يعرض مجموعة من المخرجين العرب باكورة أعمالهم في الدورة السابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي الذي يفتتح الخميس القادم. وسيشهد المهرجان تتويج المخرج الجزائري "مرزاق علواش" بجائزة مجلة "فارايتي" السنوية المخصصة لصناع السينما في الشرق الأوسط. وقال "علي الجابري" مدير مهرجان أبو ظبي السينمائي: إن المهرجان سيتوج "علواش" بجائزة مجلة "فارايتي" باعتباره "من أهم المخرجين الجزائريين" وسيعرض فيلمه "السطوح" في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة. كما يعرض المهرجان الفيلم الأول الذي أخرجه "علواش" عام 1974 "عمر قاتلاتو الرجلة" ضمن برنامج يحتفي بالأعمال الأولى لمخرجين عرب بارزين. مرزاق علواش، وهو من أشهر المخرجين السينمائيين الجزائريين، في بلدان المغرب العربي وفي العالم، كان أول من تجرأ، في فيلمه الرائع (عمر قتلاته الرجلة) للحديث عن الواقع اليومي الجزائري: الحياة الصعبة، البطالة، أزمة السكن، العلاقة بين الجنسين، قصة الفيلم عن شاب جزائري يعيش وسط عائلته التي تسكن منزلاً ضيقاً مزدحماً بإخوته أو الشارع الذي يسكن فيه، وعالمه الخاص المحصور بينهما، يفتقد عمر إلى شريط ويعاني الوحدة، يحاول أن يقيم علاقة مع فتاة سمع صوتها ذات مرة مليء بالشجن، ولكنه لا يدري كيف يتم التواصل معها. يعمل موظفاً في مكتب صغير، يقضي أوقاته في الشوارع لاهياً، يراقب النساء، أو في مشاهدة الأفلام، تعترضه عصابة وتسرق نقوده، وتترك جرحاً في وجهه، يلجأ إلى صديق مهرب لشراء مسجل، يعثر على شريط كاسيت بصوت فتاة، يرتبط بها بعد معاناة، إنها ضائعة مثله، لكنه لا يستطيع التواصل معها، ويعود إلى سابق عهده. فيلم مرزاق علواش غاص في العمق، تنبأ بأيام قادمة يعيشها هؤلاء الشباب الموضوعون على الهامش في الجزائر. وتابع مرزاق علواش مسيرته، في أفلام لافتة تصور مختلف مراحل تطور الذهنية الاجتماعية الجزائرية. يقدم (مغامرات بطل) 1978 وأحداثه: في إحدى القبائل الصحراوية، ينتظرون البطل الذي سيدافع عن الفقراء، ويحقق العدالة، ينتظر أحد العجائز الموقف، فيقوم بوضع علامة البطل على ابنه، كي يضمن له المستقبل السعيد، تفرح القبيلة، بمولد المخلص، ويقدمون له القرابين، تمر السنون، ويكبر الطفل، وعليه أن يصبح بالفعل بطلاً عندما يصير شاباً، يتلقى تعليمه، ويحاط بهالة من القدسية، رغم أنه ليس أكثر من بطل مزيف، يجوب البلاد ليتعرض لمجموعة مغامرات مصاغة بخيال جامح ومفعمة بروح السخرية. وعبر هذه المغامرات والمشاهد الفانتازية، يطرح المخرج تأملاته في قضايا العصر ومشاكل المجتمع الجزائري. ثم يقدم علواش فيلمه (رجل ونوافذ) عام 1982 ويدور حول رجل ينقل من عمله الأصلي، كأمين في المكتبة الوطنية إلى ناظر في مكتبة دار السينما الجزائرية، هو إنسان مثالي في عمله، ولكن هذا يولد الغيرة في قلوب الآخرين منه، يسعى إلى العودة للوظيفية القديمة، ويتقدم بشكوى إلى مكتب الوزير، يتم تجاهل شكواه، وبعد العديد من المحاولات يعود إلى وظيفته في المكتبة الوطنية. ليهاجر علواش بعد الفيلم إلى باريس ويعمل هناك فيقدم (حب في باريس) 1987، و(باب الواد الحومة) 1994، و (الجزائربيروت للذاكرة) 1998، و(سلاما ابن العم) 1996 الذي يتعرض لوضع الجزائريين في الجزائروفرنسا. وبعد ذلك أخرج مرزاق علواش (باب الواد سيتي) 1994 الذي تطرق فيه إلى موضوع الإرهاب والسنوات السوداء التي عصفت بالجزائر. ثم يقدم (سلاما يا ابن العم) 1996: وهو فيلم يقترب بقصته من الحكايا الشعبية لعلواش الذي يصرح دائماً برغبته (في متابعة عرض شهادته من الجزائر)، يروي الفيلم الصعوبات التي تعترض شاباً جزائرياً وابن عمه في العاصمة الفرنسية واللذين يعيشان من بعض الأعمال الصغيرة المشتركة. والفيلم مبني على التناقضات القائمة بين هاتين الشخصيتين وعالميهما. يصل عليلو من الجزائر العاصمة إلى باريس ليعمل بتجارة مشبوهة، يستقبله موك، ابن عمه الذي ولد وعاش في باريس طوال عمره، يضيع عليلو عنوان مراسله في باريس، فيبدأ بسياق لاهث يدوم خمسة أيام بحثاً عن الحقيقة التي سيأخذها معه إلى الجزائر. خلال هذه ((الإقامة الفرنسية القسرية)) يصوّر لنا الفيلم الضغوط في المجتمع الجزائري من خلال الانبهار الدائم الذي يبديه عليلو، وقسوة الحياة الباريسية من خلال الأعمال التي يضطر موك للقيام بها، ويبقى عليلو الجزائري في باريس لأنه يلتقي فتاة يحبها، ولا يعلم أن ابن عمه قد أبعد عن فرنسا وتمت إعادته إلى الجزائر لتورطه في عملية مشبوهة. ووجها لوجه مع الإرهاب وأسئلته ينبني فيلم مرزاق علواش "العالم الآخر" المنتج بين الجزائروفرنسا سنة 2001 على قصة ياسمينة المستوحاة عن يوميات فتاة من بولندا هاربة من المحرقة النازية؛ الموضوع مأساوي وعلى درجة عالية من الحساسية تنطلق ياسمينة الجزائرية المولودة والمقيمة بفرنسا في رحلة للبحث عن خطيبها رشيد الذي يقرر إثر نزوة طارئة، الالتحاق بصفوف الجيش، رشيد ينخرط في الجيش الجزائري في التسعينيات من القرن الماضي، وهو ما يعني انخراطه لا محالة أيضا، في حملة مكافحة الإرهاب.. وفي إحدى المهام يسقط في كمين للإرهابيين لتنقطع أخباره عن ياسمينة، في خضم رحلة بحث ياسمينة عن خطيبها تنخرط هي أيضا في دهاليز متاهية تقودها إلى اكتشاف الكثير من الحقائق والآفات الاجتماعية والسياسية للجزائر وتعريتها من منظورين اثنين، منظورها هي كملاحظة من خارج ساحة الحرب وأطرافها المعنية بها، وهو الموقف الذي يعبر عن نفسه بواسطة أسئلة القلق الكثيرة والعارية عن أسباب هذه الحرب، عمن تكون أطرافها الحقيقية، والغاية من ورائها؟ ومنظور الواقع المر والعبثي أحيانا؛ الواقع الذي يدفع للحرب ونقيض الحرب في آن معا.. ما هي أسباب المد الأصولي في الجزائر؟ وما هي العوامل التي تقف وراء المسار الذي أخذته الأحداث؟، وقبل ذلك وبعده: أين يكمن المشكل يا ترى في كل هذا الغموض المعتم، وكل هذا الوضوح الجلي؟! إنه السؤال الذي حرص المخرج مرزاق علواش ورغب في أن يظل مطروحا بالصوت والصورة لإثارة التفكير بجدية في الظاهرة قبل الإقدام على الخطوة الموالية، أي خطوة كانت، وفي أي اتجاه، مع بصيص من الأمل يتجسد من خلال اللقاء الحار والحميم بين ياسمينة ورشيد في نهاية الفيلم. ويتناول فيلم "شوشو" للمخرج مرزاق علواش المنتج عام 2003 موضوعاً حساساً وجريئاً في آن -يرتبط كما هو الشأن بالنسبة لأعمال أخرى أنجزها في السنوات الماضية- بالعلاقة بين ضفتي المتوسط، وجاء في مزيج من الكوميديا والدراما الاجتماعية، ولعب دور البطولة فيه الممثل الفرنسي ذو الأصل المغربي "جاد المالح" الذي يجسد دور شاب مخنث يحلم بالحياة في الغرب. وتنطلق الأحداث بوصول "شوشو" القادم من إحدى دول المغرب العربي إلى باريس متنكراً في زي تقليدي من أمريكا اللاتينية، فيلجأ أولاً إلى كنيسة لاستعطاف الراهب والجمعيات الخيرية كلاجىء هرب من بطش ديكتاتور تشيلي الجنرال بينوشي. ورغم الطابع الكاريكاتوري للشخصية المنتحلة فإن "شوشو" يحظى بعطف ومحبة كبيرين من الأب "ليون" الراهب الذي يجسد دوره الممثل الفرنسي "كلود براسور" فيأويه في الكنيسة ويجد له عملاً لدى طبيبة /محللة نفسانية/، وبعد أن استلطف تلك الطبيبة يبوح لها بسره فتسمح له بأن يتحول إلى امرأة أثناء عمله بعيادتها. وتشاء الصدف أن يلتقي "شوشو" بصديق مغاربي في حي "كليشي" الشهير بقلب باريس، وهو مخنث أيضاً ويرافقه إلى ملهى "ببلي" حيث يشتغل قريبه "حميد" الذي تحول إلى "فاليسا" كمغنٍ دائم. وتمكن "شوشو" بعد هذه السهرة من الحصول على منصب عمل كنادلة في الملهى ويقع في حبها "سنتليسلاس" الذي يؤدي دوره الممثل والمخرج الفرنسي "آلان شابا". لكن أيام السعادة هذه لم تدم طويلاً وما لبثت أن صارت جحيماً بعدما اكتشف مفتش الشرطة "جريجوري" أمره وعلم أن النادلة رجل من المغرب العربي يقيم بفرنسا بطريقة غير شرعية. إلا أن مرزاق علواش يعود إلى الجزائر بفيلم "باب الويب"، حيث يتلاعب في عنوانه بالكلام، نعلم أن حي "باب الواد"، أحد أشهر الأحياء في العاصمة الجزائرية، وكلمة "الويب" تشير إلى شبكة الإنترنت.. ويروي الفيلم قصة شقيقين، مولودين في فرنسا من أصل جزائري، ويقرر الأهل مغادرة فرنسا والعودة إلى الجزائر، مما يفرض بداية تأسيس حياة جديدة. ويبدأ الشقيقان في البحث عن عمل لكسب العيش، وتضطرهما الظروف لقبول أعمال بسيطة كبيع الدخان في الشوارع، مثلا، وطريقة التسلية الوحيدة للتواصل مع العالم هي عن طريق الإنترنت، ويتعرف أحدهما عن طريق "غرف الدردشة" على فتاة فرنسية تقرر زيارته في الجزائر. فيلم علواش حراقة الذي يختار تيمة "الهجرة السرية"، "قوارب الموت" ويتحدث عن أولئك المتوسطيين الجنوبيين الحالمين، الذين يتوقعون العثور على الجنة في ضفة المتوسط المقابلة، الهاربون الذين يحرقون أوراق هوياتهم، ويتخلصون من كل ما يتخذ حجة ضدهم تسهل مهمة طردهم من طرف سلطات (الجنة الموعودة) وإعادتهم إلى (الجحيم) في أوطانهم ليواجه كل واحد المصير الذي دفعه للرحيل، إذ أن الدوافع تختلف وتتنوع حسب الحالات. انتزع مرزاق علواش عن فيلمه "التائب" لمرتين على التوالي جائزة أفضل فيلم روائي عربي في مهرجان الدوحة- ترابيكا السينمائي. وقالت لجنة التحكيم إنها اختارت منح جائزة أفضل فيلم روائي عربي لفيلم "التائب" نظرا لما فيه من "شحنة قوية ومتنوعة من المشاعر ولأسلوبه الدقيق في معالجة شخصيات مركبة في لحظة مأساوية من وجودهم ومن تاريخ وطن". قام علواش عبر عمله السينمائي بإنجاز أفلام ذات قيمة جمالية واجتماعية تعكس التحولات الجديدة في المجتمع الجزائري كما تعكس طبيعة الأسئلة الجديدة المطروحة في المجتمع وعلى صعيد الموضوع والتقنية والجمالية في هذا الحقل المتفتح على التغيرات السريعة التي يشهدها العالم.