جسّد ابن منطقة ترافاجلياتو مثال القائد قليل الكلام الذي كان يداعب الكرة بجمالية فائقة ويُبهر المتتبعين بانطلاقاته الرائعة نحو الهجوم. وقد ظل هذا المدافع الفنان وفياً طوال عقدين من الزمن، من 1977 إلى 1997، لنادي أسي ميلان وعاش معه بالقدر نفسه من الاحتراف لحظات المجد والتألق ولحظات الفشل والأفول، وخلال أربع عشرة سنة من 1980 إلى 1994، شارك باريزي بحنكة واقتدار مع المنتخب الوطني الإيطالي فيما لا يقل عن 81 مباراة، فاتحاً بذلك صفحات مشرقة من تاريخ كتيبة الأزوري. وبقامته التي تبلغ 176 سنتيمتراً، وقف باريزي خلال عقدين من الزمن سداً منيعاً أمام أقوى المهاجمين الذين بصموا تاريخ الكرة العالمية بأدائهم الرائع، ولم يكن هذا المدافع الفريد من نوعه مرتاحاً أمام الميكروفون بالقدر ذاته من التألق الذي يبديه داخل المستطيل الأخضر.وجد فرانكو، الذي ينحدر من منطقة ترافاجلياتو بمقاطعة بريتشيا شمال إيطاليا نفسه يتيم الأبوين وعمره ست عشرة سنة، كما أن المدة التي كانت تفصل بين رحيل أبويه لم تتعدّ عامين، وقد قرر سنة 1976 برفقة أخيه جيوسيبي الذي كان يكبره بعامين أن يجربا حظهما في عالم كرة القدم الإحترافية من خلال طرق باب نادي إنترناسيونال الشهير، غير أن القدر سيفرق بين الأخوين وسيضعهما في موقف حرج للغاية. ذلك أن جيوسيبي، الذي كان يشغل مركز وسط دفاعي بكل اقتدار، نجح في الإختبار وانضم إلى صفوف نيراتزوري وقضى بين ظهرانيه مسيرة كروية امتدت ل559 مباراة. وقد ظل هذا الرجل وفياً لفريقه بعد اعتزاله اللعب ولم يشأ مغادرته حيث التحق بالطاقم التقني. أما فرانكو، فلم يحظ بإعجاب القائمين على نادي إنترناسيونالي الذين رأوا أن بنيته الجسمانية ضعيفة ولن تساعده على فرض نفسه داخل الفريق. وقد ارتأى باريزي الصغير بعد ذلك أن يعرض خدماته على الغريم الأبدي نادي أسي ميلان، الذي لم يفوّت فرصة ضم هذه الموهبة الصاعدة. استقرالأخوان في ميلانو حيث استفاد فرانكو من دورة تدريبية ودراسية لمدة أربع سنوات. وركّز هذا المراهق الكتوم كل اهتمامه على كرة القدم واشتغل بجد وتفانٍ ليصنع لنفسه اسماً في عالم المستديرة. صحيح أن باريزي لم يكن نابغة، إلا أنه كان يتقن عمله ويجيده باقتدار كبير ما جعله يحظى باحترام جميع زملائه خاصة المشاهير منهم. ولعل التدريب والعمل والتعامل المثالي مع الجماهير تظل قيماً أساسيةً لا يجب الإستخفاف بها." وعندما انحدر أسي ميلان إلى دوري الدرجة الثانية بتهمة التلاعب بنتائج المباريات، ظل رجل واحد في القمة وفوق كل الشبهات وحمل شارة الكابتن بكل فخر واعتزاز منذ سن الثانية والعشرين. إنه فرانكو باريزي الإنسان الوفيّ الذي بقي كذلك طوال حياته. وقد اعترف في هذا السياق قائلاً: "لقد تغيرت الأمور اليوم. من الصعب أن يستمر لاعب في الملاعب لمدة 15 أو 20 سنة في فريق واحد. لقد طرأت تغييرات جمة على السوق وهناك فرص أكثر ومن المستحيل مقاومة كل هذه الإغراءات." وبعد مجيء سيلفيو بيرليسكوني سنة 1986، دخل نادي أسي ميلان مرحلة جديدة. فتحت قيادة المدرب أريغو ساكي، أصبح باريزي قائد الكتيبة التي لا تقهر والتي ضمت بين صفوفها الثلاثي الهولندي المتألق خوليت وماركو فان باستن وفرانك ريكارد التي بسطت سيطرة مطلقة على جميع المنافسات في ثمانينيات القرن الماضي. ظل باريزي وفياً للمركز ذاته في عهد فابيو كابيلو الذي فاز خلاله روسينيري بالدوري الإيطالي أربع مرات وبكأس أوروبا للأندية البطلة مرة واحدة بكتيبة ضمت أيضاً مارسيل دوسايي وزفونيمير بوبان وديجان سافيسيفتش. غير أن باريزي قرر سنة 1997 أن يعتزل اللعب بعد عشرين موسماً قضاها في خدمة ناديه. وقد لقي قراره هذا الترحيب الكبير من قبل أكبر المهاجمين في القارة العجوز. وبعد سنتين من ذلك وبالضبط في سنة 1999، انتخبته جماهير قلعة سان سيرو لاعب القرن.