الطفولة الباكرة في كتابه كفاحي، يقص هتلر حكاية صراعه في سبيل الوصول للفلسفة التي يؤمن بها أولاً، ثم الكفاح في سبيل تحقيق ما يعتبره طموحات الشعب الألماني. وفي هذا الكتاب وصف هتلر طفولته الباكرة وحياته الأسرية ثم معاناته من الفقر المدقع في فيينا، وصولاً إلى آرائه التي لم يغيرها أبدا بشأن القضية اليهودية. أثناء وجوده في سجن لاندسبرج، أملى هتلر معظم المجلد الأول من كتابه كفاحي (بالألمانية Mein Kampf) والذي كان عنوانه الأصلي (أربع سنوات ونصف من الكفاح ضد الأكاذيب والغباء والجبن) على نائبه رودلف هس وأهدى هذا الكتاب الذي تضمن سيرته الذاتية وعرضا لمذهبه الأيديولوجيإلى عضو الجمعية السرية المعروفة باسم Thule Society ديتريش ايكارت. وتم نشر هذا الكتاب في مجلدين خلال عامي5291 و,1926 وبيعت منه حوالي مائتين وأربعين ألف نسخة ما بين عامي 1925 و.1934 ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، كان قد تم بيع حوالي عشرة ملايين نسخة أو توزيعها وحصل المتزوجون حديثًا والجنود على نسخ مجانية من الكتاب، و من المهم أن نلاحظ أن الكلمة الألمانية Kampf تحتمل عدة معاني، كما هو الحال مع كلمة جهاد. وأيضا هناك العديد من القراءات والكتب التي تتحدث عنه، وقد كتب الزعيم الألماني أدولف هتلر 900 صفحه تقريبا ولكن لم تنشر من الكتاب سوى 400 صفحه فقط. كما أمضى هتلر سنوات يتهرب من دفع الضرائب عن الحقوق المالية التي حصل عليها من بيع نسخ كتابه، وتراكمت عليه ديون للضرائب لتصبح حوالي 405,500 مارك ألماني بما يعادل ستة ملايين أوروفي الوقت الحالي وبمرور الوقت أصبح مستشارًا للبلاد وفي هذا الوقت سقطت ديونه، أما حقوق النشرالخاصة بكتاب كفاحي في أوروبا، فقد طالبت بها ولاية بافاريا الحرة، ومن المقرر أن تنتهي في الحادي والثلاثين من شهر ديسمبرفي عام 2015 ويتم التصريح بإعادة طبع الكتاب في ألمانيا فقط لخدمة الأغراض التعليمية. الفصل الأول -طفولتي ''يبدو وكأن القدر تعمد اختيار براوناو موقعاً لأولد فيه، فتلك المدينة الصغيرة تقع على الحدود، يبدو أن دولتين سعينا نحن الجيل الجديد لتوحيدهما بكل ما لدينا من قوة. فلابد من عودة ألمانيا النمساوية للوطن الأم، وليس بسبب أي دوافع اقتصادية، بل وحتى إن ألحق الاتحاد أضراراً اقتصادية، فلابد منه. دمائنا تطلب وطناً واحداً، ولن تستطيع الامة الالمانية امتلاك الحق الاخلاقي لتحقيق سياسة استعمارية حتى تجمع اطفالها في وطن واحد. وفقط حين تشمل حدودنا آخر ألماني، ولا نستطيع تأمين رزقه، سنمتلك الحق الاخلاقي في احتلال أراض اخرى بسبب معاناة شعبنا، سيصير السيف أداة الحرث، ومن دموع الحرب سينبت الخبز للأجيال القادمة. وهكذا يبدو لي أن هذه القرية الصغيرة كانت رمزاً للمسؤلية الغالية التي انيطت بي، ولكن هنالك صورة بائسة اخرى تذكرنا تلك المدينة بها، فقبل مائة عام، كانت مسرحاً لكارثة ماساوية ستخلد في صفحات التاريخ الالماني. فحين انحطت الأوضاع إلى أسوء حال ممكن تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، استشهد جوهانا، بائع الكتب، في سبيل الوطن الذي أحبه. وقد رفض التخلي عن شركائه وشجب الذين كانوا أفضل منه في قدراتهم، وقد أبلغ أحد ضباط الشرطة الألمان عنه الفرنسيين، وبقي العار ملحقاً باسمه حتى الساعة. في هذه المدينة الصغيرة، المضيئة ببريق الشهادة في سبيل الوطن، والتي حكمتها النمسا وإن كان دم شعبها ألمانياً، عاش والدي في آواخر الثمانينات من القرن الماضي، وبينما كان والدي موظفاً حكومياً، رعت أمي أفراد الأسرة. ولم يبق حالياً في ذاكرتي سوى القليل عن هذا المكان لأننا سرعان ما رحلنا منه لبلدة باسو في ألمانيا. وخلال تلك الأيام كان التنقل مصيراً محتوماً على الموظف، وهكذا انتقل والدي مرة ثالثة إلى لينز، وهناك أخيراً تمت إحالته على التقاعد، ولكن ذلك لم يعن له راحة أبداً. فمنذ طفولته كان لا يطيق البقاء في المنزل بلا عمل، وهرب في سن الثالثة عشرة الى فيينا وتعلم حرفة وحصل على التجربة والنجاح قبل سن السابعة عشر، ولكنه ما قنع بكل هذا، بل إن معاناة الأعوام الأولى دفعت للسعي وراء مستقبل أفضل، وهكذا بحث على وظيفة حكومية، وبعد عشرين عاماً من الصراع الدؤوب، عثر عليها. وهكذا حقق قسمه القديم، وهو أن لا يعود إلى قريتة الصغيرة إلا بعد أن يكون قد كون نفسه.حقق الرجل حلمه، ولكن لا أحد في القرية تذكر الطفل الذي هاجر، بل وبدت له قريته غريبة تماماً، وكانه يراها لأول مرة، وأخيراً، وفي سن السادسة والخمسين، بعد تقاعده، ما استطاع احتمال الفراغ، فاقتنى مزرعة وعمل في زراعتها كما فعل أجداده من قبل. خلال تلك الفترة تكونت داخلي بوادر الشخصية الاولية، اللعب في الحقول، المشي الى المدرسة، وخصوصاً الاختلاط مع أصدقائي العنيفين الذين أقلقت علاقاتي معهم والدتي، كل هذه جعلتني من النوع النشط الذي لا يرتاح للبقاء في المنزل، وبالرغم من عدم تفكري بالحرفة المستقبلية، ما كانت عواطفي أبداً تتجه نحو المسير الذي اتخذه والدي لنفسه، أؤمن بأني حتى آنذاك تمتعت بقدرات بلاغية مميزة ظهرت في شكل حوارات عنيفة مع زملاء الدراسة، بل وبت زعيماً لمجموعة: ونجحت في المدرسة بالفعل، ولكني كنت شديد المراس، اشتركت في النشاطات الكنائسية، واسكرتني عظمة هذه المؤسسة العريقة، وبدا لي القس مثالاً لما ينبغي أن أكونه، كما بدا لوالدي من قبل، ولكن الأخير فشل في التعامل مع قدرات ابنه البلاغية وما استطاع تصور مستقبل ممكن له، بل وأقلقه هذا الوضع كثيرا. هذا الحلم الكنائسي تخلى عني سريعاً، بعد أن عثرت على بعض الكتب العسكرية التي وصفت المعارك بين فرنساوألمانيا عام 1870 - .71 عشقت هذه النصوص، وصارت الصرعات البطولية النشاط الفكري والخيالي الأساسي لكياني، ومنذ ذلك الوقت صرت أعشق كل ما له علاقة بالجنود، ولكن الأسئلة الصعبة بدأت تفرض نفسها على فكري: هل هناك فوارق - بين الألمان الذين خاضوا تلك المعارك والآخرين؟ ولماذا لم تشترك النمسا فيها؟ ولماذا لم يطلب من والدي الاشتراك؟ ألا ننتمي جميعاً لذات الوطن؟ ألا ننتمي سوية؟ بدأت هذه التساؤلات تشغل بالي لأول مرة، طرحت الاسئلة واجابوني بحذر قائلين إن الالمان غير المحظوظين لا ينتمون لذات الدولة التي اسسها بسمارك، وكان هذا الوضع عسيراً على الفهم، ثم قالوا لي إن الأوان قد حان للذهاب للمدرسة الثانوية. أكد والدي أنه يرغب في أن أذهب لمدرسة خاصة لاعداد الموظفين، فهو - بسبب تجاربه الحياتية - ما رأى طائلاً وراء المدارس العادية، كانت رغبته هي أن أصير موظفاً حكومياً مثله، بل وافضل لانني كنت ساتعلم من اخطائه واستفيد من تجاربه، لانه تصور استحالة ان ارفض السير على دربه، كان قراره واضحاً، مؤكداً. معاناة عمر طويل ومشاق الحياة وهبته طبيعة متعسفة. وبدا له من المستحيل ان يترك الامر لابنه غير المجرب، غير القادر على احتمال المسؤوليات، بل وتصور انه سيكون مذنباً ان لم يستخدم سلطته لتحديد مستقبله، ورآى ان هذه مسؤولية تحتمها عليه الوظيفة الابوية. ومع ذلك سارت الامور بطريقة مغايرة: فقد رفضت الفكرة بشكل قاطع، وما كان عمري اكثر من احدى عشر سنة. ولم ينجح الترغيب او الترهيب كليهما في تغيير رايي. وكل مساعي والدي الذي قص علي قصصاً عن تجاربه في العمل، راجياً ان اقنع به واحبه، ادت لنتائج عكسية. تثائبت واهناً اذ تصورت انني ساقضي العمر امام مكتب، بدون ان يكون وقتي ملكاً لي، قاضياً حياتي في تحويل الدنيا الى فراغات يقوم احدهم بملأها في صورة طلب او وظيفة. واي افكار كان يمكن لمشهد كهذا ان يخلقه في نفس طفل طبيعي؟ الوظائف المدرسية كانت سهلة، وامتلكت الوقت الحر لدرجة ان الشمس عرفتني اكثر من حيطان حجرتي. وحين يبحث اعدائي السياسيين في الماضي البعيد، ويعثرون على ما يؤكد ان هتلر كان طفلاً شقياً، اشكر الله على انهم قد اعادوا لفكري ذكريات بعض تلك الايام السعيدة. الغابات والحقول باتوا حلبات الصراع التي قضيت فيها حياتي، والمدرسة الجديدة لم تغير هذا الوضع، وطالما كانت معارضتي الاساسية لفكرة والدي نظرية، استطعنا التعايش سوياً. فقد احتفظت بآرائي الخاصة، وما خالفته بصوت مرتفع. ولكن - وفي سن الثانية عشر - بدأت اطمع في أن أصير رساماً. ومع ان والدي كان يشجع هذه الهواية، الا انه لم يتصور ابداً ان اسير في هذا الاتجاه. -''رسام''؟ تشكك حتى في عقلي، وربما تصور انه لم يفهم ما اعنيه. ولكن بعد ان فهم، عارض الفكرة بكل ما في طبيعته من عناد. ''رسام! فقط بعد موتي'' ولكنة اكتشف ان ابنه قد ورث منه ذات العناد. وهكذا بقي الحال زمناً طويلاً، وما كانت النتائج طيبة، فقد اصابت المرارة نفس الرجل الكبير، وما كان باستطاعتي الخضوع له. وهكذا حين اكد استحالة دراستي للفن، قررت ايقاف الدراسة بشكل عملي، متصوراً انه حين سيرى فشلي الدراسي، سيسمح لي بالسير في الاتجاه الذي اختاره. كانت نتائجي المدرسية آنذاك غير طبيعية: فكل ما له علاقة بالرسم جلبت فيه افضل النتائج، وفي الباقي أسوأها. ولكن انجازاتي كانت مميزة في حقلي الجغرافيا والتاريخ الالمانيين، لانني عشقت هاتين المادتين وكنت افضل التلاميذ فيهما، وحين اتطلع لتلك المرحلة الان، بعد مرور السنوات الكثيرة، الاحظ حقيقتين هامتين: فاولاً، صرت قومياً، وثانياً، تعلمت معنى التأريخ. ففي دولة متعددة الاجناس كالنمسا، كان من الصعب جداً ان يعرف المرء معنى الانتماء لألمانيا. فبعد المعارك الفرنسية الالمانية، قل الاهتمام بالالمان في الخارج، ونساهم البعض تماماً. ومع ذلك، فلو لم يكن الدم الالماني طاهراً قوياً، لما استطاع العشرة مليون الماني ترك بصمتهم واضحة جلية في دولة تتكون من اكثر من خمسين مليون نسمة، لدرجة ان الناس تصوروا ان النمسا كانت دولة المانية مستقلة. القليلون ادركوا قسوة الصراع الوحشي الذي خضناه للحفاظ على اللغة الالمانية، المدارس الالمانية، والاسلوب الخاص للحياة: اليوم فقط، حين يحلم الملايين من الالمان بالعودة للوطن الام، ساعين على الاقل للحفاظ على لغتهم القوية، يدرك جل الناس صعوبة هذا الصراع، وربما يقدر بعضهم اهمية هؤلاء الافراد الذين حموا الوطن من الهجمات من الشرق، وحاربوا من اجل ابقاء اللغة المشتركة حين ما اهتمت الحكوات الالمانية الا بالمستعمرات البعيدة، متناسية معاناة الالمان في الجوار. وحتى الاطفال اشتركوا في الصراع القومي: اذ رفضنا ترتيد الاغاني غير الالمانية، وارتدينا الثياب التقليدية، بالرغم من التهديد والعقوبات. فمنذ طفولتي لم يعني شعور ''الوطنية'' أي شيء لي، بينما عنت المشاعر القومية كل شيء. وقد كانت دراسة التاريخ دافعاً قوياً لبعث الحس القومي، نظراً لعدم وجود تاريخ نمساوي مستقل، بل ان مصير هذه الدولة مرتبط بألمانيا لدرجة أن ظهور تاريخ نمساوي خاص يبدو مستحيلاً. فتقسيم المانيا لموقعين هو في حد ذاته جزء من التاريخ الالماني. ضرورة توحيد الالمان والنمساويين كانت نتيجة حلماً بقي في قلوب الجماهير بسبب تذكرها للتاريخ الذي كان بئراً لا ينضب. وخاصة في أوقات النسيان، سما التاريخ فوق الثراء المرحلي وهمس الماضي للشعب باحلام المستقبل. تعليم التاريخ في ما يسمى المدارس الثانوية لا يزال حتى اليوم في حال يرثى لها. والقلة من الاساتذة يفهمون أن الهدف من دراسته ليس حفظ ارقام او تواريخ، مثل يوم معركة، او ساعة ميلاد زعيم، او حتى حين وصول ملك للسلطة، فمعرفة التاريخ تعني معرفة القوى التي تسبب النتائج المسماة احداثاً تاريخية. والمعرفة هي : القدرة على تذكر الاساسي، ونسيان كل ما هو غير ضروري. وقد يكون احد اهم اسباب تشكيل شخصيتي الحالية دراستي للتاريخ مع احد القلة الذين عرفوا هذه القواعد وراعوها في التدريس، الاستاذ ليوبلد بوتش. فقد كان ذلك الرجل العجوز خيراً متقناً لمادته، وتمتع ايضاً بقدرة بلاغية مميزة سحرت اللب وجعلتنا، ونحن نستمع لبعض قصصه، ننسى الحاضر، وكانه ساحرا يأخذنا لعصور ماضية، عبر ضباب عشرات السنين، صانعاً من الاحداث التاريخية واقعاً معاشاً. وقد كنا من المحظوظين جداً لان هذا المدرس عرف كيف ينير الماضي بامثلة من الحاضر، وكيف يجلب من الماضي وقائع تلقي الضوء على الحاضر، ونتيجة لهذه القدرة فهم أكثر من غيره المصاعب التي نعانيها، واستغل مشاعرنا القومية لتقويمنا، مستنشداً بإحساسنا بالشرف للانتماء للوطن. وبهذه الطريقة نجح في تهذيبنا بشكل افضل من أي أسلوب آخر، هذا المدرس جعلني عاشقاً للتاريخ. وهكذا بت ثورياً بدون ان يسعى هو متعمداً لذلك. فمن يستطيع دراسة التاريخ الالماني مع استاذ كهذا بدون أن يكره الدولة التي كادت تدمر مصير الأمة؟'' .../... يتبع