وجه الصحراء شاحب في مدونة متن الرواية الجزائرية النخب المبدعة في الصحراء مطالبة بالكتابة عن فضائها" "مملكة الزيوان" هي أول عمل روائي لك، فيها من رمال الصحراء وحكمة رجالها ما يكفي لرسم مشهد بانورامي على منطقة توات. تقول في متن نصك إن ما آل إليه القصر من تغيير دفعك إلى استرجاع ماضيه العتيق في كتاب، هل هو السبب الوحيد المحرض لهذا الفعل الإبداعي؟ لا أخفيكِ سرا، أني مذ كنت طالبا في الجامعة، خلال منتصف الثمنينيات، كانت لي أمنية قديمة، وهو أن أهبَ حبي لتوت، عبر نص أدبي، يصورها بحمولة تراثية وتاريخية للأجيال الحالية، بشخوص متخيلة، وأمكنة لها دلالاتها الرمزية، بعدما انطمست فيهم ملامح توت قبل أن تغتسل من طينها، أجد مسوّغا قويا لكتابة هذا النص الأول، وهو حبي ووفائي لتوات، ضف إلى ذلك الوجه الشاحب لفضاء الصحراء، في مدونة متن الرواية الجزائرية... منطلقات أي كاتب تكون عادة واقعية، لينقلها بحسه الفني إلى عالم متخيل، ينصهر فيه الحقيقي بالوهم، بين أسطر روايتك يتوه القارئ بين حقيقة ما ترويه كشاهد عيان وبين لسان راوي ينقل أحداث قصة خيالية؟ مازج النص بين الواقعي والمتخيل، وقد وظفتُ كل تابل وبهرة منهما بقدر ما يؤثث فضاء النص حسب موضعه، وحسبما سُطّر له من هدفه، ولذلك فإن الهدف الرئيس للنص، والأهداف الفرعية الخادمة له، هو من يتحكم في واقعية الأحدث وتخيلها، فالسحر والشعوذة موجودة، وعلم الجان كائن، حتى وإن كان خفي، غير أن التيمات، تبقى هي البوصلة المتحكمة، في تخيل الشخوص، وتحريكهم في فضاء النص... أين تبدأ السيرة الذاتية في روايتك هذه وما هي حدودها؟ من الطبيعي، أن أي كاتب في تجربته الأولى، يجنح قليلا، للاغتراف من السيرة الذاتية، بيد أنه حتى الذين خبّروا السرد بتراكم كتابي كبير، فإن ادّعوا بأن أعمالهم هي متخيلة خالصة فقد نصدقهم في الوعي، بينما لا نصدقهم في اللاّوعي، لأن الكاتب يكتب ذاته وبالتالي لا محيص عن الذات، لكن بنسب متفاوتة، وبالتالي فمن المنطقي ألا ننتظر من جنين يخرج للتو من بطن أمه، أو هو يرضع، أو يحبو، أو في فطامه، أن يكون صانعا للأحداث، بل أحداثه يصنعونها أولئك الذين يحيطون حوله، فيهيؤن له الأحداث، حتى يصل مبلغ المشاركة في الأحداث، ليتقمص البطل صناعة الأحداث في النص، وهذا ما وقع في النص تماما، لذلك فإني خلال هذه الفترة من حية البطل الصبي، استلهمت من السيرة لذتية، لتنطفئ جذوتها بعدما يصل البطل فترة المشاركة في الأحداث، ويكون هو الموّجه لها... المسافة الفاصلة بينك الصديق حاج أحمد وبين الشخصية الرئيسية "الزيواني" تكاد تكون معدومة، أو لا نراه بوضوح، في النهاية أنتما شخص واحد؟ اسمي الشخصي وما يجره خلفه من لقب، هو ملكي وذاتي الحقيقية، أما شخصية الزيواني في النص، فهي تنطبق على شخص تواتي، عاش بتوات خلال ثلاثين سنة، وهي زمن النص... كونك كاتب من الجنوب، هل يشعرك بلازمة تناول موضوع الصحراء والكتابة عنها وإليها؟ قلت في تصريحات وحورات سابقة، أن فضاء الصحراء، فضاء واسع ومعقد، لا يمكن للعابر والزائر، أن يحلب أشطره، ويبلغ فيه من البئر قاعه، ما لم يكن قد ولد ونشأ بالمكان، لأنه منطقيا أقدر على النظر لهذا الفضاء من الداخل، وبالتالي فإن نظرة الغريب الزائر مهمة هي الأخرى، لكونها ترصد أشياء يراها الساكن الأصلي شبه عادية؛ لكن في كل الأحول تبقى كتابة ابن المنطقة عن فضاء الصحراء، لها نكهتها الخاصة، وطعمها المتفرد، ومن هذا المنطلق، فإن النخب التي لها حاسة الإبداع، مطالبة بالكتابة عن فضائها... بصيغة أخرى وأنت تكتب هل تستعد ذهنيا لمسألة ما يعرف بأدب الصحراء؟ الآن ومع صدور أربعة أعمال سردية، "تلك المحبة" للحبيب السائح، و«مملكة الزيوان" للزيواني، و«حائط رحمونة" لعبد لله كروم، و«تنزروفت" لعبد القادر ضيف الله، نستطيع القول، إننا بدأنا نلتفت لفضاء الصحراء وتيماته، بعدما كان متن الرواية الجزائرية، يخلو منه ولمدة قريبة... مساعي واعدة تحاول إخراج ابداعات الجنوب إلى الضوء، وضعها في الواجهة، وهي التي قهرها البعد عن الشمال ورفاهيته، إلى ما يحتاج الكاتب الصحراوي بأدرار أو غيرها، ما هي تطلعاته، مؤهلاته، كيف يستطيع أن يعرف جدوى قلمه من عدمه في هذه الحالة؟ فعلا الجنوب، ليس رياح ورمال وحر، كما ينظر بعض السذج، إنما هو حياة عبقرية إنسان، اخترع نظام الفڤارة، وحصّن نفسه بالقصبات، وهيأ الأرض والنخلة ليتحدى الصعاب ويصنع الحياة وتستمر، أعتقد أن بجنوبنا عديد الأقلام الإبدعية التي يمكن المراهنة عليها، في الكتابة عن هذا الفضاء السحري المغفل، حتى من أبنائه، وأن توات، كما غيرها من المناطق الجنوبية، حبلى بالموروث الشعبي، وبها منجم لا ينضب، من الأساطير والمعتقدات الشعبية، ما يسعه جنس الرواية الرحب... انتقدت توزيع الأراضي على الخماسين من أمثال "امبارك ولد بوجمعة" خماس "العم حمو"، هل هذا موقفك؟ ربما فترة التوتر في النص تفرض علي خلق توترات عنيفة، وقد تزامن مع فترة الثورة الزراعية في النص، مما جعل البطل يرفض توزيع سباخهم لأنها تركة مقدسة، وهو الأمر الذي حدا بعمته إلى الجنون، لكننا نجد البطل يقتنع بذلك بعدما يتشبع بالأفكار الاشتراكية في الجامعة، ليقع الالتقاء أخيرا بينه وبين الشخصية المرافقة له، المسماة في النص بالداعلي... تثير في عملك ظاهرة عدم توريث البنات، تماما مثل "مريمو" التي أهملها محيطها لأنها "طوبة" حتى أنها عنست، كثيرات يعانين اليوم من نفس المعتقد صحيح؟ فعلا النص، يحاول أن يخلخل هذا المكوّن في النسق الاجتماعي لتوات، بظلم الأنثى، وحرمانها من الميراث، بدعوى تحبيس التركة على الذكور دون الإناث، مما يتنافى مع ما ورد في القرآن الكريم، وبالتالي فالنص، حول الانتصار للأنثى المقهورة والمظلومة... وصدمة فقدان السبخة الكبيرة، دفع بالعمة "نفوسة" إلى الجنون، ومقت كل من كان لونه كلون أمبارك. العنصرية طاغية في المجتمع التواتي الذي ترويه وإلى اليوم؟ هي مرحلة تأزم النص، وبالتالي فإن الثورة الزراعية أحدثت زلزالا عميقا داخل المجتمع التواتي، فالذهنية التواتية خلال تلك الفترة شديدة التمسك بالسباخ والبساتين، وهو الأمر الذي دعاها، وبمرجعية فقهية تخريجية، حُبّست الأملاك على الذكور دون الإناث، هذا كان معتقدا لبنت من صلب العائلة، فكيف يكون الأمر مع شخص خارج العائلة، بطبيعة الحال، الأمر حسب تلك الذهنية يدعو إلى الجنون. أما بخصوص النشاز الحاصل من البطل وأسرته اتجاه الداعلي ووالده بوجمعة، الذي أخذ السبخة عنوة، بفعل تطبيق قانون الثورة الزراعية، فقد كان ذلك موجودا في الذهنية التواتية خلال تلك الفترة، وقد وفت ذلك بتقنية مدروسة، إبان الأزمة في النص، أما الآن فالمجتمع التواتي بحكم انفتاحه، وكذا التغيرات العميقة التي وقعت في بنيته الاقتصادية والثقافية أصبح أكثر تعايشا واقتناعا ببعضه البعض، كما أن فكرة الإقصاء للأقليات والاثنيات لم يعد قائما بفعل تغير نسقه الاجتماعي...