شهد التاريخ البشري قصص نجاحات تلهم كثيرين، ولعل أكثر هذه القصص تأثيرا تلك التي تتعلق بأشخاص عانوا من صعوبات لكنهم تحدوها ووقفوا أمام كل المعوقات التي واجهوها، لأنهم يؤمنون بأنهم يستطيعون تحقيق أفضل الإنجازات، وهذا ما أثبتته قصص لبعض هؤلاء الأشخاص الذين تركوا أثرا كبيرا على الحياة رغم إعاقاتهم المختلفة. لم يعد الأشخاص المصابون بمتلازمة داون محبوسون في بيوتهم أو داخل مراكز محددة يقضون فيها أوقاتهم، ويظهرون فيها بعض مواهبهم في مجالات الرسم أو الموسيقى، وإنما تعدت موهبتهم شاشات التلفزيون، فخرج علينا نجوم كثيرون مصابون بمتلازمة داون، وأصبحنا نندمج مع ما يقدمونه على الشاشة ونتفاعل معهم . ولم يعد يقتصر وجودهم أيضاً على الظهور في مشهد أو مشهدين أو في دور ثانوي. حيث قدمت الممثلة الأمريكية لورين بوتر مسلسل "غلي" وباتت من أهم الوجوه التي ألفها المشاهد الأمريكي في عدد من المسلسلات التي تعرض على عدد من القنوات ذات الجماهير الواسعة، وأصبحت نجمة عبر ابتسامتها البريئة، وطلتها الطفولية التي تظهر بها كما هي بشخصيتها، وتعتبر هذه الخطوة هي بداية جيدة لدخول مصابي متلازمة داون عالم الفن. الممثلة الأمريكية لورين بوتر أشهر فتاة صغيرة ظهرت على الشاشات الأمريكية مصابة بمتلازمة داون، ولدت في ماي، 1990 واشتهرت بأدائها البارع في دور"بيكي" في المسلسل التلفزيوني الشهير "غلي" من إنتاج شركة فوكس، وفي عام 2011 قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتعيينها في اللجنة المعنية بقضايا وهموم الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية، بهدف تقديم نصائحها مباشرة للبيت الأبيض في ما يتعلق بأفضل سبل استيعابهم بالمدارس ومنحهم وظائف مناسبة. وتتفرغ للعمل في هذه اللجنة حال لم يكن لديها ارتباط بتصوير عمل تلفزيوني. ظهرت لورين خلال حفل توزيع جوائز نقابة ممثلي الشاشة في مدينة لوس أنجلس، وكانت ابتسامتها الجذابة تعلو وجهها على الرغم من حرارة الجو والذي حول وجهها من اللون الأبيض إلى الوردي، والتف حولها المصورون لالتقاط الصور كأي نجمة معروفة. تقول والدتها روبين، التي كانت تعمل ممرضة وأصبحت حالياً مديرة أعمالها: "أعيش حالياً من خلال ابنتي، وعندما أعود بذاكرتي إلى الماضي قبل 23 عاماً عندما أخبرني الأطباء بإصابتها بمتلازمة داون، أتذكر اللحظات الحزينة التي صاحبتني وعايشتها لفترة من الزمن، وكنت وقتها أعتقد أنه بسبب مرضها لن أتمكن من اصطحابها لتعلم فن البالي أو حضور الحفلات الموسيقية أو حفلات الزفاف، لكن كل ذلك تغير الآن فهي تذهب لحضور الحفلات الموسيقية، وشاركت في الرقص منذ كانت في الثالثة من عمرها، وتتحدث أمام كل الأشخاص في كل مكان في البلد، لقد تخطت كل الأحلام، وعلى الرغم من أن أحلامها كانت مختلفة إلا أنها مذهلة". عند اختيار الممثلين المناسبين للعمل ضمن فريق مسلسل "غلي"، تم ترشيح عدد من الممثلين قبل وقوع الاختيار على بوتر، ويرجع الفضل في ذلك لجمعية متلازمة داون للفنون والإعلام غير الربحية الموجودة في لوس أنجلس والتي تساعد عن طريق بعض الوكلاء على ترشيح من تراه مناسباً منهم، وكانت لورين بوتر وقتها في الثامنة عشر من عمرها، تحب شخصية أميرة ديزني وكانت تجيد تمثيلها أمام أسرتها، وقتها رأى مخرج العمل أنها "ماهرة"، وقال ريان مورفي المنتج إنها "ممثلة تملك موهبة كبيرة، ولديها فكرة عن دورها في المسلسل". ومع ذلك فبوتر ترى في دورها في المسلسل أنه يشبه دورها الحقيقي في الحياة عندما كانت طالبة في المدرسة ومصابة بمتلازمة داون، وتتذكر عندما كان الأطفال في المدرسة يقعون فوقها ويطرحونها أرضاً، وتقول في "مدرستي القديمة كان أصحابي يدفعونني ويجعلون الرمال تدخل في فمي، وكنت وقتها مهزومة وضعيفة".