يعتبر قرار السلطات العمومية بإطلاق مشاريع المدن الجديدة خيارا استراتيجيا أملته معطيات واقعية فرضها التحول الديمغرافي ومشاكل النمو والضغط الخانق على التجمعات السكنية الكبرى· ومن شأن المدن الجديدة تغيير المعادلة بإعادة التوزيع الجغرافي للسكان في الجزائر وخلق التوازن في النشاط الاقتصادي ونقل جزء منه إلى منطقة الهضاب العليا وشمال الصحراء· مدن قديمة ومشاكل جديدة شكل التمركز السكاني وتركيز الأنشطة الاقتصادية في الشريط الساحلي، عائقا أساسيا أمام تطوير المناطق الداخلية، فالمدن الجديدة التي تحرص الدولة على إنجازها رهانا حقيقيا بالنسبة للجزائر لمعالجة الاختلال المطروح على أكثر من صعيد، فالجزائر العاصمة لوحدها تستحوذ على 50 بالمئة من النشاط الاقتصادي الوطني، وعدد سكانها يقارب 10 بالمئة من إجمالي عدد سكان الجزائر الذي بلغ في 2008 نحو 35 مليون نسمة، فضلا على كون 5 ملايين نسمة يزورون العاصمة يوميا لقضاء مصالحهم، مما يجعل التركيز على العاصمة خانقا· يعكس ذلك الاختناق الحاصل في حركة المرور، وارتفاع الطلب على العمل والسكن ومختلف المرافق الاجتماعية والتربوية الأخرى، مما يحتم خلق حزام من المدن الجديدة لتخفيف الضغط على العاصمة التي عرفت نمو مدن جديدة بشكل تلقائي وفوضوي فرضته الحاجة للتوسع السكني· سيدي عبد الله، بوينان، بوغزول والمنيعة··· المدن الجديدة في الفاتح من أفريل 2004 صدر المرسوم التنفيذي لإنشاء المدن الجديدة في سيدي عبد الله، وبوينان، وبوغزول والمنيعة، وصنفت هذه المدن الجديدة ضمن الإنشاءات الكبرى الهادفة إلى تطوير اقتصاد البلاد خاصة من الناحية العمرانية والعلمية والتكنولوجية، وتم تخصيص كل مدينة في مجال معين، فبينما تتخصص المدينةالجديدة لسيدي عبد الله في المجال التكنولوجي والمعلوماتي، وكل ما هو مرتبط باقتصاد المعرفة، تتخصص المدينةالجديدة بوينان في الميدان الترفيهي والرياضي· أما المدينةالجديدة المنيعة، فمبرمجة لتكون مدينة سياحية من الطراز العالي، وبالنسبة للمدينة الجديدة بوغزول فمرشحة لتكون مركزا ماليا عالميا ومدينة أيكولوجية تعتمد بشكل أساسي على الطاقات المتجددة الصديقة للبيئة· وتمتد الاستراتيجية على المجدى المتوسط والبعيد إلى إنشاء مدن جديدة في المناطق الوسطى للبلاد، بالإضافة إلى مشاريع مدن جديدة في غرب وشرق البلاد على غرار المدينةالجديدة مولاي سليسن الواقعة جنوب ولاية سيدي بلعباس، والمدينةالجديدة إمدغاسن بولاية باتنة، بالإضافة إلى المدينةالجديدة لحاسي مسعود في الجنوب الشرقي والتي خصصت لها ميزانية كبيرة تقدر بخمسة ملايير دولار· سيدي عبد الله قطب تكنولوجي بضواحي العاصمة لا تبعد المدينةالجديدة لسيدي عبد الله عن قلب العاصمة سوى بنحو 20 كيلومترا مما جعلها تستقطب أولى الاستثمارات، ومن المنتظر أن تصبح سيدي عبد الله قطبا جامعيا يتسع لعشرين ألف مقعد بيداغوجي و10 آلاف سرير، وقد أنشئ بها حاليا إقامة جامعية صغيرة من المنتظر أن يتم توسيعها مستقبلا· غير أن الملاحظ على مدينة سيدي عبد الله أنها لم تستقطب لحد الآن الشركات الآسياوية والعالمية المتخصصة في تكنولوجيات الإعلام والاتصال والصناعات الدقيقة بالرغم من الدعاية التي حظيت بها هذه المدينةالجديدة إعلاميا· بوينان العاصمة الرياضية للجزائر المدينةالجديدة بوينان، الواقعة جنوب ولاية البليدة، والتي لا تبعد عن العاصمة سوى بنحو 50 كيلومترا، مرشحة لتكون عاصمة رياضية بأتم معنى الكلمة، إذ أن بوينان التي توجد في السهل المتيجي، والتي تتربع على مساحة 1670 هكتار استقطبت عدة شركات عالمية تتنافس حاليا للفوز بحصة من هذه المدينة الاستراتيجية، حيث تؤكدت السلطات أن الدولة كلفت مكتب دراسات عالمي للقيام بدراسات حول المدينةالجديدة قصد تحضير دفتر شروط المناقصة· المنيعة تصبو لأن تكون قطبا سياحيا تتوسط المنيعة الجزائر من الناحية الجغرافية وتكاد تكون نقطة تقاطع بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، وموقعها المتقدم في شمال الصحراء، يجعلها ذات أهمية استراتيجية في التنمية المتوازنة للمناطق الصحراوية المهمشة· وتبدو أن المدينةالجديدة المنيعة مرشحة لكي تكون مدينة سياحية صحراوية من الطراز العالي، حيث ستضم فنادق ومنتجعات سياحية ومراكز تجارية ومجمعات سكنية، ومن شأن إنجاز المدينةالجديدة التخفيف من الضغط السكاني للمدينة القديمة على الواحة· حاسي مسعود الجديدة عاصمة النفط بالرغم من وجودها في منطقة صحراوية معزولة إلا أن حاسي مسعود تعد القلب النابض للاقتصاد الوطني، حيث تحوي أكبر بئر نفطي في الجزائر من حيث الاحتياطي والإنتاج، وبالقرب من هذا البئر النفطي أنشئت مدينة صناعية تقيم فيها عائلات الإطارات والعاملين بهذا المشروع الحيوي، غير أن الدراسات أظهرت أن هذه المدينة تنام على احتياطات نفطية وبالقرب من الأنابيب النفطية، وفي حالة وقوع أي حادث في المنطقة قد يؤدي إلى كارثة إنسانية· وفي 22 مارس ,2008 أعلن وزير الطاقة والمناجم شكيب خليل أن الجزائر خصصت 6 ملايير دولار لمشروع بناء مدينة نفطية جديدة في حاسي مسعود هي الأكبر في البلاد، حيث تبلغ مساحتها 4483 هكتار، وتتسع لنحو 80 ألف ساكن وتبعد عن المدينة الحالية بنحو 100 كيلومتر، وستكون منطقة جزيرة الطاقة المقر العام للشركات النفطية العاملة في الجزائر، وستساهم رفقة سوناطراك في تمويل إنجاز هذه المقرات، ويضم المشروع أيضا مباني إدارية ومعاهد جامعية ومراكز تدريب وأبحاث وتنمية ومساجد وبنى تحتية وتجهيزات ومراكز رياضية·