونصف من الكفاح ضد الأكاذيب والغباء والجبن"، إلا أن الناشر اقترح عليه تسميته "كفاحي" كعنوان أفضل للكتاب .. وهو ماكان .. وقد اعترف الكثير من الساسة الأوروبيين أنهم كانوا في منتهى الحماقة والغباء لأنهم لم يقرؤوا هذا الكتاب، أو لم يقرؤوه بالجدية اللازمة، لأنهم أدركوا فيما بعد أن الكتاب ببساطة كان يضم كل خطط هتلر ورؤيته السياسية والاستراتيجية، والتي نفذها حرفياً خلال الحرب العالمية الثانية. زعامة تقترب من التأليه .. سُلطة مُطلقة .. إرادة ذاتية بمثابة قوانين للحزب الحاكم والدولة .. نظرة سياسية دكتاتورية شمولية كاملة .. عنصرية .. عرقية .. السيادة للأقوى .. حق القوة وليس قوة الحق ! هذه هي أفكار هتلر المجنونة التي وضعها على الورق في كتابه الشهير .. والتي نفذها على أرض الواقع بعدها بعدة سنوات.. والمحصلة: أكثر من 60 مليون قتيل في أعنف حرب شهدها التاريخ الإنساني .. أي حوالي 2,5 % من إجمالي تعداد السكان العالمي وقتها! بمغيب شمس ال20 أبريل 1889، وضعت كلارا هتلر وليدها أدولف، الذي سيغير وجه الكرة الأرضية عندما يشتد عوده. كان أبوه ألويس موظفَ جمارك بسيطاً، وكان لأدولف 5 أشقاء وشقيقات ولم تكتب الحياة من بين الستة إلا لأدولف وشقيقته "بولا". كان أدولف متعلقا بوالدته وشديدَ الخلاف مع أبيه، تمتع أدولف بالذكاء في صباه إلا أنه كان مزاجي الطبع، وقد تأثر كثيرا بالمحاضرات التي كان يلقيها البروفسور ليبولد بوتش، المعادية للسامية والممجدة للقومية الألمانية. في جانفي 1903، مات أبوه ولحقته والدته في ديسمبر 1907 فأضحى أدولف، ابن ال18 ربيعا بلا معيل، فقرر الرحيل إلى فيينا أملا في أن يصبح رساما.. عكف على رسم المناظر الطبيعية والبيوت، مقابل أجر يسير، وكانت الحكومة تصرف له راتبا، لكونه صغير السن وبلا معيل. تم رفضه من قِبل مدرسة فيينا للفنون الجميلة، مرتين، وتوقفت إعانته المالية من الحكومة.. في فيينا، تأثر أدولف كثيرا بالفكر المعادي للسامية، نتيجة تواجد اليهود بكثرة في تلك المدينة وتنامي الحقد والكراهية تجاههم. وقد دون أدولف في "كفاحي" مقدار مقته وامتعاضه من التواجد اليهودي ومن اليهود، بشكل عام. في سنة 1919، التحق هتلر ب«حزب العمال الألمان الوطني"، وفي عام 1920، تم تسريح هتلر من الجيش وتفرغ للعمل الحزبي، بصورة تامة، إلى أن تزعم الحزب وغير اسمه إلى "حزب العمال الألمان الاشتراكي الوطني" أو "النازي" بصورة مختصرة. واتخذ الحزب الصليب المعقوف شعارا له وتبنى التحية الرومانية التي تتمثل في مد الذراع إلى الأمام. بدءا من عام 1924، بدأ الحزب يكتسب جماهيرية واسعة وتكونت خلايا حزبية نازية في الجنوب، ثم توحدت مع المركز في ميونخ، وكان هتلر يحلم بإقامة الدولة العنصرية القائمة على أساس سيادة الجنس الآري وتفوقه. فاز الحزب النازي في انتخابات 12 ديسمبر 1929 ودخل البرلمان الألماني، وكان عدد أعضائه 276 من أصل 387 نائبا، وبذلك قويت شوكة الحزب وازداد نفوذه في الدولة الألمانية.. وبتبوء هتلر أعلى المراتب السياسية في ألمانيا بلا دعم شعبي عارم، عمل الرجل على كسب الود الشعبي الألماني، من خلال وسائل الإعلام، تارة، ومن خلال البوليس السري "غوستابو" ومعسكرات الإبادة والتهجير القسري. وبموت رئيس الدولة (هيندينبرغ) في 2 أوت 1934، دمج هتلر مهامه السياسية كمستشار لألمانيا ورئيس دولة. أثناء وجوده في سجن لاندسبرغ، أملى هتلر معظم المجلد الأول من كتابه "كفاحي" (بالألمانية: Mein Kampf) -كان عنوانه الأصلي "أربع سنوات ونصف من الكفاح ضد الأكاذيب والغباء والجبن"- على نائبه رودولف هس، وأهدى هذا الكتاب الذي تضمن سيرته الذاتية وعرضا لمذهبه الإيديولوجي إلى عضو الجمعية السرية المعروفة باسم Thule Society، ديتريش إيكارت. تم نشر هذا الكتاب في مجلدين خلال عامي 1925 و1926، وبيعت منه حوالي 240 ألف نسخة ما بين عامي 1925 و1934. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح كل ألماني، مَهْما كان سنه أو رتبته، يملك نسخة من الكتاب، وتم إقراره في المدارس في مختلف المستويات... في فصل سماه "مفتاح الاشتراكية"، اعتبر هتلر "الاشتراكية الديمقراطية" عقيدة خطيرة وهدامة وربط بينها وبين اليهود، حيث يقول: "أدركت مع الأيام أن أهداف الحركة الاشتراكية الديمقراطية هي أهداف اليهود، كشعب، واليهودية، كدين، والصهيونية، كحركة سياسية قومية».. وفي الفصل ال15، والذي يحمل اسم "القوي قوي بنفسه"، نجده يقسم الشعب الألماني إلى ثلاث طبقات: طبقة سماها "فئة النخبة ذات الميولات الوطنية المتطرفة، وتتحلى بالترفع والإخلاص والشجاعة ونكران الذات"، وفئة تضم "حثالة البشر وتضم الغاوين والأنانيين والخونة".. والفئة الأخيرة هي "فئة تترفع عن مساوئ الفئة الثانية ولكنها لا تتمتع بفضائل الفئة الأولى".. هذه هي ملاحم أعضاء حزبه النازي، الوطنيون المتطرفون.. وأفكار كثيرة ومواقف متعددة يحاول فيها هتلر أن يقدم نفسه على أنه الخادم المخلص والمؤمن بالأمة الألمانية، وأحيانا يقدم نفسه باعتباره المتفهمَ والضحية لكل المؤامرات، وأحيانا المتسامح المناضل الذي لا تهمُّه المناصب ولا المال... بعد سقوط الحكم النازي، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، عام 1945، أُعلن عن كون الحزب النازي حزباً غير قانوني في ألمانيا، ويمنع استعمال رموزه ونشر أفكاره، ومع ذلك ما يزال كتاب "كفاحي" يشكل اليوم "الكتاب المقدَّس" ل«النازيين الجدد"، الذين اكتسبوا في السنوات الأخيرة شعبية وتوسعا جماهيريا، ليصبح الكتاب ليس فقط بالنسبة إلى الألمان بل حتى بالنسبة إلى تنظيمات هولندية، سويسرية، دانماركية وفرنسية، كتابا للدفاع عما يعتقدون أنه "عرق نقي"!..