كانت سنة 2011 سنة ''الربيع العربي'' بامتياز، بغض النظر عن التسميات والتأويلات التي يمكن إعطاؤها لها· ولأن الأمر كذلك ارتأت يومية ''الجزائر نيوز'' أن يكون آخر عدد في دفترها ''الأثر'' لهذه السنة بفتح النقاش مع عدد من الباحثين الجامعيين الجزائريين في ندوة قد تجعلنا نخرج من هذه السنة وعندنا صورة واضحة قدر الممكن عما حدث وتداعياته الممتدة إلى السنة المقبلة، أو على الأقل أن نخرج بعلامات الاستفهام الصحيحة التي يجب أن نطرحها حول ما حدث، لعل أهمها، بعد أولى نتائجها: الربيع العربي··ثورة أم مؤامرة؟ أحميدة عياشي (مدير الندوة): نحاول في هذه الندوة دفع النقاش حول ما يحدث في المنطقة العربية، بعد مرور عام على بداية الأحداث في تونس، وربما نبدأ بمحاور أساسية للنقاش تتمثل في النقاط التالية: 1 - ضبط المصطلحات المستخدمة لوصف ما يحدث في العالم العربي، هل هي ''ثورات'' أو بما يمكن وصفها من خلال التعريف الاصطلاحي·؟ 2 - قراءة التطورات التي تحدث في المنطقة بدءً من تونس، مصر، ليبيا، اليمن وصولاً إلى ما يحدث الآن في سوريا وتداعيات تلك الأحداث· 3 - مضمون هذه ''الأحداث/ الثورات''، مقارنة بحركات التحرر الوطني التي عرفتها المنطقة، أو مقارنة بمفهوم الثورات بشكل عام· 4 - التعاطي الغربي مع هذه التطورات الكبرى، نظراً لعلاقاته الممتدة مع الأنظمة المستهدفة من الأحداث، ثم آفاق هذه ''الثورات''، وعلاقتها المستقبلية مع الغرب كمعطى· يمكن أن تشكل هذه المحاور عريضة للنقاش·· ونبدأ بالدكتور محمد هناد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر·· الدكتور محمد هناد (أستاذ العلوم السياسية): منذ بدأت هذه الأحداث الكبيرة في الوطن العربي، وأنا أستخدم مصطلح ''الحراك'' لوصفها، لأن مفردة ''الحراك'' محايدة، إلى حد ما، لوصف ما يحدث، وقد يمكن استخدام مصطلح ''انتفاضة شعبية'' أيضاً، لكن عند استخدام مصطلح ''ثورة'' علينا أن نكون حذرين تجاه الشروط الأساسية لهذا التعريف، أهمها: أن يكون لهذه الثورة قاموس جديد، أي مصطلحات جديدة ودلالات مستجدة لمصطلحات قديمة· ثانيا: لا يمكن الحديث عن الثورة دون مرور مدة كافية من الزمن، تسمح بالحكم على نوعية التغيير الذي طرأ على مستوى الممارسة السياسية والقيم السياسية،أما الآن فمن السابق لأوانه الحكم على مآلات هذا الحراك، لأن باب الانتكاسة لا يزال مشرعاً حتى اللحظة·· ونحن كجزائريين لدينا تجربة مهمة في هذا الجانب، عندما شهدنا انتكاسة حقيقية بعد أحداث .1988 الأمر الآخر الذي يجب التركيز عليه هو حقيقة أن ''إسقاط الوثن أسهل بكثير من إسقاط الوثنية''، وهو ما نشهده الآن في هذه الدول التي شهدت الأحداث، حيث تم إسقاط رؤوس الأنظمة لكن هناك قيم كامنة توغلت في المجتمعات من الصعوبة القضاء عليها بسهولة، حيث أن النظام السلطوي في الدولة مستمد من النظام السلطوي على مستوى العائلة والعشيرة·· الدكتور زبير عروس (أستاذ علم الاجتماع): أعتقد أننا أمام حالة عجز تام عن فهم وتفسير ما يحدث، وذلك ناتج عن عجز الميكانيزمات المكتسبة التي ظللنا نعتمد عليها في تحليل الظواهر·· شخصياً أتفق مع تعريف الدكتور هناد، ووصفه للحالة ب ''الحراك''، وأضيف أنه حراك أفقي، يمتد وينتقل من دولة عربية إلى أخرى لكنه ليس بالحراك العمودي، والهدف من هذا الحراك، في اعتقادي، أنه موجه بشكل أساسي ضد ما يسمى ب ''المصائب السبع'' في الوطن العربي، التي تتمثل في ''الفساد، قمع الحريات، الديكتاتورية·· إلخ''، لكن هذا الحراك لم يذهب في الاتجاه العمودي لمساءلة ثقافة المجتمع التي أنتجت الأنظمة المستبدة في حد ذاتها·· وأعتقد أن الباحث الأكاديمي الآن في حيرة لتفسير هذا الحراك، لأن الميكانيزمات المكتسبة من القرن الثامن عشر، والتي طبقت في الستينيات والسبعينيات في المنطقة العربية، لم تعد صالحة على الإطلاق لفهم ما يحدث اليوم· في مسألة ضبط مصطلح ''الثورة'' تعني أن توجهها عام ومطلبها للتغيير أعمق من تغيير الأنظمة أو رؤوسها، وهي أكثر امتدادا من حيث الزمن، لذلك نستطيع من خلال هذه المداخلات إطلاق مجموعة من العبارات (ولا أقول المفاهيم لأنها غير مدققة علميا)، وبالتالي أستطيع أن أسميها ب ''ثوران شعبي'' على جملة الظروف الاقتصادية والاجتماعية·· كما يمكن وصفها بالانتفاضة، لكن من الصعوبة بما كان وصفها ب ''الثورة''، وهذا ليس انتقاصاً على الإطلاق· ثانيا: عندما نتحدث عن ''الحراك الشعبي/ الثوران القائم'' في المنطقة العربية، لا بد من البحث عن القوى الاجتماعية التي قامت بهذا الحراك، ما هي طبيعتها؟ ما هي ملامحها السوسيولوجية؟ هل هي صاحبة مشاريع اجتماعية أم هي حالة من النزوات الرافضة للوضع القائم فقط؟ الدكتور ناصر جابي (أستاذ علم الاجتماع): في اعتقادي هناك فكرة أصبحت تروج في الأيام الأخيرة، تركز على التأكيد على أن ما حصل ليس ''ثورة''، أي أنها فكرة قائمة على النفي·· وربما هناك بعض الجوانب الموضوعية التي ينبغي دراستها في هذا الطرح، خاصة وأن هناك عجزاً واضحاً فيما كان يسمى ''علم الثورة''، حيث أننا أمام ثورات دون قيادة، دون برامج تقريباً ودون عقيدة، كما لم نلاحظ أيضا دوراً كبيراً للطبقات الشعبية التي يفترض، وفق علم الثورة، أن تكون خلف هذا التغيير، أي أنه ليس هناك فئات عمالية واسعة·· إلخ، مما يعني أننا أمام ثورات من نوع خاص، وإن كنت شخصيا أستخدم مصطلح ''الحراك النوعي'' بدل ''الثورة''· الفكرة الثانية التي راجت أيضاً، تعتمد على نوع من الاستشراق وتتمثل في أن العرب عاجزون عن القيام بأي ثورة، فقط يمكنهم القيام بتمردات، انتفاضات وهبات محدودة، لكنهم لا يمكن أن يقوموا بثورة حقيقية، وأن هذه الأخيرة (الثورة) هي من اختصاص مجتمعات محددة، كأوروبا الشرقية، أمريكا اللاتينية أو أوروبا قديما·· ويبدو لي أن هذه الفكرة أصبحت رائجة بقوة، وأصبح هناك جهد قوي ودائم للبحث عن الشروط القديمة للثورات، غير المتوفرة في الحالة الآنية، بدلا من بحث خصائص هذا الحراك·· لذلك أصبح البحث مرتبطا بالقول (أين القيادة، أو القائد، ما هو البرنامج ما هي الفئة الاجتماعية، الطبقية·· إلخ)، وبالتالي يمكن الوصول بيسر إلى أن هذا الحراك لا يعبر عن ثورة حقيقية· وشخصياً أعتقد أن هناك ضرورة ملحة للاحتياط من هذا الجانب، لأن هذه الفكرة أساساً ناتجة عن نظرة استشراقية، وعوض ذلك، في رأيي، ينبغي الاهتمام بما يحدث فعلاً في الواقع، خاصة ما يتعلق منه بانكسار ما يسمى ب ''الاستثناء العربي''، خصوصا وأن الحراك العربي جاء بعدما حدث في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وبعض التغييرات التي حدثت في إفريقيا جنوب الصحراء، آسيا·· وغيرها، وبالتالي نحن في مرحلة متأخرة من الحراك العالمي ككل· الأمر الثالث الذي ينبغي ملاحظته لدى دراسة الحراك العربي، هو أننا أمام حراك عربي مشترك وخصوصيات مختلفة لكل حالة، فما ينطبق على تونس لا ينطبق بالضرورة على مصر، وبالتالي فإن الآليات أيضا مختلفة ومتعددة· وتبدو واضحاً هشاشة الطرح الذي كان يروج لأن الأنظمة العربية قامت بنجاحات في الجانب الاقتصادي وأنها مدعومة غربياً·· ففي الحالة المصرية كان يقال أن هذا النظام غير قادر على التغيير لأن هناك استراتيجية إقليمية ودولية تتجاوزه وهو محكوم بها·· ورغم كل تلك التركة النظرية الثقيلة، إلا أن الأنظمة سقطت كما في تونس ومصر مثلاً، وبدأت مرحلة جديدة أصبح فيها المجتمع يعبر عن نفسه بعد عقود من الحرمان، ورغم ذلك نقول أننا لازلنا في بداية الحراك، وهذا طبيعي، فإذا ما قارنا ما حدث في أوروبا مثلا، فإن الثورات أخذت قرونا وعرفت انتكاسات كثيرة·· وبالتالي فإن إصدار الأحكام الآن سابق لأوانه، لأننا أمام الذكرى الأولى لانطلاق الحراك·· ورغم ذلك يجب التأكيد على أن هناك تحولات مهمة وملحوظة على المستوى السياسي، من خلال القضاء على الأنظمة القديمة (أو رؤوسها على الأقل) والقضاء على مؤسسات الأنظمة القديمة، الحزب الوطني في مصر ومخابرات أمن الدولة·· وغيرها، والحزب الدستوري والبوليس السياسي في تونس·· إلخ· لكن السؤال الذي يجب طرحه الآن هو: متى سيصل هذا الحراك إلى المجال الاقتصادي والاجتماعي·· وهل ستستفيد منه الفئات التي قامت بالحراك (الفئات الوسطى الحضرية المدنية) أم سيصل إلى الريف والمعمل·· إلخ، هذا يحتاج إلى وقت كاف للحكم عليه· وأظن أن ما يسمى بالردة أو الانتكاسة (أو الثورة المضادة) تأتي من هذه الزاوية، ففي حالة عدم وصول هذا التغيير السياسي إلى موقع يمس من خلاله المجالين الاقتصادي والاجتماعي للفئات الدنيا في المجتمع فإن الردة ممكنة، ومن الجائز أن تعود من خلال خلق أجواء اللااستقرار أو تعفين الوضع الاجتماعي والاقتصادي، أو من خلف رداء الجماعات المذهبية والدينية أو غيرها·· الدكتور عمر لارجان (أستاذ علم الاجتماع): نقف اليوم في نهاية هذا العام ,2011 لنكتشف أنها سنة ثرية من حيث الأحداث التي عرفها العالم، وشخصيا لازلت مقتنعا بالوصف الذي سبق وأن قلته في مارس الماضي من أن الوطن العربي يعيش منعرجا تاريخيا، يتمثل في المرحلة الثالثة من التطور، بعد انتهاء الزمن الناصري والساداتي· وأعتقد أنه من خلال الحركة الحالية للأحداث التي تعرفها الدول العربية، والقوى الاجتماعية التي تقف خلفها، نكتشف أن هناك قوى خارجية لها دور بارز، وبالتالي يصعب التنبؤ بمآلات هذا الحراك ومستقبله، ولا يمكن تصور شكل المستقبل القادم·· ثم يجب التساؤل حول مسببات هذه الأحداث، التي يعتقد البعض أنها حراك جديد، متصوراً أن المشهد في هذه الدول كان يتصف بالجمود، وهذا في رأيي غير صحيح، فإذا أخذنا بعين الاعتبار النموذجين التونسي والمصري، فإن البلدين كان يتمتعان بحركية مشهودة، ففي تونس كان هناك حراك في الجنوب عند عمال مناجم قفصة مثلاً، وفي مصر حركات مثل ''كفاية''، بينما النظامان كانا مدعومين من الخارج من أجل مواجهة الخطر الإسلامي، وكان هناك نوع من الصراع والتعفن على المستوى الاجتماعي، لكن السؤال في رأيي، كيف تحولت كل هذه التحركات إلى ''حراك وطني واسع''؟ والأسباب المباشرة وغير المباشرة في بروز هذه الأحداث بالشكل الذي بدت به؟ وكيف تدفقت الجماهير بهذا الحجم الكبير الذي شهدناه في تونس ثم بشكل أكبر في مصر؟ ثم لماذا توقفت آلة القمع التي اعتمدت عليها هذه الأنظمة؟ معلوماتي تقول أن ''أمر إيقاف'' قمع هذه التظاهرات آت من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية مباشرة إلى جيشي كل من مصر وتونس، وهذا القرار كان مهما وأساسيا في تطور هذا الحراك·· وفي هذا الجانب لدي فرضيات كثيرة لتفسير الأوضاع·· إذا ما حاولنا فهم دور التدخل الخارجي، فأعتقد أنه يتجاوز نسبة 70 إلى 80 بالمائة، ويتبقى لدينا حوالي 20 % للدور والأسباب الداخلية·· ومهما كانت الأسباب المحركة لهذه الأدوار الخارجية والداخلية، فإن تلك الحقبة انتهت ونحن الآن في زمن جديد· وإذا ما نظرنا إلى المشهد ككل، ففي اعتقادي الأهم هو ما حدث في ليبيا، حيث يبدو العامل الخارجي أكثر وضوحاً، وأعتقد أننا إذا ما عدنا قليلا إلى العام 2010 وحاولنا الربط بين العوامل، سنجد أن السبب الأساسي لكل هذا الحراك هو الحالة الليبية، ومصر وتونس تعتبر أسباب جانبية لتأمين الحدود على الضفتين الشرقيةوالغربية لليبيا، لتسريب الفرق المسلحة التي لعبت دوراً في الحرب الأخيرة بليبيا·· وهذا عائد لموقع ليبيا وتمتعها بمصادر الطاقة (البترول)، وأن دخول القوى الغربية وتجذرها في ليبيا يعني السيطرة على منطقة شمال إفريقيا، هذه إحدى الفرضيات وقد تكون هناك فرضيات أخرى· ومهما كانت الأسباب فإن دخول الميديا بتلك القوة، ودخول الشباب في هذه العملية بشعارات كبيرة وبروح قوية، يؤكد محاولة الدخول لما أسميته بالمرحلة الثالثة في تاريخ المنطقة العربية· أحميدة عياشي (مدير الندوة): لديّ تساؤلات لدفع النقاش أكثر حول مداخلة الأستاذ ''لارجان''، تتعلق بماهية المرحلة الثالثة مضمونها والمحتوى الثقافي لهذا الزمن الثالث؟ الدكتور عمر لارجان (أستاذ علم الاجتماع): للإجابة على هذا السؤال ينبغي العودة إلى تزامن هذه الأحداث وما يحدث في الغرب، التي دخلت مرحلة تاريخية جديدة منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، المتمثلة في الإستراتيجية الهجومية للولايات المتحدةالأمريكية، أي إستراتيجية المحافظين الجدد (منذ عهد تاتشر - ريغان) ولم تتوقف هذه الاستراتيجية حتى في بداية التسعينيات رغم انهيار المعسكر الإشتراكي، الذي كان يمثل لبعض المحللين نهاية الصراع والدخول نحو عالم جديد يسوده الاستقرار والهدوء على المستوى الدولي، الذي سيتميز بأحادية قطبية، والنظريات التي أسست لهذا التوجه من قبيل ''نظرية نهاية التاريخ'' لفرنسيس فوكايما وغيرها من النظريات، إلا أننا نكتشف من جديد استمرار هذه الاستراتيجية من خلال الهجوم على العراق وأفغانستان·· وغيرها، ماذا يعني ذلك؟ وما علاقة التزامن القائم بين تلك الحروب والأحداث الجارية الآن في المنطقة العربية؟ وما مصير هذه المنطقة وفق هذه الاستراتيجية الهجومية، وما مصير العالم في ظل هذا الوضع الدولي؟ وما علاقة ذلك بما يسمى بالنازية الجديدة والعنصرية التي تشهدها بلدان أوروبا مجدداً، والتحضير القائم لحروب عالمية جديدة، خاصة في الحالة السورية التي تتميز بالتعقيد، حيث يحاذيها كل من فلسطين والعراق ولبنان من جهة، ومن خلف الموقف السوري تقف إيران وكذلك روسيا والصين، وكأننا ذاهبون إلى حرب عالمية جديدة في ظل أزمة اقتصادية ومالية خانقة تشهدها دول أوروبا وأمريكا، وهي في اعتقادي أقوى من الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم في العشرينيات·· إذن هذا التزامن يجعلنا نتساءل· أحميدة عياشي (مدير الندوة): ذكر الأستاذ لارجان أن نسبة 80% من الأحداث تحركها قوى خارجية، وهذا يجعلنا نسقط في ما يسمى بنظرية المؤامرة·· الدكتور عمر لارجان (أستاذ علم الاجتماع): لا ليست نظرية المؤامرة، بل أقول تنفيذ خطة استراتيجية خارجية· أحميدة عياشي (مدير الندوة): جيد، دعنا ندفع النقاش إلى الأمام، أنت تتحدث عن ثلاثة أزمنة، الزمن الناصري، الساداتي، ثم الزمن الجديد الذي بدأ يتشكل، في اعتقادي الزمن الساداتي كان نتيجة موضوعية للزمن الناصري، ثم الزمن المباركي الذي تميز بديكتاتورية مسنودة من الخارج، وكذلك تونس، في ليبيا كان هناك دور للخارج في الإطاحة بالقذافي، الآن نحن في الزمن الثالث، كما تسميه، لكن نريد أن نعرف ماهية هذا الزمن؟ الدكتور زبير لعروس (أستاذ علم الاجتماع): أعتقد أننا قفزنا بعيدا بالنقاش، وأصبحنا نناقش العوامل الخارجية، أعتقد أننا بحاجة إلى مناقشة وتحليل نقاط مهمة قبل ذلك، عموماً أريد التحدث عما يسمى ب ''الاستثناء العربي''، وهو في اعتقادي ناتج عن رؤية تحليلية فقدت معناها، لأن المجتمعات العربية لم تكن يوماً من الأيام جامدة، فإذا أخذنا نماذج مثل تونس ومصر والجزائر، فهي شهدت حركات قوية منذ بداية السبعينيات، هناك ثورة الخبز والكرامة··· وغيرها من الانتفاضات، في مصر هناك انتفاضات كبرى في عهد السادات، كذلك في عهد مبارك الذي كان يشهد ما يساوي 2900 حراك في السنة، سواء على المستوى العمالي أو المطلبي، كانت تأخذ طابعا محلياً، لذلك هذه المجتمعات كانت دائما تتميز بالحراك، لذلك عبارة الاستثناء العربي تكتسي خطورة في التحليل·· بل يمكن القول، في الوقت الذي كنا فيه في السابق نناقش الضرورة الديمقراطية للوطن العربي، الآن أصبحنا نتساءل هل الوطن العربي يستحق الديمقراطية وينجح في تطبيقها؟ أعتقد أن هذه الدول التي عرفت الحراك لم تتخلص من عهود الأنظمة، بل نجحت في القضاء على روؤس الأنظمة فقط، التي انتهت بحكم انتهاء منطق الاستراتيجية الخارجية·· أي مهمة كل من مبارك وبن علي وحتى القذافي انتهت، لأنهم لم يعودوا قادرين على تطبيق منطق الاستراتيجيات الكبرى التي تحدثنا عنها·· مشكل هذا الحراك أنه أدى إلى تفعيل القيم التقليدية، حيث ظهرت قيم القبيلة، خاصة في الحالة الليبية، التي أضحت متحكمة في صيرورة الحركة، وكذلك إلى حد ما في تونس، وأدى الحراك إلى بروز قوة التراجع، مثلا بروز الحركات الإسلامية في مصر، وأظن أنه من الخطأ الاعتقاد أن هذه القوى ستحكم، بل ستأخذ شأن تسيير الحكومة فقط، هنا يمكن أن نستحضر الحالة المغربية مع حزب العدالة والتنمية المغربي، الذي استلم شأن تسيير أمور هو غير قادر على تسييرها· أما الشأن الديني أو القيمي الذي يميز برامج هذه الأحزاب، فهي لن تساهم في تغيير الحالة السياسية لصالح هذه القيم·· هناك أيضا نموذج ''العريضة الشعبية'' في تونس، التي فازت بمنطق قبلي عشائري وبخطاب ديماغوجي، فهي تمثل عملية تراجع عن منطق الثورة· وبالتالي أعتقد أن الإسلاميين لم يفوزوا بالمنطق الذي كان سائدا إبان فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بل فازت قوى جديدة تخاطب بمنطق إيديولوجي إسلامي لأسباب انتخابية، لكن في الحقيقة هي حركة تدخل في إطار تسكين حالة المجتمع ككل، وهي غير قادرة، على الإطلاق، على فرض منطقها الذي ظلت تبشر به في التسعينيات وبداية الألفين· الأستاذ احميدة عياشي (مدير الندوة): وهل هذا ينسحب على الحالة المصرية؟ الدكتور زبير عروس (أستاذ علم الاجتماع): بل هي الحالة الأبرز في هذا الشأن، حيث برزت في الانتخابات الأخيرة الحركة السلفية بشكل واضح، وهي الحركة التي ظلت تكفر كل أدوات التغيير وترفض الحزبية والمشاركة في الحكم، الآن أصبحت تتبنى خطاباً مغايراً، وتؤيد وسائل التغيير التنظيمية وحتى التقنية، إذا أخذنا الانتخابات كأداة تقنية وليست حالة معيارية· بل أصبحت هذه الحركة تخدم المصالح الغربية وتضمنها أكثر من غيرها من الأحزاب والحركات السياسية، وخير دليل على ذلك تصريح الناطق باسم حزب النور السلفي، الذي نص على أن حركته غير معنية بإدخال البلاد في حروب وأنها لا تفكر في مراجعة الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل كمعاهدة كامب ديفيد، ما يعني أن المنطق السلفي بالشكل القديم لم يعد قائما، وأصبحت هذه الحركة مرتبطة بالمفهوم القومي للحركات السياسية أو ما يسمى بالوطنية الضيقة ''المغلقة''· وبالتالي يمكن الاستنتاج أن هذا الحراك الشعبي الذي يسود الوطن العربي، في عمومه، لا يمكن أن يذهب بعملية التغيير إلى أبعد مدى· نقطة أخرى أشار إليها الدكتور ناصر، تتعلق بالانتكاسة أو الردة· بالفعل، الانتكاسة قائمة وممكنة، لنأخذ الحالة السورية مثالاً، في اعتقادي أن ما يجري في سوريا الآن، بالرغم من منطقية وشرعية الحراك الشعبي، إلا أنه سيؤدي إلى ردة حقيقية على مكسب ''العيش المشترك''، الذي كان يقوم عليه المجتمع السوري، القائم على قبول الآخر، أي أننا أمام حالة يمكن أن تتحوّل إلى حالة طائفية، لذلك لا نفرط في التفاؤل، لكن ننتظر ما ستؤول إليه الأحداث، لأن المسألة لا تزال جارية وغير متوقفة واتجاهاتها تسير بتسارع كبير·· بالنسبة للحالة الليبية، هناك حالة من حالات فبركة الحدث، وما حدث في بنغازي غير بعيد عن ذلك، فلا يعقل أنه بين ليلة وضحاها يصبح الحلف الأطلسي مستعدا بعدته وعتاده للتدخل في ليبيا إذا لم يكن هناك خطة مسبقة، على الأقل على المستوى اللوجستيكي، الآن الحالة الليبية تمثل تكسير لكل قواعد وشذوذ الانتشار·· لذلك لا أقول إلا ''الله يستر''· الدكتور محمد هناد (أستاذ العلوم السياسية): شخصيا، لست متفقا مع هذه النظرة التشاؤمية في قراءة الأحداث، فمهما كانت الأسباب فإن هذا الحراك حتما سيقود إلى تغيير ما، وإلى شيء جديد·· ومن الطبيعي أن يكون هناك انتكاسات على مستويات مختلفة، وهذا أمر مفهوم· أريد أن أشير إلى بعض النقاط التي أثارها الأستاذ عمر لارجان، الذي ذكر أن هناك تحركات سبقت في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية··· وغيرها، بالطبع العالم العربي ليس استثناء في هذا الحراك العالمي، بل هو جزء منه· وفي رأيي، ميزة الحراك الحالي في العالم العربي أن ''الحركية'' انتقلت من منطق مطالبة الأنظمة بإجراء إصلاحات ضرورية داخلها إلى مطلب إسقاط هذه الأنظمة واجتثاثها، وهي نقلة نوعية، بعد أن ظل الكل يعتقد أن اليأس قد أصاب الشعوب العربية، لنكتشف أن الإصلاحات بالنسبة لهذه الشعوب تبدأ بزوال الأنظمة، وبالتالي فحتى على مستوى التصور وقع نوع من النقلة المهمة·· وما ينبغي التساؤل حوله الآن، هو ما الذي عجل بسقوط هذه الأنظمة بعد عقود من الحكم؟ الإجابة بسيطة جدا، وتتمثل في عدة نقاط· أولها: طول مدة حكم هذه الأنظمة، التي سادت لعقود طويلة وأضحى هناك مطلب شعبي لزوالها· ثانيا: تردي الأوضاع وانتشار الفساد بشكل كبير· ثالثا: تزايد الدور العائلي للأنظمة السلطوية ومشاريع التوريث· رابعا: تضعضع شرعية الأنظمة وضعفها أمام الخارج والداخل، وافتقادها للدور القيادي وعجزها عن تمثيل القدوة· النقطة الأخرى التي تم الحديث عنها، هي أن هذه الثورات ليس لها قيادة وبرامج وعقيدة، لكن هذا لا يمنع أنها حاملة لقيم عامة، ولشعارات مشتركة قد تتكفل بصياغتها لاحقا النخب· وكما قال الدكتور ناصر، إن النظريات المفسرة في ''علم الثورات'' فشلت في تحليل هذا الحراك، وهذا أمر هام جدا· قد نطرح هنا سؤال آخر يتعلق بالشعارات نفسها التي كانت مدنية، بينما أفضت الاستحقاقات الانتخابية إلى تصويت إسلامي·· وهذا في اعتقادي عائد إلى التعبئة الإسلامية القائمة على أخلقة الحياة العامة، وبالنسبة للفرد البسيط (وهو يمثل الكتلة التصويتية الكبرى) لا يمكن أن يحقق هذه الأخلقة إلا الإسلامي، باعتبار أن الشريعة أو الفكر الديني هو أسمى صور الأنظمة التي تحقق العدالة، بالنسبة له· كما أن هؤلاء المصوتين يريدون تغييرا محلي المنشأ بعد أن جربوا الاشتراكية وغيرها من النماذج ذات المنشأ الخارجي، وفق تصور المجتمعات المتدينة أو التي أسميها ب ''الخرافية''· أما فيما يتعلق بالنقاش الدائر حول العامل الخارجي، فأنا لم أقتنع يوما أنه حاسم بشكل واضح، لأنني أعتقد أن أي مجتمع هو عبارة عن ''جسم اجتماعي''، وهو مثل الجسم الحي الذي يملك نظاما دفاعيا داخليا، يواجه به العامل الخارجي، متمتع بالمناعة الداخلية، أما إذا كان الجسم في حد ذاته ضعيفاً فيمكن لأي مكروب القضاء عليه· نقطة أخرى أثارت انتباهي حول هذا الجانب، ففي الوقت الذي نتفق فيه أن الأنظمة الفاسدة كانت مسنودة من الخارج وفاقدة للشرعية، نأتي لندعي أن الثورات أتت بدفع من الخارج، هناك نوع من التناقض الواضح في هذا الطرح· وحتى لا نهول العامل الخارجي كثيراً، في رأيي، أن الغرب له ملاك وشيطان وبشر، وهو يبحث عن مصالحه، وهذا منطقي، السؤال الذي يجب طرحه هنا: حول طبيعة العلاقة التي يمكن أن تنشأ بين الدول العربية والغرب؟ بل يمكن أن أذهب إلى أبعد من ذلك وأقول إن التغيير في العالم العربي بحاجة إلى مساعدة الغرب، فقط ينبغي أن نكون أذكياء في الاستفادة من هذه المساعدة· زبير عروس (أستاذ علم الاجتماع): دعونا نؤكد شيئاً، أولا: أن هذا الحراك كشف عن وحدة وجدانية للعالم العربي· ثانياً: بالنسبة للغرب، صحيح أن الغرب يدافع عن مصالحه وهذا منطقي، لكن لا يمكن أن ننكر أن الغرب كان له دور كبير في رعاية مسار هذا الحراك وفق خطة ثلاثية محددة، تتمثل في أن هذا التغيير يجب أن يذهب لخدمة المصالح الغربية، سيما في ظل الأزمة الكبرى التي تمر بها الدول الغربية· المصلحة الثانية هي حماية القاعدة الإستراتيجية للغرب المتمثلة في إسرائيل· ثالثاً: خطة الغرب غير متساوية في تعاطيها مع الدول العربية، فهناك دول ذات مكانة استراتيجية وأخرى تحتل موقع العامل المساعد في نفاد هذه الخطة الإستراتيجية، وهذا أمر موضوعي بعيدا عما يسمى بنظرية المؤامرة· أحميدة عياشي (مدير الندوة): ذكرت في مداخلتك السابقة أن هناك عناصر للردة، تتمثل في بروز الإسلاميين بما يمثلونه من قوة تراجع، ثم تذكر أن الإسلاميين كحزب النور السلفي في مصر وحزب العدالة في المغرب قابلين بشروط اللعبة، ومنفتحون تجاه الغرب وتجاه المعاهدات التي وقعت في عهود الديكتاتورية، ألا ترى بأن هناك نوعا من التناقض في هذا الطرح؟ الدكتور زبير عروس (أستاذ علم الاجتماع): لا إطلاقا، ليس هناك أي تناقض، فالغرب لا تهمه حالة المجتمعات العربية أو تراجعها على المستوى الداخلي، كل ما يهم الغرب هو أن يحافظ الإسلاميون على مصالحه الاقتصادية، فالحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة هي المملكة السعودية، وتعرفون موقف أمريكا من الحراك المتواضع في المنطقة الشرقية بالسعودية، كذلك موقفه بالنسبة للحالة البحرينية أيضا، لأنه لا يهمهم تسيير الدول العربية بمنطق قيمي أو لا، كل ما يهمهم هو وجود قوى سياسية على رأس الدولة تحمي مصالحهم الاقتصادية· عمر لارجان (أستاذ علم الاجتماع): ما هو الوعي؟ هذه من الأشياء التي يجب ملاحظتها عند الشباب، فالوجدان العربي دخل إلى البيت والأجيال السابقة كانت تعرف المعنى الحقيقي للوحدة العربية ونأخذ مثالا عن الجزائر ومصر.. ''الشعب يريد'' من الأشياء الجديدة، وعلينا أن نفهم ونبحث كيف سيترجم الشباب العربي كل هذه الأحداث وكيف يستوعبها؟ هذا عن الجانب الإيديولوجي. أما عن العامل الخارجي، فمن وجهة نظري أنه لا توجد دولة لا تخدم مصالحها، وإلا فإنها ليست دولة. الجزائر قامت بثورة حقيقية لكن لم نحفظ درسها، وهي الثورة الوحيدة في الدول العربية التي جاءت بعد ,45 فالدول التي لها تاريخ حقيقي هي مصر، الجزائر، تونس والمغرب، والباقون جاءوا بانقلابات. إلى حد الآن الثورة الحقيقية للتحرير هي ثورة الجزائر، ولهذا كان ولا زال ينظر إلينا كنموذج، ومن هنا كيف سنحافظ على استقلالنا؟ وهذا هو الرهان.. الغرب لم يساعد أي بلد في بناء الديمقراطية، إلا اليابان وألمانيا اللتان فرض عليهما دستورا بعد انهيار العالم الاشتراكي، ويجب الخروج من خطاب الميديا.. البلد الوحيد الذي أراد بناء الديمقراطية، هو الشيلي لكن تم تحطيمها.. أما البرازيل فديمقراطية التروتسكية، أما القاعدة فبرجوزاية، في فنزويلا الجيش، الأرجنتين أكلتهم العصرنة، وفهموا أن تطورهم لن يكون إلا على حساب الآخرين.. فأين البلد الذي ساعدته فرنسا أو بريطانيا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية على إقامة الديمقراطية، ولا نتحدث عن الهند، لأن ديمقراطية الهند خرافة.. الديمقراطية تسير مع الديمقراطية الداخلية للشعب، لأن الشعب عندما تكون لديه مؤسسات، حتما سيدافع عن بلده وعن يمقراطيته. محمد هناد (أستاذ العلوم السياسية): لكننا أمام أنظمة فاسدة عمر لارجان (أستاذ علم الاجتماع): أنا لا أتحدث عن الأنظمة بل التاريخ، وبالتالي لا يوجد آمان في الغرب، لأنه في أزمة كبيرة وتدهور تاريخي، أمام صعود آسيا وعلى رأسها الصين. اليوم لما نقرأ لفلاسفة الغرب، نجدهم ينتقدون العالمية ويمكن أن يتراجعوا عنها. اقتصاديا انهار الغرب، فالصين هي التي تطعم الولاياتالمتحدةالأمريكية اليوم، والشيء الوحيد الذي يتجاوزنا به العالم هو السلاح، وإذا لم يستعملوه فتدهورهم يزيد سرعة. وبالتالي خطتهم أن تكون آبار البترول من أفغانستان إلى ليبيا، تحت سيطرتهم مقابل فشلهم في العراق. الغرب أنشأ قواعد عسكرية في كل العالم، وهذا ما يبرر صحة هذا الكلام، فهم يريدون حكم العالم بالسلاح، وبالتالي هذا الجانب لا يجب إهماله في نقاش من هذا النوع. وهذا لا يمنع من أن الحراك الداخلي في الأوطان العربية، موجود باستمرار، وقد يقول قائل إن الأنظمة فاسدة. مثلا بالولاياتالمتحدةالأمريكية، هناك دولة، هناك انتخابات، وفي 50 سنة عرفنا 8 رؤساء، ولكن هوفر هو الذي بقي يحكم في مصالح الأمن، وبالتالي هنا من كان يحكم روزفلت، كينيدي أم هوفر الذي بقي أكثر من 50 سنة في منصبه، يصنع رؤساء الولاياتالمتحدة، والدولة من هذا المنطلق تتطلب الاستمرارية.. لماذا الجيش يحكم الجزائر منذ الاستقلال؟ لأنه ليس هناك قوى منافسة، ليس هناك طبقة برجوازية، في تونس استطاعوا خلق طبقة برجوازية، فالحبيب بورقيبة كان يعبّر عن تلك الطبقة، وتكوّنت نخبة خير الدين في مدرسة الصادقية، وهذه البرجوازية ستستمر في تونس رغم مجيء الغنوشي. محمد هناد (أستاذ العلوم السياسية): لقد طرحت كثيرا قضية الحراك الشعبي الدائر في البلدان العربية القائم دون قيادات، لكنه أخرج قيادات سماها القوة المستعصية وشباب رافعين خطابا عقلانيا وحداثيا. الديمقراطية أصبحت مصطلح منفر لا يدل على محتواه المعتمد في الغرب، حاليا، مفهوم الديمقراطية في الغرب يختلف في ممارسته السياسية والثقافية.. ومفهومه بالنسبة للمنطقة العربية يختلف عن ذلك تماما، يريدون ديمقراطية تقنية تقوم على حسن التسيير وحسن السلوك، في تسيير الشأن العام وليس الديمقراطية بمفهومها الحضاري والفعلي، لا تهمهم المساواة وحرية الأفراد، بل يسمونها تحت عنوان كبير ''الحكم الراشد''.. ناصر جابي (أستاذ علم الاجتماع): حتى نبقى في هذا النقاش، الفكرة الاستشراقية التي تقول ''العرب لا يستطيعون'' لها تكملة.. هي أن العرب إذا قاموا بثورة، فمن المؤكد هم محرّكون، ما هو حاصل في العالم العربي، يجعلنا نجد أنفسنا أمام حالات كثيرة، وأنا لم أكن من أنصار المبالغة في أن العامل الخارجي محرك للثورات، إلى درجة تتصور فيها الشعوب ثانوية والمجتمعات متشابهة، وبالتالي القذافي كان ممكنا أن يلقى حتفه في الثمانينيات أو السبعينيات أو في 2011 أو لا فرق.. وإذا كان المنطق كذلك، فلماذا الغرب لم يصف القذافي في مواجهته معه في العام 86 وبعد حادثة لوكربي.. لماذا اليوم بالتحديد؟ فالمبالغة في منح الشعوب صفة التحرك بإذن من الخارج ليست حقيقة، وتصعب عملية التحليل وستخلط الأمور، بدليل أن أحدهم عاد إلى مخطط سايكسبيكو لشرح ما يحدث في المنطقة العربية، ومنهم من عاد إلى انهيار حائط برلين كمرجعية للأحداث، وبالتالي هذا التفسير يلغي التاريخ، وكأن الأنظمة والمجتمعات لا تتغير ولا تتحرك، بهذه الطريقة سنضيّع بوصلة التحليل ونصبح كأننا في مجتمعات افتراضية قد يحصل فيها كل شيء، ونقع في تناقض مع ما كنا نقول، إذ لا ننسى أننا سمعنا تحليلات تقول إن الغرب هو من يدعم مبارك... ليبيا كلنا نعرف أن تحاليل الغرب كانت تقول إنها دولة غير مهمة، لا جغرافيا ولا ديمغرافيا ولا نظام حكم.. إلى درجة أننا لم نعد نتحدث عنها، حتى أنها كانت مهملة من طرف الباحثين ومراكز البحث في الغرب تماما، إلى درجة أنه لا توجد اليوم دراسة جدية حول ليبيا، فلا نعرف حتى من هؤلاء الذين يحكمون ليبيا اليوم.. من هذا الصلابي؟ جبريل اكتشفنا أن له مؤسسات؟ حكايات.. وحكايات وكأننا في غموض كبير جدا.. وبالتالي إذا بالغنا في منح العامل الخارجي كل هذه القوة لا نراعي ما هو موجود على مستوى هذه المجتمعات. الحركات مختلفة، فما حصل في المغرب وسوريا وليبيا يعكس خصوصيات المجتمعات، القبيلة واقع في ليبيا، وستبقى الظاهرة القبلية في تونس وجودها أقل، في الجنوب فقط، في مصر موجودة، في المغرب موجودة، في الجزائر موجودة ولكن قد تكون ضعيفة. يعني أن المجتمعات في نهاية الأمر بخصوصياتها تتكيف مع الأوضاع وتمنح صورة التغيير. لو لم تكن ليبيا دولة بترولية وعلى المتوسط بالقرب من إيطاليا، ولم تكن قضية الحدود والهجرة السرية، لتركها الغرب ويحصل فيها ما حصل في الكونغو إلى حين، لكن العرب موجودون في مركز العالم، كشعوب عندها طاقة ونفط، لكن هذا العامل وإن كان موضوعيا، فإنه لا يفسر كل شيء، ويجعل هذه الشعوب دمى يُتلاعب بها. بالنسبة للإسلاميين، أفضل القول إن الديمقراطية هي الشعار الذي يحرك الشعوب، وهي تعني في العموم التداول على السلطة، الانتخابات الحرة، الأحزاب، النقابات اقتصاد السوق وهذا هو النموذج الآن. أما الإسلاميين فهم جزء من اللعبة وسيظلون يمثلون اللحظة السياسية الآن، عكس اليسار والقوى الأخرى الموجودة في طور الانحدار، من الجيّد أن حزب النور في مصر يدخل اللعبة الحزبية والديمقراطية ويتقنها، وهذا ليس فشل، وهذه أيضا الفرضية الأمريكية التي تقول بإمكانية إدماج حتى السلفيين، ولا بد أن نتعامل مع الإسلاميين كقوة موجودة في المجتمعات، ولا يجب أن ننسى بأن الإخوان تكونوا في عشرينيات القرن الماضي ولم يتم الاعتراف بهم حتى سنة ,2011 حزب العمال البريطاني تكوّن في 1902 ولم يأخذ السلطة إلا في ,1952 أي بعد 50 سنة، رغم أن المسألة تتعلق بإمبراطورية عظيمة، وبالتالي يدل وصول الإسلاميين بعد 80 سنة إلى وجود جمود كبير في السلطة العربية، ولكن محطة الإسلاميين هذه محطة مهمة.. الآن الإشكال الكبير الذي عشناه في الجزائر، هل هذا الإسلام السياسي سيدمج أو يتم تمدينه أو تتوفر ظروف اقتصادية واجتماعية حتى تقل شدته؟ هل ستبرز قوى سياسية دون احتكار الإسلاميين للسلطة وندخل في مواجهات أخرى؟ إذا هنا نقول خصوصيات كل مجتمع هي التي ستحدد طريقة العمل.. سوريا مؤهلة للعنف لأن فيها نظام مذهبي فئوي مسيطر على المال والجيش وفاسد، ولم يستطع تحريكه.. الأمور لا تتعلق هنا فقط بالعامل الخارجي، لكن خصوصيات النظام الداخلي هي التي تحدد في نهاية الأمر. زبير عروس (أستاذ علم الاجتماع): أنا لا أختلف مع ناصر، عندما نتحدث عن الديمقراطية من جانب تقني بالنسبة للعرب، ولكن قيم الديمقراطية كفلسفة ونظرة للكون منعدمة عندنا، تكلمت عن الإسلاميين، وحقيقة الإخوان جاؤوا في العشرينيات لكن الحركة السلفية أبعد من ذلك، فمثلا جماعة أهل السنة في ,1910 وخطها السياسي خطاب الولاء، ولم تخرج عن خطاب الرفض، فجأة تكون في لحظة زمنية محددة 5 أحزاب، وهنا تساؤل كبير. أحميدة عياشي (مدير الندوة): السلفية بشكل عام، سواء في مصر أو في الخليج، كانت دوما توأم، وهم لم ينخرطوا في العالم السياسي بالشكل الذي كان عليه الإخوان، الآن كيف نفهم في لحظة معينة انخراط السلفيين في اللعبة السياسية، وأطرح هذا السؤال وهو يرتبط كذلك بالعامل الخارجي؟ زبير عروس (أستاذ علم الاجتماع): عندما نتحدث عن العامل الخارجي وكأننا نقول إن الشعوب عاجزة عن التحرك، وأن المسألة انتقاص من قدرة الشعوب.. لا ليس هذا هو المقصود، الحركة السلفية مشكلتها ممارسة السياسة بالولاء أو التغيير بوسائل غير تقليدية وغير متعارف عليها وتنفي العامل السلمي، وحافظت اليوم على عامل الولاء للأنظمة وتخلت عن الموقف الشرعي في التغيير عن طريق الجهاد. هذا التغيير لم يأت تدريجيا وهنا السؤال، المراجعات حدثت في ليبيا وفي مصر، ولكن ليس هذه الحركات التي قامت بالمراجعة هي التي تخلت عن المبدأ، وإنما الحركات التي بقيت في السجون مثل جماعة الإسلامبولي.. أليست هذه الحركات أمام قضية أكبر منها، كون الحركة السلفية تعمل كل ما في وسعها لتبييض وجهها أمام الغرب كي يقبلها بمنطقها، ومنطق التفتح وقبول الآخر.. هناك السلفية الكامنة في المجتمع في الجزائر، وغيرت قاعدة العمل وتبنت استراتيجية نشاط غير تقليدية للهيمنة على المجتمع، وقد يكون لذلك امتدادات إذا توفرت الشروط ذاتها . عمر لارجان (أستاذ علم الاجتماع): لو أجريت هذه الندوة قبل ستة أشهر، كان سيقال إن هذا زمن جيل جديد، وفي رأيي لا ينبغي التسرع في إطلاق الأحكام على هذه الثورات، نحن نتكلم وكأن الشعب يتحرك عندما يرى في الشاشة الناس تتحرك، فهم يدخرون الأشياء من جهة، ويخبئون من جهات أخرى، وبالتالي لا يجب التسرع والخلط بين الانتخابات والحكم والدولة، ومن سيكون على رأس الدولة. خطة الغرب واضحة، ورغبتهم من الحكم في الوطن العربي، أيضا.. يعرفون أن هذه المجتمعات العربية مجتمعات محافظة، الغرب يفكر أنه لا ينبغي لهذه المجتمعات أن تتفتح وتفهم ما يجري من حولها، ويريد جيشا يحكم في الأجهزة فقط، وفتح البلد للتجارة من أجل السيطرة على الثروة، وهذه هي الخطة التي يرغبون في تنفيذها في بلداننا، ومن يملك البترول لا يبقى له منه شيء.. الإسلاميون موجودون، وهذه حقيقة، ووجودهم حتى في بداية التسعينيات لم يكن يخيفني، لأن الشعب كان قادرا على استيعاب الوضع والظاهرة. معروف عبر التاريخ، أن في منطقة المغرب الأوسط وجد داعية واحد فقط الذي نجح وحقق لنفسه أتباعا وهو ابن تومرت، شيّد دولة دامت قرنا ونصف وكسّر آلات الموسيقى، إذا فشعبنا يستوعب لأن له تجربة، لكن نحن أظن أننا ننقص من شأن هذا الشعب ولست أدري ما به صديقي الحبيب هنّاد مع الجزائريين.. إنه شعب عظيم. محمد هناد (أستاذ علم الاجتماع): أبدا، لن أقول عن هذا الشعب عظيما.. ولن أقول عنه حقيرا.. أقول إن بمقدوره أن يكون عظيما، لكنه ليس عظيما أيضا. عمر لارجان (أستاذ علم الاجتماع): نحن لا نتحدث عن عظمة الشعب الجزائري بالمفهوم الميتافيزيقي، بل نحن نتحدث عنه من خلال تجربته التاريخية، إذ لا يوجد شعب آخر عاش التجربة التي عاشها الجزائريون. كاد الجزائريون أن يمحوا من على الأرض، ويعبّر عن عظمة الشعب الجزائري مصطفى الأشرف في عبارة تثير إعجابي كثيرا ''الجزائر بلد مآسي طويلة''.. إن البلد عانى الكثير لكن الذاكرة موجودة.. عندما حدث ما حدث في ليبيا تفطن الجزائريون وبدأوا يتساءلون عما تذيعه قناة الجزيرة.. وليس الشباب، بل الكبار.. وأخذوا في التحذير.. إنها مصلحة البلد.. من غير المعقول أن يتراجع وطن إلى 60 سنة للوراء. في الجزائر يوجد تجربة وذاكرة.. الشعب تفطن. في ماي 2010 كانت صحيفة الوطن تجري نقاشات وحضرها هيو روبرتس (المسؤول على ملف شمال إفريقيا في كريزيس أنلايزيس غروب)، وألقى محاضرة واتفقت معه تماما وتناقشنا لاحقا، ومن بين نقاط الاشتراك أن الجزائر بعيدة عما يحدث في البلدان العربية الأخرى بما أننا نتحدث عن المقارنة ومن بين ما قال وأذكره ''الأنظمة في حالة جمود وعليكم أن تفكروا''، وأضاف ''إن ما يمكن أن يحدث شيء في البلد هو النزاعات في السلطة التي تنزل إلى الشارع مثلما حدث في 1988 أو يتدخل عامل خارجي يكون له حركية ذات امتداد سياسي''. هيو روبرتس ملاحظ للأحداث، ولم يكن آنذاك يظهر ملمح واحد على تغيّر، وفجأة دخلنا في مرحلة مشتعلة في ديسمبر وجانفي، ولم يكن هناك أي مؤشر بأننا ندخل في حدث كبير.. وكنت أنا ملاحظ من الداخل، لقد كان الإنطباع أننا نعيش سنوات من الجمود، ولهذا أتساءل ''كيف؟'' ما هو دور الجزيرة؟ ماي 2010 كانت النقاشات. محمد هناد (أستاذ العلوم السياسية): فيما يخص التركيز على العامل الخارجي، أريد أن أربطه بمبدأ معروف ''فرّق تسد''، وأريد أن أضيف له ''خوّف تسد''، وهذا عنصر أساسي. أما فيما يخص الإسلاميين الذين وصلوا إلى الحكم، فوصولهم كان عن طريق الانتخابات وليس شيئا آخر، واحميدة طرح استفهاما حول خلفية عدم إيمانهم بالصيغ الديمقراطية سابقا عكس اليوم؟ يتدخل زبير عروس (أستاذ علم الاجتماع): كنا نتحدث عن تيار سلفي .. يواصل محمد هناد (أستاذ العلوم السياسية): .. يبدو لي أنه لا يجب إنكار التطور الذهني الواقع عند الإسلاميين، وفي النقاش هذا ممر حتمي ينبغي التوقف عنده، تلاحظون أنه إلى فترة قريبة كان الإسلاميون يفكرون بمنطق الإنقلاب على الحكم عن طريق التأييد الجماهيري، مثل الفيس تماما، الآن عزفوا عن هذا التفكير لسببين. أولا: لا يجب التقليل من قيمة التجربة الجزائرية التي أخذت منها الحركات الإسلامية في الوطن العربي درسا كبيرا، وكذلك العالم تغير من حيث الاتصال والإعلام والمعلومة الموطنة فوقع التغيير. أما عن العامل الخارجي، أظن أنه يكون حسب وجود ومدى تغلغل عقلية المقهور، وحتى نتحرر من هذه الذهنية ليس الأمر بسيطا بتاتا، لأن فيها تقليل من قدرات الشعب وإيمانه فقط بإمكانيات الخارج، يجب التحرر من القهر.. يتدخل أحدهم.. ''ما زلنا مقهورين يا رجل''.. يضيف محمد هناد (أستاذ العلوم السياسية): في تونس تشدني عبارة كانت تتردد على ألسنة التونسيين ''لقد زال الخوف''، الإسلاميون يعتبرون حاليا أنهم يمرون عبر مرحلة تاريخية.. أحميدة عياشي (مدير الندوة): شر لابد منه. محمد هناد (أستاذ العلوم السياسية): لا نقول شر لابد منه، لأنها مرحلة ما دمنا نتكلم عن أنظمة تتغير ولم نتكلم عن مجتمع. أحميدة عياشي (مدير الندوة): لم أكمل الجملة الآن فقط حضرتني الفكرة. يقاطعه عمر لارجان: أريد أن أقولها ''موقفي في التسعينيات كان واضحا، أنا لست متخوفا من الإسلاميين، على شرط أن لا يحكموا الدولة ويصبحون من النظام لأنهم سيغيرون كل شيء''.. زبير عروس (أستاذ علم الاجتماع): أنت تتحدث عن قناعة الإسلاميين، لقد أجريت مقابلة من أحد الإسلاميين الذين كانوا مترشحين للرئاسيات، فقال بالحرف الواحد ''الإسلاميين ممكن أن يتولوا شأن الحكومة، لكن لا يمكن أن يصلوا إلى الحكم''، وعندي وثيقة أخرى يقول صاحبها - وتتضمن رؤية حزب إسلامي في الجزائر حول وسيلة الوصول إلى السلطة - تقول ''يجب الخروج من ديمقراطية الأغلبية ولابد من ديمقراطية الانتخاب الواعي.''. محمد هناد (أستاذ العلوم السياسية): لكن عمليا من المستحيل. زبير عروس (أستاذ علم الاجتماع): في حالة المغرب، وخاصة في الجزائر، بما فيها تونس، انتقلنا من مرحلة الإسلاماوية، مثلما كنا نعرفها، إلى مرحلة الأحزاب المدنية، وإن استعملت في خطابها السياسي القيم.. في اعتقادي لا توجد حركات إسلامية ولا حركات دينية، وإنما توجد حركات سياسية ذات توجهات إسلامية أو مرجعيات دينية.. الآن الواقع ثابت، وبدأنا نشهد ذلك في الحالة التونسية، وهناك تعهدات مباشرة من حزب العدالة والتنمية، بأن لا يمسوا بأي شأن يمكن أن يضر بالسياحة. بالإضافة إلى ذلك، في مصر أيضا قالوا لا مساس بالسياحة، عندما ذهبوا إلى أسوان لأن الناخب هناك قال للإسلاميين إن السياحة لقمة عيشه، وعندما نقول السياحة نطرح في هذا الباب قضية القيم؟ عمر لارجان (أستاذ علم الاجتماع): بالنسبة للجزائر يجب النظر للأمور انطلاقا من غاية، وهي كيف تتحقق دولة جزائرية مستقلة ذات سيادة ديمقراطية اجتماعية لا تتناقض مع مبادئ الإسلام، وهو المكتوب في بيان أول نوفمبر وصحح في56 و.57 وهذه هي الزاوية التي أنظر منها لكل المراحل التي مرت وتمر بها الدولة الجزائرية، من حيث كيف نتجنب الأخطار وكيف نحكم على ما يدور من حولنا. وهذا هو المفتاح.. كيف تحافظ الجزائر على نفسها. محمد هناد (أستاذ العلوم السياسية): بالنسبة لي من حق الإسلاميين ممارسة السياسة باسم الإسلام وليس من حقهم تسيير الدولة باسم الإسلام أو باسم الدين. ناصر جابي (أستاذ علم الاجتماع): لم أفهم.. (يضحك الجميع).. هذا الحراك، كما قلنا في بداية اللقاء، لا يزال في بداياته ولا يزال جاريا، لا نستطيع الحكم على توجهات كبرى أو التجربة الإسلامية أو الديقراطية، فنحن في الذكرى الأولى للثورات، ولا ينبغي من جهة أخرى أن نذهب في اتجاهات متناقضة مع الإسلاميين، لقد كنا نرفضهم تماما واليوم نقبل بهم كأنهم هم الحل، الآن وكأننا أمام حتميات صعود الإسلاميين، ويبدو لي أن الأمور ليست بهذه السهولة. يتدخل هناد ''إنها قضية صناديق وانتخابات''· يستعيد جابي الكلمة: قلنا إننا أمام بداية نظام فيه مبدأ التداول على السلطة، معنى هذا أن الذين وصلوا في 2014 أو 2015 ممكن أن يغادروا بعد انتهاء العهدة.. تجربتهم في التسيير في تونس، سيحكم عليها الشعب التونسي. الأمر متوقف على طبيعة الضمانات التي تمنح للشعوب من خلال التداول على السلطة، ومن خلال الديمقراطية وحرية الإعلام والحريات الأخرى، وحتى لا يتحوّل الإسلاميين إلى دكتاتوريين جدد، ويبدو لي أيضا أن هذا هو الصراع الذي في بداياته الآن، حسب الوثيقة المصرية والمجلس التأسيسي في تونس، فالتقسيم ما بين المرزوقي والغنوشي، والتجربة المغربية الآن أيضا مهمة جدا، وهي أمام رهان كيف سيطبق الإسلاميون هذا الدستور الجديد، وسيكونون أول حكومة ستقوم بتطبيق عملي لصلاحياتها مع صلاحيات الملك، وهذه تجربة وليس نظرية، هل فعلا سيستولون على صلاحية البرلمان؟ كيف سيتعاملون مع المعارضة؟ إذا نحن في بداية تجربة يجب أن نعيشها. من غير الممكن الكلام عن الإسلاميين فقط دون القوى الأخرى.. أين هي القوى الوطنية الأخرى واليسارية؟ إلى درجة لا تعرف الفرق الواضح بين الوطني والإسلامي والقومي.. فالقومي الذي كان قريبا من اليسار في الخمسينيات والستينيات أصبح، اليوم، قريبا من الإسلام السياسي، سيطرة البرنامج الاقتصادي لهذه الثورات.. ماذا نريد بالضبط؟ خاصة التجارب المهمة لهذا الحراك، بلدانه تعتمد على اقتصاد السياحة مثل المغرب وتونس ومصر أو الريع، كما هو الحال في ليبيا، وبالتالي سنكون أمام تحدٍ كبير جد، فمصر لو تفقد المقوم السياحي في العامين المقبلين سنشهد تأهيلا للانفجار في كافة المستويات الداخلية.. أنا أظن أن الإسلاميين قوة سياسية مهمة، مثل غيرها، من الوطنيين أو اليساريين أو القوميين.. هل هذا الحراك الدائر سيفتح المجال أمام قوى أخرى كانت تهيكل المجتمع وكانت موجودة؟ هل يمكن توقع عودة لليسار أو القوى الوطنية الليبيرالية كحالة الوفد والاستقلال في مصر؟ ومن سيعبر عن الطبقة البرجوازية في تونس الآن؟ ومن سيعبر عن المصالح الاقتصادية في تونس أيضا؟ وفي المغرب الآن هل ستبقى الخارطة على ما هي عليه؟.. وحزب التنمية والعدالة كيف سيتعامل مع القضية الأمازيغية، باعتبارها تمثل الفئة الأكثر استفادة من الحراك بعد الإسلاميين؟ فالأمازيغ ظهروا في ليبيا وتونس والمغرب، وممكن أن يتنظموا في الجزائر ويظهروا بقوة، وبالتالي ممكن أن تكون على رأس المستفيدين من الحراك، في إطار المغرب العربي، وما فوق الوطنية وقد تكون القوة الأمازيغية مجال للتوحيد في الوطن العربي، اللعبة لا تزال مفتوحة ولم تغلق بعد. محمد هناد (أستاذ العلوم السياسية): جابي قال التحدي الكبير في الدستور أمام الحركة الإسلامية في المغرب، وأن هناك فخا· ناصر جابي (أستاذ علم الاجتماع): لم أقل فخا. محمد هناد (أستاذ العلوم السياسية): الأحزاب السياسية في المغرب عبر الدستور ليس لها أن تتولى الحكم، بل المشاركة، وأعتقد أن الحركات الإسلامية سيُطرح أمامها مشكلة الهوية ومن الناحية الاقتصادية السياحة ستكون رهانا أيضا. أحميدة عياشي (مدير الندوة): خلاصة الندوة هو أنه جرى الحديث عن زمنين ربما سنذهب إلى زمن الخطاب الهوياتي، والثانية الاتكاء على التجارب التي عرفها التاريخ، نجد أن الثورة الفرنسية التي بدأت في 1789 واستمرت إلى 1848 وعمليا دشنت الثورة الكبرى في 1917 وربما هذه حقبة قد تكون مقدمة لنقاش آخر..