كان هارون الرشيد أحد أشهر الخلفاء في تاريخ الدولة العباسية، وكان يغزو عاما ويحج عاما وشهد عصره نهضة شاملة وارتقاء هائلا في العلوم والفنون والآداب وعم الرخاء ربوع الدولة الإسلامية وبزغ مجدها وقوتها وازدهرت حضارتها، ولد هارون بن محمد بن العباس في سنة 148 ه بالري ولقب بهارون الرشيد وبأمير المؤمنين، ونشأ في بيت علم وملك وكان جده أبو جعفر المنصور من كبار فقهاء عصره، وكان أبوه محمد المهدي أميرا على الري وخراسان حين ولد، وعهد به أبوه إلى من يقوم على أمره تهذيبا وتعليما وتثقيفا، وتلقى دروسه الأولى بحفظ القرآن ودرس الفقه والأصول والحديث والتفسير على كبار فقهاء وعلماء عصره فأخذ القراءات السبع علي أبي حمزة الكسائي إمام أئمة أهل الكوفة في اللغة والنحو والأخبار، كما جالس أبا يوسف القاضي صاحب الإمام أبي حنيفة، وعندما شب عن الطوق وكبر ألقى به أبوه في ميادين الجهاد، وأحاطه بالقادة الأكفاء يتأسى بهم ويتعلم من تجاربهم وخبراتهم، بويع للخلافة في نحو الخامسة والعشرين من عمره، بعد وفاة أخيه الهادي في عام 170ه/ 786م، وكان تولي الرشيد الخلافة بداية لعصر جديد قوي ومزدهر في تاريخ الدولة العباسية، وصلت فيه الخلافة إلى أرقى درجاتها صولة وسلطانا، وثروة وعلما وأدبا، وكان في عهد الرشيد العديد من ألمع الفقهاء والقضاة والعلماء، وكبار الرجال ممن تزدان بهم الممالك من رجال الإدارة والحرب، فعظمت الهيبة في الداخل والخارج. من أشهر أقوال هارون الرشيد الخليفة الأموي: - من شاور كثر صوابه. - في أي مكان شئتِ أمطري فسيحمل إليّ خراجك. - الجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام. - كل ذهب وفضة على وجه الأرض لا يبلغ ثمن نخلة البصرة. - قال وهو على عتبة الموت احفروا لي قبرا كي أرى مكاني فلما حفروه أخذ ينظر إليه ويقول: "يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه".