هو الرسام الألماني "فنست فان غوخ"، الذي يعد واحداً من أعظم الرسامين في التاريخ، حيث ساهمت رسوماته في بناء أسس الفن الحديث، فعلى مدار عشر سنوات من العمل بالرسم قدم فان جوخ 900 لوحة و1100 رسمة، وتعد أعماله من أغلى اللوحات في العالم، وفي سن 37 أنهى فان جوخ حياته بيده بإطلاقه النار على صدره، وذلك بعد أن عانى من حالة نفسية سيئة وُضع على إثرها في مستشفى للعلاج النفسي، وكانت آخر كلماته: "إن الحزن يدوم إلى الأبد". ولد "فان غوخ" في بلدة "زونديت" بهولندا عام 1853م لأب يعمل قسيسا بكنيسة البلدة، وهو الأب الذي زرع في أعماق هذا الصغير من خلال الجو الديني الصارم الذي أحاط بالأسرة مثلا عليا ربما كانت تصطدم كثيرا جدا بالواقع طوال حياة "فان غوخ". وعندما بلغ "فان غوخ" السادسة عشرة من عمره اصطحبه عمه إلى مدينة "لاهاي" ليعمل معه في القاعة التي يديرها والمتخصصة في بيع الأعمال الفنية سواء من الآثار القديمة أو من إنتاج الفنانين المعاصرين، وهي القاعة التي كانت تتبع مؤسسة "جوبيل" الشهيرة والتي يقع مركزها الرئيسي بباريس. ومن خلال هذا العمل تعرف فان غوخ على عالم الفن وتحمس لبعض الأعمال ولبعض الفنانين، ولهذا بذل جهده في إقناع عملائه بشراء أعمال هؤلاء الفنانين وبلغ من نجاحه أن قررت المؤسسة نقله إلى لندن ليدير فرعها هناك. واستمر هذا النجاح الذي صاحبه اهتمام "فان" بمظهره وأناقته الشخصية إلى أن أحب إحدى الفتيات وتدعى "أرسيولا" ولكنه عندما طلب منها الزواج هزأت به وصدته في خشونة شديدة مما جعله يصاب بما يشبه الهوس الديني، فبدلا من أن يناقش العملاء عن جماليات اللوحات المعروضة بالقاعة التي يديرها أخذ يحثهم على الدين.. مما جعل الشركة تنقله إلى باريس، حيث تدهورت حالته النفسية وانطوى على نفسه وأصابته الكآبة.. وقبل أن تقرر الشركة فصله كان قد قدم استقالته عازما على تكريس حياته للخدمة الدينية بعد أن اتجه إلى لندن ليعمل كمدرس للغة الفرنسية، ولكن جو لندن المظلم الكئيب وذكريات جرحه العاطفي جعلت حالته النفسية تزداد سوءا فعاد إلى هولندا، حيث التحق بمعهد لاهوتي في "أمستردام" وعكف على الدراسة الجادة ستة أشهر حتى أصابه الملل وقرر أن يعمل واعظا بين عمال المناجم والفلاحين في إحدى قرى بلجيكا حيث عايش المرضى بحمى التيفوئيد وحاول تخفيف آلام الاحتضار عليهم، وسهر مع الفقراء والجرحى.. بل ووزع عليهم ملابسه وأغطيته وأصبح يعاني من البرد والجوع إلى الحد الذي جعل مظهره يتدهور.. وببلوغ "فان غوخ" السابعة والعشرين من عمره، التحق بأكاديمية الفنون في مدينة "انفري" حيث بدأ حياته في عالم الألوان. وفي هذه المرحلة دعا "بول غوغان" إلى الإقامة معه وهو يحلم بإنشاء رابطة للفنانين وبأن يكون منزله هو نواة تحقيق هذا الحلم.. إلا أن وصول "غوغان" أعقبته المتاعب، فالمناقشات احتدمت والخلاف في الرأي اتسع والصخب الذي يثيره "غوغان" أينما حل أدى إلى توتر أعصاب "فان غوخ" وظلت حالات الهياج الجنوني تعاوده من حين لآخر حتى قام في إحداها بقطع آذنه وربط رأسه المصاب ثم قدم الأذن المقطوعة في لفافة إلى محبوبته التي طلبت منه أذنه خلال إحدى مداعباتها له، وعندما عاد إلى بيته أغمي عليه ولم يفق إلا في المستشفى، وعندما استرد صحته طاردته أنظار أهل البلدة وصيحات أطفالها.. فانهارت أعصابه ولم يجد أخوه بدا من نقله إلى مستشفي للأمراض العقلية بالقرب من "أرل"، وهي المستشفى التي مكث فيها عاما، وسمح له بالرسم فيها فظهر في لوحاته بهذه المرحلة شيء من عنف نوبات الصرع التي تعرض لها.. وعندما نجح أخوه في بيع إحدى لوحاته بمبلغ 400 فرنك.. اقترح أن يستخدم هذا المبلغ في الاستشفاء بمصحة خاصة قرب باريس يشرف عليها طبيب يدعى "دكتور غاشيت" وهو من هواة الفن، وقد أمضى هذا الطبيب أوقاتا طويلة في صحبته، ولكن نوبات الصرع راحت تتوالى بانتظام وسئم جوخ الحياة.. فخرج إلى حقل مجاور وأطلق على نفسه الرصاص ولكنه لم يمت على الفور حيث نقله "تيو" إلى المستشفى التي مات بها بعد يومين وهو لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره بعد أن رسم أكثر من 700 لوحة وحوالي 1000 رسمة. مات معدما، هزيلا، نحيلا، مهووسا، بعد أن طارده المرض وقذف به إلى مصحة عقلية، مات فان غوخ ليبدأ العالم تذكره وكتابة اسمه في قائمة الخالدين بأعمالهم.. الآن لوحاته لا تقدر بملايين الدولارات.. وهو كان يعيش أياما بأكملها على رغيف خبز واحد..!