عندما تسأل حفيظ دراجي عن أسوأ ذكرى في حياته، لا يتردد لحظة في أن يقول لك بأن مغادرته للتلفزيون الجزائري منذ خمس سنوات هي الأسوأ على الإطلاق، وعندما تتحدث معه في أي موضوع كان -سواء سياسيا أو رياضيا- لا يمكن أن ينهي معك الحديث دون أن يحدثك عن الجزائر والتلفزيون الجزائري الذي كبر فيه مع تغير نبرة صوته ودقات قلبه وكأنه يتكلم عن شيء عزيز فقده.. حاولنا أن نحاوره مباشرة بعد نهاية المقابلة الفاصلة بين الجزائر وبوركينافاسو، بعد كل الهذيان الذي أصابه كمناصر قبل أن يكون معلقا على مباراة حبست أنفاسه وخلطت لديه حتى أسماء اللاعبين فكان عفويا وتلقائيا، هذه العفوية التي جعلته يصرخ "يا يمااااااااا" عندما كادت كرة بوركينا تخترق شباك المنتخب الوطني. في هذا اللقاء يفتح حفيظ دراجي قلبه لجمهوره ويتحدث عن مستقبل المنتخب في مونديال البرازيل وعن الأزمة الأخيرة التي حدثت بين التلفزيون الجزائري وقناة الجزيرة وحتى موضوع كتاباته التي شكلت لغطا بسبب النقد اللاذع الذي تتناوله مقالاته عن الوضع السياسي في الجزائر.. كما يعد حفيظ دراجي قراءه وجمهوره بتفاصيل دقيقة عن أسباب مغادرته للجزائر ويقول إنه سيميط اللثام عن كل الحقائق التي بقي صامتا عنها سنوات لأسباب سيذكرها في حينها. حاولت أن أجمع بين المعلق والمشجع، لأن الأمر يتعلق بمنتخب بلدي، وقد كنت أحيانا معلقا وأحيانا أخرى مشجعا دون وعي أو قصد، وسيناريو المباراة وقبلها الضغوطات التي عشناها فرضت علي ذلك الريتم وتلك الحماسة والتجاوب، كما أن البعد الجسدي عن المنتخب وعن الجزائر يزيد من شدة الضغط ويجعلك أكثر حماسة وتجاوبا وينسيك بأنك معلق على مباراة كروية، بدليل أنني أخلطت بين أسماء اللاعبين وهذيت كثيرا خلال المباراة، لكنني مع هذا لم أقع في فخ الشوفينية الضيقة والتحيز المضر لأخلاقيات المهنة.. مباراة الجزائر هي مباراة القلب ولا مجال للمقارنة مع أي مباراة أخرى، وعلى الرغم من أن الأمر هو نفسه -أي التعليق على مباراة كروية- لكن المشاعر والأحاسيس ليست نفسها لعدة اعتبارات ذاتية تتغلب علي في مثل هذه المواقف. في مباراة البارسا والريال لا يهمني لا من يربح ولا من يخسر، ولكن عندما تلعب الجزائر ولو مباراة ودية تنتابني مشاعر الخوف، خاصة على جمهور بلدي الذي يعشق الكرة بجنون ويحب المنتخب بشكل فريد قد يؤثر على معنوياته عند الخسارة، فما بالك بمباراة تصفوية فاصلة مؤهلة إلى كأس العالم، كما أن الجزيرة تسمح لي بأن أكون معلقا جزائريا عندما أعلق على مباريات المنتخب. التأهل للمشاركة في المونديال لا يمكن أن يرفض حتى لو لم تكن جاهزا، ومنتخبنا ليس متكاملا وليس جاهزا، اليوم، ولكنه ينضج كل يوم وبعد كل مباراة، ومعالم التشكيلة بدأت تتضح وصار يملك هوية لعب وثقة في النفس جعلته يسجل عديد الأهداف ويفوز خارج الديار رغم نقص المنافسة والخبرة لدى الكثير من اللاعبين، وفي شهر جوان 2014 سيكبر بسنوات ويكون حاله أفضل. أتوقع أن تكون مشاركتنا أفضل من مونديال جنوب إفريقيا، وواثق من ذلك لأن حاليلوزيتش قال لي شخصيا ذات مرة "أنا لا أفكر وأسعى إلى التأهل للمونديال من أجل المشاركة ولكن من أجل مفاجأة العالم بأداء ونتائج تاريخية"، أضف إلى ذلك فإن المشاركة في المونديال يجب أن تصبح في قاموسنا وسيلة وليس غاية في حد ذاتها، وسيلة نستثمر فيها لتأكيد حضور الجزائر الدائم في المواعيد الكبرى كبلد يفتخر به أبناؤه بين الشعوب الأخرى، وليست غاية نستغلها ظرفيا للتغطية على تراجع الرياضة وعلى قضايا وطنية أخرى أكثر أهمية. أنا لم أطلق النار على التلفزيون كهيئة ومؤسسة من مؤسسات الدولة، بل مسؤولوه هم الذين أطلقوا علي النار في نشرة الثامنة وحاولوا أن يتلاعبوا بمشاعر الناس ويغطوا على فشلهم في الحصول على حقوق بث المباراة بالطرق القانونية والشرعية، لو لم يذكر اسمي في النشرة الرئيسية لما نطقت بحرف واحد لأنني لست طرفا في القضية ولست ناطقا رسميا باسم الجزيرة، ولولا التزامي بمبدأ التحفظ لكشفت للرأي العام كل المراسلات التي تبادلتها الجزيرة مع التلفزيون الجزائري والتي لا تحمل أي نوع من الابتزاز أو المساومة أو المساس بسيادة الجزائر كبلد، ومع ذلك أعدكم بالكشف عن أمور أخرى والكشف عن خلفيات إثارة مثل هذه القضية في هذا الوقت بالذات ومن وراءها ولماذا تم الزج باسمي. منذ غادرت التلفزيون سنة 2008 لم أذكره بسوء، بل أفتخر وأعتز به دوما لأنه تلفزيون بلدي وفيه كبرت وتعلمت كيف أكون رجلا وإعلاميا، ومثلما هو واجبي الدفاع عنه فإنه من حقي التحسر عليه وعلى الوضعية التي آل إليها الآن، لأنني لازلت في تواصل دائم مع زملائي هناك. أتحدى من يثبت أننا علّقنا على مباريات مسروقة، وأتحدى من يثبت أننا تعرضنا لبهدلة مثل التي حدثت، مؤخرا، كل تلفزيونات العالم بما فيها القنوات الجزائرية الخاصة اليوم كانت تستغل صور لقطات دوريات أوروبية وكنا نفعل الشيء نفسه عندما صارت تلك الصور محتكرة من قبل وكالات وتلفزيونات معينة، ولكننا لم نصل إلى حد السرقة والتعدي على حقوق الغير ثم بعدها نتودد الناس في الخفاء ليتوسطوا لنا من أجل تجنب التبعات. القضية لم تنته، والذي أعرفه أن الجزيرة قررت عدم التشويش على المنتخب الوطني طيلة الشهر الماضي حتى يحضر كما ينبغي لمباراة العودة ويتأهل إلى المونديال، وأرجو أن تطرحوا هذا السؤال على مسؤولي التلفزيون الجزائري ليقولوا لكم ما هي التبعات، ومع ذلك لا أتمنى أن يدفع التلفزيون الثمن غاليا لأنه تلفزيون بلدي وليس ملكية خاصة لمن يديرون خيوطه من خارج أسوار المؤسسة دون وعي وإدراك بأن الأمر يتعلق بمؤسسة سيادية لبلد بحجم الجزائر. أنا لا أحسب الأمور بهذا الشكل من ناحية الشعبية والجماهيرية، وحتى لو فقدت حب واحترام كل الناس بسبب مواقفي ومبادئي وقول الحق فلن أتردد ولن أخاف في الدفاع عن نفسي ورأيي، وفي نهاية المطاف جمهورنا يدرك بوعيه خبايا الأمور، وما عليك إلا العودة إلى صور صالون الكتاب الأخير لتشاهدي التفاعل الجماهيري معي دون أن يشير أي واحد منهم إلى موضوع القرصنة. القضية يجب وضعها في إطارها الإعلامي، وهي ليست قضية بين الجزائر وقطر وإنما بين هيئتين إعلاميتين لا تتعدى النطاق التجاري البحت بين مالك حقوق وآخر يريد اقتناء الحقوق، ثم ما أعرفه شخصيا أن العلاقات بين البلدين كانت دائما على أحسن ما يرام وفيها الكثير من الاحترام المتبادل. أنا أعرف جيدا الحدود بين الصداقة والمهنية، ويعرف الناس مدى التزامي بالمبادئ والقيم والمهنية في تعاملاتي، وإذا كان هناك أي تقصير وإجحاف فهو في حق الرجل وكل ما فعله ويفعله للكرة الجزائرية والذي يشهد عليه الغريب قبل القريب، ويشهد عليه بلاتر وحياتو ورؤساء اتحاديات العالم، وكذا رؤساء النوادي الجزائرية وكل المسؤولين والجماهير في الجزائر بأنه صنع الفارق ورجل كفء ومخلص في عمله، ومع ذلك لم يسبق لي وأن كتبت عنه أو ذكرته بخير بحكم علاقتي به لأن شهادتي فيه مجروحة، ثم إنني لست مدافعا عن المدرب الأجنبي، بل مدافع عن المدرب الوطني حاليلوزيش الذي أصنفه ضمن خانة أحسن المدربين الذين أشرفوا على الجزائر منذ سنوات، تعرض إلى حملة شرسة من قبل بعض الفاشلين الذين لم يجدوا ناديا يدربونه وراحوا يعطونا دروسا في مهارات التدريب بكل الحقد والكراهية وتصفية الحسابات، حتى أن بعضهم كان يتمنى عدم تأهل المنتخب إلى المونديال حتى تصدق تكهناتهم وتوقعاتهم، وهناك مدربان قالاها لي بصراحة دون حياء أو حشمة. أنا أملك الشجاعة الأدبية والأخلاقية والمهنية لأقول رأيي وأقول ما أفكر فيه، ولا أمارس هذه المهنة من أجل محاباة الناس أو الاستغلال الشخصي، والحياة مواقف وأراء عندما يتخذها الإنسان ويقولها بكل أدب واحترام ودون حقد، أما عن نفسي فإنني كنت دائما أدفع ثمن شجاعتي وصراحتي ومستعد لأدفع حياتي من أجل ذلك. لا أعتبر نفسي كاتبا أو محللا سياسيا، بل أنا مجرد إعلامي جزائري كان لوقت كبير متخصصا في الرياضة، ولكنه منذ أن تحرر من واجب التحفظ صار يكتب في مختلف المجالات ويهتم بكل شؤون الحياة ليساهم برأيه في المستجدات الحاصلة في البلد برؤية محايدة، ثم لا أفهم لماذا ينزعج البعض من كتاباتي، هل ما أكتبه يزعج إلى هذا الحد؟ وهل تعلمون بأننا لم نكتب كل شيء بعد والكثير من المسؤولين في الصالونات يقولون أكثر مما نكتب، كما أظن أن الرأي والرأي المخالف مطلوب حتى نعبر عن أفكارنا بكل حرية، ثم أقولها بصوت عال لن أتوقف عن الكتابة ولن أترك القلم ولن أصمت عن أي شيء أراه موجعا لوطني. وقد يقال يوما إنني لا أعلق على المباريات على الهواء وإنني أستعين بصوت يقلد صوتي أو يعلق مكاني، نعم ليس حفيظ المعلق الرياضي الذي يكتب بل هو حفيظ الإعلامي الحر والمستقل الذي أشكره بالمناسبة على كرمه وعلى كل الأفكار والمقالات التي يكتبها لي، لا أدري لماذا يطلق الناس مثل هذه الإشاعات لكن يكفي أن قرائي الذين يتابعونني منذ ثلاث سنوات يثقون بي ويقرأون لي ويتفاعلون معي بردودهم وآرائهم. ليس انتقاما ولا تصفية حسابات، وليس لدي أي مشاكل شخصية مع أي كان، ولم يسبق لي أن ذكرت أي مسؤول باسمه في كتاباتي، ثم لماذا أصفي حساباتي مع التلفزيون أو مع مسؤولين لم يسبق وأن عملت معهم وليست لي أية علاقة بهم، كما أنني استقلت من التلفزيون بعد مشاكل حدثت لي مع أشخاص ومسؤولين من خارج التلفزيون وليس من داخل التلفزيون. قضيت عشرين عاما في التلفزيون الجزائري كانت من أجمل أيام عمري وأحتفظ إثرها بعلاقات محبة وأخوة مع كل الموظفين، ولكن أسأل المسؤولين لماذا يحاصرون أختي الصحافية في التلفزيون بسببي؟! وأسألهم لماذا يمنعون كل صوري وتعاليقي من إعادة البث ولماذا لم توجه لي الدعوة في احتفالات الذكرى الخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية على التلفزيون؟! وأنا الذي أفنيت عمري في خدمته إعلاميا ومسؤولا في وقت كان بعضهم يتهربون ويهربون من تحمل مسؤولياتهم، الأدهى والأمر أنهم برروا فعلتهم بقرار جاءهم من رئاسة الجمهورية بمنعي من حضور الاحتفالات، ومع ذلك فلا أحد يمكنه أن يمحو من الذاكرة والتاريخ ما فعله الرجال في كل المجالات مهما حاولنا طمس الحقائق. ليس هناك أية علاقة بين مكان إقامتي وما أكتب، ولا أحد بإمكانه أن يمنع أي جزائري أو يمنعني كمواطن جزائري حر من الكتابة في شؤون بلدي، لأن ذلك ليس حكرا على من يعيشون داخله، ثم إن الجزائر تعيش بداخلنا ولسنا بحاجة إلى أن نكون داخل الوطن لنكتب عنه، وأفضّل أن أغادره وأنا مرفوع الرأس على أن أبقى داخله أنهب خيراته وأسيء إلى شعبه، ثم إن الهجرة والغربة والقراءة والكتابة والمقاربة والمقارنة بين الأشياء علمتني أشياء كثيرة وجعلتني متيقنا بأننا ظلمنا أنفسنا وظلمنا وطننا وشعبنا، وبإمكاننا أن نكون أفضل. قلت وكأن نهاية العالم ستكون في 2014 لأن تركيز الساسة وبعض وسائل الإعلام صار منصبا حول الرئاسيات المقبلة أكثر من اهتمامنا بحل مشاكل الناس والتخطيط للعشرين أو ثلاثين سنة المقبلة، بغض النظر عن الأشخاص، لأن الجزائر أكبر من أي كان ولا يمكن أن تختصر في شخص واحد، ثم إن الحديث منصب عن العهدة الرابعة وكأن من دونها ستنهار الجزائر.. أنا لست من هواة تصنيف الناس بين مؤيد ومعارض للعهدة الرابعة ولا من هواة تشخيص الأمور وإقصاء الناس بسبب أرائهم ومكان مولدهم، ولكنني مع احترام كل الآراء وكل الناس مع عهد جديد للجزائر بنفس جديد وفكر جديد دون حقد أو كراهية أو إقصاء لمن يختلفون معنا بغض النظر عن اسم الرئيس، الوزير أو المدير. لا يهم الاسم بقدر ما تهمنا الصفات، ولكن مع ذلك يوجد في الجزائر الكثير من الرجال ممن يعرفهم عامة الناس وآخرون لا يعرفهم كل الناس، بإمكانهم قيادة البلد نحو آفاق أحسن. الجزائر التي أنجبت بومدين يوجد فيها أمثال بومدين في إخلاصه ونقاوته وحبه للوطن.. قلت لك إن الأمر لا يتعلق بالأسماء، الجزائر بحاجة إلى رجل دولة يحمل ثقافة الدولة في قلبه وعقله وتصرفاته، لسنا بحاجة إلى رئيس نحبه بقدر ما نحن بحاجة إلى رجل نحترمه مقابل احترامه للشعب وخدمته للدولة التي يرأسها والمنصب الذي يشغله في بلد عظيم يستحق أن نضحي من أجله بكل ما نملك. في الجزائر يكذب من يدعي أنه يمسك أحجار اللعبة السياسية أو يفهم تماما ما يحدث بمن في ذلك الكثير ممن يوجدون في السلطة، واخترت عنوان "دومينو" نسبة للعبة التي تمارس فيها كل الحيل وتستعمل فيها مصطلحات هي نفسها المستعملة لدى الكثير من الساسة عندنا في سيناريو يبتعد كل يوم عن الأخلاق والمبادئ والقيم. أنا لم أخرق السماء ولم آت بشيء جديد، لأن الأمر سيكون كذلك في الأيام المقبلة، مثلما كان يمكن لأطراف أخرى أن تستغل الإقصاء لإثارة البلبلة وزرع الشك واستغلال تذمر الناس لتحريك كل مشاعر اليأس والإحباط التي يعاني منها الشعب، أما عن العهدة الرابعة فإن استغلال تأهل المنتخب إلى المونديال سيكون واحدا من عوامل تحريكها، ولكن الكثير منا يجهل بأن تأهل الجزائر إلى المونديال سيزيد هذه المرة من وعي الجزائريين بمدى تقصيرنا تجاه بلد يتألق فيه المنتخب من دون كل المجالات الأخرى التي نملك فيها قدرات كبيرة للتألق أيضا ولكننا نكتفي بتألق المنتخب الذي مع ذلك نجد من يشكك فيه ويتمنى أن لا يتحقق لأغراض مشبوهة. يمكنكم سؤال الموظفين في التلفزيون عن فترة حمراوي حبيب شوقي وكيف كنا وماذا فعلنا وحتى وإن لم نصل مهنيا إلى المستوى المطلوب، فلا أحد كان يشك في إخلاصنا وجهدنا الدائم والمتواصل من أجل القيام بواجبنا في مؤسسة عمومية ساهمت في الحفاظ على توازن النسيج السياسي والاجتماعي والأخلاقي للمجتمع، ثم إننا كنا قساة على أنفسنا أكثر من قسوة المتتبعين وبعض المشاهدين علينا، وما قدمناه طيلة عشرية من الزمن يتحسر على تضييعه كل أبناء المؤسسة اليوم، ويشعر به المشاهد الذي يهجر قناته باستمرار للأسف الشديد.. أعد الجميع أنكم ستقرأون -عما قريب- أدق التفاصيل لكل ما حدث معي ودفعني إلى مغادرة الجزائر وليس فقط التلفزيون الجزائري، حيث أخذت قراري في يوم واحد وهذا بسبب أشخاص من خارج المؤسسة ممن جعلوا الجزائر مملكة وملكية خاصة يتحكمون في رقاب العباد والبلاد كما يشاؤون دون أدنى اعتبار للرجال الذين صمدوا في مواقعهم سنوات الدم والدمار.. سأفاجئ الجميع بتفاصيل مثيرة لم أخض فيها لحد الآن احتراما للرجال والمؤسسات ولكن المعطيات اليوم صارت تقتضي قول الحقيقة لأنني لا أريد أن أموت دون أن أقول وأكتب الحقيقة حول مغادرتي التلفزيون الجزائري التي كانت مُرة مرارة العلقم وتألمت لها، خاصة وأنه لم يسبق لي في حياتي وأن فكرت في مغادرة الجزائر رغم كل الظروف والصعاب التي عشتها حتى أيام الإرهاب. منذ اليوم الأول الذي غادرت فيه التلفزيون الجزائري وأنا أحلم بالعودة إليه، وأدعو أسرتي إلى الاستعداد للعودة عند نهاية كل موسم دراسي لأنني أشعر بالحرقة على بلدي وأدرك جيدا بأن دوام الحال من المحال وسيأتي اليوم الذي يعود كل من يرغب من أبناء البلد إلى وطنهم لخدمته واستنشاق هوائه رغم تلويثه من طرف أناس حاقدين ومغامرين يتصرفون في شؤون الدولة دون ثقافة الدولة. في إطار الوضع الحالي لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري لما قبلت منصبا لا سياسيا ولا إداريا ولا مهنيا، ولكن عندما يحين العهد الجديد يكون لكل حدث حديث، علما أنه في 2010 عرض علي العودة الى التلفزيون بطريقة غير مباشرة ولكنني رفضت المنصب لأن التلفزيون يسير من خارج التلفزيون ولا أريد منصبا من أجل المنصب ويتحكم في أناس ليس لهم علاقة بالتلفزيون وأمور المهنة. صحيح، فكثيرا عندما أعلق على المباريات القوية التي يكون فيها الصراع على أشده بين الفريقين أقوم بعملية إسقاط على الملاعب السياسية التي يكون السياسيون فيها أكثر شراسة وتصادما وتصارعا على مصالحهم حتى لا أقول أفكارهم ورؤاهم لأن لا أحد من الذين يشغلون الساحة الآن يملك برنامجا واضحا ولا حزبا قويا ولا حتى فكرة واحدة يمكن أن يخدم بها الشعب، خلافا للاعب الرياضي الذي يفعل المستحيل حتى يرفع من حظوظ منتخبه سواء كان مدافعا أو مهاجما أو حتى صانع ألعاب. عالم الرياضة أيضا فيه كل الموبقات من رشاوى ومحاباة وصراعات... ولكن يبقى أنظف بكثير من عالم السياسة الذي يتغذى دائما من شر الدنيا كلها ولا يشبع أبدا. التعليق جعل صوتي يدخل كل البيوت دون حاجز، والكتابة جمعت حولي قراء ومتابعين لا يمكن الاستغناء عنهم، أما عن المتعة فإني أجدها في كلاهما ولا أستطيع الفصل بين أحاسيسي لأنني أعلق بقلبي وأكتب بقلبي أيضا. فات أوان إنشاء قناة رياضية محترمة في الجزائر بعدما كنا السباقين إلى طرح الفكرة في بداية سنة 2000 وكنا وقتها على مقربة من إنشاء قناة بالشراكة مع مؤسسة "أرتي" ولكن المشروع سقط سياسيا وليس إعلاميا، أما الآن وأن احتكرت الجزيرة كل الحقوق إلى غاية سنة 2022 فإن إنشاء قناة رياضية في الجزائر سيكون رهانا خاسرا ودون جدوى. المشهد الإعلامي السمعي البصري عندنا تعيس عموما في غياب الإطار القانوني وقلة الإمكانيات المادية والتقنية والمهنية للقنوات الخاصة والنقص الفادح في الموارد البشرية المتخصصة في هذا المجال ونقص مراكز التكوين، أضف إلى ذلك أننا تأخرنا بسنين قمرية عن فتح مجال كان بإمكانه أن يساهم في تنوير المجتمع وتثقيفه والاستثمار في التنوع والاختلاف الذي يزخر به مجتمعنا، وكذا تعويض تراجع التلفزيون العمومي في القيام بواجبه تجاه مجتمع لم يعد يخف عنه شيء بفعل الفضائيات ووسائط التواصل الحديثة التي قربت البعيد وسهلت الصعب وجعلت الخبر والمعلومة في متناول الجميع بأسرع ما يمكن. للأسف كل شيء عندنا صار يقتل، المطر والحر والطرقات والماء والهواء واليأس والفرح، حتى صارت النفوس البشرية رخيصة لا تثير في ضمائرنا أدنى مشاعر الحسرة على فقدانها، ومثل هذه الأمور لا تحدث سوى عندنا ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يموت أبناؤه وهم يحتفلون بفوز كروي لأن الخلل كبير في منظومتنا التربوية والاجتماعية والثقافية، ولأن الشعب لا يجد متنفسا آخر ماعدا الكرة ولا يفرح كل يوم رغم أنه يملك مقومات ذلك، الاهتمام الجنوني بالكرة والمنتخب سببه انعدام وسائل ترفيه أخرى لهذا الشعب في الأيام العادية واحتكار فئة من الناس لكل المناسبات التاريخية والثقافية والفنية وعدم إشراك الشعب في إحيائها والاحتفال بها. ما يحدث في الأوساط السياسية والاجتماعية، اليوم، من خوف وتخوين وتصنيف للناس بين مؤيد ومتردد هو التخلف بعينه في بلد بإمكانه صناعة المعجزات مثلما يصنعها منتخب الكرة وأكثر، وفي بلد لا يمكن أن ينهض وسط أجواء كئيبة يريد فيها البعض إضعاف مؤسسات الدولة وتقوية نفوذ أصحاب المال والمصالح الذين يريدون التحكم في رقاب الناس ظلما وبهتانا، ولكن يبقى الأمل قائما في جزائر أفضل مادام في الحياة نفس ومادام في الجزائر رجال أوفياء ومخلصون في بعض المواقع..