يُقدَم هجوم الشمال القسنطيني على أنه انتصار للحركة الثورية في منطقة الشرق الجزائري، رغم أن العملية خلفت 12 ألف قتيل واجه فيها جزائريون بوسائل بسيطة جيشا فرنسيا منظما، وفي نظر عبان رمضان اعتبر ذلك خطأ فادحا اقترفه زيغود يوسف، ما رأيك؟ هجوم الشمال القسنطيني في 20 أوت 1956 كان جد ضروري من الناحية التنظيمية للثورة، خصوصا في تلك الفترة بالضبط، وهي في الحقيقة عمليات عسكرية تمتد إلى ثورة أول نوفمبر 1954 التي حاول المستعمر الفرنسي إحداث قطيعة سياسية عنها، وجعلها تنحصر فقط على المستوى الداخلي وفي بعض مناطق الوطن، فكان هجوم الشمال القسنطيني ضروريا من أجل قهر هذا الفكر الاستعماري والتأكيد له أن هذه العمليات المسلحة تم التحضير لها جيدا وتحت إشراف قيادات عظمى للثورة، فضلا عن كونها كانت الوسيلة الأنجع لإعطاء العدو برهانا آخر بأن كل الشعب الجزائري يقف وراء الثورة. كما كانت لهجوم الشمال القسنطيني نتائج إيجابية على الصعيد الدبلوماسي، حيث بفضلها تم طرح القضية الجزائرية لأول مرة في الجمعية العامة لمؤتمر باندونغ المنعقد في نفس السنة، بعد الصدى الدولي الذي اتخذته الثورة بعد هذا الهجوم. كما أن هذه العمليات العسكرية ساهمت إلى حد بعيد في تغيير الأفكار السائدة لدى المستعمر وكذا رأيه إزاء الثورة، وتأكد بأنه يواجه ثورة حقيقية خطط لها زعماء واحتضنها الشعب بكل إرادة من أجل الاستقلال. كانت هذه إحدى الملاحظات التي رفعها عبان رمضان في مؤتمر الصومام، وانتقد بشدة المبادرات الشخصية لزعماء الثورة مثل زيغود وعميروش؟ في حقيقة الأمر عبان رمضان لم يكن مؤهلا لتقديم أية انتقادات لزعماء الثورة ولمبادراتهم الشخصية، لأن الثورة كانت مقسمة إلى 5 ولايات، وكل ولاية مستقلة عن الأخرى وقادتها أدرى بما يحدث بها دون غيرهم، وهو الشيء الذي أكده فعلا بن طوبال لعبان فيما بعد عندما تطرق إلى هذه القضية، وأكد له عدم أحقيته بالتدخل بصفة مباشرة في شؤون الولايات الثورية الأخرى، وكذا عدم منع أي مبادرة شخصية من شأنها أن تقدم إضافة إيجابية للثورة عامة. هجومات الشمال القسنطيني كانت عملية معزولة عن باقي ما يحدث في الجزائر، كيف يمكن أن تؤسس لحركة أكثر اتساعا في المكان والزمان؟ أعترض القول أن هجومات الشمال القسنطيني كانت معزولة عن باقي ما يحدث في الجزائر، حيث أن واقع الحقائق تثبت عكس ذلك، وتؤكد بأن أهدافا مثل هذه العمليات العسكرية لم تكن معزولة على الصعيد الجزائري، لاسيما أنها لعبت دورا هاما في إخراج الثورة المسلحة من نطاقها الداخلي الضيق إلى الدولي، فضلا أن هجومات الشمال القسنطيني لعبت دورا هاما حتى على الصعيد المغاربي بسبب لجوء فرنسا إلى تطبيق مخططها المتمثل في عزل السلطة عن محمد الخامس بالمغرب، لقطع أية إمدادات أو دعم عسكري للثورة الجزائرية. غياب الوفد الخارجي عن مؤتمر الصومام مازال يطرح استفاهامات، رغم أن المراسلات المنشورة تؤكد رغبتهم وحاجتهم للقاء؟ عبان رمضان كان لا يرغب بمشاركة غياب الوفد الخارجي في أشغال مؤتمر الصومام، وذلك بمساعدة بعض المتعاطفين معهم، على غرار جماعة العاصمة وبن مهيدي الذي كانوا يعتقدون أنه لا أهمية لحضور الوفد الخارجي وفقا لبعض المبادئ، كأولوية الداخلي على الخارجي والسياسي على العسكري. ولكن كان من الضروري إشراك الوفد الخارجي في المؤتمر، وذلك للأعمال الكبيرة التي قدموها لصالح الثورة الجزائرية، سواء كان على الصعيد الدبلوماسي أو في عملية تسليح الثورة التي كانت من المهام المعقدة في تلك الفترة، خصوصا في ظل التأييد الكبير الذي أبدته بعض الدول العظمى لصالح المستعمر، ورفضت تسليح الثورة الجزائرية أو غلق كافة المنافذ المؤدية إلى ذلك. وعبان رمضان حاول إيجاد بديل عن ذلك في المؤتمر، المتمثل في تسليح الثورة عن طريق إسقاط أو رمي السلاح على أراضي الدول المجاورة ثم تحويله إلى داخل الجزائر، الشيء الذي كان غير ممكنا، لكون هذه الدول تعيش بحد ذاتها ويلات الاستعمار وليس بمقدورها إعلان الحرب ضده إذا تم اكتشاف تورطها في العملية، وهي الاقتراحات التي اعتبرت مزايدات من طرف عبان رمضان. لكن المعطيات تغيرت وكانت نظرة أولوية السياسي على العسكري فكرة قصيرة المدى رغم كونها تندرج ضمن حسابات الثورة، خصوصا أن عبان اضطر فيما بعد بالخروج، فمن غير المعقول إقصاء أعضاء الوفد الخارجي بحكم مشاركتهم في إعداد الثورة ومن ثم طرحها على الصعيد الدولي. الكل يقول إن مؤتمر الصومام أسس لمبادئ الدولة الجزائرية الحديثة، فيما رفضت جماعة الخارج كل ما صدر عن مهساس وصفه بالمؤتمر المزور؟ في تلك الفترة كان هناك نوع من التعصب، والمؤتمر في الحقيقة نظم قيادات الثورة، وهناك عدة مزايا أتى بها مثل مجلس الثورة والمجلس التنسيقي والتنفيذي، كما عمل على توحيد العمل الداخلي للولايات، وكرس مبدأ جبهة التحرير في الفاتح من نوفمبر 1954 والمتمثل في التحاق جميع فئات الشعب بصفة فردية بالثورة، كما قام بإقناع قيادات بعض الأحزاب كفرحات عباس بالانضمام إلى الثورة. أما القول بأن المؤتمر أسس لمبادئ الدولة الجزائرية الحديثة، فهو غير صحيح، لأن الدولة أسسها موجودة في الحركة الوطنية، على غرار حزب الشعب وجمعية العلماء المسلمين وليس بالمؤتمر، فلو ننظر فقط إلى حركة الانتصار لوحدها قامت في مؤتمرها المنعقد في 1953 بتكريس 5 مبادئ ضرورية تمهد لتأسيس الدولة الجزائرية، وهي المبادئ التي تم تجاهلها في مؤتمر الصومام، وذلك لأن المؤتمر كان ظرفيا ولم تكن له تصورات حول الدولة الحديثة الجزائرية، الشيء الذي كان متوفرا في الحركة الوطنية التي أسست فيما بعد لحزب البيان، الذي كان هو الآخر يتمتع بتصورات عدة حول قيام الدولة الحديثة. الكثير من الوجوه الثورية الفاعلة في ذلك الوقت بدأنا نفقدها، ربما آخرها مهساس وقبله بقليل علي كافي، كيف سيؤثر هذا على كتابة تاريخ هذه المرحلة والإجابة عن الأسئلة المتعلقة بخصوصها؟ كتابة التاريخ يعتمد بالدرجة الأولى على مصادر شخصية، ولحسن الحظ أن مهساس رحمه الله قبل أن يفارق الحياة ساهم في مجال كتابة التاريخ، ولو كان ذلك ضئيلا مقارنة بما نحن نحتاج إليه من حقائق عن تاريخنا. في الجهة المقابلة نتأسف على بعض المجاهدين الذين رحلوا حاملين معهم إرثا تاريخيا دون أن نستفيد منه. ولكن الشيء المهم هو أن للثورة حقائق ممثلة في وثائق وبعض الإصدارات الكتابية التي بمقدورنا الاستفادة منها في مجال البحث التاريخي. مازلنا نعتمد في كتابة تاريخ الثورة على ما كتبه الفرنسيون، خصوصا في ظل غياب الأرشيف، بعد أزيد من 50 سنة من الاستقلال، ألا توجد قنوات أخرى للبحث التاريخي؟ أهم شيء في عملية كتابة التاريخ وثائقنا نحن، التي يجب أن ترفق أيضا بشهاداتنا نحن التي تركز على أحداث معينة جرت إبان الثورة الجزائرية، وذلك من مبدأ أن الوثائق وحدها لا تكفي ولابد من البحث عن وسائل ومواد أخرى لاستكمال ما ينقص عملية كتابة تاريحنا. إلا أن ذلك لا يمنعنا من اللجوء في بعض الأحيان إلى تاريخ العدو الذي هو في الحقيقة تجاهل قهر الجزائريين واتخذ بعين الاعتبار انتصاراته، وذلك من أجل تفادي أي عامل قد ينعكس علينا في عملية كتابة تاريخنا ونسقط في فخهم.. هل تعتقد أن الباحثين الجزائريين في التاريخ قدموا إضافات مهمة في تدوين تاريخ الثورة إلى حد الآن؟ أجل هناك بعض الدراسات في الجامعات الجزائرية تقدم من طرف الأساتذة، تضاف اليها بحوث الطلبة، إلا أن ذلك يبقى جهدا محصورا لكون الجامعات الجزائرية بحد ذاتها محصورة لقلة إمكانياتها وقلة آليات البحث لديها. ولكن الواقع يؤكد أن هناك اهتماما ملحوظا بهذا الموضوع بدأت بوادره تبرز للعيان ولو كان ذلك متأخرا. وقضية كتابة التاريخ مسؤولية يتقاسمها الجميع من مسؤولين وباحثين وكذا مجاهدين، لأننا بحاجة إلى كتابة رواية الجزائر التي نعتز بها لأننا انتصرنا وفزنا بها، ومن أجل أن تطلع عليها غيرنا من الشعوب التي تريد أخذها عبرة في نضالها التحرري.