انتشرت مظاهر بيع الأضاحي في أماكن كثيرة من العاصمة تحسبا لعيد الأضحى المبارك الذي لا تفصلنا عنه سوى أيام معدودة، وبغض النظر عن "التلوث البصري" الذي تسببه هذه الظاهرة هذا العام كما في الأعوام الأخرى، فإن الموضوع يمكن طرحه من زوايا أخرى أيضا تتعلق بمدى تطبيق التعليمات التي وجهتها السلطات العمومية من حيث عدم السماح ببيع الأضاحي وسط المدن وكذا منع نقل المواشي من ولاية أخرى، من دون شهادات صحية، حيث وقفت "الجزائر نيوز" على وجود مواشٍ بالعاصمة تم جلبها من ولايات أخرى، وفق ما يؤكده أصحابها. وعلى مستوى المكان المسمى "الأعمدة الحمراء" ببلدية وادي قريش بالعاصمة، لاحظت "الجزائر نيوز" اصطفاف عدد من باعة المواشي، عدا أحدهم الذي قدم من إحدى الولايات الداخلية، فإن جميع من كان بصدد بيع الأضاحي في المكان الذي يحسب على أحياء "كليما دو فرانس"، كانوا من "أولاد الحومة"، كما بدا لنا مما يعزز فرضية أنهم من سماسرة بيع الأضاحي الذين يستغلون حلول مناسبة عيد الأضحى من كل عام من أجل المتاجرة في الكباش وتحقيق أقصى ما يمكن من أرباح مالية، وذلك بعدما يتم جلب هذه المواشي، عادة، من ولايات داخلية مشهورة بتربيتها للماشية. وعلى أحد أرصفة المكان الذي كان يعج بالأعلاف أيضا، تم عرض البضاعة بشكل متسلسل، فكل بائع يقف بجانب أضاحيه، وبين كل بائع وآخر يتم الحرص على ترك مساحة لا بأس بها ربما من أجل تفادي أن تختلط كباش الباعة ببعضها البعض... أحد هؤلاء الباعة، وهو شاب يقطن بالعاصمة، أكد لنا جلب ماشيته من ولاية الجلفة بعد "جولة قام بها في الولايات الصحراوية"، أما بخصوص أسعار الأضاحي التي يبيعها والتي تراوحت بين 39 و50 ألف دينار، فقد أكد بأن الأسعار "تبقى مرتفعة" وأنه لا يستطيع تفسير ذلك رغم "المعطيات التي برزت مؤخرا حول وفرة رؤوس الأغنام"، ولكن يا ترى هل يعود ارتفاع الأسعار، وفق هذا البائع، لكثرة السماسرة الذين يشترون ويعيدون بيع الأضاحي من يد إلى أخرى حتى تصل أسعارها مستويات قياسية؟ يجيب بائع آخر، وهو شاب عاصمي أيضا، عن هذا السؤال بالنفي ويقول أنه "لا يوجد مضاربون كثر هذا العام"، لكن من دون أن يحدد لنا الأسباب وهو الذي قال لنا إن أسعار الأضاحي التي يبيعها تتراوح بين 32 ألف و70 ألف دينار، وفي الواقع فإن عدم رغبتنا في الحديث عن هذه الأسباب كثيرا تعود إلى كون ذات البائع لفت انتباهنا لموضوع آخر بدا وكأنه أكثر خطورة ويتعلق بمرض يسببه "علف" الكباش المعروف عندنا بالعامية ب "القورد" من باب أن حشرات متناهية في الصغر موجودة بين حشائشه، وهنا تدخل مراهق كان في عين المكان ليرينا بعض الحبيبات على ذراعيه، مشيرا إلى أن ما تعرض له صديق له، من هذا الباب، كان أشد، حيث قيل لنا أيضا على مستوى المكان أن "فريقا طبيا" قام بفحص تلاميذ إحدى المدارس القريبة من أجل معرفة مدى انتشار هذه الظاهرة بين التلاميذ على اعتبار أن الأطفال هم الأكثر قربا من الكباش وغذائها عندما يلهون في التجول بها واللعب معها. ودائما في نفس هذا المكان، ووسط الحديث عن "كبش مصارعة" كان مربوطا إلى أحد الأعمدة الكهربائية الموجودة على الرصيف، أكد لنا شاب كان واقفا في المكان أنه يملك "دزينة" كاملة من هذا النوع من الكباش في اسطبل غير بعيد عن منطقة "الأعمدة الحمراء" بالعاصمة، حيث أكد لنا أيضا أنه يتاجر في هذا النوع من الكباش، كل عام، مع إشارته إلى أن "أثمانها تبقى جد مرتفعة والطلب عليها كبير وكبش واحد من هذا النوع، يتم جلبه من الصحراء، لا يقل ثمنه عن 120 ألف دينار" وفق ذات المتحدث الذي أكد لنا، من خلال حديثه، أن ظاهرة بيع الأضاحي في المدن منتشرة بقوة وفي أكثر الأماكن الممكنة والتي لا تبدو للعيان بسهولة. ليس المكان المشار إليه هو الوحيد في العاصمة الذي اتخذ هذا الطابع من "الترييف" مع اقتراب حلول عيد الأضحى المبارك، وصحيح أن قلب العاصمة في شوارع رئيسية، على غرار شارعي الشهيدين ديدوش مراد والعربي بن مهيدي، بقيت "سالمة" من هذه المظاهر، غير أن الكثير من الأحياء والأزقة في بلديات أخرى مثل القبة وباش جراح والمدنية وبوزريعة قد غزاها هذا الديكور من الترييف من خلال مظاهر بيع الأضاحي في العراء وفي محلات يتم عادة كرائها أو استغلالها مجانا عندما تكون ملكا "لأصدقاء أو أقارب" البائعين كما وقفت عليه "الجزائر نيوز" في جولة ميدانية. وصحيح أيضا أن التعليمات الأخيرة لوزارة الداخلية والجماعات المحلية فرضت تنظيم بيع الأضاحي في الأماكن الحضرية، مع إخضاع الفضاءات التي يسمح فيها بذلك إلى ترخيص خاص ومع المنع المطلق للترخيص لمحلات بيع المواشي وسط المدن، لكن ماذا عن بيع الأضاحي في البلديات العاصمية المشار إليها.. وأين يتم اعتبارها ضمن خارطة المدينة؟ وعلى كل حال فإن أحد باعة الأضاحي في إحدى البلديات المشار إليها أكد لنا أنه لا يملك أي ترخيص مكتوب لقاء ممارسة هذه التجارة في محل، يقع تحت فيلا فارهة، أعاره له صديقه، قبل أن يضيف بقوله "لقد حاولت قبيل عيد الأضحى للعام الماضي، الحصول على ترخيص بهذا الشأن من أجل بيع الأضاحي على مستوى المصالح البلدية، لكن قيل لي إنه لا يوجد هناك ترخيصات مكتوبة بهذا الشأن وما علي سوى البيع بطريقة عادية". وعلى غرار ما يقوم به بائعو أضاحي من العاصمة، فإن هذا البائع الشاب استقدم أضاحيه، من خارج الولاية، وبالتحديد من "أفلو" بولاية الأغواط مثلما يقول، أما بشأن كيفية استقدام هذه المواشي رغم أن وزارة الفلاحة والتنمية الريفية منعت مؤخرا نقل الماشية من ولاية إلى أخرى دون حيازة شهادة صحية تثبت سلامة المواشي التي يتم نقلها، فإن هذا البائع أكد لنا أن هذا الأمر "يجري احترامه دائما وأن هذه الشهادات عادة ما يظهرها الموالون الذين يكونون برفقة البائعين السماسرة عند عملية نقل المواشي وحتى عندما لا يرافق الموالون هؤلاء البائعين فإنه يتم تسليم هذه الشهادات والوثائق لهم من أجل إظهارها أثناء الرحلة نحو العاصمة". وبالنسبة لهذا البائع دائما، فإن تحييد ظاهرة بيع الأضاحي بطريقة فوضوية داخل المدن يتم من خلال "الترخيص لفضاءات مؤقتة تباع فيها الأضاحي ويسهر أعوان البلديات على نظافتها"، وقد قدم لنا ذات المصدر هذا الطرح في سياق تأكيده على أن "إنشاء أسواق خاصة بالمواشي فقط هو أمر غير معقول نوعا ما على اعتبار أنه، رغم كلفة إنجازها، فإن القائمين عليها وممارسي النشاط فيها قد يجدون أنفسهم يعملون خلال مناسبات عيد الأضحى فقط". ويتابع ذات المتحدث بقوله "لا ينبغي التهويل مما يعتبره البعض مرضا ناتجا عن علف الماشية في العاصمة، والأمر لا يعدو كونه مجرد حساسية تصيب الجلد بفعل حشرات تتواجد دائما في العلف أو ما يعرف بالقورد" وفق تعبير ذات البائع الذي يضيف بأن أسعار الأضاحي هذا العام معقولة وأنها تتراوح عنده بين 25 ألف و39 ألف دينار وأن الكباش "السمينة" يصل ثمنها إلى أكثر من 50 ألف دينار، حيث يرجع سبب كون أثمان الأضاحي "معقولا" هذا العام إلى كون "الكثير من باعة وسماسرة الأضاحي فضلوا عدم العمل هذا العام باعتبار أن العام الماضي كان قاسيا عليهم وأن السوق قبيل عيد الأضحى الماضي كانت غير مستقرة لا سيما خلال الأيام الأخيرة من عملية البيع". وفي الأخير، فإن ذات البائع يعترف بأن انتشار أماكن بيع المواشي في العاصمة، قبيل عيد الأضحى من كل عام، يعود في جانب منه إلى الرغبة في الربح السريع لكن السبب الأقوى، حسبه، يرجع إلى تعود هؤلاء الباعة على هذا النشاط إلى درجة تصبح هناك "علاقة نفسية قوية بين البائع وبين هذا النوع من النشاط" مثلما يقول.