تعيش، مدينة الجسور المعلقة على غرار باقي ولايات الوطن، على وقع التحضيرات الحثيثة من أجل إحياء عيد 14 من نوفمبر القادم الذي يمثل الموعد الحاسم في تاريخ الكرة الجزائرية من حيث حصد تأشيرة الطيران إلى بلد ''مانديلا'' منتصف السنة القادمة، وبلوغ حلم المونديال للمرة الثالثة، بعد غياب دام 24 سنة من عدمه·· يبدو أن سكان عاصمة الشرق ومحبي الفريق الوطني صغارا وكبارا، نساء ورجالا لم يعودوا يستطيعون صبرا مع توالي الأيام واقتراب الموعد الحاسم الذي لم يعد يفصلنا عنه سوى ساعات قليلة، فلا حديث يدور في البيوت والشوارع والمقاهي والمؤسسات والمدارس والمكاتب·· وغيرها من الأماكن، إلا عن مباراة الفصل، والطريقة المثلى التي تضمن تحقيق نتيجة إيجابية تتوج صنيع الشيخ سعدان وعظمة ''محاربي الصحراء''· ولأن الضغط النفسي كبير، والحماس والشوق أكبر بكثير، فإن أنصار ''الخضرا'' بقسنطينة تبنوا أساليب متعددة لكسر الجمود، فبينما كانت البداية بحمل الرايات الوطنية وترديد الأغاني التي تمجد رفقاء جبور، أطلق القسنطينيون، الآن، العنان للأفراح والأعراس الكبرى، وخرجوا في مواكب سيارات طويلة وعريضة، تضم الصغار والكبار، النساء والرجال، جابوا خلالها كل أحياء المدينة، وأغلبهم يرتدي أقمصة لاعبي المنتخب، وقد كتب على كل واحد منها إسم اللاعب المفضل، وإن كانوا كلهم مفضلين·· إلا أن عنتر يحيى وزياني وبوقرة هم الأكثر شهرة، و أقمصتهم متداولة بكثرة، أنصار ''الخضرا'' بقسنطينة أكدوا حبهم وتعلقهم الشديد بكل عناصر النخبة الوطنية،· يا ربي·· أشفي يحيى، كريم، ومجيد·· وانصر سعدان لأن مسلسل الإصابات غير المتوقع كان الحلقة البارزة في يوميات أنصار الفريق الوطني في ظل تضارب التصريحات حول مشاركة العناصر الأساسية في ''موقعة القاهرة'' من عدمه، لم يجد، عشاق تشكيلة الشيخ سعدان من سبيل لتخفيف الضغط، سوى الدعاء والتضرع لله، عز وجل، من أجل أن يشفي ركائز النخبة الوطنية·· ''مراد'' البالغ من العمر 35 سنة، وهو رب أسرة تتكون من 4 أفراد، يقول: ''لم أعد أدع في صلاتي لأولادي وعائلتي لأني نسيتهم بعد إصابة بوقرة وزياني ثم عنتر يحيى، ولم أعد أتضرع لله في كل صلاة إلا من أجل شفائهم ومشاركتهم في مباراة القاهرة، ولأنني لن أستطيع صبرا، في حال انهزامنا أو تضييعنا ورقة التأهل ظ لا قدر الله صرت أدعو كذلك أن يعطيني ربي (العقل) من أجل تقبل ما ستسفر عنه نتيجة المباراة''· من جهتهن، أمهات وجدات القسنطينيين واكبن الحدث بالدعاء للفريق الوطني من أجل تحقيق ما ننتظره جميعا، فالحاجة ''بديعة''، البالغة من العمر 73 سنة، وفي حديثنا معها، قالت: ''منذ 5 جويلية 1962 لم أشاهد الشعب الجزائري عل هذه الحال، فالجميع لا يتحدث إلا عن 14 نوفمبر ومباراة القاهرة، ولأني أحب بلدي كذلك، فأنا كذلك اشتريت راية وعلقتها على شرفة منزلي، وكل يوم أنظفها من الغبار، وخلال كل صلاواتي أدعو لكل اللاعبين بالسلامة، وأتضرع لله من أجل تحقيق الفوز على المصريين''·· والحمد لله، لقد استعاد كامل عناصر النخبة الوطنية عافيتهم حتى يشاركوا جميعهم في صنع الفوز· القسنطينيون دفعوا الغالي من أجل الحصول على رايات وأقمصة ''الخضر'' لم تعد محلات وأسواق وسط مدينة قسنطينة الضيقة التي كانت تعرض بها الألبسة ومختلف الأدوات تستهوي المشتري القسنطيني لأن ما هو قابل للتداول في الأيام الأخيرة أصبح يقتصر على مستلزمات إحياء العرس الكروي، السبت القادم وفقط·· ولأن كل شيء يحمل الألوان الوطنية يفي حتما بالغرض، تعددت في الآونة الأخيرة الأقمصة الرياضية وأشكال الرايات الوطنية التي يلجأ إليها الأنصار لصنع ''الهول'' ومن بين المعروضات نجد ألبسة رياضية كاملة (سروال وتيشارت) تمت خياطتهما على شاكلة العلم الوطني وهي الأكثر طلبا في السوق والإقبال عليها كبير جدا، بالرغم من أن سعر الواحدة منها يتجاوز ال3000 دينار، في حين يتراوح سعر القمصان بين 1000 و2000 دينار، حسب نوعية القماش·· ''حميد'' وهو صاحب محل لبيع الألبسة الرياضية بالجملة، ذكر ل ''الجزائر نيوز'' أنه باع أزيد من 15 ألف قميص وحوالي 5000 لباس رياضي خاصا بالمنتخب الوطني في أقل من أسبوع، بينما أكد أن الرايات الوطنية نفذت قبل 5 أيام من اليوم، وقد باع منها أزيد من 35 ألف بالجملة لبعض الباعة الشباب من أجل إعادة بيعها بالتجزئة في أسواق المدينة، التي تنقلنا إلى بعضها مثل سوق لابريش بوسط المدينة وفيه وجدنا أن السوق مشتعل والأسعار كذلك، حيث أن العرض فاق الطلب، وبموجب ذلك قفز سعر القميص إلى الضعف، أما الرايات الوطنية، فحسب الحجم، حيث يقدر سعر الصغيرة ب 500 دينار، في حين يبلغ سعر الراية الكبيرة (180 مترا) أزيد من 35 ألف دينار، وقد خيط منها، حسب صانعها، 8 رايات بيعت كلها للجان الأحياء التي اشتركت في جمع المال· ''محمد الصالح''، وهو صاحب ''طاولة'' لبيع الألبسة الرياضية الخاصة بالمنتخب الوطني، ذكر أنه قام بشراء سلعة تزيد قيمتها عن 30 مليون سنتيم، وقام ببيع معظمها في أقل من أسبوع، موضحا بأن الطلب على المستلزمات الخاصة ب ''الخضر'' لم يصل قط إلى هذا المستوى، في تاريخ الكرة الجزائرية، وهي المرة الأولى التي يحضر فيها الشعب الجزائري لمباراة رياضية بهذا الحجم·· كراء الشاشات العملاقة وتجهيز وتزيين الأحياء والساحات الكبرى لمشاهدة المباراة جماعيا لأن نكهة المباراة الفاصلة والمحددة للمتأهل إلى جنوب إفريقيا لا تكون إلا والجزائريين مجتمعين، الكثير من الشباب اختاروا وضع الشاشات العملاقة في كل الأحياء بهدف مشاهدة المباراة جماعيا، وتشجيع الفريق الوطني في صف واحد، وبالرغم من أن سعر كراء الشاشة ومكبر الصورة تجاوز ال7000 دينار، إلا أن ذلك لم يمنع أنصار ''الخضر'' من القيام وبجمع المبلغ الضروري المطلوب وهمهم الوحيد في كل ذلك مشاهدة المباراة مجتمعين· وإضافة إلى الشاشات العملاقة، كل أحياء قسنطينة تزينت بالرايات الوطنية وأضحى التنافس كبيرا بين شباب الأحياء من أجل إنجاز أكبر راية وطنية، ويدور الحديث على أن أكبر راية قد تكون تلك التي أخاطها أبناء حي ''مادام روك'' والتي تجاوز طولها 250 متر· هذه بعض أحلام القسنطينيين الخاصة بالمنتخب الوطني في المنام لأن هيستيريا ''موقعة القاهرة'' تجاوزت كل الحدود وتخطت كل ما يخطر على البال بعض سكان قسنطينة، فالحدث لم يفارقهم حتى أثناء خلودهم للنوم، وراح البعض يرى أحلاما بعضها مريح يدعو للطمأنينة والآخر ''يا لطيف'' منها ونتمنى أن لا تتحقق·· ''رقية'' وهي شابة (24 سنة)، ذكرت في حديثنا معها أن الفريق الوطني ومباراة القاهرة لم تفارقها خلال النوم حيث حلمت في أول مرة أن الفريق الوطني انهزم بنتيجة 2-,0 ولعبنا المباراة الفاصلة في منطقة صحراوية خالية تماما، لا يعيش فيها أي كائن، وفيها لعب الفريقان الجزائري والمصري طيلة يوم كامل ولم يتحدد المنهزم من المنتصر، أما حلمها الثاني، فرأت فيه أن قاواوي لعب المباراة بيدين ملطختين بالدماء، في حين كان زياني يركض بملعب القاهرة والجبس في رجله· من جهته الحاج عبد الله، ذكر لنا أنه حلم بأن الجزائر انهزمت بثلاثية، لكنها كانت المتأهل لكأس العام بدل الفريق المصري· أما الشابة ''وردة'' فرأت في منامها أن المدرب سعدان كان جد عطشان في صحراء قاحلة وقبل هلاكه تساقطت الأمطار بغزارة· من جهته، رأى ''فاتح'' أنه دخل مع الفريق الوطني كأساسي وكان يحمل الرقم ··.2 مبادرات مضحكة·· وأخرى تدعو للإستغراب والحيرة كثيرة هي الخرجات الغريبة التي بدرت من أنصار ''الخضرا'' بقسنطينة، وقد تقاطع جميع أصحابها في شيء واحد، هو أن المنتخب الوطني والتأهل للمونديال على حساب الفراعنة لا يقدر بثمن، حتى لو اقتضى الأمر التضحية بالغالي والنفيس·· ومن المبادرات المضحكة، تعهد صاحب حافلة للنقل الحضري بنقل المسافرين مجانا طيلة يوم كامل في حال انتصار أشبال سعدان· من جهته ''عمار'' وهو صاحب مطعم لبيع الحمص، وضع لافتة على باب محله أعلن فيها عن فتح محله للأكل المجاني، يوم الأحد المقبل، في حال تأهل المنتخب الوطني·· وحكايات الشباب القسنطيني حول ''موقعة القاهرة''، فهي متعددة ولكل مبادرة تعهد خاص بتجسيدها، ومنهم من قال أنه سيقضي ليلة المقابلة كلها في الخارج حتى طلوع الفجر، ومنهم من اختار يوم الأحد موعدا لزفافه وذكر للمدعوين أنه في حالة الفوز سيقيم حفلا تشهد له الدنيا، أما في حالة الإقصاء، فسيكتفي بإخراج عروسته من بيت أهلها بمفرده، بدون زغاريد، ولن يقيم وليمة· حفل فني ساهر بوسط المدينة ليلة السبت المقبل يبدو أن ثقة أنصار ''الخضرا'' في فوز فريقنا الوطني لا يشوبها أي شك، بدليل التحضيرات الحثيثة التي باشرها عدد من الشباب الذين أقدموا على كراء أزيد من 10 مكبرات صوت، واختاروا أحسن ''ديسك جوكي'' بالمدينة لإحياء ليلة ما بعد المباراة، وقد أكد لنا أحدهم أن كل الأمور المتعلقة بالحفل تم ضبطها وأنه سيقام في كلتا الحالتين - التأهل أو الإقصاء - الإحتمال الأول وهو معبر عن نفسه، أما الثاني فمن أجل تقديم الشكر للناخب الوطني رابح سعدان وأشباله الأبطال لأنهم قدموا ما عليهم طيلة مشوار التصفيات الذي أكدوا خلاله أنه لا يزال في الجزائر رجال قادرون على حمل مشعل أبطال الثمانينات·· ''أحسن شرفة''·· مبادرة فتحت شهية التنافس بين العائلات لاقت مبادرة السلطات الولائية بقسنطينة الخاصة بتنظيم مسابقة ''أحسن شرفة منزل'' تزين بالعلم الوطني، صدى كبيرا حيث سارعت الكثير من العائلات إلى شراء الرايات الوطنية العملاقة وتعليقها على شرفات منازلها في جو تنافسي مميز، فلا يكاد يخلو أي منزل بالولاية من العلم الوطني، وتوجد عمارات بأكملها تم تغطيتها بالراية الوطنية وأخرى تم طلاؤها بالألوان الثلاثة (الأخضر الأبيض والأحمر)، وهو ما أحدث الإستثناء في ولاية قلّما شهدت أحداثا كالتي تعيشها هذه الأيام· الكلمة لأنصار الخضرا مراد إن شاء الله يا ربي ''للجيري كاليفي''، إنه الدعاء الذي لم يعد يفارق لساني، أعلم أن المباراة جد صعبة والتأهل لن يكون سهلا، إلا أنني متيقن من قدرة زياني ورفقائه على صنع الفارق بملعب القاهرة الذي سندخل عبره التاريخ للمرة الثالثة، ولا أقول هذا لأني جزائري فقط، بل هذا هو المنطق، فنحن نفوق المصريين بفارق في النقاط والأهداف، يضاف لذلك، أن الجزائريين رجال وهذا ما يعرف عنهم، ولن يفرطوا في حقهم المشروع بالوصول إلى المونديال· حميد إني أعيش على الأعصاب، لم أعد آكل ولا أشرب وأترقب فقط موعد ال14 نوفمبر، إنه التاريخ الذي سيُنقش في ذاكرة الجزائريين للأبد، خاصة وأننا سنحقق التأهل إلى المونديال خلاله، وأقول هذا لأن ثقتي كبيرة في الشيخ سعدان وأشباله الأبطال الذين رفعوا رؤوسنا في السماء عاليا، وحتى لو لم يستطيعوا تحقيق التأهل، وهو ما أستبعده، فأنا أكنّ لهم كل الحب والاحترام، لأنهم رجال صنعوا مجد الكرة الجزائرية· كريم أنا متأكد من فوز فريقنا الوطني، لأن الضغط سيكون على المصريين الذين لن يستطيعوا صبرا أمام الآلة الجزائرية التي يقودها البطل كريم زياني، وأنا على يقين بأن الجزائر ستكون حاضرة في مونديال 2010 بجنوب إفريقيا، وهذا ما حلمت به جدتي التي تبلغ من العمر 80 سنة، وإن شاء الله ستكون الأفراح في الجزائر، ومن دون شك ستستمر إلى غاية نهاية السنة، لأن حلم المونديال انتظرناه طويلا، ولن نفرط في الاحتفال بالوصول إليه· مصطفى لا بديل عن الفوز في المباراة القادمة، لأن ما دون ذلك يعني كارثة، نحن لا نريدها أن تقع، فكل الشعب الجزائري على أحر من الجمر لإطلاق العنان للأعراس والليالي الملاح، ومثل هذه المناسبات افتقدناها كثيرا، ولا نريد أن نخسر نشوتها هذه المرة، خاصة ونحن على بعد خطوة واحدة عن المونديال الذي أرى أن النخبة الوطنية تتنافس على كأسه، وتشارك الفرق العظمى في صنع أكبر حدث كروي في العالم· أحمد لحد الآن لم أفكر يوما، ومنذ آخر مباراة للفريق الوطني، إلا في مباراة القاهرة لأني أعرف جيدا أنها ستكون الموعد الحاسم، صدقني أصبحت لا أنام في الليل ولا أتحدث طيلة اليوم، إلا عن المباراة، وما قد تسفر عنه من نتيجتها التي أحس بأنها ستكون لصالحنا، خاصة وأن التشكيلة الوطنية اكتملت، ولم ينفع سحر الفراعنة في إيقافها إن شاء الله يا ربي بلادي في المونديال واجعل أيامنا كلها أفراح·