اتجهت المداخلات والنقاشات التي عرفتها الجامعة الصيفية للحركة الشعبية الجزائرية بمستغانم، حول الربيع العربي، نحو موضوع الإسلاميين أكثر من أي موضوع آخر يتعلق بالربيع العربي. ويبدو الأمر منطقيا من ناحية أن الإسلاميين، والإخوان تحديدا، هم الذين صعدوا إلى الحكم في أولى انتخابات تعددية أعقبت إسقاط ديكتاتوريات مصر وليبيا وتونس. ركز الإعلامي ومدير "الجزائر نيوز"، احميدة عياشي، كثيرا على مسألة "تأويل الإسلام" كعنصر حيوي في تفسير ما يحدث الآن في العالم العربي من صراع. وأكثر من ذلك فإن ذات المتحدث قال إن "الصراع الناجم عن تأويل الإسلام بدأ منذ وفاة الرسول محمد - ص- وأنه مع امتداد هذا الصراع عبر القرون، فقد أصبح - كما قال - غير مفكر فيه. وقال احميدة عياشي حول الربيع العربي: "ما يحدث اليوم هو نهاية مرحلة العرب كدورة، وبداية مرحلة تداعيات تلعب الدول الخليجية دورا كبيرا وفاعلا فيها، على اعتبار أنها هي من قام بتدمير النخب التي كانت موجودة في العالم العربي..". وقال احميدة عياشي أيضا أنه بعد أحداث العالم العربي فإن "تيار الإخوان المسلمين هو الذي انتصر تكتيكيا"، مشيرا إلى وجود تيارين اثنين هما التيار السلفي في السعودية وآخر إسلامي في قطر وبعض الدول الأخرى، حيث عملت هذه الدول على تقويض العالم العربي القديم الذي كان يضم دولا بعينها على غرار الجزائر والسعودية". وتحدث احميدة عياشي عن الإخوان المسلمين بكونهم لهم أسلوبان، أحدهما يعتمد على كونهم لم يقوموا بالثورة ولكنهم "قاموا باحتوائها من أجل أخونة الدولة"، مشيرا إلى أنه "منذ أن ظهر الإسلام فقد كان الخلاف سياسيا أكثر منه دينيا". وعدا هذا الطرح فإن احميدة عياشي أسهب، خلال مداخلته، في تسليط الضوء على الملابسات التاريخية المحيطة بتطورالحركات الإسلامية، ولكن دائما وفق نظرته بخصوص "تأويل الإسلام" كعنصر حيوي في الصراع القائم داخل العالم العربي. وبالنسبة لذات المحاضر فخلال العصر الحديث "بدأ تأويل الإسلام مع محمد عبد الوهاب الذي تحالف مع آل سعود، حيتم إلغاء كل المذاهب الأخرى مع فرض التأويل الوهابي للإسلام". وأكد احميدة عياشي أنه خلال مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي التي عرفت حركات التحرر الوطنية الكبرى في العالم العربي "كانت الناصرية ضد الوهابية، لكن التيار الوهابي عرف ازدهارا مع هزيمة 67 التي انهزم فيها الجيش المصري ومن معه من الجيوش العربية أمام اسرائيل". وتحدث أيضا عن تحالف التيار الوهابي مع "القطبيين"، نسبة إلى المفكر الإخواني الراحل سيد قطب، الذين كانوا يمثلون - حسبه - التيار المتشدد داخل حركة الإخوان المسلمين خلال تلك الفترة تقريبا، وهي الفترة التي "جاء فيها قطبيون متشددون إلى السعودية من أجل الإشراف على التعليم". أما خلال سنة 1979 فقد ظهرت حركة "جهيمان" التي حاولت، وفق احميدة عياشي، الانقلاب على العائلة في المملكة العربية السعودية، فضلا عن انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وأحداث أفغانستان التي "لعب فيها الغرب والمخابرات السعودية دورا، ما أدى إلى ظهور بن لادن". ومن منظور ذات المتدخل فإن هذه الأحداث حدثت خلال الثمانينيات من القرن الماضي، وكان أول انعكاس لها على الجزائر، وذلك من خلال عدة بؤر على غرار "حركة بويعلي" فضلا عما حدث، كانعكاس آخر، في حماة بسوريا. ويعتبر احميدة عياشي أنه خلال هذه الفترة أخفق الإسلاميون في الجزائر، لكن "الإسلاميين الشعبويين عادوا بقوة مع أحداث أكتوبر 1988"، معتبرا أنه عند الحديث عن المسلحين عندنا فلابد من الحديث عن فتاوي السلفيين الجهاديين. اعتبر صهيب ابن الشيخ، الباحث الجامعي والمفتي السابق بمسجد مارسيليا بفرنسا، أن "أول بدعة" ظهرت في العشرينيات من القرن الماضي كانت من خلال ظهور الإسلاميين. وكان ذات المتدخل، المعروف باستماتته في الدفاع عن فصل الدين عن السياسة والدولة، يشير ضمنيا إلى ظهور حركة "الإخوان المسلمون" على يد حسن البنا في تلك الفترة. وقال صهيب بن الشيخ: "لسنا بحاجة إلى فصل الاسلام عن الدولة، فالإسلام ليس كنيسة، وهو مفصول بذاته وليس فيه واسطة بيننا وبين السماء، كما أن الإمام لا يضمن مغفرة المؤمن". وتساءل، في سياق تعبيره عن خيبته من تداعيات الربيع العربي ووصول الاسلاميين إلى الحكم في الدول التي طالها "متى نعود إلى الضمير الفردي؟".كما أكد ذات المتدخل أن "الحداثة هي بالدرجة الأولى سياسية، وهي فصل بين السلط على أساس عدم إقحام رجال الدين في السياسة"، مضيفا بقوله "نحن الآن في مرحلة ما بعد الحداثة، لأن الدولة تفقد سلطتها أمام العولمة كما يحدث في الميدان الاقتصادي". أكد مصطفى شريف، المفكر والوزير السابق، أن "الجزائر تبقى أول دولة كشفت زيف استعمال الدين في السياسة، ولكن بإمكانها تقديم مبادرة من أجل التوازن بين الأصالة والمعاصرة". وأكد ذات المحاضر، الذي اختلف طيلة فترة المداخلات والنقاشات تقريبا مع صهيب بن الشيخ حول مقاربات تتعلق بمكانة الاسلام في الحياة العامة، أن "هناك إسلاما واحدا، وليس لأنه كان هناك وحوش - يقصد الإرهابيين المتشددين - ننسى 15 قرنا من الحضارة والتاريخ الإسلاميين"، مضيفا بقوله أن "الجزائر بإمكانها تأسيس نموذج يجمع بين الحداثة واحترام الذاكرة".