عبد الرزاق بوكبّة، بلا مقدمات ولا تورية•• عندما تعود من الخارج محمّلا بتكريم يحمل اسم ''درع الريادة العربي''، قدّم لك نظير ما قدّمته من برامج ثقافية باسم التلفزيون الجزائري•• عندما تعود، ولا تجد مكانك في التلفزيون، تحت مسمّى ''التسريح''، بماذا تشعر؟ لا شك في أن الأمر مؤلم بالنظر إلى رصيد الصدق الذي مارست به عملي طيلة السنوات الماضية ••العزاء الكبير عندي؛ هو أن لا أحد يستطيع أن يخرجني من القلوب التي دخلتها•• لا أحد يستطيع تسريحي من عقول الأصدقاء والأحباب الذين ربحتهم طيلة مشواري الإعلامي•• الناس رأس المال الحقيقي الذي لا يملك أحد حق سلبه مني •• لم يعد لك مكان في التلفزيون، مباشرة بعد إقالة مدير الأخبار السابق ''الشاعر'' إبراهيم صدّيقي، هل تعاملت معك إدارة التلفزيون بعقلية، زوال الرجال يتبعه زوال أصحاب الرجال؟ * ما كان يجمعني مع إبراهيم صدّيقي، هو الولاء للكتابة والإبداع، ثم إن وضعيّتي المهنية داخل مؤسسة التلفزيون؛ كانت مرتبكة حتى في عهد إبراهيم مدير الأخبار السابق، إلى درجة أنني لم أتقاض راتبي في التلفزيون لأكثر من سنة وهي الفترة التي قدمت فيها 4 برامج ثقافية هي ''كلام القصيد، الأماسي، وجهة نظر وفصول''•• والمفارقة أنني في عهد إبراهيم ''الصديق''، شبعت انتظارا لنقودي وبخروجه؛ حُسبت عليه (يضحك)•• مؤلم أن تدفع أجر وجبة لم تأكلها•• لكن الجميع يلحظون التعامل الإقصائي، الذي باتت الإدارة الجديدة للتلفزيون تسلّطه على الأشخاص الذين ''أكلوا'' في زمن إبراهيم•• وعذرا مسبقا على هذا الوصف؟ أنا لم أكن أراهن على أشخاص في تجربتي الإعلامية في المؤسسة، بقدر مراهنتي على المؤسسة ذاتها، حتى أن خروجي عن مجال تغطية كواليس التلفزيون، هو الذي أوجدني اليوم خارج نطاق المؤسسة كلّها• يرى كثيرون أن الإنتاج الثقافي التلفزيوني ازدهر في زمن إبراهيم صديقي، وأن الخبر الثقافي لم يعد من أولويات مبنى شارع الشهداء، بمجرد إقالة إبراهيم، ما هو تعليقك؟ الجرعة الثقافية الكبيرة التي تمتع بها التلفزيون مؤخرا، ليست بسبب أشخاص وإنما بسبب حدث الجزائر عاصمة للثقافة العربية ,2007 وبسبب الرهان السياسي الكبير الذي عاشته الجزائر في الآونة الأخيرة، وبمجرد انسحاب فعاليات الجزائر عاصمة للثقافة العربية، بدأ الاهتمام بالفعل الثقافي يقلّ في المؤسسات الإعلامية ككل وليس في التلفزيون وحده• بوكبة الإعلامي، نتيجة مرحلة أم نتيجة صداقات؟ أنا نتيجة طموح قبل كل شيء•• طموح شخصي في إثبات الذات والمساهمة في مواكبة رهان ثقافي إعلامي وطني وهذا الطموح هو الذي ساعدني للوصول لما وصلت إليه•• طبعا، بمساهمة عوامل كثيرة من بينها الأصدقاء•• ما كنت لأصل لو بقيت في قريتي ولم أفضّ بكارة طريق العاصمة•• دخلت الجزائر العاصمة قبل عاصمة الثقافة في ,2002 وكان المشهد الثقافي حينها يعاني فقر الدم وكنت من المساهمين في بعث النفس الثقافي في جزائر ما بعد الأزمة• اعذرني على فظاظة الأسئلة؛ لكن الموغلون في المشهد الأدبي والإعلامي في الجزائر، يعرفون أن الرهان على الأصدقاء صار رأس مال الكثيرين، حتى أن ''زميلك السابق'' الشاعر جيلالي نجاري، كتب في إحدى العناوين الصحفية يتهم الوزير/الشاعر عز الدين ميهوبي، بتنكّره لأصدقائه، وقدّم نجاري اسمك واسم جيلالي، نموذجا لهذا ''التنكّر''؟ من حق أي أحد أن يكتب ما شاء، لست من هواة محاكمة الناس على نواياهم، لكن السؤال الذي أطرحه هنا، لماذا يتم الكتابة عن الأمر في هذا الظرف بالذات، رغم أن القضية مرّ عليها عام ونصف تقريبا؟ أنا التحقت بالإذاعة الوطنية منذ 2003 وأنتجت 4 حصص إذاعية، تشترك مع ما قدمته للتلفزيون في المساهمة في إضاءة المشهد الثقافي الوطني وتمّ الاستغناء عن خدماتي بالطريقة ذاتها التي حصلت في التلفزيون، ومن طبيعتي الانسحاب دون الإيغال في معرفة الأسباب، والبحث عن الخلفيات•• أنا أتصرف في مثل هذه الحالات كما يتصرف اللاعب الذي إن شاء أدخله المدرب في معمعة البساط الأخضر وإن شاء أقعده دكّة البدلاء•• لطالما تحفّظت على تبرير ما حدث لي للإعلام، احتراما لنفسي قبل كل شيء واحتراما للكاتب الذي تحول إلى إعلامي وليس العكس•• جوهري هو الإبداع الذي لا يخضع لسلطة أيّ كان واستمراري ككاتب هو عزائي لما وقع لي - تعسفا - كإعلامي•• أريد توضيحا مباشرا، خاليا من كولسترول اللغة المنمّقة، هل وقف ميهوبي المسؤول، وراء ما حدث لبوكبّة الإعلامي ؟ وجّه له السؤال• ومن التعسف أن أطلق أحكاما على تصرفات الآخرين•• ما أملك قوله هو إن الكدمات في وجه بوكبة الإعلامي، كانت في مرحلة ميهوبي، الذي كان قادرا على الحؤول دون ما حدث•• ''الحاصول''، هو رجل دولة وليس مجبرا على توضيح قراراته•• بوكبّة اليوم، رجل مسرح، وأعني برجل مسرح هنا، الكاتب و''العامل'' في سياق منظومة مسرحيّة مقرّها مبنى محي الدين بشطرزي، كيف أنت هناك؟ ذهبت إلى المسرح من منطلق رغبتي الشخصية في الذهاب إلى فضاء آخر؛ ليس بديلا للفضاء الأدبي ولكن فضاء قد يساعدني على اكتساب خبرات أكبر، ثم أحسست برغبتي الملحة في التحول إلى الرواية ولا يخفى عليك أن المسرح رافد مهم لتغذية تجربة الكتابة، وهذا الذي حصل بالفعل من خلال خروج روايتي الأخيرة ''جلدة الظل''، وما وراء ذلك جاء عفويا•• ورغم هذا كله؛ لا أستطيع أن أقول إنني أصبحت مسرحيا• خروجك من ''شبكة عنكبوت'' اتحاد الكتاب، تزامن مع خروج الرئيس السابق للاتحاد عبد العزيز غرمول، وخروجك من مبنى التلفزيون تزامن مع خروج مدير الأخبار السابق إبراهيم صديقي، فهل سنخاف على بقاء بوكبّة في مسرح يخلو من أقدام الفنان امحمد بن فطّاف؟ لا أستطيع أن أجيب على خبث هذا السؤال، لكني أقول إنني انسحبت من اتحاد الكتّاب قبل خروج غرمول بشهور كثيرة، وأعود لأذكرك بأن خروجي من التلفزيون ليس مرتبطا بالضرورة، بخروج إبراهيم صديقي، ثم إن كون بقائي في المسرح مرتبط ببقاء بن فطاف فهذا سؤال لا أستطيع الإجابة عليه، كلّ ما أجزم به هو أنني عملت في هذه التجارب بصدق واستفدت كثيرا وأفدت كثيرا وهذا الذي لا يزول بزوال هذا أو ذاك•• خلّينا من الأسئلة الثقيلة على القلب واللسان وقل لي الآن، ماذا يعني لك اختيارك لتمثيل الجزائر في قائمة 93 مبدعا عربيا في مسابقة بيروت 93، وكيف تحسّ بظهرك اليوم وهو يرتدي درع الريادة العربي؟ لست أدري لماذا لست من الذين يقتفون أثر الجوائز، وإحساسي بالسعادة وأنا أحظى بهذين التتويجين نابع من كوني لم أسع لهما، فمسابقة بيروت ,39 كانت تتويجا لتجربتي الأدبية ودرع الريادة في عمّان، نوع من التتويج عن تجربتي التلفزيونية•• أستعين بهامش الصداقة بيننا، لأكون فظّا مرّة أخرى•• عبد الرزّاق، ما نصيب محسوبية التزكية في حصولك على التكريمين؟ إن كانت هناك تزكية فأعلمك أنني لم أسع من أجل أن تكون وأظنها تزكية ذات مصداقية بالنظر إلى عفويتها ••أنا لا تربطني أية علاقة مع لجنتي التحكيم سواء في بيروت أو في عمان، علما أني لم أغادر الجزائر إلا هذه المرة •• وأودّ أن أعلمك بأن الأسماء الجزائرية المكرّمة في بيروت، هي الأسماء العربية الوحيدة التي أصر ''الآخر'' على تكريمها في الوقت الذي يزكي فيه المصريون المصريين ويزكي التونسيون التونسيين•• لو عايشت أجواء الاحتفاء الذي غمرنا به العرب في عمّان لعرفت قدر أن يكرّمك الجار ويتجاهلك أهل الدار• درع الريادة، كان بمثابة ''إنصاف قدر'' إذن؟ الأمر يبقى غائما وعائما في أكثر من احتمال، كل ما أستطيع قوله هو أنني أنجزت شيئا استحسنه الآخرون•• أنا لا أفكر بالتكريم الذي حظيت به بقدر ما أفكر بالمسؤولية التي صارت على عاتقي، كوني كاتبا جزائريا مطالبا بتقديم مشاريع أدبية وإعلامية أخرى تحيلني إلى منابر أخرى أساهم من خلالها في تكريس العودة الجزائرية إلى الواجهة العربية على الأقل• ما علي فعلته •• ويجب على الإعلام الوطني أن ينظر إلى المسألة كونها تعني الجزائر ولا تعني أشخاص• وأستغل هذه الفرصة لأقول إنه آن الأوان لكي يتعامل الصحفيون بنزاهة وباحترافية وبروح مسؤولية تجاه المجموعة الوطنية ككل، وأن يرفع قدر أبناء الجزائر الذين عادوا بتكريم من طرف الآخر، عوض أن يفتّش في حقائبهم عن أدّلة إدانة• انتقال قلمك من الكتابة شعرا إلى الكتابة المسرحيّة ثم الروائية وإصرارك على التجريب، ألا ترى أنه يمنعك من الاستقرار على أرضية أدبية واضحة؟ الشكل في النهاية هو معطى مؤقت تفرضه علينا اللحظة، انسجامنا مع اللحظة يجعلنا أحرارا في الكتابة عما يعبر عن ذواتنا•• أنت تعلم أنني بدأت شاعرا ثم قاصا ثم روائيا ليس من منطلق البحث عن الذات وإنما هو الانسجام مع اللحظة باعتبار أني أعيش يوما جزائريا غير مستقر•• يوما ثريا بالتجار والوجوه وهذا ينعكس على نصوصي•• لا أدّعي أنني كنت عميقا ورائعا في كل تجاربي، ولكنني لن أنفي صدقي في هذه التجارب كلها• على ذكر العمق والصدق، ''بلوتوث لفراشة إفريقية'' كانت تجربة منسجمة مع لحظة ''ريع إفريقي'' أم منسجمة مع لحظة شعريّة؟ تقصد التركيب الشعري الذي كتبته وأنتج في المسرح الوطني في إطار المهرجان الإفريقي•• كان أمرا طبيعيا جدا في تجربتي بالنظر إلى رصيدي في المسرح الوطني وكان إفرازا طبيعيا لرغبتي في المشاركة في هذا الرهان الثقافي الكبير وبالتالي فقد كتبت النص بشروط الكتابة الشعرية وبعد الانتهاء من الكتابة تم تسويق النص مسرحيا وهذا لا يخل بعفويتي ولا بصدقيّتي•• وماذا عن ''جلدة الظل''، الباكورة الروائيّة لعبد الرزاق بوكبّة، والتي خرجتُ بعد قراءتها - وهذا رأي شخصي - بفكرة نمطية، تلعب على ثنائية الخير والشر وموروث السيرة الهلاليّة، ورمزيّة الصراع العربي الإسرائيلي، بغضّ النظر طبعا، عن جماليّة اللغة التي أبدعت فيها•• ألم يجد بوكبّة منفذا آخر للتجريب؟ ربما أكون قد اشتغلت على فكرة نمطية، كما تقول، لكن التجديد الذي قدّمته في ''جلدة الظل''، يكمن في طريق الكتابة الجديدة الذي سلكته، حاولت في ''جلدة الظل'' أن أقدم الفكرة بطريقة استفادت من تقنيات السينما والمسرح من خلال تقنيات المحكية الشعبية، هناك أكثر من رافد استفدت منه في كتابة هذه التجربة الروائية، وسؤال هل نجحت أم لا، إجابته متروكة لزمن يتعلق بالمتلقي البسيط والمتلقّي الناقد •• ربما كتبت عن فكرة نمطيّة، كلنا نأكل البرتقال، لكننا لا نأكله بنفس الكيفية ولا الكميّة ولا بنفس الاشتهاء•• ألم تجد في جزيرة الفاكهة الأدبية، غير البرتقال لتقطفه؟ * قطفته، لأنني لم أكن أعرف البرتقال من قبل (•••) ما دمنا نتحدّث التجريب، هل توافقني القول بأن الخارطة البشرية الأدبية في الجزائر، قد تغيّرت في السنوات الأخيرة؟ هذا التشكل بدأ منذ سنوات، وتحديدا منذ مطلع الألفية الثالثة؛ بحيث أصبح المشهد الأدبي الجزائري يتوفر على تجارب جيدة وجادة وما ينقصها هو الرفد الإعلامي الذي يضعها في الواجهة كي تأخذ حقها من التلميع وتكتسب القدرة على تمثيل الإبداع الجزائري•• إننا في جزائر اليوم، نملك فرصة كبيرة للعودة، أولا، إلى الذات بعد الصدمة الحضارية التي جاءتنا من مصر، وأنت تعرف ما أقصده•• على الفاعلين في شتى محالات التنمية في البلد الانتقال من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الفعل، عليهم استثمار هذه الثروة الإبداعية المتفجرة•• ما حدث مؤخرا من تداعيات مباراة في كرة القدم بين المنتخبين الجزائري والمصري، أعداد مثلا، تشكيل النظرة القيميّة التي تحكم من خلالها النخبة على شاب حمل الراية الوطنية إلى الخرطوم دون أن يطرح سؤال الجغرافيا الجهوية، فشكرا لمصر التي حرّرت ذواتنا من ذواتنا• في النهاية عبد الرزاق، أخبرنا عن الموقف الذي حدث لك مع الفنان المصري المدعو محمد صبحي، أثناء افتتاح مهرجان عمّان الأخير؟ كنت ممثل الوفد الجزائري في إلقاء كلمة الافتتاح وقد أكدت أن هناك عودة ثقافية جزائرية على الأشقاء العرب أن يلتفتوا إليها ويثمّنوها، لأنها تصبّ في ما يمكن أن نسميه وحدة الأمة العربية، وقد كانت كلمتي بلغة عربية سليمة وأنيقة، لكن محمد صبحي الذي صعد إلى المنصة بعدي مباشرة، بدأ كلمته بقوله إنه يتقن اللغة العربية؛ لكنه لن يتحدّث بغير اللهجة المصرية لأنها في نظره أكثر تعبيرا عن القومية العربية! وحتى لا يبدو متقعّرا مثل بعض الأشقاء بين قوسين وهو يشير إليّ كأنه أراد أن يقول بأن الجزائري حتى وإن تحدث بلغة عربية سليمة فإن الأمر غير طبيعي لكونه ليس عربيا !! والجميل أن الاحتجاج على ما قاله صبحي، كان من طرف الوفود العربية التي عاتبته بشدة خاصة الوفد السوداني، الذي أغنونا عن الردّ•