هو أبو الحسن علي بن حمزة الكوفي المعروف بالكسائي، لكساءٍ أحرم فيه وقيل: لاشتغاله بالقرآن، على حمزة الزيات، الإمام المقرىء وهو في كساء، وقد لازم الكسائي شيخه حمزة الزيات بالكوفة، فقرأ عليه القرآن أربع مرات، وكان عليه اعتماده، وقرأ على غيره ورحل إلى البصرة فأخذ اللغة من الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم طاف البلدان باحثاً عن العلم وخاصة اللغة والقراءة حتى انتهت إليه إمامة القراءة بالكوفة بعد وفاة شيخه حمزة بن حسيب الزيات، وقد أثنى عليه أبو عبيد في كتاب القراءات فقال: كان الكسائي يتخير القراءات فأخذ من قراءة حمزة بعضها وترك بعضها، وكان من أجل القراءة وهي كانت علمه وصناعته ولم يجالس أحداً كان أضبط ولا أقوم بها منه· وكان الناس يأخذون عنه ألفاظاً بقراءة متوسطة اختارها، وهي غير خارجة عن آثار من تقدم وكان إليه المنتهى في علم القرآن، وكان إذا أتى شهر شعبان جلس على منبر يقرأ على الناس فيختم في شعبان ختمتين والناس يضبطون عنه، ومن علو همته أنه لما توجه إلى الخليل بن أحمد وأخذ عنه اللغة والنحو قال له: من أين أخذت هذا؟ قال: من بوادي الحجاز، فرحل الكسائي إلى هناك، فكتب عن العرب شيئاً كثيراً، قيل إنه كتب بخمس عشرة قنينة من الحبر وكان همه أن يعود إلى شيخه الخليل، فلما عاد إليه وجده قد مات ووجد مكانه يونس بن حبيب قد تصدر للعلم فجرت له مع يونس مناظرات، أقر له فيها يونس بالمعرفة والعلم وأجلسه مكانه وقد شهد له الكبار بمكانته في العلم فقد قال الشافعي: من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي· واجتمع فيه أنه كان أعلم الناس بالنحو، وواحدهم في الغريب، وأوحد في علم القرآن، كان يجتمعون عليه حتى يكثرون فلا يضبط عليهم، فكان يجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو وهم يضبطون عنه حتى الوقوف· وقد كان ذا ورع وتدقيق في العلم لقيه بعض العلماء في الطريق فوجده مهموماً فقال له: مالك؟ قال: إن يحيى بن خالد البريكي قد وجه إليّ يسألني عن أشياء فأخشى الخطأ، فقال له: قل ما شئت فأنت الكسائي، فقال: قطعه الله، يعني لسانه، إن قلت ما لم أعلم· وقد كانت مكانته رفيعة عند هارون الرشيد، وأدب ولده الأمين، ونال جاهاً عريضاً ودنيا واسعة ومن طرائف ما حصل له أنه اجتمع عند الرشيد هو واليزيدي اللغوي فحضرت الصلاة فقدموا الكسائي يصلي فأرتج عليه قراءة قل يا أيها الكافرون، فقال اليزيدي قراءة قل يا أيها الكافرون ترتج على قارئ الكوفة! فحضرت صلاة فقدموا اليزيدي، فأرتج عليه في الحمد لله رب العالمين، فلما سلم اليزيدي قال: احفظ لسانك لا تقل فتُبتلى، إن البلاء موكل بالمنطق· وقال عن نفسه صليت مرة بالرشيد فأخطأت في آية فيها قلت (لعلمهم يرجعون) فو الله ما اجترأ الرشيد أن يقول أخطأت لكن قال أي لغة هذه؟ فقلت: يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد، قال أما هذه فنعم·